el bassaire

mardi 11 octobre 2016

تَزْكِيَةُ النَّفْس

تَزْكِيَةُ النَّفْس

https://al-bassair.blogspot.com


الحمد لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلَى آله وأصْحابه أجمعين ، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى:14] .
في هـٰذه الآية بيان أنّ من تزكّى أفلح في دنياه وأخراه، والفلاح : هو حيازة الخيْر في الدُّنيا والآخرة ، وهـٰذه الآية نظيرها قول الله عزَّ وجَلَّ في سورة الشَّمس مُقسِما على ذلك بآياته العظام ومخلوقاته الجسام ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)﴾ فأقسم الله عزَّ وجلَّ بأكثر من عشر آيات عظيمة ومخلوقات جسيمة أنّ من زكّى نفسه أفلح ، ومن دسّاها خاب وخسر، ومعنى ﴿دَسَّاهَا ﴾ : أي غمرها وحقّرها وطمَرها بإيقاعها في الخسائس وحقائر الذُّنوب والمعاصي والآثام.
فتزكية النَّفس أمر عظيم ينبغي على المسلم أن يُعنى به عناية دقيقة ، وفي هـٰذا الباب - أيُّها الإخوة - أشير على عجل إلى بعض القواعد والضَّوابط والأصول المهمّة في باب تزكية النَّفس أذكرها باختصار وبدون إطالة:

فالأمر لله من قبل ومن بعد ، قال الله تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:49] ، وقال جلَّ وعلا: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}  [النور:21] وقال جل  وعلا: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ﴾ [الحجرات:7-8] . وهـٰذا الأصل ينقلنا إلى أصل ثانٍ مرتبط به ألا وهو :

 أهمية الدُّعاء في باب تزكية النَّفس ؛ فإذا كانت التَّزكية بيد الله ولا متزكِّي إلا من زكّاه الله فما أحوج العبد وأشدّ افتقاره إلى ربِّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن يزكّيه ، والدُّعاء -كما قيل- مفتاح كلِّ خير في الدُّنيا والآخرة ،   في هـٰذا الباب ثبت في صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم أنَّ النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال في دعائه: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا».

فالتَّوحيد هو الأساس الذي تُبنى عليه التّزكية والقاعدة التي عليه تقوم ، وهو لشجرة التَّزكية بمثابة الأصول للأشجار كما قال الله تعالى : ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم:24] فشجرة التّزكية تقوم على التَّوحيد ، وإذا انثلم التَّوحيد لا زكاة ، كما أنَّ الشَّجرة لا قيام لها بدون أصلها ، ولهـٰذا جاء عن عدد من المفسِّرين من الصَّحابة والتابعين في معنى قوله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ ، وقوله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ ، وقوله: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ [فصلت:7] أي لا يقولون لا إلـٰه إلَّا الله ، أي لا يُوحِّدون الله، وذلك لأنّ توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الأصل الذي تُبنى عليه التَّزكية ، فإذا فُقِد التَّوحيد لا توجد زكاة في العبد ، وأعماله كلّها تذهب هباءً منثورًا ؛ لأن الشِّرك محبط للأعمال مبطل لها.

 الأصل الرَّابع في هذا الباب : القرآن الكريم هو منبع التَّزكية ومعِينها الذي لا ينضب وكلَّما كان العبد مرتبطًا بهـٰذا القرآن قراءة وتدبُّرا وعملا فاز من التَّزكية بأعظم نصيب ، ولهـٰذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [آل عمران:164] فبتلاوة آيات الله جلَّ وعلا على الناس تُزَكَّى النُّفوس ، فالقرآن هو كتاب التزكية ومنبعها ، كلَّما كان العبد قريبًا من هـٰذا القرآن حاز من التَّزكية بحسب قُرْبه من كتاب الله .

 الأصل الخامس في هذا الباب؛ باب تزكية النفس: لا زكاة للعبد إلا باتِّباع الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.وأمر تزكية النَّفس مسلَّمٌ للرّسل عليهم صلوات الله وسلامه ، فهم أئمة المتزكِّين وقدوة عباد الله ، قد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في شأن إمام المرسلين وخاتمهم وسيِّد ولد آدم أجمعين -صلوات الله وسلامه عليه- قال جلَّ وعلا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[الأحزاب:21] .
وفي هـٰذا الباب أقول: كيف يُرام الوصول إلى التَّزكية والقبول بغير اتِّباع الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! هـٰذا مُحال، كيف يَطلب الإنسان لنفسه تزكية دون أن يتَّبع النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وقد أعطانا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هـٰذا الباب قاعدةً جامعة وضابطاً نافعاً فقال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، وقال: «فَإِنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .

 وهـٰذا ينقلنا إلى أصلٍ سادس في هذا الباب ألا وهو : أن الطَّرائق المحدثة التي يحدثها الناس ويزعمون أنها تُزكِّي النُّفوس فهي في الحقيقة لا تحقِّق لهم تزكية ؛ بل لا تزيدهم عن التزكية إلا بُعدًا .
فالطَّرائق المحدثة وكثيرًا ما تُخترع عبر التاريخ بدعٌ وأهواء يدَّعي أربابُها ومحدِثوها أنها تزكِّي النفوس وأنَّ النفوس إنَّما تزكو بها ؛ فهـٰذا يدعو إلى خلوةٍ في مكانٍ مظلم ينقطع فيه الإنسان عن الجُمَع والجماعات والعلم والتّعلم ويردِّد كلمات تُمْلى عليه ؛ بل أحياناً كلاماً يردده لا معنى له يردِّده أيامًا طويلة، ويزعمون أنّه بمثل هـٰذه الخُرافات والضَّلالات يُزكِّي نفسه ، ولقد تلاعب الشَّيطان بأقوام في هـٰذا الباب تلاعبًا عجيبًا ، قد فصَّل في هـٰذا الباب تفصيلاً واسعاً ابن الجوزي في كتابه « تلبيس إبليس» ، وذكر في هـٰذا الباب عجائب وغرائب من تلبيس إبليس على الصُّوفية ، وكيف أنه أدخلهم في منزلقاتٍ خطيرةٍ جدًّا من باب تزكية النفوس ، وهي أعمالٌ لا تزيد فاعلها عن تزكية النّفس إلا بُعْدًا .

 الأصل السّابع من الأصول في هذا الباب : أهمِّية الوسطية والاعتدال في باب التَّزكية ؛  كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة:143] فالوسطيَّة في هـٰذا الباب وفي كل باب مطلوبة ولابد منها ، فإذا دخل الإنسان في أبواب العبادات ليُزكِّي نفسه ، في باب الأخلاق ليزكي نفسه عليه أن يكون في ذلك وسطاً ، والوسطية تعني لزوم الحق ؛ بل يجمع الوسطية قول النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا» .

وخذ مثالاً لذلك يوضحه ويقرِّبه: رمي السّهم إلى المرمى ؛ ما هو السّداد في رمي السهم إلى المرمى ؟ أن يصيب المرمى بعينه ، والمقاربة أن يرمي السهم إلى جهة المرمى فيكون قريبًا منه ؛ لـٰكن من لا يأخذ السهم أصلاً ولا يرميه، أو يأخذ السهم ويعطي المرمى ظهره ويرمي إلى جهة أخرى !! هل هـٰؤلاء أهل سدادٍ أو أهل مقاربة ؟ لا ؛ فأهل السّداد والمقاربة الذين يصيبون السنة ، أو الذي يعمل جاهداً ليصيب السنة فيكون قريباً منها ، ولكل منهما بشارة قال: « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا» ، فأهل السّداد لهم بشارة ، وأهل المقاربة أيضا لهم بشارة ، أمّا الذي يدير للسُّنّة ظهره ولا يرفع بالسُّنة رأسًا ولا يبالي بها بل يتّبع هواه ويبتعد عن سنة النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهُداه فهـٰذا ما أبعده عن الوسطية ؛ فالتزكية وسطيةٌ واعتدال.

 الأصل الثَّامن في هذا الباب : أن التَّزكية تخلية وتحلية ، ولا يكون العبد متزكِّياً إلا بهما ومن يرجع إلى أصل مدلول هـٰذه الكلمة في اللُّغة كذلك معناها في الشَّرع في ضوء دلالات النُّصوص يدرك ذلك، فالتَّزكية تخلية وتحلية ؛ تخلية للنَّفس من الرَّذائل، وتحلية لها بالخيرات والفضائل ، هـٰذه التَّزكية.

وأصل معناها في اللُّغة : النَّماء والطَّهارة ، النَّماء : أي الزِّيادة في الخَيْرات ، والطَّهارة : أي التخلِّي من الآفات والسيئات والمنكرات.يدلّ على أنّ التَّزكية تحلية بالفضائل الآية التي بدأنا بها وهي قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى:14-15] فالذِّكر والصَّلاة وعموم الطَّاعات تُزَكِّي النُّفوس ، كل طاعة يتقرَّب بها العبد إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهي تزكية لنفسه .
ويدلّ على أنَّ التَّخلِّي عن المنكرات والبعد عنها داخلٌ في باب التَّزكية قول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور:30] ؛ فبُعد الإنسان عما نهاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه هـٰذا داخل في باب تزكية النَّفس ، ولهـٰذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ .

 أختم بـأصلٍ تاسع في هذا الباب العظيم ألا وهو: أهمِّية تذكُّر اليوم الآخر وأن يكون نصْب عيْني الإنسان.كلَّما كان العبد على ذكرٍ لهـٰذا اليوم - يوم الحساب ، يوم الوقوف بين يدي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أعانه ذلك على تزكية نفسه ، قد مرّ معنا فيما سمعناه من آيات قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عمّن يُؤْتَوْنَ كتابهم باليمين : ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ [الحاقة:20-21] ، فكلَّما كان العبد مستصحبًا هـٰذا الظَّن المبارك والاعتقاد العظيم وهو أنّه سيحاسَب وأنّه سيلاقي الحساب وأنه سيقف بيْن يَدي الله جلّ وعلا وأنَّ الله سيحاسبه على أعماله التي قدَّم في هـٰذه الحياة ؛ كلَّما أراد أن  يخطو خطوة لعمل لا يرضي الله تذكَّر أنَّ الله سيحاسبه على هـٰذا العمل ، وأنه سيقف أمام الله جلَّ وعلَا ويُجزى بما قدَّم ؛ فيمنعه ذلك ويحجزه بإذن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن الرَّذائل ويسوقه إلى الفضائل . ولهـٰذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر:18] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:6] ، ومن أواخر ما نزل على نبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل قيل هو آخر ما نزل قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281] .
فإذا كان العبد على ذكرٍ لهـٰذا اليوم وهـٰذا القيام بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإن هـٰذا بإذن الله عزَّ وجلَّ يحفِزه إلى التحلِّي بالفضائل والتخلِّي عن الرَّذائل ؛ وهـٰذه هي حقيقة التَّزكية .
اللّٰهم آت نفوسنا أجمعين تقواها ، وزكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .

والله أعلم ، وصلَّى الله وسلم على رسول الله .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire