el bassaire

jeudi 19 février 2009

أنواع القنوت الذي يعم المخلوقات

أنواع القنوت الذي يعم المخلوقات وعلى هذا فالقنوت الذي يعم المخلوقات أنواعالأولأحدها طاعة كل شيء لمشيئته وقدرته وخلقه فإنه لا يخرج شيء عن مشيئته وقدرته وملكه بل هو مدبر معبد مربوب مقهور ولو تخيل إليه في نفسه أنه لا رب له وأنه يقدر أن يخرج عن ملك الرب فهذا من جنس ما يتخيل للسكران والنائم المأسور المقهور والمجنون المربوط بالأقياد والسلاسل بل نفوذ مشيئته الرب وقدرته في المستكبرين عن عبادته أعظم من فوذ أمر الآسر في أسيره والسيد في مملوكه وقيم المارستان في المجنون بكثير كثيروهذا متوجه على قول أهل السنة الذين يقولون لا يكون في ملكه إلا ما يشاء فليس لأحد خروج عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور بخلاف قول القدرية فإن العصاة على قولهم خرجوا عن مشيئة وقدرته وحكمه وسلطانه وخلقه فليسوا قانتين لا لأمره الشرعي ولا لأمره القدري الكوني وأما أهل السنة فيقولون إنهم قانتون لمشيئته وحكمه وأمره الكوني كما تقدموعلى هذا الوجه فالقانت قد لا يشعر بقنوته فإن المراد بقنوته كونه مدبرا مصرفا تحت مشيئة الرب من غير امتناع منه بوجه من الوجوه وهذا شامل للجمادات والحيوانات وكل شيء قال تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها سورة هود 56 وقال تعالى فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون سورة يس 83الثاني النوع الثاني من القنوت هو ما يشعر به القانت وهو اعترافهم كلهم بأنهم مخلوقون مربوبون وأنه ربهم كما تقدمالثالثالثالث أنهم يضطرون إليه وقت حوائجهم فيسألونه ويخضعون له وإن كانوا إذا أجابهم أعرضوا عنه قال الله تعالى وإذا مس الإنسان الضر
دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه صره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه سورة يونس 12 وقال تعالى وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا سورة الإسراء 67 وهو أخبر أنهم كلهم قانتون فإذا قنتوا له فدعوه وتضرعوا إليه عند حاجتهم كانوا قانتين له وإن كان إذا كشف الضر عنهم نسوا ما كانوا يدعون إليه وجعلوا له أنداداالرابعالرابع أنهم كلهم لا بد لهم من القنوت والطاعة في كثير من أوامره وإن عصوه في البعض وإن كانوا لا يقصدون بذلك طاعته بل يسلمون له ويسجدون طوعا وكرها وذلك أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب بالعدل فلا صلاح لأهل الأرض في شيء من أمورهم إلا به ولا يستطيع أحد أن يعيش في العالم مع خروجه عن جميع أنواعه بل لا بد من دخوله في شيء من أنواع العدل حتى قطاع الطريق لا بد لهم فيما بينهم من قانون يتفقون عليه ولو أراد واحد منهم أن يأخذ المال كله لم يمكنوه وأظلم الناس وأقدرهم لا يمكنه فعل كل ما يريد بل لا بد من أعوان يريد أرضاءهم ومن أعداء يخاف تسلطهم ففي قلبه رغبة ورهبة تلجئه إلى أن يلتزم من العدل الذي أمر الله تعالى به ما لا يريده فيسلم لله ويقنت له وإن كان كارها وهو سبحانه قال كل له قانتون والقنوت العام يراد به الخضوع والإستسلام والإنقياد وإن كان في الابطن كارها كطاعة المنافقين هم خاضعون للمؤمنين مطيعون لهم في الظاهر وإن كانوا يكرهون هذه الطاعةالخامسالخامس خضوعهم لجزائه لهم في الدنيا والآخرة كما ذكر من ذكر أنهم قانتون يوم القيامة وهو سبحانه قد يجزي الناس في الدنيا فيهلكهم وينتقم منهم
كما أهلك قوم نوح وعادا وثمود وفرعون فكانوا خاضعين منقادين لجزائه وعقابه قانتين له كرهاوالجزاء يكون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة وهو سبحانه قائم على كل نفس بما كسبت وهو قائم بالقسط والجميع مستسلمون لحكمه قانتون له في جزائهم على أعمالهم والمصائب التي يصيبهم في الدنيا جزاء لهم قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم سورة الشورى 30 وقال تعالى ما أصابك من حسن فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء 79فهذه خمسة أنواع قنوتهم لخلقه وحكمه وأمره قدرا واعترافهم بربوبيته واضطراهم إلى مسألته والرغبة إليه ودخولهم فيما يأمر به وإن كانوا كارهين وجزاؤهم على أعماله ودخولهم فيما يأمر به مع الكراهة يدخل فيه المنافق والمعطي للجزية عن يد وهو ساغر والذي يسلم أولا رغبة ورهبة فالقنوت شامل داخل للجميع لكن المؤمن يقنت له طوعا وغيره يقنت له كرها قال الله تعالى ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها سورة الرعد 15فصلالكلام عن السجودوالسجود من جنس القنوت فإن السجود الشامل لجميع المخلوقات هو المتضمن لغاية الخضوع والذل وكل مخلوق فقد تواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم لقدرته ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء ووضع جبهة في رأس مدور على التراب فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد وذلك سجودها
كما قال تعالى ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة سورة البقرة 58 وإنما قيل ادخلوه ركعا ومنهم من يسجد على جنب كاليهود فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من الناس يظن أن هذا هو سجود كل أحد كما في لفظ القنوتوكذلك لفظ الصلاة لما كان المسلمون يصلون الصلاة المعروفة صار يظن من يظن أن كل من صلى فهكذا يصلي حتى صار بعض أهل الكتاب ينفرون من قولنا إن الله يصلي وينزهونه عن ذلك فإنهم لم يعرفوا من لفظ الصلاة إلا دعاء المصلي لغيره وخضوعه له ولا ريب أن الله منزه عن ذلك لكن ليست هذه صلاته سبحانه وقد قال الله تعالى ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه سورة النور 41وهو سبحانه قد ذكر سجود الظل في غير موضع كقوله أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون سورة النحل 48 وقال تعالى ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال سورة الرعد 15 ومعلوم أن الظل إذا سجد لم يسجد على سبعة أعضاء يضع رأسه ويديه ثم يرفع رأسه ويديه بل سجوده ذله وخضوعهتفسير قوله تعالى: {وادخلوا الباب سجدا} الآيةوقد سمى الله تعالى المنحني ساجدا وإن لم يصل إلى الأرض في قوله وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين سورة البقرة 58 وفي الأعراف وإذ قيل لهم اسكنوا هذه
القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين سورة الأعراف 161 فهنا لما أمرهم بالسكنى وهي المقام قال وكلوا منها حيث شئتم ولم يحتج أن يقال رغدا فإن الساكن المقيم مطمئن وهناك قال ادخلوا هذه القرية قال فكلوا منها حيث شئتم رغدا فبين أنهم يأكلون رغدا فيتهنون لا يخافون الخروج وبسط الكلام في البقرة وذكر الدخول لأنه قبل السكنى ولهذا قال رغدا وقال وسنزيد وقال فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون سورة البقرة 59وقدم السجود لأنه أهم وقد اختلفوا في هذا السجود فقيل هو الركوع كما روى ابن أبي حاتم من وجهين ثابتين عن سفيان الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ادخلوا الباب سجدا قال ركعا من باب صغير فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة وقيل بل هو السجود بالأرض ثم قيل ما رواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال سجدا قال كان سجود أحدهم على خده وروى عن وهب بن منبه قال إذا دخلتموه فاسجدوا شكرا لله فكأن صاحب هذا القول جعل السجود بعد الدخول ومن قال بهذا أو قال بأنهم أمروا بالركوع فهو يقول دخولهم وهم سجد بالأرض فيه
صعوبة وقد يؤذي أحدهم ولكن هو ممكن فإن الإنسان يمكنه حال السجود أن يزحف إذا كانت الأرض لا تؤذيهوفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون حبة في شعرةفهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما في ذلك أقوالا تخالف هذا فقال خصيف عن عكرمة عن ابن عباس فدخلوا على شق وروى السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود فدخلوا مقنعي رؤوسهمقال ابن أبي حاتم اختلف التابعون فروى عن مجاهد نحو قول عكرمة عن ابن عباس وروى عن السدي نحو ما روى عن ابن مسعود وعن مقاتل أنهم دخلوا منكفئين وأما القول فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا حبة في شعره وإذا ثقبت الحبة وأدخلت فيها الشعرة فإنه يقال حبة في
شعرة ويقال شعرة في حبة وهذا معنى ما رواه السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال إنهم قالوا هطى سمقاثا أزبه مزبا وهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء فذلك قوله تعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم وكذلك رواه السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود وهذا موافق لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكلم بالعربية وهذا اللفظ أخذه ابن مسعود عن أهل الكتاب وهذا أصح من قول ابن عباس أنهم قالوا حنطة مع أن هذا مروي عن غير واحدقال ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والضحاك والحسن والربيع ويحيى بن رافع نحو ذلك لكن قد يقال الحبة هي الحنطة وهم لم يقولوا بالعربية بل بلسانهم وهم إذا قالوا بلسانهم ما معناه حبة حنطة جاز أن يقال حنطة وحديث ابن مسعود وقد ذكر أنهم قالوا حبة حنطة فلا يكون في القول خلافوأبو الفرج ذكر خمسة أقوال وهي ترجع إلى هذا ذكر الحديث المرفوع والثاني حنطة والثالث أنهم قالوا حبة حنطة حمراء فيها شعرة سوداء قاله ابن مسعود والرابع كذلك إلا أنهم قالوا مثقوبة قاله السدي عن أشياخهقلت كلاهما رواه السدي عن ابن مسعود وهما قول واحدقال والخامس أنهم قالوا استقلابا قاله أبو صالح
قلت هذا الذي ذكره ابن مسعود بلسانهم سمقاثا وقد فسره بذلكقال الأقوال كلها واحدة بخلاف صفة الدخول فإن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم وفي لفظ على أوراكهم والمعنى واحد وما نقل خلاف هذا فإنما أخذ عن أهل الكتاب وقد كان يؤخذ عنهم الحق والباطل وقول ابن مسعود مقنعي رؤوسهم لا يناقض الزحف على أستاههم وابن عباس قال يزحفون على أستاههم كالمرفوع وقال قيل ادخلوا ركعا فلو جزمنا أن هذا مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم لجزمنا بأن الله أمرهم بالركوع لكن ظاهر القرآن هو السجود والسجود المطلق هو السجود المعروف وكون الباب جعل صغيرا إنما يكون لمن يكره على الدخول منه ليحتاج أن ينحني وهؤلاء قصدت طاعتهم فأمروا بالخضوع لله والإستغفار فدخولهم سجدا هو خضوع لله وقولهم حطه أي احطط عنا خطايانا هو استغفارهم كما أخبر الله تعالى أن داود خر راكعا وأناب وكما شرع للمسلمين أن يستغفروا في سجودهموفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره علانيته وسره وكان أيضا يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك وكان يقول في
ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن وثبت في الصحيح لمسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء وفي الصحيح أيضا لمسلم عن ابن عباس قال كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكمففي هذين الحديثن أنه خص السجود بالأمر بالدعاء فيه ولهذا كان من أهل العلم من يكره الدعا ءفي الركوع دون السجودوحنيئذ فأمرهم بالإستغفار وقولهم حطة في السجود أشبه فلم يثبت لنا إلى الآن أن الركوع يسمى سجودا بخلاف العكس فإنه قال في حق داود وخر راكعا وأناب سورة ص 24 وقد ثبت بالنص الصحيح واتفاق الناس أن داود سجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا وفي صحيح مسلم عنه عن ابن عباس قال نبيكم ممن أمر أن يقتدى به سجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح
مسلم عنه أيضا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وفي الترمذي وغيره عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ص ثم سجد فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل من قول الشجرةوالآثار عن السلف متواترة بأن داود سجد فكل ساجد راكع وليس كل راكع ساجد فإنه إذا سجد من قيام انحنى انحناء الراكع وزاد فإنه يصير ساجدا ولو صلى قاعدا أيضا انحنى انحناء الركوع وزاد فإنه يصير ساجدا فالساجد راكع وزيادة فلهذا جاز أن يسمى راكعا وأن يجعل الركوع نوعين ركوعا خفيفا وركوعا تاما فالقيام هو السجود بخلاف لفظ السجود فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع وهذه حال الساجد لا الراكع
لكن ليس من شرط السجود مطلقا أن يصل إلى الأرض فقد ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته قبل أي وجه توجهت به ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبةوقد اتفق المسلمون على أن المسافر الراكب يتطوع على راحلته ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وإن كان لا يسجد على مستقر وكذلك الخائف قال تعالى وإن خفتم فرجالا أو ركبانا سورة البقرة 239 يصلي إلى القبلة وإلى غير القبلة ويومىء بالركوع والسجود ولا يصل إلى الأرضفعلم أن الهيئة المأمور بها في السجود على الأرض وعلى سبعة أعضاء هي أكمل سجود ابن آدم وله سجود لا يسجد فيه على الأرض ولا على سبعة بل يخفض فيه رأسه أكثر من خفض الركوع ولهذا كان عند جمهور العلماء لو ركع في سجود التلاوة بدلا عن السجود لم يجزه ولكن إذا كانت السجدة في آخر السورة فله أن يفعل كما ذكره ابن مسعود أنه يكتفي بسجود الصلاة فإنه ليس بينه وبينه إلا الركوع وهذا ظاهر مذهب أحمد ومذهب أبي حنيفة وغيرهما لكن قيل إنه جعل الركوع مكان السجود والصحيح أنه إنما جعل سجود الصلاة هو المجزىء كما لو قرأ فإن الركوع عمل فيه فلم يجعل فصلا لا سيما وهو مقدمة للسجود ومن الناس من قال في قصة داود إنه خر ساجدا بعد ما كان راكعا وذكر أن الحسين بن الفضل قال لأبي عبد الله بن طاهر عن قوله وخر راكعا سورة ص 24 هل يقال للراكع خر قال لا ومعناه فخر بعد ما كان راكعا أي سجد
وهذا قول ضعيف والقرآن إنما فيه وخر راكعا لم يقل خر بعد ما كان راكعا ولا كان داود حين تحاكموا إليه راكعا بل كان قاعدا معتدلا أو قائما فخر ساجدا وسؤال ابن طاهر إنما يتوجه إذا أريد بالركوع انحناء القائم كركوع الصلاة وهذا لا يقال فيه خروالمراد هنا السجود بالسنة واتفاق العلماء فالمراد خر ساجدا وسماه ركوعا لأن كل ساجد راكع لا سيما إذا كان قائما وسجود التلاوة من قيام أفضل ولعل داود سجد من قيام وقيل خر راكعا ليبين أن سجوده كان من قيام وهو أكمل ولفظ خر يدل على أنه وصل إلى الأرض فجمع له معنى السجود والركوع والسجود عبادة تفعل مجردة عن الصلاة وكسجود الشجرة وسجود داود وسجود التلاوة والشكر وسجود الآيات وغير ذلك وهل يشترط له شروط الصلاة على قولين كما قد بسط في غير هذا الموضعوقد ثبت في الصحيحين عن أبي ذر أنه قال كنت في المسجد حين وجبت الشمس فقال يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي الله عز و جل فتستأذن في الرجوع فليؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ثم قرأ والشمس تجري لمستقر لها سورة يس 38
فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح بسجود الشمس إذا غربت واستئذانها وكذلك قال أبو العالية وغيره قال أبو العالية ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حت يرجع إلى مطلعه ومعلوم أن الشمس لا تزال في الفلك كما اخبر الله تعالى بقوله وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون سورة الأنبياء 33 فهي لا تزال تسبح في الفلك وهي تسجد لله وتستأذنه كل ليلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فهي تسجد سجودا يناسبها وتخضع له وتخشع كما يخضع ويخشع كل ساجد من الملائكة والجن والإنسوكذلك قوله فما بكت عليهم السماء والأرض سورة الدخان 29 بكاء كل شيء بحسبه قد يكون خشية لله وقد يكون حزنا على فراق المؤمنروى ابن أبي حاتم عن ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال قال عمرو يعني ابن دينار إني ليلة أطوف بالبيت إذ سمعت حنين رجل بين الأستار والكعبة وبكاءه وتضرعه فوقفت لأعرفه فذهب ليل وجاء ليل وهو كذلك حتى كاد يسفر فانكشف الستور عنه فإذا هو طاووس رضي الله عنه فقال من هذا عمرو قلت نعم أمتع الله بك قال متى وقفت ههنا قال قلت منذ طويل قال ما أوقفك قلت سمعت بكاءك فقال أعجبك بكائي قلت نعم قال وطلع القمر في حرف أبي قبيس قال ورب هذه البنية إن هذا القمر ليبكي من
خشية الله ولا ذنب له ولا يسأل عما عمل ولا يجازى به فعجبت أن بكيت من خشية الله وأنا صاحب الذنوب وهذا القمر يبكي من خشية الله وقرأ ابن زيد ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب سورة الحج 18 قال فلم يستثن من هؤلاء أحدا حتى جاء ابن آدم استثناه فقال وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب سورة الحج 18 قال والذي كان هو أحق بالشكر هو أكفرهم ثم قرأ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء سورة فاطر 27 28 قال وكذلك اختلفوا في دينهم كما اختلف الأولونالسجود في اللغةولفظ السجود يتسعمل في اللغة لخضوع الجامدات وغيرها كالبيت المعروفبجيش تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
قال ابن قتيبة حجراته جوانبه يريد أن حوافر الخيل قد بلغت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضتقال ابن عطية في قوله يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سورة النحل 48 وقالت فرقة منهم الطبري عبر عن الخضوع والطاعة وميلان الظلال ودورانها بالسجود كما يقال للمشير برأسه نحو الأرض على وجه الخضوع ساجد ومنه قول الشاعروكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنففصلوإذا كان كذلك فالله سبحانه ذكر في الرعد قوله ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها سورة الرعد 15 فعم في هذه الآية ولم يستثن وقسم السجود إلى طوع وكره وقال في الحج ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب سورة الحج 18وفي هذا الكثير قولان أحدهما أنه لم يسجد فلهذا حق عليه العذاب كما تقدم عن طاووس وهو قول الفراء وغيره والثاني أنه سجد وحق عليه العذاب فإنه ليس هو السجود المأمور به
قال أبو الفرج وفي قوله وكثير حق عليه العذاب قولان أحدهما أنهم الكفار وهم يسجدون وسجودهم سجود ظلهم قاله مقاتل والثاني أنهم لا يسجدون والمعنى وكثير من الناس أبى السجود ويحق عليه العذاب لتركه السجود هذا قول الفراءقلت ذا قول الأكثرين وقد ذكر البغوي في قوله ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض الآية قال قال مجاهد سجودها تحول ظلالها وقال أبو العالية ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه قال وقيل سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع له مسبح له كما أخبر الله عز و جل عن السماوات والأرض قالتا أتينا طائعين سورة فصلت 11 وقال في وصف الحجارة وإن منها لما يهبط من خشية الله سورة البقرة 74 وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا يتفقهون تسبيحهم سورة الإسراء 44قال وهذا مذهب حسن موافق لقول أهل السنةقلت قد تقدم قول الطبري وغيره بهذا القول فإذا كان السجود في هذه الآية لس عاما وهو هناك عام كان السجود المطلق هو سجود الطوع فهذه المذكورات تسجد تطوعا هي وكثير من الناس والكثير الذي حق عليه العذاب إنما يسجد كرها وحينئذ فالكثير الذي حق عليه العذاب لم يقل فيه إنه يسجد ولا نفى عنه كل سجود بل تخصيص من سواه بالذكر يدل
على أنه ليس مثله وحينئذ فإذا لم يسجد طائعا حصل فائدة التخصيص وهو مع ذلك يسجد كارها فكلا القولين صحيح وكذلك قال طائفة من المفسرين واللفظ للبغوي قالوا وكثير حق عليه العذاب بكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله تعالىوقال في سورة النحل أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرن يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون سورة النحل 48 50 قال فلفظ دابة إن لم يتناول بني آدم فالإبل تسجد طوعا وإن تناول بني آدم فسجودهم طوعا وكرهافصلوالذين فسروا السجود بالخضوع والإنقياد لهم في سجودها قولان أحدهما أنه كونها مصنوعة مخلوقة منقادة لمشيئة الله واختياره كما قالوا في تسبيحها مثل ذلك وأنه شهادتها ودلالتها على الخالق قال أبو الفرج في قوله ولله يسجد من في السموات والأرض سورة الرعد 15 الساجدون على ضربين أحدهما من يعقل فسجوده عبادة والثاني من لا يعقل فسجوده بيان أثر الصنعة فيه والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق هذا قول جماعة من العلماء واحتجوا بالبيت المتقدم* ترى الأكم فيه سجدا للحوافر *قال وأما الشمس والقمر والكواكب فألحقها جماعة بمن يعقل قال
أبو العالية سجودها حقيقة ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي الله عز و جل ثم لا ينصرف حتى يؤذن له قال ويشهد لقول أبي العاليه حديث أبي ذر وذكره قال وأما النبات والشجر فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء أحدها أن يكون سجودا لا نعلمه وهذا إذا قلنا بردعه فيهما والثاني أنه تفيؤ ظلاله والثالث بيان الصنعة فيه والرابع الإنقياد لما سخر له قلت الثالث والرابع من نمط واحد وهو كالمتقدم وأما السجود الذي لا نعلمه فهو كما ذكره البغوي وقال البغوي أيضا في قوله وإن منها لما يهبط من خشية الله سورة البقرة 74 فإن قيل الحجر لا يفهم فكيف يخشى قيل الله يفهمها ويلهمها فتخشى بإلهامه قال ومذهب أهل السنة أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره ولها صلاة وتسبيح وخشية كما قال عز و جل وإن من شيء إلا يسبح بحمده وقال تعالى والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه وقال ألم ترأن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم الآية فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى وذكر الحديث الصحيح عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن وذكر حديث حنين الجذع وطرقه صحاح مشهورة وروى عن السدي
عن أبي عباد بن أبي يزيد عن علي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في نواحيها خارجا من مكة بين الجبال والشجر فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال السلام عليك يا رسول الله وقال قال مجاهد لا ينزل حجر من أعلى إلى أسفل إلا من خشية الله ويشهد لما قلنا قوله تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله سورة الحشر 21 قلت وأما تفسير سجودها وتسبيحها بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيهما ودلالتها على الصانع فقط فالإقتصار على هذا باطل فإن هذا وصف لازم دائم لها لا يكون في وقت دون وقت وهو مثل كونها مخلوقة محتاجة فقيرة إلى الله تعالى وعلى هذا فالمخلوقات كلها لا تزال ساجدة مسبحة وليس المراد هذا فإنه قال تعالى إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق سورة ص 18 وقال والطير محشورة كل له أواب سورة ص 19 وقال كل قد علم صلاته وتسبيحه سورة النور 41 فقد أخبر سبحانه وتعالى عنه أنه يعلم ذلك ودلالتها على الرب يعلمه عموم الناس وأيضا فقد أخبر الله تعالى في القرآن من كلام الهدهد والنمل وأن سليمان
علم منطق الطير بما يدل على الإختصاص وهذا في الحيوانوأيضا فإنه جعل الجميع يسجد ثم قال وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب سورة الحج 18 وهذا المعنى يشترك فيه جميع المخلوقات دائما وهو وصف لازم لكل مخلوق لا يزال مفتقرا إلى الخالق ولا يزال دالا عليه ولا يزال منقادا لما يشاء الربوأيضا فإنه قسم السجود إلى طوع وكره وانفعالها لمشيئة الرب وقدرته لا ينقسم إلى طوع وكره ولا يوصف ذلك بطوع منها ولا كره فإن دليل فعل الرب فيها ليس هو فعل منها ألبتةوالقرآن يدل على أن السجود والتسبيح أفعال لهذه المخلوقات وكون الرب خالقا لها إنما هو كونها مخلوقة للرب ليس فيه نسبة أمر إليها يبين ذلك أنه خص الظل بالسجود بالغدو والآصال والظل متى كان وحيث كان مخلوق مربوب والله تعالى جعل الظلمات والنور والقول الذي ذكره البغوي أقرب من القول الذي ذكره أبو الفرج وهو سبحانه تارة يجعلها آيات له وتارة يجعلها ساجدة مسبحة وهذا نوع غير هذاوعلى هذا القول الجميع واحد ليس في كونها ساجدة مسبحة إلا كونها آية دالة وشاهدة للخالق تعالى بصفاته لكونها مفعولة له وهذا معنى ثابت في المخلوقات كلها لازم لها وهي آيات للرب بهذا الإعتبار وهي شواهد ودلائل وآيات بهذا الإعتبار لكن ذاك معنى آخر كما يفرق بين كون الإنسان مخلوقا وبين كونه عابدا لله فهذا غير هذا هذا يتعلق بربوبية الرب له وهذا يتعلق بتألهه وعبادته للربوالبيت الذي استشهدوا به وهو قوله* ترى الأكم فيها سجدا للحوافر *
فإنما ذكر سجود الأكم للحوافر وذلك خضوعها وانخفاضها لها فهذا خضوع جماد لجماد ولا يلزم أن يكون سائر أنواع الخضوع مثل هذا وإنما يشترك في نوع الخضوع وليس خضوع المخلوقات للخالق مثل هذا وإن قيل هو انفعالها لمشيئته وقدرته بل ذاك نوع أبلغ من هذا فلا يجب أن يكون سجودها بغير خضوع منها وطاعة ولكن هذا البيت يقتضي أنه لا يجب أن يكون سجود كل شيء وضعه رأسه بالأرض وهذا حق بل هو خضوع للرب يناسب حاله وقد قيل لسهل بن عبد الله أيسجد القلب قال نعم سجدة لا يرفع رأسه منها أبدا وأهل الجنة في الجنة قد ألهموا التسبيح كما ألهموا النفس في الدنيا وكما يلهم أهل الدنيا النفس وهم خاضعون للرب مطيعون له وليس هناك سجود بوضع رأس في الأرض فهذا أمر به في الدنيا لحاجة النفس إليه في خضوعها لله تعالى فلا تكون خاضعة إلا به بخلاف حالها في الجنة فإنها قد زكت وصلحتآخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire