el bassaire

jeudi 19 février 2009

رسالة في المعاني المستنبطة من سورة الإنسان



بسم الله الرحمن الرحيموبه نستعين فصل تفسير السورة إجمالااعلم أن سورة هل أتى على الإنسان سورة عجيبة الشأن من سور القرآن على اختصارهاالآيتان: 1، 2فإن الله سبحانه ابتدأها بذكر كيفية خلق الإنسان من النطفة ذات الأمشاج والأخلاط التي لم يزل بقدرته ولطفه وحكمته يصرفه عليها أطوارا وينقله من حال إلى حال إلى أن تمت خلقته وكملت صورته فأخرجه إنسانا سويا سميعا بصيرا ثم لما تكامل تمييزه وإدراكه هداه طريقي الخير والشر والهدى والضلالالآية الثالثةوأنه بعد هذه الهداية إما أن يشكر ربه وإما أن يكفره ثم ذكر مآل أهل الشكر والكفر وما أعد لهؤلاء وهؤلاء وبدأ أولا بذكر عاقبة أهل الكفر ثم عاقبة أهل الشكر وفي آخر السورة ذكر أولا أهل الرحمة ثم أهل العذاب فبدأ السورة بأول أحوال الإنسان وهي النطفة وختمها بآخر أحواله وهي كونه من
لآية الرابعةأهل الرحمة أو العذاب ووسطها بأعمال الفريقين فذكر أعمال أهل العذاب مجملة في قوله إنا اعتدنا للكافرين سورة الإنسان 4 وأعمال أهل الرحمة مفصلة وجزاءهم مفصلافتضمنت السورة خلق الإنسان وهدايته ومبدأه وتوسطه ونهايته وتضمنت المبدأ والمعاد والخلق والأمر وهما القدرة والشرع وتضمنت إثبات السبب وكون العبد فاعلا مريدا حقيقة وأن فاعليته ومشيئته إنما هي بمشيئة الله ففيها الرد على طائفتين القدرية والجبرية وفيها ذكر أقسام بني آدم كلهم فإنهم إما أهل شمال وهم الكفار أو أهل يمين وهم نوعان أبرار ومقربونالآية الخامسةوذكر سبحانه أن شراب الأبرار يمزج من شراب عباده المقربين لأنهم مزجوا أعمالهم ويشربه المقربون صرفا خالصا كما أخلصوا أعمالهم وجعل سبحانه شراب المقربين من الكافور الذي فيه من التبريد والقوة ما يناسب برد اليقين وقوته لما حصل لقلوبهم ووصل إليها في الدنيا مع ما في ذلك من مقابلته للسعيروأخبر سبحانه أن لهم شرابا آخر ممزوجا من الزنجبيل لما فيه من طيب الرائحة ولذة الطعم والحرارة التي توجب تغير برد الكافور وإذابة الفضلات وتطهير الأجواف ولهذا وصفه سبحانه بكونه شرابا طهورا أي مطرها لبطونهمفوصفهم سبحانه بجمال الظاهر والباطن كما قال ولقاهم نضرة وسرورا الآية 11 فالنضرة جمال وجوههم والسرور جمال قلوبهم كما قال تعرف في وجوههم نضرة النعيم سورة المطففين 24
وقريب من هذا قول امرأة العزيز في يوسف فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم سورة يوسف 32 فأخبرت بجمال ظاهره حين أشارت إليه بالخروج عليهن ثم ضمت إلى ذلك إخبارها بأن باطنه أجمل من ظاهره بأني راودته فأبى إلا العفة والحياء والإستعصامثم ذكر سبحانه من أعمال الأبرار ما ينبه سامعه على جمعهم لأعمال البر كلها فذكر سبحانه وفاءهم بالنذر وخوفهم من ربهم وإطعامهم الطعام على محبتهم له وإخلاصهم لربهم في طاعتهمالآية السابعةوذكر سبحانه الوفاء بالنذر وهو أضعف الواجبات فإن العبد هو الذي أوجبه على نفسه بالتزامه فهو دون ما أوجبه الله سبحانه عليه فإذا وفى لله بأضعف الواجبين الذي التزمه هو فهو بأن يوفى بالواجب الأعظم الذي أوجبه الله عليه أولى وأخرىومن ههنا قال من قال من الفسرين المقربون يوفون بطاعة الله ويقومون بحقه عليهم وذلك أن العبد إذا نذر لله طاعة فوفى بها فإنما يفعل ذلك لكونها صارت حقا لله يجب الوفاء بها وهذا موجود في حقوقه كلها فهي في ذلك سواءثم أخبر عنهم بأنهم يخافون اليوم العسير القمطرير وهو يوم القيامة
ففي ضمن هذا الخوف إيمانهم باليوم الآخر وكفهم عن المعاصي التي تضرهم في ذلك اليوم وقيامهم بالطاعات التي ينفعهم فعلها ويضرهم تركها في ذلك اليومالآية الثامنةثم أخبر عنهم بإطعام الطعام على محبتهم له وذلك يدل على نفاسته عندهم وحاجتهم إليه وما كان كذلك فالنفوس به أشح والقلوب به أعلق واليد له أمسك فإذا بذلوه في هذه الحال فهم لما سواه من حقوق العباد أبذلفذكر من حقوق العباد بذل قوت النفس على نفاسته وشدة الحاجة منبها على الوفاء بما دونه كما ذكر من حقوقه الوفاء بالنذر منبها على الوفاء بما هو فوقه وأوجب منه ونبه بقوله على حبه الآية 8 أنه لولا أن الله سبحانه أحب إليهم منه لما آثروه على ما يحبونه فآثروا المحبوب الأعلى على الأدنىالآية التاسعةثم ذكر أن مصرف طعامهم إلى المسكين واليتيم والأسير الذين لا قوة لهم ينصرونهم بها ولا مال لهم يكافئونهم به ولا أهل ولا عشيرة يتوقعون منهم مكافأتهم كما يقصده أهل الدنيا والمعاوضون بإنفاقهم وإطعامهمثم أخبر عنهم أنهم إنما فعلوا ذلك لوجه الله وأنهم لا يريدون ممن أطعموه عوضا من أموالهم ولا ثناء عليهم بألسنتهم كما يريده من لا إخلاص له بإحسانه إلى الناس من معاوضتهم أو الشكور منهم فتضمن ذلك المحبة والإخلاص والإحسانالآية العاشرةثم أخبر سبحانه عنهم بما صدقهم عليه قبل أن يقولوه حيث قالوا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا الآية 10 فصدقهم قبل قولهم
إذ يقول تعالى يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا الآية 7الآية: 11ثم أخبر سبحانه بأنه وقاهم شر ما يخافونه ولقاهم فوق ما كانوا يأملونهالآيات: 12-20وذكر سبحانه أصناف النعيم الذي حياهم به من المساكن والملابس والمجالس والثمار والشراب والخدم والنعيم والملك الكبيرولما كان في الصبر من حبس النفس والخشونة التي تلحق الظاهر والباطن من التعب والنصب والحرارة ما فيه كان الجزاء عليه بالجنة التي فيها السعة والحرير الذي فيه اللين والنعومة والإتكاء الذي يتضمن الراحة والظلال المنافية للحرالآية: 21ثم ذكر سبحانه لون ملابس الأبرار وأنها ثياب سندس خضر وإستبرق وحليتهم وأنها أساور من فضة فهذه زينة ظواهرهم ثم ذكر زينة بواطنهم وهو الشراب الطهور وهو بمعنى التطهيرفإن قيل فلم اقتصر من آنيتهم وحليتهم على الفضة دون الذهب ومعلوم أن الجنان جنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهماقيل سياق هذه الآيات إنما هو في وصف الأبرار ونعيمهم مفصلا دون تفصيل جزاء المقربين فإنه سبحانه إنما أشار إليه أشارة تنبه على ما سكت عنه وهو أن شارب الأبرار يمزج من شرابهمفالسورة مسوقة بصفة الأبرار وجزائهم على التفصيل وذلك والله أعلم
لأنهم أعم من المقربين وأكثر منهم ولهذا يخبر سبحانه عنهم بأنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وعن المقربين السابقين بأنهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرينوأيضا فإن في ذكر جزاء الأبرار تنبيها على أن جزاء المقربين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشروأيضا فإنه سبحانه ذكر أهل الكفر وأهل الشكر وأهل الشكر نوعان أبرار أهل يمين ومقربون سابقون وكل مقرب سابق فهو من الأبرار ولا ينعكس فاسم الأبرار والمقربين كاسم الإسلام والإيمان أحدهما أعم من الآخرالآية: 22وأيضا فإنه سبحانه أخبر أن هذا جزاء سعيهم المشكور وكل من الأبرار والمقربين سعيهم مشكور فذكر سبحانه السعي المشكور والسعي المسخوطالآيتان: 23، 24ثم ذكر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بما أنعم عليه من تنزيل القرآن عليه وأمره بأن يصبر لحكمه وهو يعم الحكم الديني الذي أمره به في نفسه وأمره بتبليغه والحكم الكوني الذي يجري عليه من ربه فإنه سبحانه امتحن عباده وابتلاهم بأمره ونهيه وهو حكمه الديني وابتلاهم بقضائه وقدره وهوحكمه الكوني وفرض عليهم الصبر على كل واحد من الحكمين وإن
كان الحكم الديني في هذه الآية أظهر إرادة وأنه أمر بالصبر على تبليغه والقيام بحقوقهولما كان صبره عليه لا يتم إلا بمخالفته لمن دعاه إلى خلافه من كل آثم أو كفور نهاه عن طاعة هذا وهذا وأتى بحرف أو دون الواو ليدل على أنه منهي عن طاعة أيهما كان إما هذا وإما هذا فكأنه قيل له لا تطع أحدهما وهو أعم في النهي من كونه منهيا عن طاعتهما فإنه لو قيل له لا تطعهما أو لا تطع آثما وكفورا لم يكن صريحا في النهي عن طاعة كل منهما بمفردهالآيتان: 25، 26ولما كان لا سبيل إلى الصبر إلا بتعويض القلب بشيء هو أحب إليه من فوات ما يصبر على فوته أمره بأن يذكر ربه سبحانه بكرة وأصيلا فإن ذكره أعظم العون على تحمل مشاق الصبر وأن يصبر لربه بالليل فيكون قيامه بالليل عونا على ما هو بصدده بالنهار ومادة لقوته ظاهرا وباطنا ولنعيمه عاجلا وآجلاالآية: 27ثم أخبر سبحانه عما يمنع العبد من إيثار ما فيه سعادته في الدنيا والآخرة وهو حب العاجلة وإيثارها على الآخرة تقديما لداعي الحس على داعي العقلالآية: 28ثم ذكر سبحانه خلقهم وإحكامه وإتقانه بما شد من أسرهم وهو ائتلاف الأعضاء والمفاصل والأوصال وما بينها من الرباطات وشد بعضها
ببعض وحقيقته القوة ومنه قول الشاعرمن كل مجتنب شديد أسره ... سلس القياد تخاله مختالاولا يكون ذلك إلا فيما له شد ورباط ومنه الإسار وهو الحبل الذي يشد به الأسيرثم أخبر سبحانه أنه قادر على أن يبدل أمثالهم بعد موتهم وأنه إذا شاء ذلك فعله وإذا للمحقق فهذا التبديل واقع لا محالة فهو الإعادة التي هي مثل البداءةهذا هو معنى الآية ومن قال غير ذلك لم يصب معناها ولا توحشك لفظة المثل فإن المعاد مثل للمبدوء وإن كان هو بعينه فهو معاد أو هو مثله من جهة المغايدة بين كونه مبدءا ومعادا وهذا كالدار إذا تهدمت وأعيدت بعينها فهي الأولى وكذلك الصلاة المعادة هي الأولى وهي مثلها
وقد نطق القرآن بأنه سبحانه يعيدهم ويعيد أمثالهم إذ شاء وكلاهما واحد فقال كما بدأكم تعودون سورة الأعراف 29 وقال تعالى وإلينا ترجعون سورة الأنبياء 35 وقال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده سورة الروم 27 وقال أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم سورة يس 81 وقال إنا لقادرون على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون سورة الواقعة 61 62فهذا كله معاد الأبدان وقد صرح سبحانه بأنه خلق جديد في موضعين من كتابه وهذا الخلق الجديد هو المثلالآية: 29ثم ختم سبحانه السورة بالشرع والقدر كما افتتحها بالخلق والهداية فقال فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا الآية 29 فهذا شرعه ومحل أمره ونهيهالآية الثلاثونثم قال وما تشاءون إلا أن يشاء الله الآية 30 فهذا قضاؤه وقدره ثم ذكر الإسمين الموجبين للتخصيص وهما اسم العليم الحكيموقوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله فأخبر أن مشيئتهم موقوفة على مشيئته ومع هذا فلا يوجب ذلك حصول الفعل منهم إذ أكثر ما فيه أنه جعلهم شائين ولا يقع الفعل إلا حين يشاؤه منهم كما قال تعالى فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله سورة المدثر 55 56 وقال لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله سورة التكوير 28 29 ومع هذا فلا يقع الفعل منهم حتى يريد من نفسه إعانتهم وتوفيقهمفهنا أربع إرادات إرادة البيان وإرادة المشيئة وإرادة الفعل وإرادة الإعانة والله أعلمآخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire