el bassaire

jeudi 29 septembre 2016

حِفْظُ السَّمْع

حِفْظُ السَّمْع


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
إن من نعَم الله العظيمة علينا نعمة السمع ؛ ألا ما أجلَّها من نعمة وما أعظمها من عطية ومنَّة ، ولنتفكر عباد الله بهذا السمع الذي منَّ الله علينا به كيف حالنا لو كنَّا فاقدين له ؟ إنها والله نعمة عظيمة ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل:78] ، وقال الله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2] ، وقال الله تعالى : { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:23] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
إن السمع نعمةٌ عظيمة من نعم الله عليك ؛ فبالسمع عباد الله تُعرف الخيرات ، ويُهتدى إلى طرق البر والأبواب الصالحات ، وبالسمع عباد الله يُسمع كلام الله عز وجل القرآن ويُسمع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالسمع تُتلقى العلوم وتكون المخاطبات والتفاهمات؛ فما أعظم النعم التي تصل إلى الإنسان من سمعه، بل إن السمع بوابةٌ رئيسة ومدخلٌ عظيم للقلب ؛ فمن وُفِّق لحفظ سمعه فإن في حفظه له خيراً عظيماً في سلامة قلبه وسلامة نفسه وسلامة سلوكه ، بخلاف من أرخى لسمعه العِنان وأخذ يسمع كل شيء بدون ضابطٍ وبدون قيد وبدون خوفٍ ولا مراقبةٍ لله تبارك وتعالى .
والسمع نعمةٌ يسأل الله عنها الناسَ يوم القيامة قال الله تعالى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر:8] ؛ قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : (( النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ ، ليَسْأَلُ اللهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] )) ؛ نعم أيها المؤمن إن الله عز وجل سائلك يوم القيامة عن سمعك ماذا كنت تسمع به ؟ فحقيق على عبدٍ منَّ الله عليه بهذه النعمة وأكرمه بهذه العطية أن لا يستعملها إلا في طاعة الله ، فإنَّ من شكرك لله عز وجل على هذه النعمة أن لا تستعملها إلا في طاعة الله وفيما يرضيه سبحانه وتعالى .
والمسموعات التي تُسمع بالآذان تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. مسموعٌ يحبه الله تبارك وتعالى ويرضاه ؛ كسماع الذكر والعلم وكلام الله عز وجل ، وأعظم شيءٍ تشْرُف الأسماع باستماعه وتزدان الآذان بالإصغاء إليه كلام الله تبارك وتعالى ، أشرف الكلام وأجلُّه على الإطلاق .
2. والنوع الثاني: سماعٌ محرم ومسموعاتٌ محرمات ؛ وذلك بأن يستمع الإنسان إلى اللهو والباطل وأنواع ما حرَّم الله عليه استماعه .
3. والنوع الثالث : سماعٌ مباح ؛ أباح الله عز وجل للعبد أن يستمع إليه .
والواجب على العبد أن يحرص على استعمال سمعه فيما أباحه الله له وفيما أوجبه الله تبارك وتعالى عليه ، وليحذر من خلاف ذلك . ولله عز وجل في كل عضوٍ من الأعضاء أمرٌ وله فيه نهيٌ وله فيه نعمة ؛ فمن استعمل العضو فيما أمَرَه الله به وجنَّبه ما نهاه الله عنه فإنه قد قام بشكر ذلك العضو .
عباد الله : وللسمع شرٌّ يُستعاذ بالله تبارك وتعالى منه ، وفي جامع الترمذي عَنْ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِكَتِفِي فَقَالَ : (( قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي ، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي ، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي )) فعلَّمه عليه الصلاة والسلام هذه الدعوة العظيمة التي يجدر بنا - عباد الله - أن نُعنى بها ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه أنواع الفتن وكثرت فيه - عباد الله - تلك الآلات الكثيرة التي بأيدي الناس وفي سياراتهم وفي بيوتاتهم ، وقد تورَّط كثير من الناس من خلال تلك الأجهزة والآلات بأنواع من السماعات المحرمات مما كان سبباً في مرض القلوب وضعف الإيمان ورقَّة الدين .
وقد أكرم الله عز وجل بعض عباده فأحسنوا استعمال تلك الآلات فيما يرضي الله جل وعلا وجنَّبوا أنفسهم بتوفيق من الله عز وجل استعمالها فيما يضر وفيما يسخط الله جل وعلا .
إن من لم يستعمل سمعه فيما يرضي الله واستعمله فيما يسخطه سبحانه فإنه يعرِّض نفسه ويعرِّض سمعه للعقوبة الأليمة يوم القيامة ، إضافةً إلى ما يكون لبعض الناس أو لكثير منهم من عقوبات معجَّلات ، وفي الحديث - حديث ابن عباس رضي الله عنهما - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه البخاري . والآنك: الرصاص المذاب . وهذا مثال - عباد الله - من أمثلة كثيرة لعقوبة من لا يستعمل سمعه فيما يرضي الله ، بل أخذ يستعمله في الحرام وفيما يُغضب الله تبارك وتعالى ويُسخطه .
اتقوا الله تعالى ؛ واشكروه جل وعلا على نعمه ، فإن شكر النعمة سببٌ للمزيد ، كما أنَّ كفران النعم سببٌ لزوالها ولنتفكر - والحديث عن نعمة السمع - في رجلين ؛ أحدهما أخذ يستمع إلى القرآن أو يستمع إلى موعظةٍ مؤثرة أو إلى خطبةٍ نافعة أو كلماتٍ مسدَّدة ؛ كم لذلك من أثر على قلبه من زيادةٍ في الإيمان وقوةٍ في اليقين وحرصٍ على الطاعات وإقبالٍ على العبادات ، وآخر أخذ يستمع بأذنه إلى اللهو والحرام والفسق والمجون ، كم لهذا السماع من أثر عليه بانصراف نفسه عن الخيرات وبُعْدها عن العبادات وإقبالها على المنكرات !! 
لا يمكن - أن تحرك أغنية أو لهو أو فسق أو مجون في قلب إنسان حباً للخيرات ورغبة في الطاعات ؛ فإن هذا السماع إنما يحرِّك في القلب رغبةً في الفسق والباطل والحرام ، بخلاف السماع النافع فإن نفعه وعوائده وآثاره المباركات على العبد عظيمة جداً ؛ ولهذا فإنك أيها المؤمن في ميدان ابتلاء وامتحان مع هذه النعمة - نعمة السمع - ماذا تستمع ؟ وإلى ماذا تصغي بسمعك ؟ فحاسب نفسك وزِنْ سمعك واجتهد في إصلاح حالك وإصلاح مسموعاتك يكون ذلك سبباً لسعادتك في دنياك وأخراك ، بخلاف حال - عباد الله- من انفلت منه سمعه وأخذ يستمع ما لا يباح كيف أنَّ ذلك السماع يجرُّه إلى مضرَّات وويلات ، ولنعتبر في هذا الباب بقول نبينا عليه الصلاة والسلام : (( وَالْأُذُنُ زِنَاهَا الِاسْتِمَاعُ )) 
نسأل الله الكريم أن يحفظنا وذرياتنا وأهلينا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن يهدينا إليه جميعاً صراطاً مستقيما .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire