el bassaire

jeudi 19 février 2009

جَامِعُ الرَّسَائِل لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليمابن تيمية المتوفى سنة (728) هـالمجموعة الأولى
رسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيموبه نستعين وبه القوةالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليمافصلفي قنوت الأشياء لله عز وجل وإسلامها وسجودها له وتسبحها لهالقنوت في القرآنفإن هذه الأربعة قد ذكرها الله تعالى في القرآن قال تعالى { وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } [ سورة البقرة 116 117 ] وقال تعالى في سورة الروم { وله من في السموات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ سورة الروم 26 27 ]الإسلاموأما الإسلام فقال تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } [ سورة آل عمران 83 ]السجودوأما السجود فقال تعالى { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } [ سورة الرعد 15 ] وقال { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل
سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } [ سورة النحل 48 49 ] وقال تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب سورة الحج 18التسبيحوأما التسبيح فقال تعالى تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا سورة الإسراء 44 وقال تعالى سبح لله ما في السموات وما في الأرض سورة الصف 1 سورة الحشر 1 في موضعين و سبح لله ما في السموات والأرض سورة الحديد 1 و يسبح لله ما في السموات وما في الأرض سورة الجمعة 1 سورة التغابن 1 في موضعين فخمس سور افتتحت بذكر تسبح ما في السموات وما في الأرض له وقال ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه سورة النور 41فأما قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه سورة البقرة 116 فهو نظير قوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا سورة مريم 88 95 وقد قال تعالى قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون سورة يونس 68
وقال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون إلى قوله وهم من خشيته مشفقون سورة الأنبياء 26 29القنوت في اللغةوالقنوت في اللغة دوام الطاعة والمصلى إذا طال قيامه أو ركوعه أو سجوده فهو قانت في ذلك كله قال تعالى أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه سورة الزمر 9 فجعله قانتا في حال السجود والقياموفي الحديث الصحيح سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل فقال طول القنوت ولم يرد به طول القيام فقط بل طول القيام والركوع والسجود كما كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتدلة إذا أطال القيام أطال الركوع والسجودوقال تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا سورة النحل 120 وقال تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حظف الله سورة النساء 34 وقال تعالى عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات سورة التحريم 5 وقال تعالى إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات سورة الأحزاب 35 وسمى إطالة القيام في الصلاة قنوتا لأنه يطيل فيه الطاعة ولو صلى قاعدا لقنت وهو قاعد وكذلك إذا صلى على جنب قنت وهو على جنب والقيام قبل الركوع يسمى أيضا قنوتا
قال ابن قتيبة لا أرى أصل القنوت إلا الطاعة لأن جميع الخلال من الصلاة والقيام فيها والدعاء وغير ذلك يكون عنهاوقال أبو الفرج قال الزجاج القنوت هو في اللغة بمعنيين أحدهما القيام والثاني الطاعة والمشهور في اللغة والإستعمال أن القنوت الدعاء في القيام فالقانت القائم بأمر الله ويجوز أن يقع في جميع الطاعات لأنه وإن لم يكن قياما على الرجلين فهو قيام بالنيةقلت هذا ضعيف لا يعرف في اللغة أن مجرد القيام يسمى قنوتا والرجل يقوم ماشيا وقائما في أمور ولا يسمى قانتا وهو في الصلاة يسمى قانتا لكونه مطيعا عابدا ولو قنت قاعدا ونائما سمي قانتا وقوله تعالى وقوموا لله قانتين سورة البقرة 238 يدل على أنه ليس هو القيام وإنما هو صفة في القيام يكون بها القائم قانتا وهذه الصفة تكون في السجود أيضا كما قال أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما
القنوت عند ابن تيمية هو الطاعةفقول القائل إن المشهور في اللغة أنه الدعاء في القيام إنما اخذه من كون هذا المعنى شاع في اصطلاح الفقهاء إذا تكلموا في القنوت والصلاة وهذا عرف خاص ومع هذا فالفقهاء يذكرون القنوت سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا لكن لما كان الفرض ليس يصح أن يصليه إلا قائما وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم صار القنوت في القيام أكثر وأشهر وإلا فلفظ القنوت في القرآن واللغة ليس مشهورا في هذا المعنى بل ولا أريد به هذا المعنى ولا هو أيضا مشتركا بل اللفظ بمعنى الطاعة أو الطاعة الدائمة ولهذا يفسره المفسرون بذلكوقد روي في ذلك حديث مرفوع رواه ابن أبي حاتم من النسخة المصرية التي يروى منها الترمذي وغيره من حديث ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة
وفي تفسير ابن أبي طلحة عن ابن عباس فالصالحات قانتات سورة النساء 34 مطيعاتقال ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك وعطاء وقتادة السدي مثل ذلكوروى عن مقاتل بن حيان قال مطيعات لله ولأزواجهن في المعروفوروى عن سعيد بن جبير في قوله والقانتين والقانتات قال يعني المطيعين والمطيعاتقال وروى عن قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم مثل ذلك وروى بإسناده عن أبي العالية في قوله يا مريم اقنتي لربك سورة آل عمران 43 قال اركدي لربك وعن الأوزاعي قال ركدت في محرابها قائمة وراكعة وساجدة حتى نزل ماء الأصفر في قدميهاوعن الحسن أنه سئل عن قوله اقنتي لربك واسجدي قال يقول اعبدي لربكوعن ليث عن مجاهد قال كانت تقوم حتى تتورم قدماهاوقوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل قال ابن أبي حاتم تقدم تفسير القانت في غير موضع القانت الذي يطيع الله ورسولهوروى عن أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال القانت الذي يطيع الله ورسوله

فهذا تفسير السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم لألفاظ القنوت في القرآنفصلوكذلك فسروا القنوت في قوله بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون سورة البقرة 116 لكن تنوع كلامهم في طاعة المخلوقات كلها لما رأوا أن من الجن والإنس من يعصي أمر الله الذي بعث به رسله فذكر كل واحد نوعا من القنوت الذي يعم المخلوقاترواية ابن أبي حاتم أوجه تفسير لفظ القنوتقال ابن أبي حاتم اختلف في قوله كل له قانتون على أوجه وروى بإسناده الحديث المرفوع كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعةالوجه الأول الطاعةوروى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قانتون قال مطيعون يقول طاعة الكافر في سجوده سجود ظله وهو كارهوأيضا عن شريك عن خصيف عن مجاهد كل له قانتون قال مطيعون كن إنسانا فكان وقال كن حمارا فكان ففسرها مجاهد بالسجود طوعا وكرها وفسر الكره بسجوده ظله وفسرها أيضا بطاعة أمره الكوني وهو قوله إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون سورة يس 82 وهذا الأمر الكوني لا يخرج عنه أحد
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجروهذان الوجهان ذكرهما ابن الأنباري مع ذكره وجها آخر أنها خاصة قال أبو الفرج فإن قيل كيف عم بهذا القول وكثير من الخلق ليس له بمطيع ففيه ثلاثة أجوبهأحدها أن يكون ظاهرها العموم ومعناها معنى الخصوص والمعنى كل أهل الطاعة له قانتون والثاني أن الكفار تسجد ظلالهم لله بالغدو والآصال والعشيات فنسب القنوت إليهم بذلك والثالث أن كل مخلوق قانت له بأثر صنعه فيه وجرى أحكامه عليه فذلك دليل على إله كونه ذكرهن ابن الأنباريالوجه الثاني الصلاةقال ابن أبي حاتم الوجه الثاني حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أسباط عن مطرف عن عطية عن ابن عباس قال قانتون مصلون
قلت وهذا من جنس وصفها بالسجود له والتسبيح قال تعالى ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه سورة النور 41 لكن قد يقال فالصلاة صلاة المخلوقات والمؤمنين ولم يرد أن الكافرين يصلون فتكون الآية خاصة ولهذا حكى عن ابن عباس أنه قال هي خاصةالوجه الثالث الإقرار بالعبوديةقال والوجه الثالث ثم روى بالإسناد المروي عن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة كل له قانتون قال مقرون بالعبودية قال وروى عن أبي مالك نحوهقلت وهذا إخبار عما فطروا عليه من الإقرار بأن الله ربهم كما قال وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى الآية سورة الأعراف 172 فإن هذه الآية بينه في إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم بالمعرفة التي فطروا عليها أن الله ربهم وقال صلى الله عليه وسلم كل مولولد مولد على الفطرةوطائفة من العلماء جعلوا هذا الإقرار لما استخرجوا من صلب آدم وأنه أنطقهم وأشهدهم لكن هذا لم يثبت به خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم والآية لا تدل عليه
وإنما الذي جاءت به الأحاديث المعروفة أنه استخرجهم وأراهم لآدم وميز بين أهل الجنة وأهل النار منهم فعرفوا من يومئذ هذا فيه مأثور من حديث أبي هريرة رواه الترمذي وغيره بإسناد جيد وهو أيضا من حديث عمر بن الخطاب الذي رواه أهل السنن ومالك في الموطأ وهو يصلح للإعتضادوأما إنطاقهم وإشهادهم فروى عن بعض السلف وقد روى عن أبي وابن عباس وبعضهم رواه مرفوعا من طريق ابن عباس وغيره وروى ذلك الحاكم في صحيحه لكن هذا ضعيف وللحاكم مثل هذا يروى أحاديث
موضوعة في صحيحه مثل حديث زريب بن برثملي وهامة بن الهيم وغير ذلك وبسط هذا له موضع آخر
لكن كون الخلق مفطورين على الإقرار بالخالق أمر دل عليه الكتاب والسنة وهو معروف بدلائل العقول كما قد بسط في مواضع وبين أن الإقرار بالخالق فطري ضروري في جبلات الناس لكن من الناس من فسدت فطرته فاحتاج إلى دواء بمنزلة السفسطة التي تعرض لكثير من الناس في كثير من المعارف الضرورية كما قد بسط في غير هذا الموضعوهؤلاء يحتاجون إلى النظر وهذا الذي عليه جمهور الناس أن أصل المعرفة قد يقع ضروريا فطريا وقد يحتاج فيه إلى النظر والإستدلالوكثير من أهل الكلام يقول إنه لا يجوز أن تقع المعرفة ضرورية بل لا تقع إلا بنظر وكسب قالوا لأنها لو وقعت ضرورة لارتفع التكليف والإمتحان ومنهم من ادعى انتفاء ذلك في الواقع وهذا ضعيف لأن الإمتحان والتكليف الذي جاءت به الرسل كان بأن يعبدوا الله وحده لا يشركون به إلى هذا دعا عامة الرسل ومن كان من الناس جاحدا دعوه إلى الإعتراف
بالصانع كفرعون ونحوه مع أنه كان في الباطن عارفا وإنما جحد ظلما وعلوا كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا سورة النمل 14 وقال له موسى لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر سورة الإسراء 102وخاتم الرسل دعا الناس إلى الشهادتين فقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وقال لمعاذ في الحديث الصحيح إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهمولهذا قالت الرسل لقومهم ما أخبر الله تعالى به في قوله عز و جل ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم إلى قوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون سورة إبراهيم 9 11
وأيضا فإن المعارف لا بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية وهم لا يؤمرون بتحصيل الحاصل بل يؤمرون بالعمل بموجبها وبعلوم أخرى يكتسبونها بهاوأيضا فإن أكثر الناس غافلون عما فطروا عليه من العلم فيذكرون بالعلم الذي فطروا عليه وأصل الإقرار من هذا الباب ولهذا توصف الرسل بأنهم يذكرون ويصف الله تعالى آياته بأنها تذكرة وتبصرة كما في قوله تبصرة وذكرى لكل عبد منيب سورة ق 8فإذا كان من المعارف ما هو ضروري بالاتفاق ولم يكن ذلك مانعا من الأمر والنهي إما بتذكرة وإما بالإستدلال فيؤمر الناس تارة بالتذكرة وتارة بالتبصرة ثم يؤمر الناس أن يقروا بما علموه ويشهدوا به فلا يعاندوه ولا يجحدوه وأكثر الكفار جحدوا ما علموهوالإعتراف بالحق الذي يعلم والشهادة به والخضوع لصاحبه لا بد منه في الإيمان وإبليس وفرعون وغيرهما كفروا للعناد والإستكبار كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابهولكن الجهمية لما ظنت أن مجرد معرفة القلب هي الإيمان أرادوا أن يجعلوا ذلك مكتسبا وزعموا أن من كفره الشرع كإبليس وفرعون لم يكن في قلبه من الإقرار شيء كما زعموا أنه يمكن أن يقوم بقلب العبد إيمان تام مع كونه يعادي الله ورسوله ويسب الله ورسوله في الظاهر من غير إكراه
ولهذا كفر وكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة من قال بقولهم كما هو مبسوط في مواضعهوالمقصود هنا بيان قول من قال من السلف كعكرمة وأبي مالك كل له قانتون أي مقرون له بالعبوديةالوجه الرابع القيام يوم القيامةقال ابن أبي حاتم والوجه الرابع ثم روى بإسناده المعروف عن الربيع بن أنس كل له قانتون قال كل له قائم يوم القيامةالوجه الخامس قول الإخلاصوالخامس ثم روى بإسناده من حديث عبد الله بن المبارك عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير كل له قانتون بقول الإخلاصقلت وهذا إن أراد به اعترافهم بأنه ربهم وأنهم إذا اضطروا دعوا الله
مخلصين له الدين فهو من جنس قول عكرمة وإلا فالإخلاص الذي أمروا به وهو أن يعبدوا الله مخلصين له الدين إنما قام به المؤمنون وهذا إنما يكون على قول من يزعم أن الآية خاصة ولم يذكر ابن أبي حاتم هذا صريحا عن أحد من السلف إلا أن يتأول على ذلك قول ابن عباس أو قول سعيدأقوال المفسرينهذا ولم يذكر أبو الفرج هذا عن أحد من السلف لم يذكره إلا فيما تقدم عن ابن الأنباري بل قال وللمفسرين في المراد بالقنوت ههنا ثلاثة أقوال أحدها أنه الطاعة قاله ابن عباس وابن جبير ومجاهد وقتادة والثاني الإقرار بالعبادة قاله عكرمة والسدي والثالث القيام قاله الحسن والربيعقال وفي معنى القيام قولان أحدهما أنه القيام له بالشهادة بالعبودية والثاني أنه القيام بين يديه يوم القيامةلكن طائفة من المفسرين ذكروا عن المفسرين قولين كالثعلبي والبغوي وغيرهما قالوا واللفظ للبغوي كل له قانتون قال مجاهد وعطاء والسدي مطيعون وقال عكرمة ومقاتل مقرون بالعبودية وقال ابن كيسان قائمون بالشهادة وأصل القنوت القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوتهل القنوت خاص أم عام؟قال واختلفوا في حكم الآية فذهب جماعة إلى أن حكم الآية خاص قال مقاتل هو راجع إلى عزير والمسيح والملائكة وعن ابن عباس أنه قال هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الناسقال وذهب جماعة إلى أن حكم الآية عام في جميع الخلق لأن لفظ الكل يقتضي الإحاطة بالشيء بحيث لا يشذمنه شيء ثم سلكوا في الكفار طريقين قال مجاهد تسجد ظلالهم لله عز و جل على كره منهم قال تعالى وظلالهم بالغدو

والآصال سورة الرعد 15 وقال السدي هذا يوم القيامة دليله وعنت الوجوه للحي القيوم سورة طه 111 وقيل قانتون مذللون مسخرون لما خلقوا لهتعليق ابن تيميةقلت من قال بالخصوص فإنه قد ينظر إلى سبب الآية وهو أنهم قالوا اتخذ الله ولدا وهذا إنما قالوه في الملائكة والأنبياء كالمسيح والعزير فبين سبحانه أن الذين قيل فيهم إنه اتخذهم أولادا هم عباد قانتون له كما ذكر في الأنبياء وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون سورة الأنبياء 26 28 فإن الضمير في قوله وقالوا عائد على المشركين وهم إنما قالوا ذلك في الملائكة وأما المسيح وعزير فإنما قال ذلك فيهما أهل الكتاب وسياق الآية يبين ذلك فإنه قال وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق إلى قوله سبحانه بل عباد مكرمون سورة الأنبياء 16 26وقوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين وقوله لهوا قد فسر بالولد والمرأة وفسر باللعب فإن هذه الآية نظير قوله وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق الآية الدخان 38 39 ونظير قوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا الآية سورة ص 27 ونظير قوله وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل سورة الحجر 85 ومثله قوله تعالى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا الآية سورة المؤمنون 115فقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين سورة الأنبياء 16
فنزه نفسه أن يكون فعله كفعل اللاعب العابث الذي لا يقصد غاية محمودة يريد سوق الوسائل إليها فإن هذا فعل الجاد الذي يجيء بالحق كما قال إبراهيم لما آتاه الله رشده من قبل التوراة والقرآن إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين إلى قوله أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين سورة الأنبياء 52 56 فهو لما قال ما قال قالوا جئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين الآية 55 فالذي يأتي بالحق خلاف اللاعب فإنه يقصد أن يخبر بصدق ويأمر بما ينفع وهو العدل بخلاف اللاعب العابث فإنه ليس مقصوده هذا بل اللهو واللعبولهذا قد يشتم الإنسان على وجه اللعب ويفعل به أفعال منكرة فلا ينكر ذلك كما ينكره من الجاد المحق ولهذا كان عامة اللهو باطلا ليس له منفعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل لهو يلهو به الرجل لهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته فإنه من الحق فالحق ضد الباطل واللهو باطل ولهذا تنزه سبحانه عن أن يخلقهما باطلاوما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين فاللاعب صاحب باطل لا صاحب حق ولهذا لما دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الأسود بن سريع ينشده فأسكته مرتين أو ثلاثا قال من هذا الذي تسكتني له قال هذا رجل لا يحب الباطل فإن عمر كان لا يحبه ولا يصبر على صاحبه والنبي
صلى الله عليه وسلم كان أحلم وأصبر من عمر فهو أيضا لا يحب الباطل لكنه يصبر ويحتمل منه ما لم يكن محرما ولكن هو لا منفعة فيه لفاعله فإذا فعله احتمله عليه فهذا بيان قول من فسر اللاعب بالعابث وله نظائروالذين فسروا بالولد والزوجة قالوا ذلك لأن من المشركين من جعل لله ولدا وصاحبة وقالوا إنه ضاهى الحق وهم يسمون المرأة لهوا والولد لهوا وقال ابن قتيبة أصل اللهو الجماع وكنى عنه باللهو كما كنى عنه بالسروالنبي صلى الله عليه وسلم قد يجعل ملاعبة الرجل امرأته من اللهو الذي ليس بباطل والرب تعالى منزه عن اللعب مطلقا فإن الذي يلاعب امرأته إنما يفعل ذلك لحاجته إلى المرأة وحكمة ذلك بقاء النسل والله تعالى منزه عن الولادة فتضمنت هذه الآية تنزيهه عن الخلق عبثا لا لحكمة فإن ذلك لعب وعبث وتضمنت تنزيهه عن أن يتخذ ما يلهى به كالمرأة والولد ولهذا بين بعد ذلك أنه إنما خلق ذلك بالحق وأنه منزه عن الأولاد وقال بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه واللهو كله باطل في حق الله تعالى وإن كان بعضه من الحق في حق العبادوهو سبحانه وتعالى قال لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا فإن ما يلهو به اللاهي يكون عنده لا يكون بعيدا عنه ونحن
خلقنا السماوات والأرض وما بينهما فكيف يكون هذا لعبا بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ثم قال وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون سورة الأنبياءي 19 20 ثم رد على من أشرك به ثم حكى قول المشركين الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا قال سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين سورة الأنبياء 26 29 فهذه صفة الملائكة والمسيح والعزير ونحوهما أيضا هم بهذه الصفة فإنهم عباد مكرمون قال تعالى عن المسيح إن هو إلا عبد أنعمنا عليه سورة الزخرف 59 وقال لن يستنكف المسيح أن يكن عبدا لله ولا الملائكة المقربون سورة النساء 172فلما قال تعالى في البقرة وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون والذين قالوا اتخذ الله ولدا جعله إما من الملائكة وإما من الآدميين كالمسيح والعزير فقوله تعالى كل له قانتون يبين أن هؤلاء الذين قيل فيهم إنهم أولاد هم عباد له مطيعون كما ذكر في الأنبياء وغيرها وكما قال قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا سورة الإسراء 56 57 فبين أن هؤلاء المعبودين هم يعبدون الله تعالى ومثله قوله قل لو كان معه
آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سورة الإسراء 42 على أصح القولينالقنوت عند ابن تيمية عامفهذا مأخذ من جعل الآية خاصة لكن يقال الآية لفظها عام والعموم مقصود منها كما هو مقصود من قوله سبحانه بل له ما في السموات والأرض ثم قال كل له قانتون فلما كان قوله ما في السموات وما في الأرض عاما تبين أن الجميع مملوك له والمملوك لا يكون ولدا وتبين أيضا أن كلهم له قانتون مطيعون عابدون والعابد المطيع لا يكون إلا مملوكا لا يكون ولداوأيضا فإنه قد ذكر القنوت في سورة الروم مجردا عن الولد فقال تعالى ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون سورة الروم 25 ثم قال وله من في السموات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم سورة الروم 26 27 فبين أن له ما في السماوات والأرض وأن كلا له قانتون وتخصيص هذا بمن قيل إنه ولد فاسد ظاهر الفساد وكذلك تخصيصه بالمؤمنين فإن هذا مذكور لبيان عموم الملك والاقتداء وخضوع المخلوقات كلها له فلو خص به المؤمنون لكان ذلك عكس المقصودوهو مثل قوله أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها سورة آل عمران 83 فهو سبحانهيدعوهم إلى دين الإسلام ويبين أن كل ما في السماوات والأرض مسلم لله إما طوعا وإما كرها وإذا كان لا بد من أحدهما فالإسلام له طوعا هو الذي ينفع العبد فلا يجوز أن يتخذ غير هذا الدين دينا فإنه ذكر هذا في تقرير أن كل دين سوى الإسلام باطل فقال أفغير دين الله يبغون وذكر بعد ذلك ما يصير به العبد مسلما مؤمنا فقال قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين سورة آل عمران 84 85 ذكر عبادة الله وحده والإيمان برسله كلهم كما ذكر في سورة البقرة قال أبو العالية قوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون سورة الحجر 92 93 قال خصلتان يسأل عنهما كل أحد ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين وكذلك ذكر سجود من في السماوات والأرض له طوعا وكرها والسجود هو الخضوع وهو القنوتوأيضا فإذا كانت الصيغة عامة لم يجز أن يراد بها الخصوص إلا مع ما يبين ذلك فأما إذا جردت عن المخصصات فإنها لا تكون إلا عامة والآية عامة عموما مجردا بل مؤكدا بما يدل على العموم وأما تخصيص المؤمنين فهذا يكون إذا مدحوا بذلك أو ذكر جزاء الآخرة وليس المقصود هنا مدح المؤمنين بطاعته وإنما المقصود بيان قدرته وملكه وخضوع كل شيء له وأنه مع هذا وهذا يمتنع أن يكون له ولد مع خضوع كل شيء له وقنوته له ويقال في الركوع من التسبيح المأثور فيه سبحان من تواضع كل شيء لعظمته سبحان من ذل كل شيء لعزته سبحان من

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire