باب في أحكام المزارعة والمساقاة
كتاب المزارعة والمساقاة والإجارة
قسم المعاملات وغيرها تلخيص
صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان
https://www.facebook.com/groups/elbassaire
https://www.facebook.com/hadithecharif
https://twitter.com/hadithecharif
https://www.youtube.com/user/hadithecharif
https://al-bassair.blogspot.com
بسم الله الرحمن الرحيم
* المساقاة والمزارعة من جملة الأعمال التي يزاولها الناس من قديم الزمان ; لحاجتهم إليهما , فقد يكون في ملك الإنسان شجر لا يستطيع القيام عليه واستثماره , أو تكون له أرض زراعية لا يستطيع العمل عليها واستغلالها , وعند آخر القدرة على العمل وليس في ملكه شجر ولا أرض , ومن ثم أبيحت المزارعة والمساقاة لمصلحة الطرفين , وهكذا كل التعامل الشرعي قائم على العدل وتحقيق المصالح ودفع المفاسد .
* فالمساقاة عرفها الفقهاء : بأنها دفع شجر مغروس أو شجر غير مغروس مع أرض إلى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه حتى يثمر , ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر والباقي لمالكه . و المزارعة : دفع أرض لمن يزرعها , أو دفع أرض وحب لمن يزرعه فيها ويقوم عليه , بجزء مشاع منه , والباقي لمالك الأرض وقد يكون الجزء المشروط في المساقاة والمزارعة لمالك الأرض أو الشجر والباقي للعامل.
* والدليل على جواز المساقاة والمزارعة حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع " متفق عليه , وروى مسلم : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها " أي : نصفه , وروى الإمام أحمد : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى أهل خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف " فدل هذا الحديث على صحة المساقاة
قال الإمام ابن القيم : " وفي قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع ; فإنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر , واستمر على ذلك إلى حين وفاته , ولم ينسخ ألبتة , واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه , وليس من باب المؤاجرة , بل من باب المشاركة , وهو نظير المضاربة سواء " انتهى .
وقال الموفق بن قدامة : " وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم , واشتهر ذلك , فلم ينكر , فكان إجماعا , قال : " ولا يجوز التعويل على ما خالف الحديث والإجماع , وكثير من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الاستئجار عليه , وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ; ففي تجويزها دفع الحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين " انتهى .
* وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط لصحة المساقاة أن يكون الشجر المساقى عليه له ثمر يؤكل فلا يصح على شجر لا ثمر له , أو له ثمر لا يؤكل ; لأن ذلك غير منصوص عليه .
* ومن شروط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل أو المالك بجزء معلوم مشاع من الثمرة ; كالثلث والربع , سواء قل الجزء المشروط أو كثر , فلو شرطا كل الثمرة لأحدهما ; لم يصح ; لاختصاص أحدهما بالغلة , أو شرطا آصعا معلومة من الثمرة ; كعشرة آصع , أو عشرين صاعا ; لم تصح ; لأنه قد لا يحصل إلا ذلك , فيختص به من شرط له دون الآخر , وكذا لو شرط له في المساقاة دراهم معينة ; لم تصح ; لأنه قد لا يحصل من الغلة ما يساويها , وكذا لو شرط لأحدهما ثمرة شجرة معينة أو أشجار معينة ; لم تصح المساقاة ; لأنه قد لا يحصل من الشجر غير تلك المعينة , فيختص بالغلة أحدهما دون الآخر , أو لا تحمل تلك الشجرة أو الأشجار المعينة , فينحرم الشروط له من الغلة , ويحصل الغرر والضرر .
* والصحيح الذي عليه الجمهور أن المساقاة عقد لازم لا يجوز فسخها إلا برضى الآخر * لا بد من تحديد مدتها , ولو طالت , مع بقاء الشجر .
* ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة ; من حرث , وسقي , وإزالة ما يضر الشجر والثمرة من الأغصان , وتلقيح النخل , وتجفيف الثمر , وإصلاح مجاري الماء , وتوزيعه على الشجر .
* وعلى صاحب الشجر ما يحفظ الأصل - وهو الشجر - ; كحفر البئر , وبناء الحيطان , وتوفير الماء في البئر . .. ونحو ذلك , وعلى المالك كذلك تحصيل المواد التي تقوي الأشجار كالسماد ونحوه . وليس دفع الحب مع الأرض شرطا في صحة المزارعة , فلو دفع إليه الأرض فقط ليزرعها العامل ببذر من عنده ; صح ذلك ; كما هو قول جماعة من الصحابة , وعليه عمل الناس , ولأن الدليل الذي استفيد منه حكم المزارعة هو حديث معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر بشطر ما يخرج منها , ولم يرد في هذا الحديث أن البذر على المسلمين .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " والذين اشترطوا البذر من رب الأرض قاسوها على المضاربة , وهذا القياس مع أنه مخالف للسنة الصحيحة وأقوال الصحابة , فهو من أفسد القياس ; فإن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه , ويقسمان الربح ; فهذا نظير الأرض في المزارعة , وأما البذر الذي لا يعود نظيره إلى صاحبه , بل يذهب كما يذهب نفع الأرض ; فإلحاقه بالأصل الذاهب أولى من إلحاقه بالأصل الباقي " انتهى .
* والمزارعة مشتقة من الزرع , وتسمى مخابرة ومواكرة , والعامل فيها يسمى مزارعا ومخابرا ومواكرا .
* والدليل على جوازها السنة المطهرة الصحيحة كما سبق , والحاجة داعية إلى جوازها ; لأن من الناس من يملك أرضا زراعية ولا يستطيع العمل فيها , ومن الناس من يستطيع العمل في الزراعة ولا يملك أرضا زراعية ; فاقتضت الحكمة التشريعية جواز المزارعة لينتفع الطرفان : هذا بأرضه , وهذا بعمله , وليحصل التعاون على تحصيل المصلحة ودفع المضرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله : " المزارعة أصل من الإجارة , لاشتراكهما في المغنم والمغرم " .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : " هي أبعد عن الظلم والضرر من الإجارة ; فإن أحدهما غانم ولا بد ( يعني : في الإجارة ) ,
وأما المزارعة ; فإن حصل الزرع , اشتركا فيه , وإلا اشتركا في الحرمان " .
* ويشترط لصحة المزارعة بيان مقدار ما للعامل أو لصاحب الأرض من الغلة وأن يكون جزءا مشاعا منها ; كثلث ما يخرج من الأرض أو ربعه ونحو ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها , وإذا عرف نصيب أحدهما ; فالباقي يكون للآخر ; لأن الغلة لهما , فإذا عين نصيب أحدهما ; تبين نصيب الآخر , ولو شرط لأحدهما آصعا معلومة كعشرة آصع أو زرع ناحية معينة من الأرض والباقي للآخر ; لم تصح , أو اشترط صاحب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسمان الباقي , لم تصح المزارعة ; لأنه قد لا يخرج من الأرض إلا ذلك , فيختص به دون الآخر , ولحديث رافع بن خديج رضي الله عنه , قال : " كراء الأرض بالذهب والفضة لا بأس به , كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع , فيهلك هذا ويسلم هذا , ولم يكن للناس كراء إلا هذا ; فلذلك زجر عنه " يعني : النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لما فيه من الضرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل , فدل الحديث على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الضرر والجهالة ويوجب المشاجرة بين الناس .
قال ابن المنذر : " قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل , وهي التي كانوا يعتادونها " , قال : " كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه , فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه " انتهى .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire