el bassaire

samedi 15 octobre 2016

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْــبِل

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْــبِل

https://al-bassair.blogspot.com/

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

يقول رسول صلي الله عليه و سلم ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ )).

فهذه وقفة مع قوله عليه الصلاة والسلام ((وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ))؛ هذا المنادي الذي ينادي هذا النداء المتكرر كل ليلة من ليالي رمضان - والأقرب والله تعالى أعلم أنه ملَك وكَل الله عز وجل إليه هذه المناداة - لا نسمع صوت ندائه ، تمر معنا ليالي رمضان ولا نسمع صوت ندائه ؛ لكننا على يقين من ذلك وليس في قلوبنا شك ، لأن الذي أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلوات الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4] ، ولهذا يجب أن نعتقد عقيدةً جازمة - وهذا من جملة إيماننا بالغيب وإيماننا بالملائكة - أن لله سبحانه وتعالى منادٍ كل ليلة من ليالي رمضان (( يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ )) كل ليلة من ليالي رمضان يتكرر هذا النداء ؛ وهذا فيه تنبيه إلى أن ليالي رمضان ميدانٌ فسيح ووقتٌ رحْب للتنافس في الطاعات والإقبال على الله سبحانه وتعالى والجدِّ في أنواع القربات وحفظ الوقت والبعد عن المحرمات والآثام والمنكرات ، وهذا أمرٌ ينبغي على كل صائم على كل مسلم أن ينتبه له ، وينبغي أن يستذكر كل ليلة النداء (( يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ )) أو ((أمسك)) في رواية ، فسيتذكر هذا النداء كل ليلة ويجاهد نفسه على الإقبال على الخير والإمساك عن الشر والبعد عنه وعن أماكنه وعن الوقوع فيه والحذر من ذلك أشد الحذر.

وهذا الحديث يفيد أن القلوب قلبان : (( يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ )) ، ((يَا بَاغِيَ الشَّرِّ )) ؛ هذا يفيد أن القلوب قلبان.
1- قلب يبغي الخير ؛ يميل إليه ، يرتاح إليه ، نفسه تطلبه ، تبحث عنه وتتحراه ، تبحث عن أماكنه ، يسمع بصلاة التراويح يقبِل عليها ، مجلس علم يقبِل عليه ، تلاوة القرآن ، صلة الأرحام إلى غير ذلك نفسه مقبِلة على الخير، كل ما ذُكر من الخير النفس ترتاح لذلك وتقبل عليه ؛ هذا صنف ، والنداء الموجَّه إلى هؤلاء ((أقبِل)) ، من كان قلبه بهذه الصفة النداء المتكرر كل ليلة من ليالي رمضان هو (( أقبل )) . يا باغي الخير : أي يا من نفسه تطلب الخير وتبغيه وتطلبه أقبِل فإنك في أعظم مواسم الخير وأكبر أوقات التسابق إليه والمنافسة فيه فأقبِل.
2- والصنف الثاني من القلوب : قلبٌ - والعياذ بالله - يبغي الشر ؛ الشر متحرِّك في القلب ، يبحث عن الشر ويطلب أماكنه ويتحراه ، وإذا سمع به اشتاقت إليه نفسه ، وإذا سمع بشيء من الخير انكمشت ولم تقبِل ؛ فهو قلب يبغي الشر ، فإلى هذا الصنف القلوب يأتي النداء (( يا باغي الشر أمسك )) : جاهد نفسك على الإمساك عن الشر والانكفاف عن فعله والبعد عن أماكنه ، جاهد نفسك على ذلك فإنك في موسم الخيرات ، موسم العتق من النار ، موسم غفران الذنوب ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ)) ، موسم ربح ، موسم عتق من النار ، موسم فوز برضا الله، غفران للذنوب ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) ، و ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
فهو موسم عظيم مبارك ، فإذا كانت نفسه ليست مقبلة على الخير فعليه أن يمنع نفسه ويزمَّها من مقارفة الشر وفعله ليكون ذلك بوابةً له للاقتراب من الخير والحرص عليه ، وإذا وفَّق الله سبحانه وتعالى عبده لفعل هذا التوجيه المبارك لصاحب الخير الذي تقبل نفسه على الخير يجاهد نفسه على الازدياد والإقبال ، والذي تقبل نفسه على الشر يجاهد نفسه على الانكفاف مع الاستمرار مع ليالي رمضان يتخرَّج من مدرسة الصيام من هذا الشهر المبارك على خير حال ، فصاحب الخير يخرج من رمضان ونفسه ارتاضت على الخيرات وأقبَلت عليها وحرص على المسابقة والمنافسة ، وصاحب الشر أيضاً ارتاضت نفسه على الانكفاف عن الشر ومقارفته وفعله ؛ فيتخرج من مدرسة الصيام من شهر الصيام بمغنمٍ عظيم وربح كبير.
وأعداء الدين وأعداء الفضيلة لا يرغبون لأهل الإيمان أن يعيشوا أجواء رمضان الطيبة ولياليه المباركة وأجواء التعبد والتقرب والإقبال على الخيرات والانكفاف عن الشرور والآثام ، لا يرغبون لهم أن يعيشون هذه العيشة ؛ ولهذا يتبارى الأعداء للدين ودعاة الشر والفساد إلى تهيئة أمور تشغل الناس في ليالي رمضان عن الخير وتوقِعهم في الشر وتحرِّك في نفوسهم الفساد ؛ حتى أن بعض أصحاب القنوات الفضائية الفاسدة العاهرة يخطِّطون لرمضان من شهور لإعداد برامج تستقطِب أهل الإسلام في ليالي رمضان ليُصرَفوا عن الخيرات وليُغمَسوا في الرذائل والفساد ، والشيطان يُصفَّد في رمضان وهم يستلمون المهمة منه في ليالي رمضان للصدِّ عن دين الله تبارك وتعالى ولتهييج الفساد والانحلال والفواحش والمحرمات وأنواع المنكرات.
وينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه - كما أسلفت - على استذكار هذا النداء المتكرر مع كل ليلة من ليالي رمضان ، ويجاهد نفسه على الإقبال على الخيرات والانكفاف عن الشرور والآثام مستعيناً بالله تبارك وتعالى طالباً مدَّه وعونه وتوفيقه.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعاً لفعل الخيرات واجتناب المنكرات ، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ؛ إنه تبارك وتعالى غفور رحيم جواد كريم.

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire