el bassaire

samedi 8 octobre 2016

الضوابط التي ينبغي أن يكون عليها المسلم في دعواته ومناجاته وسؤاله لربه جل وعلا

الضوابط التي ينبغي أن يكون عليها المسلم في دعواته ومناجاته وسؤاله لربه جل وعلا 


ومن المعلوم – معاشر الإخوة الكرام - أنَّ الدُّعاءَ له ضوابطه وله شروطه وله آدابه، شأنه شأن كلِّ عبادة ، كما أنَّ الصَّلاة لا تُقبل إلَّا بشروطها ، والحجُّ لا يُقبل إلَّا بشروطه ، والصِّيام لا يُقبل إلَّا بشروطه ، وكلُّ طاعة لا تُقبل إلَّا بشروطها فهكذا الدُّعاء ، الدعاء له شروطٌ وله ضوابطٌ وله آدابٌ جاء بيانُها في كتاب الله وسنَّة نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام ، فالعناية بها والمحافظة عليها والرِّعاية لها يتحقَّق به للمرء الإجابة ، والتَّسهيل ، والتَّوفيق ، والعون ، والسداد، وصلاح العاقبة ، وصلاح الدُّنيا ، ولهذا كان على المسلم في هذا الباب- باب الفقه في الدُّعاء - أن يتفقَّه في ضوابط الدُّعاء وشروط الدُّعاء الَّتي جاء بيانها في كتاب الله وسنَّة نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام .
ومن أجمع الآيات في القرآن الكريم لضوابط الدُّعاء وآدابه : قول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف : ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾؛ ولتتأمَّل الخاتمة الَّتي خُتمت بها الآية : ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي: أحسِن في دعائك ، أحسِن في سؤالك ، أحسِن في طلبك ، اعتنِ بالضَّوابط والشُّروط والآداب، أحسِن تجد ثوابَ إحسانك ، تجد أثرَ إحسانِك ، تجد العطاء ، تجد المنَّ ، تجد الثَّوابَ ، تجد الخيرَ العظيمَ ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
والآية فيها تنبيهٌ على جملة عظيمة من آداب وشروط الدُّعاء؛ أوَّل ذلك وأهمُّه : صدر الآية وهو قوله : ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾؛ وهنا أيها الإخوة لابد من وقفة لبيان أمرٍ هو في الحقيقة أهم أمر يتعلق بالدُّعاء ألا وهو : أنَّ الدعاء عبادة لا تُصرف إلَّا لله ، ولا يُلتجأ فيها إلَّا إلى الله سبحانه وتعالى .
الدعاء عبادة سؤال ومناجاة وتذلل وانكسار بين يدي الرب العظيم والخالق الجليل ، فالدعاء عبادة لا تُصرف إلا لله، فلا يُسأل إلَّا الله، ولا يُستعان إلَّا بالله، ولا يُطلب المدَدُ والعونُ والتَّوفيق والسَّداد والهداية والرَّشاد إلَّا من الله، فهذا كلُّه بيده جلَّ وعلا ، لا يُطلب شيءٌ من ذلك لا من ملَك مقرَّب ولا من نبيٍّ مرسَل ولا من وليٍّ ولا من غيره؛ الدعاء عبادة لا يُلتجأ فيها إلا لله ، ولا تطلب إلا من الله جل وعلا ، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام في وصيَّته لابن عبَّاس: (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّت الصُّحُفُ )) .
فالدُّعاء عبادة ، والله جلَّ وعلا قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] ، وقال: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[الزمر:3] ، ولهذا أهمُّ ضابطٍ في الدُّعاء أن يكون خالصًا لله ، لا يُسأل إلا الله ، ولا يُلتجأ إلا إلى الله ، ولا يُتوكل إلا على الله ، ولا يُطلب المدد والعون والشفاء إلا من الله سبحانه وتعالى؛ فمن صَرَف هذه العبادة لغير الله فهو مِنْ أضلِّ النَّاس ، بل لا أضلَّ منه ، كما قال الله سبحانه وتعالى : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[الأحقاف:5-6] ، وقال جلَّ وعلا: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ[الرعد:14] ، وقال جلَّ وعلا : ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا[الإسراء:56] ، لا يملكون كشفه بعد وقوعه ، ولا يملكون تحويله قبل وقوعه ، الدَّفع والرَّفع لا يملكه إلَّا الله سبحانه وتعالى ، وقال جلَّ وعلا : ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ[سبأ:22] ، وقال جلَّ وعلا : ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13ـ14]. فالدعاء عبادة لا تُصرف إلا لله جل وعلا .
إذاً أهمُّ شروط الدُّعاء وأهمُّ ضوابط الدعاء : إخلاصُه لله ، وأن يكون المسلم دائمًا وأبدًا لا يسأل إلَّا الله ، ولا يستعين إلَّا بالله ، ولا يطلب المدَد إلَّا من الله ، ولا يعرِضُ شيئًا من حاجاته وطلباته ورغباته وصلاحِ أموره الدِّينيَّة والدُّنيويَّة والأخرويَّة إلَّا على ربِّه ومولاه الَّذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السَّموات والأرض.
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾؛ وهذا فيه الإلحاح ، وكثرة السُّؤال ، ودوام الطَّلب ، وعدم الاستعجال ، وهذا من الأمور المهمَّة في الدُّعاء ، قد قال عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصَّحيح: (( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ؛ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي )) هذا هو العجلة ، ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام : (( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ )) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: (( يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ؛ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ )) .
ولهذا الواجب على المسلم التَّضرُّع وكثرة الإلحاح والمناجاة والسُّؤال بعد السُّؤال والطَّلب بعد الطَّلب ، وهو على ثقةٍ بإجابة الله سبحانه وتعالى له وتحقيقِه لرجائه وإعطائِه لسُؤْلِه .
﴿ وَخُفْيَةً ﴾؛ وهذا ضابطٌ من الضَّوابط المهمَّة في الدُّعاء : أن يكون دعاؤك بينك وبين الله سبحانه وتعالى ، تسأل اللهَ بينك وبينه مناجاةً ، قد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : أربنا بعيدٌ فنناديه ؟ أم قريب فنناجيه ؟ أخبر عليه الصلاة والسلام أن الله قريب سميع مجيب .
الدعاء مناجاة بين العبد وبين الله تبارك وتعالى ﴿ خُفْيَةً ﴾ ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فوائد عظيمة تصل إلى عشر فوائد لإخفاء الدُّعاء ذكرها في مجموع فتاواه ، ولعل من رَغِب فيها وطلبها يجدها عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فوائد عظيمة جداً في إخفاء الدعاء .
﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾؛ وهذا أيضًا ضابطٌ من ضوابط الدُّعاء المهمَّة أن لا يعتديَ المسلم في دعائه ، وأعظم العدوان في الدُّعاء أن يُجعل مع الله شريكٌ فيه يدعوه مع الله ويسأله، وهذا هو الشِّرك النَّاقل من ملَّة الإسلام.
ومن الاعتداء في الدُّعاء أو مما يجمع ذلك : مفارقة السُّنَّة وهدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بالوقوع في البدع، والدَّعوات المحرَّمة ، والدُّعاء بالإثم ، ونحو ذلك من المخالفات .
وأيضًا : الوقوع فيما نهى عنه عليه الصَّلاة والسَّلام ، وجاء عنه في أحاديثه الشريفة صلى الله عليه وسلم ذِكْرُ ضوابط وقيود وشروط مهمَّة ، فالخروج عن شريعته وهديه في هذا الباب هو من الاعتداء ، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام : (( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ )) محذِّرًا من ذلك ، ولهذا يجب على المسلم أن يَحذر من أن يكون ممَّن يعتدي في دعائه .
عن ابن سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه وأرضاه - قال: سمِعَني أبي وأنا أقول: «اللَّهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة ونعيمَها وبهجتَها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النَّار وسلاسلَها وأغلالهَا وكذا وكذا، فقال: يا بنيَّ! إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ»، فإيَّاك أن تكون منهم، إن أُعطِيتَ الجنَّة؛ أُعطِيتَها وما فيها من الخير، وإن أُعذتَ من النَّار؛ أُعذتَ منها وممَّا فيها من الشَّرِّ» . ولهذا كان من أكثر ما كان يدعو به عليه الصَّلاة والسَّلام : (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) .
ثمَّ قال تبارك وتعالى : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾؛ يعني بعد إصلاحها بالإيمان والصَّلاح والاستقامة والعبادة على أيدي الأنبياء ، لا تفسدوها بالمعاصي والذُّنوب .
وهنا لفتةٌ إلى أنَّ الذُّنوب والمحرَّمات والفساد من أسباب ردِّ الدُّعاء ، ولهذا جاء في الحديث الصَّحيح - حديث أبي هريرة - أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبّ يَا رَبّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! )) . ولهذا قال أحدُ أهل العلم : «كيف تستبطئ الإجابةَ وقد سدَدتَ طرقَها بالذُّنوب» ، ولهذا يحتاج الإنسان أن يبعد نفسَه عن الفساد في الأرض بالمعاصي والمحرَّمات وأنواع الآثام؛ حتَّى يكون مستجابَ الدَّعوة.
﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾؛ وهذا أيضًا من الضَّوابط المهمَّة في الدُّعاء : أن تجمع في دعائك بين الرَّغبة والرَّهبة ، أن تكون خائفًا وطامعًا ، تجمع بين الأمرين : خائفًا من الله ، وخائفًا من أن يُردَّ دعاؤك لتقصيرك لضعفِك لنقصِ إيمانِك ، وأيضًا: طامعًا وراغبًا فيما عند الله سبحانه وتعالى وراجيًا ، تكون حالُك هكذا في دعائك لله ومناجاتك له جلَّ وعلا .
والدُّعاء له ضوابطٌ وله آداب ربما الوقت لا يسع للكلام عليها ، وما ذُكِر فيه فائدة - إن شاء الله – ونفع .
جمع عشرة من الآداب والشُّروط الَّتي ينبغي أن يتحلَّى بها المسلم في دعائه .
وعلى كلِّ حالٍ هذا حديثٌ حول فقه الدعاء، وكما أشرت في المقدِّمة موضوعُ فقه الدُّعاء موضوع واسعٌ ، وجوانبه كثيرةٌ، ومناحيه متعدِّدةٌ ، فنسأل الله جلَّ وعلا أن يوفِّقنا للخير كلِّه عاجلِه وآجله ما علمنا منه وما لم نعلَم ، وأن يُعيذَنَا من الشَّرِّ كلِّه عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، وأن يوفِّقنا لحُسن الدُّعاء ، وحُسن العبادة ، وحُسن العمل ، وأن يهدينا سواءَ السَّبيل ، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر، وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنَّه تبارك وتعالى سميعٌ مجيب قريب .

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه أجمعين .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire