el bassaire

mercredi 19 octobre 2016

يوم العرض

يَوْمُ العَرْض

https://twitter.com/hadithecharif
http://al-bassair.blogspot.com

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصَحْبه أجمعين


أيّها الإخوة الكرَام : يوم القيامة هو يومُ العرْضِ على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾[الكهف:48] ، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة:18] ، يومٌ عظيم وساعةٌ عظيمة يقفها النَّاس بين يدي ربِّ العالمين جلَّ وعلا ، وهو يوم العرض على الله ، ويوم تطاير الصحف ؛ فآخذٌ كتابه باليمين وآخذٌ كتابه بالشِّمال.
وفي القرآن العظيم آيات كثيرة تصِف ذلك اليوم كأنَّك تراه وكأنك تُشَاهده ، وهو يومٌ ستَلْقاه لا ريب فيه ، ووقوفٌ تقفه لاشكّ في ذلك ، فالمسلم على يقينٍ تام من ذلك الوُقوف بيْن يدي الله والعرْض على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في يوم القيامة – يوم العرض على الله سبحانه وتعالى - ، ومن الجميل بالمسلم والعظيم في حياته أن لا يغفل عن ذلك اليوم وأن يكون ذاكرًا له مستحضرًا للوقوف بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
تذكَّر - أيُّها المسلم- عندما يقف النَّاسُ ذلك الموقف فآخذٌ كتابه بيمينه وآخذٌ كتابه بشماله ، ومن أيِّ الفريقين سيكون ؟ هل هو ممَّن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح فرحًا عظيمًا وينقلب إلى أهله مسرورًا ، أو أنه يأخذ كتابه بشماله؟!
وانظر وصْف ذلك الذي يأخذ بمجامع القلوب ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ يعلن فرحه بين الخلائق وسروره العظيم ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) ﴾ [الحاقة:19-20]  مثل النَّاجح في امتحانٍ صعب وامتحانٍ شديد فيُمنح شهادةً بتفوُّقه وجدارته فينطلق إلى أهله في غاية الفرح والسُّرور بذلك النَّجاح ؛ بل الأمر يوم الدِّين أعظم وأعظم ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ ظننتُ أي: اعتقدتُ ، أي كانت هـٰذه حالي في الدُّنيا أنَّني أعتقد بوجود الحساب والعذاب والوقوف بين يدي الله ، وكنتُ أُعِدُّ لهـٰذا اليوم عُدَّته ؛ وهـٰذا مكمن الصَّلاح : أن يكون المسلم على ذِكرٍ لذلك اليوم وأن لا يغفل عنه ، فالغفلة عنه أساس الضَّياع ، والذِّكر له أساس الصَّلاح ، ولهـٰذا ترى في نصوص الكتاب والسُّنة كثيرًا التَّذكير بذلك اليوم في باب التَّرغيب وفي باب التَّرهيب ، تجد نصوصًا كثيرة في باب التَّرغيب تذكِّر باليوم الآخر ، ونصوصًا كثيرة في باب الترهيب تذكر باليوم الآخر ، قال: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ فالاعتقاد الجازم والإيمان الرَّاسخ بذلك اليوم وبالوقوف بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أساس الصلاح .
والناس في الإيمان باليوم الآخر على درجتين:
 الأولى : درجة الإيمان الجازم ، وهي التي لا يصحّ الإيمان باليوم الآخر إلَّا بها ، أن يجزم بوجود ذلك اليوم، وأن يكون متيقِّنًا من الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ ؛ هذه درجة .
 ودرجة أخرى أعلى منها وأرفع وهي : درجة الإيمان الرَّاسخ ؛ أي الذي رسخ في القلب وتمكَّن منه ، فأصبح العبد على ذكرٍ دائمٍ ومستمر لذلك اليوم ، كلَّما أراد أن يُقدِم على عمل تذكَّر ذلك اليوم فإن كان طاعة جدَّ في تتميمها وتكميلها ليفوز بثوابها العظيم يوم القيامة ، وإن كانت معصية كفَّ عنها ليسلم من مغبَّتها وسوء عاقبتها. أمّا الغافل عن ذلك اليوم إذا عرضت له لذّة فانية يُقدِم عليها ولا يبالي ؛ لأنَّ ذِكر اليوم الآخر ليس حاضرًا في قلبه .

﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) ﴾ النتيجة والثَّمرة ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) ﴾  نسأل الله الكريم لنا أجمعين من فضله العظيم ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ﴾ أي بما قدمتم في الحياة الدنيا.
إذاً تقديم الإنسان في هـٰذه الحياة الدُّنيا للأعمال الصَّالحات ذُخرٌ له يوم القيامة ترتفع به درجاته، وتكون به نجاته، وتتحقّق به سعادته يوم يلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
والفريق الآخر - وقانا الله أجمعين وحمانا من سبيلهم - يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) ﴾ [احاقة:25-27] يوم النَّدامة ، ويوم الخزي ، ويوم التَّغابن ، ويوم الفضيحة ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾ يأخذ كتابه بشماله ، كتابٌ فيه الهول، فيه العُقوبة ، فيه السَّخط ، فيه مقتُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فيقول متندِّماً متحسِّرا  متقطِّعًا حسرات ولا ينفعه ذلك النَّدم: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾ ماذا تفيده هـٰذه الكَلِمَة ؟ وأي شيء تنفعه هذه الحسرة والألم ؟ ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ أن يُقضى عليه فيموت ؛ أماني يتمنَّاها ، وهيهات أن ينال شيئًا منها ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ إن كان ذا مالٍ في هـٰذه الحياة الدّنيا أين ماله يوم القيامة ؟! وإن كان ذا مُلكٍ وسلطةٍ ورئاسةٍ وزعامةٍ ماذا تغني عنه يوم القيامة ؟! ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) ﴾ [الحاقة:28-29] أي لا ينتفع من ذلكم بشيء ، وفي ذلك اليوم ينادي ربُّ العَالمين الخلائق بصوتٍ يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب: «أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، أيْنَ مُلُوك الأرْضِ؟» ثم يقول عزَّ وجلَّ : «وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ » ثم تذكر النَّتيجة ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)﴾ [الحاقة:30-32] السَّبب : ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ﴾ [الحاقة:33-35] إلى آخر هـٰذه الآيات الكَريمات ، فكم هو عظيمٌ بالمؤمن أن يكون على ذِكرٍ لهـٰذا اليوم .
تذكر - أيُّها المسلم الموفَّق- هـٰذا الوقوف بين يدي الله عزَّ وجل وهـٰذا التَّطاير للصُّحف، وأعدّ لذلك اليوم عدَّته، وتذكر أنَّك مسئول فأعدَّ للسُّؤال جوابًا ، وليكن الجواب صوابًا ، وما التَّوفيق إلَّا بالله وحده .
اللّٰهمَّ وفِّقنا يا حيّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام ، اللّٰهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير والموت راحة لنا من كلِّ شر ، اللّٰهمَّ إنَّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنَّك أنت الله لا إلـٰه إلَّا أنت يا من وسعتَ كل شيء رحمةً وعلمًا أن تجعلنا ممن يؤتَون كتابهم باليمين يا حيّ يا قيّوم يا ذا الجَلال والإكرام . والله أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله .



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire