el bassaire

vendredi 18 novembre 2016

تعريف الحديث العزيز - المشهور_ و المسلسل و المبهم

تعريف الحديث  العزيز - المشهور_ و المسلسل و المبهم
شرح متن البيقونية
لفضيلة الشيخ/ طارق عوض الله

https://www.facebook.com/%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-339770209494505
https://al-bassair.blogspot.com

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
ما زلنا نتناول سويًا المنظومة البيقونية في علم مصطلح الحديث.
واليوم بإذن الله تعالى سنأتي على بعض الأنواع التي نظمها المؤلف في هذه المنظومة المباركة.
من أول هذه الأنواع: ما يسمى عند علماء الحديث بالحديث المسلسل،
الحديث المسلسل: هو حديث من الأحاديث، يشترك مع سائر الأحاديث في كونه مرويًا بإسناد وأنه يتضمن متنًا من قولٍ أوفعل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ونحن قلنا سابقًا: إن جميع الأحاديث إنما تشتمل على جزئين رئيسيين: الإسناد والمتن.
لكن هناك بعض الأحاديث التي تنضمُّ إليها أوصاف أخرى غير كونها عبارة عن إسناد ومتن، وهذه الأوصاف هي إضافة إلى الإسناد أو إضافة إلى المتن.
يعني ذكرنا في اللقاء الماضي المرفوع، الحديث المرفوع، والحديث الموقوف، والحديث المقطوع.
وذكرنا أن المرفوع: هو المتن المضاف إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
والموقوف: هو المتن المضاف إلى بعض الصحابة الكرام.
والمقطوع: هو المتن المضاف إلى أحد التابعين.
إذن: هذا متن وهذا متن وهذا متن؛ لكن هذا اتَّصف بكونه مرفوعًا، وهذا اتَّصف بكونه موقوفًا، وهذا اتَّصف بكونه مقطوعًا، فهذه الأوصاف هي أوصاف تضاف إلى المتن.
كذلك أيضًا: هناك أوصاف أخرى تضاف إلى السند، أي يوصف بها الإسناد، منها: التسلسل.
إذن نحن عندما نتكلم عن التسلسل؛ نحن نتكلم عن بحث متعلق بالإسناد أم متعلق بالمتن؟ بالإسناد، نحن نتكلم الآن عن قضايا إسنادية بحتة، لا تعلق لها بالمتن من قريب أو بعيد، هذه الأوصاف التي يوصف بها الإسناد -وهي كثيرة- منها: التسلسل -الذي نحن بصدده الآن-
ما هو التسلسل؟
التسلسل: هو التتابع. نحن نعلم أن الإسناد عبارة أن مراحل، عبارة عن طبقات، كل راوٍ من رواة الإسناد يُمثِّل طبقة ومرحلة من مراحله، فلو جئنا مثلًا إلى حديث يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك بن أنس عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، كل راوٍ من هؤلاء الرواة يُمثِّل مرحلة من مراحل نقل الإسناد حتى وصل إلينا، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكلم بالحديث فأخذه عنه الصحابة، ثم أخذه عن الصحابي التابعيُّ، ثم أخذه عن التابعيِّ تابع التابعي، وهكذا إلى أن وصل إلى الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى-
فكل راوٍ من رواة الإسناد يمثِّل مرحلة من مراحل رواية هذا الحديث، يُمثِّل طبقة من طبقات الرواة، فالصحابة طبقة، والتابعون طبقة، وتابع التابعين طبقة، وهكذا..
فإذن: هذه الطبقات المشتركة في كون كل طبقة منها يمثلها راوٍ من رواة هذا الحديث، هؤلاء الرواة قد يشتركون في أوصاف أخرى، نعم كل راوٍ من هؤلاء الرواة قد يكون متصفًا ببعض الأوصاف، هذا فقيه، هذا حافظ، هذا لغوي، واضح هذا الكلام؟ هذا من أهل مصر، هذا من أهل الشام، هذا من أهل الحجاز، فكل راوٍ مع كونه أحد رواة هذا الحديث قد يكون له أوصاف أخرى يختص هو بها.
لكن أن يوجد وصف ما يشترك فيه جميع رواة هذا الحديث من أوله إلى آخره، إذا تحقق هذا؛ بمعنى أن كل رواة الحديث قد تحقق فيهم هذا الوصف واشتركوا فيه واحدًا بعد واحد، نقول هنا: هذا الحديث مسلسل، أي مسلسل بهذا الوصف الذي اتصف به هؤلاء الرواة واشتركوا فيه جميعهم.
فلو أن الإسناد مثلًا يرويه فقيه حافظ عن فقيه حافظ عن حافظ، قد يكون الرجل فقيهًا وليس موصوفًا بالحفظ، وقد يكون حافظًا وليس موصوفًا بالفقه، واضح هذا الكلام؟ أعني الإمام في الفقه، لكن أن يوجد الراوي الذي جمع بين الفقه والحديث، بين الفقه وحفظ الحديث، لأنه قد يكون عنده حديث، علم بالحديث، لكن ليس من المبرزين في علم الحديث، ليس من الحفاظ الكبار الذين عنوا بالحديث عناية فائقة، أن يجمع الرواي بين هذه الوصفين فهذا طراز نادر، أن يوجد الإسناد كله..، كل راوٍ من هؤلاء الرواة الذين رووا هذا الحديث بعينه قد اتصف كل واحد منه بهذا الوصف أو بهذين الوصفين -كونه حافظًا فقيهًا- فهذا وصف عظيم يجعل لهذا الإسناد مزيَّة على غيره من الأسنايد.
فلأجل هذا نقول: أن هذا الإسناد مسلسل بالفقهاء الحفاظ، فكل واحد من رواة الإسناد موصوف بهذين الوصفين -كما في المثال الذي ذكرناه- فالإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى- فقيه حافظ، كذلك الإمام الشافعي، كذلك الإمام مالك، كذلك نافع مولى عبد الله بن عمر، كذلك ابن عمر -رضي الله عنهما-
إذن: الإسناد، كل راوٍ من رواة هذا الإسناد قد اتَّصف بهذين الوصفين، فمن أجل هذا نقول: هذا الإسناد مسلسل بالأئمة الحفاظ، واضح هذا الكلام؟
أن يكون الإسناد كله -أعني أن كل رواته- من أهل بلد واحدة، قد يكون الإسناد يرويه مصري عن حجازيٍّ عن عراقيٍّ عن شاميٍّ، وهذا وارد، موجود في كثير من الأحاديث مثل هذا النوع، لكن أن يكون الإسناد من أوله إلى آخره رواته من أهل بلد واحدة؛ فهذا شيء يتميَّز به بعض الأسانيد عن بعض، فالإسناد من أوله إلى آخره من أهل مصر، من أوله إلى آخره من أهل الشام، من أوله إلى آخره من أهل العراق، من أوله إلى آخره من أهل الحجاز، وهكذا..
فنقول: هذا إسناد مسلسل بالحجازيين، مسلسل بالمصريين، مسلسل بالعراقيين، مسلسل بالشاميين، وهكذا..
طبعًا لأن كون الإسناد بهذه الصفة يجعل له مزية من حيث أن طبيعة الراوي يكون أعلم بحديث أهل بلده من غير أهل بلده، فأن يكون كل الرواة من أهل بلد واحدة، فهذا يجعلنا نطمئن إلى كون الحديث محفوظًا، أو يغلب ذلك على ظننا، أو يكون ذلك من دواعي الحكم على الحديث بكون محفوظًا ثابتًا، وإن كان لا بد أن تتحقق في كل الرواة بقية الشرط الأخرى التي يجب أن تتوفر في الحديث الصحيح، وهي الشرائط الخمسة التي انتهينا منها عندما تكلمنا عن الحديث الصحيح. فهذا نسميه حديث ماذا؟ مسلسل.
بعض الرواة عندما يروي الحديث قد يستعمل عبارة وهي عبارة يؤدي الحديث، وهي التي نسميها بألفاظ الأداء.
فبعضهم يقول مثلًا: عن فلان.
وبعضهم يقول: حدَّثنا فلان.
وبعضهم يقول: أجاز لي فلان.
وبعضهم يقول: سمعتُ فلانًا.
وارد هذا في بعض الأحاديث، تجد كل راوٍ من رواة الإسناد يستعمل عبارة تختلف عن عبارة الراوي الآخر ممن فوقه أو ممن دونه، واضح؟
وهذه العبارات التي يستعملها علماء الحديث تختلف دلالات كل لفظة منها عند علماء الحديث، وبخاصة في حق بعض الرواة وهم الموصوفون بالتدليس، والتدليس سنتناوله -إن شاء الله تعالى- عندما يأتي في موضعه.
فلفظة "عن" ولفظة "قال -قال فلان كذا-" تختلف عن لفظة "سمعت" ولفظة "حدثنا" مثلًا، فلفظة "سمعت" و"حدثنا" صريحة في السماع، صريحة في الاتصال، أما لفظة "عن" و"قال" يستعملها بعض الرواة في السماع، والبعض الآخر يستعملها في غير السماع.
إذن: صارت تلك العبارات، أعني "عن" أو "قال"؛ ليست صريحة في السماع، وهنا تختلف قوة بعض الألفاظ عن الأخرى في الدلالة على كون الإسناد متصلًا، وأن كل راوٍ سمع الحديث ممن فوقه ويروي عنه.
فهذه الألفاظ -كما ترون- متفاوتة في الدلالة على ماذا؟ الاتصال، فعندما يأتي الإسناد؛ كل راوٍ من رواة الإسناد يستعمل لفظًا يدلُّ صراحة على أنه سمع الحديث من شيخه، فمثلًا كل الرواة يقولون "سمعت"، "سمعت فلانًا يقول"، أو "حدثنا"، أو "أخبرنا" أيضًا، فهذه الألفاظ صريحة في الاتصال والسماع، بخلاف ما إذا قال بعضهم "سمعت"، وبعضهم قال "عن"، وبعضهم قال "قال"، فهذا الإسناد لا يشترك الرواة فيه في الصيغ الصريحة في السماع.
أما إذا اشتركوا في تلك الصيغ الدالة صراحة على السماع؛ فنحن نقول ماذا؟ نقول: هذا الإسناد مسلسل بالتصريح بالسماع، يعني مثل هذه السند اتصاله لا غبار عليه، لا شك فيه، واضح؟
بخلاف ما إذا قال "عن" فقد نختلف؛ هل سمع أم لم يسمع، لأن هذه العبارة تستعمل تارة في السماع وتارة في غير السماع.
فهنا بين أيدينا إسناد ككل الأسانيد، لكنه اتَّصف بأوصاف معينة أفادت معاني معينة، وجميع رواة الإسناد اشتركوا في هذه الأوصاف، من أجل هذا قلنا: هذا النوع بماذا؟ بالمسلسل.
وهناك أيضًا من المسلسل: أن يشترك الرواة في بعض الأقوال، كأن يأتي مثلًا راوٍ يقول: دخلت على فلان في يوم العبد فحدَّثني بالحديث الفلاني. ويأتي الراوي عنه فيقول: دخلت على فلان في يوم العبد فحدَّثني بالحديث الفلاني. وهكذا، كل راوٍ من رواة الإسناد يستعمل هذه العبارة.
أو يقول بعضهم: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، ثم يقول الراوي عنه: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، ثم يقول الراوي عنه: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه. يشترك الرواة في هذا القول من أول الإسناد إلى آخره، فهذا أيضًا مسلسل، نوع من أنواع المسلسل، لكن ليس بالوصف، وإنما هو بماذا؟
يعني: يحلف على أن الشيخ حدَّثه، واضح؟ فكل راوٍ من رواة الإسناد
يعني: عندما حدَّثني بهذا الحديث كان قائمًا، وكل راوٍ عندما يروي الحديث عن شيخه يقول: حدثنيه قائمًا، حدثنيه قائمًا، حدثنيه قائمًا. يتسلسل الإسناد بهذا الأمر.
بعد أن حدَّثني بالحديث تبسم، فكل راوٍ يقول هذا القول، لأنه عندما سمع الحديث من شيخ؛ شيخه تبسم بعد أن انتهى من تحديثه إياه بالحديث، واضح.
طبعًا التسلسل بهذا المعنى مفيد جدًا، لماذا؟ نحن عرفنا أن التسلسل هو: هو التصريح بالسماع، وهذا -كما قلنا- فائدته واضحة، لماذا؟ لأنه فيه بيان واضح أن كل راوٍ سمع الحديث من شيخه من غير أن يكون هناك أدنى احتمال أن يكون لم يسمع الحديث من شيخه.
كذلك أيضًا عندما يأتي الروي فيُحدِّث بالحديث، ثم يذكر معه حكاية أو قصة، عادة: الراوي إذا أتقن حفظ الحديث فإن من دلائل إتقانه له أنه يكون متذكرًا لكل ما كان مصاحبًا للحديث عندما كان يسمعه من شيخه.
فيقول: حدثني فلان بالحديث الفلاني في اليوم الفلاني، أو: كان يتبسم -مثلًا- أو كان قائمًا عندما حدَّثني بهذا الحديث، أو كان في البلد الفلانية حدثني فلان بالحديث الفلاني في بغداد، بمكة، يتذكر هذا، وتذكره لهذه الأمور التي تصاحب الرواية دليل أنه ماذا؟ أتقن حفظ الرواية ذاتها، لأن اتقانه لما يكون ملتصقًا بالرواية وليس منها، فمن باب أولى أن يكون أتقن حفظ الرواية.
ولهذا يستدل العلماء بمثل هذه الأشياء على أن الراوي أتقن حفظ الحديث، لأنه لو لم يُتقن حفظ الحديث؛ لاكتفى بأن يذكر للفظ النبوي فقط، لكن أن يذكر الحديث، ويذكر ما دار حول الحديث من كلام الراوي للشيخ الذي روى الحديث، أو من أوصاف لهذا الشيخ، أو من حالة صاحبت روايته لهذا الحديث؛ فهذا يدل على أنه ماذا؟ كان متقنًا للحديث غاية الإتقان لدرجة أنه مدرك حتى وقت رواية الحديث ما الوقت الذي سمع الحديث فيه، والمناسبة التي صاحبت هذا الحديث عندما تحمله من شيخه، فهذا الذي نسمبه بماذا؟ بالحديث المسلسل.
يأتي نوع آخر بعد ذلك، يقول الناظم -رحمه الله:

هنا انتقل بنا الناظم -رحمه الله تعالى- إلى جانب آخر من جوانب علم الحديث، وهو يتعلق بالنظر إلى الحديث باعتبار كيفية وصوله إلينا.
العلماء يقولون: أن الأخبار -مثل الأخبار-سواء كانت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أو عن غيره:
- إما أن تأتينا عن طرق كثيرة جدًا يرويها رواة كثيرون جدًا لا حصر لهم.
- وإما أن يروي هذه الروايات عدد محصور بواحد أو باثنين أو بثلاثة أو أكثر.
فإذا كان الخبر الذي جاءنا مرويًا من قِبل رواة كثيرين لا حصر لهم، هذا نسميه بالحديث ماذا؟ المتواتر، وهذا لم يذكره الناظم، بالحديث المتواتر.
مثل القرآن، القرآن جاءنا عن طريق التواتر، لأن القرآن سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عدد كثير من صحابته الكرام -رضي الله عنهم جميعًا- ثم هؤلاء الصحابة نقلوه إلى من بعدهم، فحمل القرآن التابعين عن الصحابة عدد كثير وكثير، والتبعون نقلوه إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن وصل إلينا، أمة تروي عن أمة تروي عن أمة تروي عن أمة، وهذا ما يسمى عند العلماء بالتواتر.
ولهذا كان القرآن مقطوعًا بصحته، ليس هناك أدنى شك، لماذا؟ لأنه متواتر، والتواتر ماذا؟ هو أن يرويه أمة عن أمة، عدد كثير جدًا. الخطأ قد يقع من الواحد، قد يقع من الاثنين، لكن أن يقع الناس جميعًا في الخطأ هذا أمر مستحيل، ومستحيل أن يتفق الناس حميعًا على الخطأ.
فكون الناس جميعًا من الصحابة، ثم من التابعين، ثم من تابعي التابعين إلى يومنا هذا ينقلون القرآن بلفظ واحد وبآية واحدة من غير اختلاف بينهم يدل على ماذا؟ على أن هذا كلام الله -عز وجل- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الأحاديث نُقل بعضها على نحو ما نُقل القرآن، بمعنى أن هناك من الأحاديث ما هي متواترة، أو إن شئتَ قلتَ: هناك من الأحاديث ما تواتر من حيث المعنى، يعين المعنى الذي تضمنته واشتملت عليه، معنى نقله عدد كثير من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين.
يعني مثلًا: الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة، هل هو حديث أو حديثان أو ثلاثة؟ أم طائفة كثيرة جدًا من الأحاديث تناقلها الرواة الثقات من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا؟
فقضية وجوب الصلاة، وجوب الصيام، الحج، ونحو ذلك من شرائع الإسلام العظيمة هذه متواترة، ليس بالضرورة أن تتواتر عن طريق اللفظ، لكن المعنى متواتر، بمعن أن الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة، وعلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، وأن هذا أمر الله -عز وجل-، وأمر رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا كذلك والتابعين وهكذا، هذا أمر متواتر.
مثل: تحريم الخمر، تحريم الزنى، هذه الأمور التي لا خلاف فيها بين المسلمين جاءتنا عن طريق ماذا؟ التواتر.
لكن هناك طائفة أخرى من الأحاديث جاءتنا عن طريق الآحاد، ما هي أخبار الآحاد؟ واحد أول ما يسمع الآحاد يقول: خبر الآحاد هو الذي رواه رجل ماذا؟ واحد. لا، غلط.
الآحاد: ما ليس متواترًا، كل خبر لم يقع فيه التواتر، ولم يتحقق فيه شرائط التواتر، لأن التواتر له شرائط غير كثرة العدد؛ فهو خبر ليس متواترًا ويسمى خبر ماذا؟ آحاد، ويسمى خبر واحد.
إذن: لما تجد في كتب العلم بعض العلماء يقولون: هذا خبر واحد أو خبر آحاد، فلا تتصور أنه يقصد أنه لم يروه إلا رجل واحد، لا؛ وإنما يقصد أنه لم يروه عدد التواتر، لم يقع متواترًا، لم يتحقق فيه شرائط التواتر.
إذن: الآحاد: قد يرويه واحد، قد يرويه اثنان، قد يرويه ثلاثة، قد يرويه أكثر، لكنه أقل من المتواتر. واضح؟
وللأجل هذا؛ العلماء فرَّعوا وقسَّموا الآحاد إلى أقسام، ولماذا لم يقسموا المتواتر، لأن المتواتر كله يقيني مقطوع بصحته، ولذلك لا تجد علماء الحديث ينظرون في الأحاديث المتواترة، فُرِغَ منها، جاوزت القنطرة، هذه لا خلاف في صحتها، وإنما أخبار الآحاد منها الصحيح ومنها غير الصحيح.
الصحيح: ما تحقق فيه شرائط الصحة التي أشرنا إليها، أو شرائط الحسن التي أشرنا إليها سابقًا.
أما الضعيف: فهو الذي اختلَّ فيها شرائط الحديث الصحيح أم الحسن؟ الحسن، نحن قلنا هذا الكلام، لأنه إذا لم يتحقق فيها شرائط الحسن فبالضرورة لم يتحقق فيها شرائط ماذا؟ الصحة.
يأتي العلماء ويقسمون الآحاد بحسب عدد الرواة الذي رووا الخبر. فما رواه راوٍ واحد يختلف عن الذي رواه اثنان يختلف عن الذي رواه ثلاثة، وهكذا..
وجعلوا لكل نوع من هذه الأنواع اسمًا يختص به، لأن هذه الأحاديث عدد الرواة فيها يؤثر بطبيعة الحال، نحن قلنا: الخطأ قد يقع فيه الواحد، أما الاثنان يبعُد نسبيًا، ثلاثة يبعد أكثر، الأربعة، الخمسة، يبعد أكثر وأكثر، فلأجل هذا اهتم العلماء -عليهم رحمة الله تعالى- بمعرفة عدد من يروي الحديث، كل حديث من رواه من الرواة؟
فلان وفلان، يكون اثنان.
فلان فقط، تفرد به فلان فقط، يكون واحد.
رواه ثلاثة، فلان وفلان وفلان. فهذا كله يؤثر عند العلماء في حكمهم على الأحاديث، فالأحاديث التي رواها واحد تختلف عن التي رواها اثنان، تختلف عن التي رواها ثلاثة، وليس معنى ذلك أن الحديث الذي رواه واحد لا يكون مقبولًا، كيف وقد قلنا في الحديث الصحيح وكذلك الحديث الحسن: قد يكون الحديث صحيحًا وهو من رواية راوٍ ماذا؟ واحد، وقد يكون الحديث حسنًا وهو من رواية اروٍ واحد، والحسن والصحيح كلاهما من المقبول المحتجُّ به، لكن نحن نريد أن نعرف عدد رواة كل حديث، لأن معرفة هذه الأعداد نعرف من خلال ذلك تفاوت مراتب الأحاديث، بحيث إذا أردنا أن نرجح بين حديثين ظاهرهما تعارض، ولم نستطع بإعمال مناهج علماء الحديث وضوابط علماء الحديث أن نجمع بين الحديثين بوجه من أوجه الجمع المعتبرة فلجأنا إلى الترجيح، فنرجح ما رواه الاثنان على ما رواه الواحد، ما رواه الثلاثة على ما رواه الاثنان، وهكذا..
فهذه من إحدى طرق الترجيح عند علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-
الحديث الغريب سيأتي لاحقًا إن شاء الله في النظم، لكننا سنتناوله الان لأن له تعلق بهذين النوعين: العزيز والمشهور.
الحديث العزيز لما تسمع العلماء يقولوا: هذا حديث عزيز تفهم ما معناه، ما معناه؟ أن هذا الحديث رواه من الرواة رجلان أو ثلاثة، هذا رأي لعدد كبير من أهل العلم، مثل الإمام ابن منده، والإمام محمد بن طاهر المقدسي، والإمام ابن الصلاح، والنووي، وابن كثير، وغيرهم يعني؛ أن الحديث العزيز ما رواه اثنان أو ثلاثة، فما رواه اثنان يسمى ماذا؟ عزيزًا. وما رواه ثلاثة يسمى ماذا؟ عزيزًا.
الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- يرى: أن العزيز ما رواه اثنان فقط، أما ما رواه ثلاثة فهو يدخل في المشهور الآتي -إن شاء الله تعالى-
إذن: عندنا رأيان في المسألة:
- الرأي الذي اختاره الناظم وهو رأي طائفة كبيرة من أهل العلم، أن العزيز: ما رواه اثنان أو ثلاثة.
- وابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن الحديث العزيز: ما رواه اثنان فقط.
وطبعًا هذا ليس اختلافًا جوهريًا، وإنما هو اختلاف في الاصطلاح، وعندنا قبل ذلك قلنا في أول لقاء فيما بيننا، قلنا: هناك اختلافات بين أهل العلم تكون في الجانب الاصطلاحي، وهناك اختلافات أخرى تكون في الجانب الحكمي.
الاختلافات المؤثرة: هي ما يتعلق بالحكم.
أما الاختلاف في الاصطلاح فهي مسألة ماذا؟ اختلاف في الأسماء والعبارات، لكن المعنى واضح عند العلماء. مفهوم هذا الكلام؟
فهذا هو الحديث العزيز، من العلماء مَن يرى أنه ما رواه اثنان أو ثلاثة -وهذا رأي الناظم-
ومن العلماء وهو ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- وتبعه على ذلك طائفة ممن جاء بعده يرون أن الحديث العزيز ما رواه اثنان فقط.
طيب المشهور؟
الحديث الذي يرويه أكثر من ثلاثة يسمى مشهورًا، لأنه أصلًا جعل الثلاثة من صور العزيز.
فالمشهور: ما رواه أكثر من ثلاثة، ما رواه أربعة، خمسة، ستة؛ كل هؤلاء أو هذا العدد يدخل الحديث حينئذ في قسم الحديث المشهور.
أما عند الحافظ ابن حجر العسقلاني بناء على قوله في العزيز إنه ما رواه اثنان، فالمشهور عنده ماذا؟ ما رواه ثلاثة فأكثر.
إذن: الثلاثة موضع الخلاف، فمن العلماء مَن يجعل ما رواه ثلاثة من العزيز، ومنهم من يجعل ما رواه الثلاثة من المشهور. وكما قلنا: هذا اختلاف في ماذا؟ في الاصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح.
الحديث الغريب، ويسمى أيضًا بالحديث الفرد: هو ما رواه راوٍ واحد، الحديث الغريب -وهذا سيأتي إن شاء الله في النظم لاحقًا-، أو الحديث الفرد هو ما رواه راوٍ واحد.
إذن: نحن عندنا ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الحديث الغريب أو الفرد، وهو ما رواه راوٍ واحد.
- الحديث العزيز: ما رواه اثنان أو ثلاثة، أو اثنان فقط.
- الحديث المشهور: ما رواه ثلاثة فصاعدًا، أو أكثر من ثلاثة.
وضحت الصورة؟
يأتي العلماء ويقولون: هذه الأقسام هي الأقسام الاصطلاحية، أي التي جرى عليها اصطلاح أهل العلم، بحيث إنك إذا وجدت إمامًا من الأئمة يقول: هذا حديث عزيز، هذا حديث غريب، هذا حديث مشهور؛ فاعلم أنه يقصد تلك المعاني التي وضحناها.
لكن أحيانًا يُطلق بعض هذه الاصطلاحات بمعناها اللغوي بعيدًا عن الجانب الاصطلاحي، فيقولون مثلا: هذا حديث مشهور، لا يقصدون أنه رواه ثلاثة أو أكثر من ثلاثة، قد لا يكون مروي إلا من جهة راوٍ واحد؛ بل قد يكون ليس له إسناد بالمرة، وإنما يقصدون المعنى اللغوي.
ما معنى هذا؟ أنه مشهور على ألسنة الناس، فالمشهورة هنا بالمعنى الاصطلاحي الذي درسناه؟ أم بالمعنى اللغوي؟ أنه اشتُهر على ألسنة الناس حتى وإن لم يوجد في كتاب من كتب الحديث، حتى وإن لم يُروَ بإسنادٍ أصلًا. مفهوم هذا الكلام.
مثل ماذا؟ عندنا حديث «إنما الأعمال بالنيات، إنما لكل امرئ ما نوى»، هذا حديث مشهور أم غير مشهور؟ مشهور بالمعنى أنه مشهور على ألسنة الناس، صح أم لا؟ لأن كل الناس تعرفه، الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والعالم وغير العالم؛ كل هؤلاء يعرفون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إنما الأعمال بالنيات»، أليس كذلك؟
لكن لما نأتي في الجانب الاصطلاحي يقول لك: هذا حديث غريب، لماذا؟ لأنه لم يروه إلا واحد عن واحد عن واحد عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يصح إلا بهذا الإسناد المروي عن رسول الله المروي عن رسول اله -عليه الصلاة والسلام-
إذن: هذا حديث من الجانب الاصطلاحي نسميه ماذا؟ غريب، لكن من الناحية اللغوية نسميه ماذا؟ مشهور، لأنه اشتهر على ألسنة الناس.
وهذا مشهور وهو أيضًا صحيح، لأن هذا وإن كان له إسناد واحد، لكنه إسناد صحيح، ونحن قلنا: هذا من أصح الأحاديث، وقد اتفق البخاري ومسلم؛ بل اتفقت الأمة جمعاء على صحة هذا الحديث وتلقيه بالقبول، فهو غريب وصحيح، ونفهم أن كلمة غريب ليس معناها الضعف، قد يتوهم البعض ذلك، يقول: غريب يعني ضعيف. لا، قد يكون الغريب صحيح، فالغريب منه الصحيح ومنه غير الصحيح، والعزيز منه الصحيح ومنه غير الصحيح، والمشهور منه الصحيح ومنه غير الصحيح.
إذن: هذه الألقاب -الغريب والعزيز والمشهور- إنما هي ألقاب متعلقة بعدد من روى الحديث، لا تعلق لها بكون الحديث صحيحًا أو غير صحيح. فمنها الصحيح ومنها غير الصحيح.
لكن لما يأتي حديث يقول لك: قال رسول الله -صلى الله عله وسلم- «حب الوطن من الإيمان» هذا مشهور أيضًا، مشهور أم ليس بمشهور؟ مشهور، كل الناس تعرفه، صح؟ لكنه لا يُروى حتى بسند واحد، ليس له إسناد في الدنيا، لا يُروى في كتب الحديث أصلًا، لو فتحت كل كتب الأحاديث التي تروي الأحاديث بالأسانيد لن تجد إسنادًا ولو من رواية الكذابين يقول: قال رسول الله «حب الوطن من الإيمان»، ليس له سند أصلًا، لكنه مشهور بمعنى ماذا؟ بمعناه اللغوي، أي مشهور على ألسنة الناس.
«اسعَ يا عبد وأنا أسعى معك»، هذا لا وجود له في الكتب أصلًا، إنما على ألسنة الناس، مشهور على ألسنة الناس.
«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»، مثله، لا سند له. واضح؟
إذن: قد يكون الحديث مشهورًا بمعناه اللغوي، فإذا وجدت بعض الأئمة يقولون: هذا مشهور. ويقصد بقوله "مشهور" أي في ألسنة الناس، فلا تفهم أنه يقصد المعنى الاصطلاحي الذي درسناه من أنه ما رواه ثلاثة أو أكثر من ثلاثة. فهذا الاستعمال موجود. واضح؟
وأغلب الكتب التي صُنِّفت في الحديث المشهورة، يعني تخصصت في هذا الجانب من الأحاديث، مثل: المقاصد الحسنة للإمام السخاوي، واضح؟ يقصدون بها ماذا؟ الأحاديث المشهورة بهذا المعنى؟ أي مشهورة على ألسنة الناس، المشهورة عند الخطباء، عند الوعاظ، المشهورة في بعض الكتب في الزهد والرقائق ونحو ذلك، مشهورة نعم، موجودة نعم في بعض الكتب مثل إحياء علوم الدين ونحو ذلك، لكنها ليس بالضرورة أن تكون صحيحة، أو أن تكون مشهورة بالمعنى الاصطلاحي الذي عرفناه، مفهوم هذا الكلام؟
يأتي نوع آخر من أنواع علوم الحديث، إذن: هذا البيت اشتمل على نوعين من أنواع علوم الحديث.

هو عرَّف بالمثال، تقول: فلان عن فلان عن فلان، نسميه حديث ماذا؟ معنعن.
كأنه يقول: الحديث المعنعن: هو الذس رُويَ بالعنعنة، يقول لك: "فسَّر الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ".
المعنعن: هو الذي رُوي بالعنعنة، طيب ما معنى العنعنة؟ العنعنة: قول الراوي "عن فلان". فيأتي كل راوٍ يقول: عن فلان عن فلان. نسمي هذا حديث ماذا؟ معنعن.
لكن -أريد أن أوضح لك صورة- لو أن كل حديث رُوي بـ"عن" جعلناه نوعًا مستقلًا، وسميناه بالحديث المعنعن، فهذا معناه أن 99% من الأحاديث داخلة تحت هذا النوع، لأن 99% من الأحاديث مروية ماذا؟ بـ"عن".
إذن: الواقع الذي يدل عليه صنيع أهل العلم: أنه ليس المعنعن نوعًا مستقلًا من أنواع علوم الحديث، بينما المعنعن قد يكون من نوع الصحيح، وقد يكون من نوع حسن، وقد يكون من نوع الضعيف، وقد يكون من نوع المرفوع، أو الموقوف، أو المقطوع، وقد يكون من الغريب، أو العزيز، أو المشهور. فالعنعنة تدخل في كل هذه الأنواع، لكن المعنعن في الواقع هو نوع أفرده بعض العلماء، والغرض مسألة معينة من الأحاديث التي رُويت بالعنعنة. ما هذه المسألة؟
هي مسألة تسمى عند علماء الحديث بعنعنة المعاصر، ما معنى عنعنة المعاصر؟
عنعنة المعاصر: يأتي راوٍ عاصر شيخه، ثبت تاريخيًا أنه كان يعيش في الزمان اللذي كان يعيش فيه شيخه، إذن: تحقق بينهما ماذا؟ المعاصرة، لكن لم يأتٍ دليل -انتبه- لم يأتِ دليل في رواية من الروايات أنه التقى بشيخه هذا، أو انه سمع منه حديثًا، فهذه الصورة من الروايات وقع فها خلاف بين أهل العلم.
نقول الصورة مرة ثانية: نحن نعلم أن الرجل قد يعيش في زمان الرجل ولا يلتقي به، وارد أم لا؟ هل نحن التقينا بكل علماء الأرض ونحن نعيش معهم في هذا الزمان؟ لا.
إذن: مجرد وجود الاشتراك في الزمن، في العصر؛ لا يستلزم اللقاء ولا السماع، أليس كذلك؟ وكذلك حصول اللقاء بين الراوي والشيخ لا يستلزم السماع، فأنا ممكن ألتقي بك وتلتقي بي ولا يحدث بيننا أي تناول لأي قضي علمية، كأن أصلي في مسجد فأفاجأ بأن العالم الفلاني يصلي إمامًا بالناس في هذا المسجد، وبعد أن انصرفنا، خرجنا من الصلاة؛ الشيخ جلس ليُعطي درسه وأنا انصرفتُ لحاجتي.
إذن: حصل لقاء أم لا؟ لكن هل حصل تحمل علم وسماع؟
إذن: المعاصرة لا تستلزم اللقاء، واللقاء لا يستلزم السماع، كل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى إثبات، لهذا نجد في كتب الحديث والرجال، العلماء يقولون:" فلان رأى فلانًا ولم يسمع منه" تجد هذه العبارة موجودة بكثرة في كتب الرجال، "رأى فلانًا ولم يسمع منه" كيف؟
مثلما قالوا في إبراهيم بن يزيد النخعي، قالوا: دخل على عائشة ولم يسمع منها. دخل عليها ولم يسمع منها؟!!
قال لك لماذا؟ لأنه دخل على عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- كان وقتئذ صغيرًا، صغيرًا جدًا، دخل عليها كما يدخل الصبيان على النساء، ولم يكن وقتئذ عنده إدراك للعلم، فالتقى بها أم لا؟ لكنه لم يحمل عنها علمًا، ولا سمع منها حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
وكما قالوا في أيوب بن أبي تمية السختياني، قالوا ماذا؟ رأى أنسًا -يعني أنس بن مالك- رؤية فقط. كأن يكون مثلًا رآه في مجلس، أو صلى خلفه صلاة من الصلوات، ولم يسمع منه شيئًا، لا قليلًا ولا كثيرًا.
إذن: نفهم من هنا: أنه ليس دائمًا اللقاء يستلزم المعاصرة، كذلك المعاصرة -كما قلنا- قد يكون الرجل عاش في زمان الرجل، لكن هذا من بلد وهذا من بلد. يعني الآن من رغم سهولة لقاء الناس بعضها لبعض، ومع ذلك ليس بالضرورة أن يكون كل الناس التقى بعضهم ببعض، فكيف بالزمان الأول، واحد من العراق وواحد من الشام، واحد من الشام وواحد من مصر، واحد من مصر وواحد من اليمن، بُعْد البلدان قد يكون عائقًا لبعض الناس أن يكون قد التقى ببعض علماء الأصل الذين يعيشون معه في نفس الزمان، لا سيما إذا كان التلميذ ليس معروفًا بالرحلة في طلب الحديث، يعني مجرد أنه كان يطلب الحديث عن أهل بلده، لم يخرج من بلده ليسمع العلم من علماء الأمصار.
إذن: هنا تتفاوت هذه المراتب بحسب معرفتنا بتاريخ كل راوٍ تحديدًا من رواة الحديث، والعلماء كان عندهم ملف لكل راوٍ، يعرفون كل راوٍ متى وُلِد، متى توفي، متى طلب العلم، على من سمع العلم، متى خرج من بلده ليسمع من العلماء الآخرين الذين من غير أهل بلده، أي البلاد دخلها، دخل البلاد الفلانية أم البلد الفلانية، متى دخل البلد الفلانية، دخل البلد الفلانية كم مرة في عمره، كل هذا مكتوب في تراجم الرواة.
فهنا فيه مسألة: لو راوٍ عاصر شيخه معاصرة فقط، ولم يأتِ في دليل من الأدلة، في رواية من الرويات أنه التقى به أو تحمل عنه أو سمع منه، هل إذا ما روى عنه نحكم للحديث بالاتصال أو لا؟
هذه مسألة وقع فيها خلاف بين أهل العلم -عليهم رحمة الله تعالى- فبعضهم يشترط أن يكون الرواي قد ثبت لدينا أنه التقى بهذا الشيخ ولو مرة في حياته، فإن ثبت لنا لقاؤه به ولو مرة في حياته؛ نحكم حينئذ باتصال باقي ما يرويه عن شيخه هذا.
وهناك علماء آخرون يقولون: لا، مجرد المعاصرة يكفي في ذلك، وهذا قول ضعيف جدًا.
لكن هناك علماء آخرون وهذا هو الرأي الصواب الذي عليه الإمام مسلم -يعني هذا الصواب- يعني هذا الرأي رأي الإمام مسلم، والذي ينبغي أن يُنسب إلى الإمام مسلم، لا الرأي الذي يقول: إن مسلمًا يكتفي بمجرد المعاصرة، وهو ماذا؟ أن الراوي إذا عاصر شيخه، لكن كانا من أهل بلد واحدة ففي الغالب أن يُحكم على ذلك بماذا؟ بالاتصال، يعني لا سيما إذا كان التلميذ طَلَّابة للعلم، من المعروفين باهتمامه بالعلم، واهتمامه بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، يصعب جدًا واحد أصلًا رحل إلى البلدان وسمع من القريب والبعيد، وهناك عالم معروف مبرَّز مشهور من أهل بلده ولا يلتقي به؛ هذا أمر في غاية البعد.
فحينئذٍ إن روى عن شيخ معروف من أهل بلده فنحمل ذلك على الاتصال، بخلاف ما إذا كان الشيخ الذي يروي عنه ليس من أهل بلده، والمسألة فيها تفصيل أكثر، لكن هذه خلاصة الأقوال التي قيلت فيها.

وَمُبْهَمٌ ما فِيْهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ





مبهم: ما فيه راوٍ ماذا؟ لم يُسم، نحن نعرف الحديث يأتي حدثنا فلان بن فلان عن فلان بن فلان عن فلان بن فلان، كما قلنا: أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فكل راوٍ من رواة الإسناد ذُكر باسمه أم لا؟ بحيث يمكننا أن نعرف شخصه، ثم نعرف بعد ذلك حاله، وإلا كيف تعرف حاله وأنت لا تعرف شخصه؟
أحيانًا يأتي في بعض الأحاديث، يأتي الراوي يقول: حدثني شخص، حدثني رجل، حدثتني امرأة، حدثني شيخ، ولا يذكر اسمه. واضح؟ فهذا نسميه ماذا؟ مبهم، الرواي لم يُذكر اسمه، كما لو أنه لو يُذكر أصلًا، لأنه إذا لم يُذكر اسمه فوجوده وعدمه سواء.
تقول مثلًا: حدثني شخص، حدثني رجل، ولا تسمي هذا الرجل ولا تذكره، حدثني بعض أهل الحي، الله أعلم من هذا! فهذا نسميه حديث ماذا؟ مبهم أو إسناد مبهم أو راوٍ مبهم، والإبهام هذا  سبب من أسباب رفض الحديث وعدم قبوله، لأن الإبهام جزء من الجهالة، كما أنك لو رويت عن رجل مجهول، بل الإبهام توغل في الجهالة، لأن المجهول نعرف قد نعرف اسمه واسم أبيه، لكن لا نعرف أهو من الثقات أم من غير الثقات، أما هذا فلا نعرف أصلًا اسمه, لا نعرف شخصه أصلًا، وكما قالوا: "ثبت العرش ثم انقش"، فالإبهام لأجل هذا كان عند كثير من العلماء لا سيما العلماء القدامى- هو نوع من الانقطاع، مثل الحديث الذي لم يُذكر فيه الراوي أصلًا، كالحديث المرسل والحديث المنقطع أو الحديث ماذا؟ المعضل، يعني الراوي لم يذكر أصلًا، فهذا نسميه ماذا؟ غير متصل.
فالإبهام نوع من عدم ماذا؟ الاتصال، لأنك إذا قلت: حدثني رجل -ولم تذكر اسمه- عن فلان، كما أنك لو قلت: عن فلان -من غير أن تذكر بينكما راوٍ-، لأنك إذا رويت عن فلان ونحن نعلم أنك لم تسمع منه، فنحن نعلم بالضرورة أن بينكما ماذا؟ رجل.
وقولك: "حدثني رجل" من غير أن تسميه، لن يفيد شيئًا جديًا، لأننا نعلم أن بينك وبين من تروي عنه ماذا؟ رجل.
فإذا قلت: "حدثني رجل" ولم تسمه، هل جئت بجديد؟ فلأجل هذا كان الإبهام نوع من عدم الاتصال في الحديث.
نكتفي بهذا القدر وننظر في الأسئلة، سواء منها ما يطلبه الإخوة الحضور أو ما جاء عن طريق موق الأكاديمية. تفضل يا أخي..

{جزاكم الله عنا خيرًا ونفع الله بعلومكم، إذا روى راوٍ عن شيخه بالعنعنة، فهل يُحكم باتصاله أم لا؟}.
الشيخ:
نحن قلنا: أن هذا فيه ماذا؟ خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من ينظر إلى الراوي، إذا كان الراوي معروف بالسماع من الشيخ في غير هذا الحديث؛ فالعنعنة هنا لا تضر أبدًا ويحكم بماذا؟ بالسماع. واضح؟
أما إذا لم يكن معروفًا بالسماع من الشيخ ولا باللقاء به، فمن العلماء من يقول: إذا ثبتت المعاصرة فهذا يكفي، وهذا قول ضعيف.
ومنهم من يقول: إذا ثبتت المعاصرة، وكون الراوي والشيخ من أهل بلد واحدة بمعنى أن ينضم إلى هذه المعاصرة معنى آخر، قرينة أخرى تجعلنا نميل إلى رجحان ان الراوي ماذا؟ التقى بهذ الشيخ، وهذا كله في غير الراوي المدلِّس، لأن المدلِّس قد يقول "عن" وهو لم يسمع، رغم أنه قد يكون سمع أحاديث أخرى، والتدليس سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى- عندما نأتي إلى شرحه.

{بارك الله فيك يا فضيلة الشيخ، هل يشترط في الحديث الصحيح أن يكون عزيزًا أو مشهورًا؟}.
الشيخ:
لا، لا يشترط، الحديث قد يكون صحيحًا وهو غريب، وقد يكون صحيحًا وهو عزيز، وقد يكون صحيحًا وهو مشهور.
إذن: الحديث الصحيح منه العزيز، ومنه الغريب، ومنه المشهور.
والمشهور منه الصحيح ومنه الضعيف، والعزيز منه الصحيح ومنه الضعيف، والغريب منه الصحيح ومنه الضعيف، وهذا أشرنا إليه في المجلس، بمعن أن وصف الحديث بكون غريبًا لا سضره، وحديث «إنما الأعمال بالنيات» أليس هو غريبًا، ومع ذلك هو من أصح الأحاديث. نعم رواه راوٍ واحد لكنه راوٍ ثقة، ثقة عن ثقة عن ثقة.
فإذن: رغم أنه منر واية راوٍ واحد، ليس له إلا إسناد واحد، لكنه حديث صحيح لأنه تحققت فيه شرائئط صحة الحديث.

وهنا فيه سؤال شبيه بهذا السؤال من إخواني الذين يراسلوننا عن طريق الإيميل، نفس السؤال تقريبًا: إذا كان الشخص الذي أخبر بالخبر -أي ثقة يعني- عند الناس، وأخبر بالحديث عن رسول الله، هل لا نصدقه لأنه رجل واحد؟
لا، طبعًا هذه طريقة أهل البدع والهواء الذين يقولون: إن أخبر الآحاد لا تقبل في العقائد أو نحو ذلك، لا، نحن أهل السنة والجامعة نقبل ما رواه الواحد وما رواه الاثنان وما رواه الثلاثة، سواء كان منها في العقائد أ ما كان منها في الأحكام، أو في جميع فروع الدين ما إذا تحقق فيها شرائط القبول الخمسة التي ذكرناها في الحديث الصحيح والحديث الحسن. تفضل يا أخي..
{أحسن الله إليكم شيخنا، وجزاكم الله خيرًا عن هذا الشرح الممتع، وأود سؤال: هل رأي شيخ واحد يُضعف الراوي؟}.
الشيخ:
نعم؟
{هل رأي شيخ واحد يُضعف الراوي؟ يعني لو عالم واحد تلكم في راوٍ، هل يُضعف الراوي؟}.
الشيخ:
نعم -بارك الله فيك- يريد أن يقول: لو أن مثلًا ابن نعيم -رحمه الله- أو الإمام أحمد بن حنبل أو البخاري سئل عن راوٍ، فقال: هو ضعيف. هل هذا يكفي في تضعيف هذا الراوي؟ أم لا بد أن يُضعفه اثنان أو ثلاثة أو أكثر؟
الذي عليه جمهور أهل العلم: أن العالم الواحد الذي يعرف أسباب الجرح وأسباب التعديل؛ إذا جرَّح الراوي أو عدَّله، أي قال: هو ضعيف، أو قال: هو ثقة؛ فإن ذلك يُقبل منه، بشرط أن يكون هذا المُجرِّح أو المُعدِّل من علماء الجرح والتعديل، لا يكون واحد عادي، لا يكن حتى من علماء الجرح والتجريح، لا، يكون من علماء الجرح والتعديل الذين عندهم أهلية ومعرفة تامة بقواعد الجرح والتعديل، ومعرفة تامة بأسباب الجرح والتعديل كالأئمة الكبار الذين نعرفهم، هذا من جهة.
طيب.. إذا تعارض، عندنا راوٍ إمام قال فيه: ثقة، وإمام قال فيه: ضعيف. وهذا إمام وهذا إمام، يعني أحمد بن حنبل مثلًا قال: ثقة، ويحيى بن معين قال فيه: ضعيف. هنا العلماء يبحثون عن مُرجِّح آخر، والترجيحات عند العلماء كثيرة جدًا.
أو ينظرون أيضًا إذا كان المُجرِّح جرحه مفسَّرًا فهو مُقدَّم على التعديل غير ماذا؟ المفسر، أو العكس. واضح؟
وهذه مسائل من مسائل الجرح والتعديل يتوسع فيها العلماء كثيرًا، ونحن يعني في شرحنا للمنظومة البيقونية نحاول بقدر الإمكان ألا نخرج كثيرًا عن نطاق المنظومة البيقونية.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وأن يسدد خطانا، إنه ولي ذك والقادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire