el bassaire

dimanche 16 octobre 2016

يَوْمُ الدِّينِ

يَوْمُ الدِّينِ

https://al-bassair.blogspot.com/

الحمد لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصْحَابه أجمعين.

قول الله عزَّ وجل في سورة الانفطار : ﴿ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) ﴾.
يوم الدِّين هو يوم الجزاء والحساب ، وسُمِّيَ هـٰذا اليوم بـ(يوم الدِّين) لأنَّه اليوم الذي يُجازى فيه العباد على أعمالهم إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًّا فشرّ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[الزلزلة:7-8] .
فالحياة الدُّنيا يوم العمل ، والحياة الآخرة يوم الدِّين ؛ أي: يوم الجزاء ، ولهـٰذا قال عليّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  « ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ؛ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ » ، غدًا : أي اليوم الآخر، حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ : أي أنَّه يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال ؛ ولهـٰذا سُمِّيَ اليوم الآخر بهـٰذا الاسم : (يوم الدِّين) ، ومعنى يوم الدِّين: أي يوم الحساب ، ومنه قوله: ﴿ أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [الصَّافات:53] أي: مجزيُّون محاسبون ، وفي سورة الفاتحة  ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ﴾ أي: مالك يوم الحساب والمجازاة .
ومن أسماء ربِّنا عزَّ وجلَّ الحسنى : (الدَّيَّان) أي: المجازي المحاسِب ، ففي حديث عبد الله بن أنيس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا » قَالوا : مَا بُهْمًا ؟ قَالَ: « لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الدَّيَّانُ ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ ، وَعِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةَ » قَال قُلْنَا: كَيْفَ ذَا ، وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ » أي : يجازي ويحاسب تَبَارَكَ وَتَعَالَى بالحسنات والسَّيئات ، والقصاص كذلك يكون بالحسنات والسَّيئات ، فيقتصُّ للمظلوم من ظالمه ليس بالدِّينار والدِّهم ؛ لأنّ هـٰذه كلّها تنتهي في الحياة الدُّنيا ، ويوم القيامة - يوم الدِّين- ليس هناك إلا الحسنات والسَّيئات ، فالقصاص يكون بالحسنات والسَّيئات ؛ فيُؤخذ للمظلوم من حسنات الظالم ، وإن فنيت حسنات الظالم طُرح عليه من سيئات المظلوم كما في حديث المفلس قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» .
ولهـٰذا عظَّم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شأن هـٰذا اليوم وبيَّن هوْل هـٰذا الخطْب بقوله عزَّ وجلَّ : ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ(18) ﴾ فهـٰذا استفهام لبيان هوْل هـٰذا الأمر وعِظم هـٰذا الخطْب وكِبَره وأنَّه أمر عظيم غايةً ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ﴾ ثلاث نكرات في سياق النَّفْي ، والنكرة إذا جاءت في سياق النفي تفيد العموم ؛ ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ﴾ :
﴿ نَفْسٌ ﴾ أي: مهما عظُم قدرها وعلَت مكانتها وارتفع شأنها .
﴿ لِنَفْسٍ ﴾ مهما كانت عزيزةً لدى الإنسان حبيبة إلى قلبه ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾[عبس:34-37].
﴿ شَيْئًا ﴾ : أي ولو قدرًا يسيرًا ، ولا حسنة واحدة ، ولا -أيضاً- يقبل أن يتحمَّل عنه سيئة واحدة ، ولو كان أعزّ النَّاس عنده وأحبَّهم إليه ، لا يقبل ذلك .
﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ أي: للملك الدَّيَّان سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، ولهـٰذا جاء في حديث آخر  يقول: «أنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟» فالأمر يومئذ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وفي ذلك اليوم العظيم يقضي جلَّ وعلا بين الخلائق ، ومن كمال عدله ولُطفه ومنِّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحكمته يجيء عزَّ وجلَّ بنفسه كما أخبر في سورة الفجر في قوله عزَّ وجل: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) ﴾ أي والملائكة في ذلك اليوم مطوِّقة للخلائق صفوفًا من وراء صفوف محيطين بالخلائق ، فيجيء الرَّبُّ عزَّ وجلَّ في ذلك اليوم للقضاء بيْن الخلائق :

والعاقل يُعِدُّ لذلك اليوم عدَّته ويستعدُّ لهـٰذا اللِّقاء ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾[البقرة:197] ، لقي الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى رجلًا فقال له: كم بلغت من العمر؟ قال: ستِّين سنة، قال: أوَما علمت أنَّك في طريقٍ إلى الله وقد أوشكت أن تبلغ نهايته ؟ فقال الرَّجل: إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجعون ، قال: أو تعرف تفسيره؟ قال: وما تفسيره ؟ قال : (إنَّا لله) : أي أنا لله عبد ، (وإنَّا لله راجعون) : أي أنا إليه راجع . فإذا علمتَ أنَّك لله عبد وأنَّك إليه راجع فاعلم أنَّه سائلك ، وإذا علمتَ أنه سائلك فأعدَّ للمسألة جوابًا. فقال الرَّجل: وما الحيلة؟ قال: الحيلة يسيرة ؛ أحسن فيما بقي يُغفر لك ما قد مضى ، فإنك إن أسأت فيما قد بقي أُخذت فيما بقي وفيما مضى.
وهـٰذا الذي قاله الفضيل رحمه الله جاء في حديث يُرفع إلى النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أورده الألباني رحمه الله في سلسلته الصَّحيحة : « من أحسن فيما بقي غُفر له ما مضى ، ومن أساء فيما بقي أُخِذ بما مضى وما بقي » ؛ قد يكون الذي بقي على الإنسان من حياته الدُّنيا أيامٌ قلائل والذي مضى سنونٌ طويلة ؛ فإن أحسن في أيامه التي بقيت وإن قلَّت غُفر له ما قد مضى وإن كثُر ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غفور رحيم جواد كريم ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53].
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا أجمعين للتَّوبة النَّصوح ، وأن يُصلح لنا شأننا كلَّه ، ونسأله عزَّ وجلَّ أن لا يخزينا يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلَّا من أتى الله بقلب سليم .
والله تعالى أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه أجمعين.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire