el bassaire

jeudi 29 septembre 2016

حِفْظُ الفرج


حِفْظُ الفرج


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا

 وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله 
اتقوا الله تعالى وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة مؤمن يعلم أن ربه يسمعه ويراه . وتقوى الله عز وجل عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون إن من الواجبات العظيمة التي أوجبها الله سبحانه وتعالى على عباده ويتحقق بتطبيقها الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة حفظ الفروج ؛ بصيانتها وإبعادها عن مواطن الرذيلة وأفعال الفساد والانحراف، وإلزامها بلزوم العفاف والتمسك بالفضيلة، ليفوز العبد بحفظه لفرجه وصيانته له في دنياه وأخراه . فإنه من وفَّقه الله عزَّ وجلَّ لحفظ فرجه كان ذلك ضماناً بإذن الله عز وجل للفوز برضا الله ودخول جنته، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ))، وبالمقابل فإن عدم حفظ الفرج وإهمال صيانته سببٌ لدخول النار، بل ثبت في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال عليه الصلاة والسلام : ((الْفَمُ وَالْفَرْجُ)) .
ولقد تكاثرت الدلائل في كتاب الله عزَّ وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في الحث على حفظ الفروج وصيانتها وبيان ما يترتب على ذلك من الآثار المباركات والخيرات المتنوِّعات في الدنيا والآخرة ؛ يقول الله تبارك وتعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [المؤمنون:1-7]، ثم ذكر جل وعلا ثوابهم وأجرهم فقال سبحانه : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10-11]، ويقول الله جل وعلا : { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:19-31] ثم ذكر جل وعلا ثوابهم فقال : { أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35]، وقال الله تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } الآية [النور:30-31]، ويقول الله تبارك وتعالى: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35] .
الواجب على من تقرع سمعه هذه الآيات أن يعيَها وأن يُحسِن فهمها وأن يعمل على تحقيقها ليفوز بالخيرات العظيمات والفضائل المتعدِّدات من رب الأرض والسماوات .
وليتق الله إنسانٌ دخل مدخلاً آثما، وليعلم أنه سيقف موقفاً بين يدي الله وسيسأله رب العالمين، فعلى العبد أن يتقيَ الله ربه، وأن يصون فرجه، وأن لا يتعدى حدود الله تبارك وتعالى، وأن يراقب الله في سرِّه وعلنه وغيبه وشهادته، وأكبر زاجر في هذا الباب بل وفي كل باب أن تعلمَ أن رب العالمين يراك وأنه سبحانه لا تخفى عليه منك خافية { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق:14]، وإذا تذكَّر العبد رؤية الله له واطلاعه عليه وعلمه به فإن ذلك أكبر زاجر وأعظم رادع .
وفي حفظ الفروج وصيانتها من الوقوع في الزنا وما يلحق به من السِّحاق واللواط والاستمناء وغير ذلكم من الأفعال التي هي من التعدِّي والتجاوز في هذا الباب كما مرَّ معنا في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } أي في هذا لا يكون ملوماً، ومن تعدَّى ذلك فهو معتدٍ وملوم وسيعاقبه ويحاسبه الله تبارك وتعالى .
إن عدم حفظ الفرج له آثارٌ عظيمة ذكرها أهل العلم، ومن ذلكم عباد الله ما بسطه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامٍ عظيم له في هذا الباب يحسُن بنا جميعاً أن نتأمله . 
يقول رحمه الله تعالى : " والزنا يجمعُ خلال الشر كلها ؛ من قلَّة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلَّة الغيْرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاءٌ بعهد، ولا صدقٌ في حديث، ولا محافظةٌ على صديق، ولا غيْرةٌ تامة على أهله، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنَفَة للحُرَم وذهاب الغيرة من القلب من شُعبه وموجباته، ومن موجباته : غضبُ الرب بإفساد حُرمه وعياله، ولو تعرَّض رجلٌ إلى ملِكٍ من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة، ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغَشَيان الظلمة له، ومنها الفقر اللازم، ومنها أنه يُذهِب حرمة فاعله، ومنها أنه يسلِبه أحسن الأسماء وهو اسم العفَّة والبِرِّ والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن، ومنها أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي أنه قال: ((لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ)) فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان، [ومنها أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي فيه الزناة والزواني]، ومنها أنه يفارقه الطِّيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور:26]، وقد حرَّم الله الجنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب قال الله تعالى: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل:32]، وقال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر:73]، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخُبث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميَّز الخبيث من الطيِّب وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيِّب ولا يدخل الجنة خبيث، ومنها أنه يعرِّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن " . 
قال ابن القيم - والكلام لا يزال له - : " فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر " .
والواجب على كل مؤمن أن يعمل ولاسيما في هذا الزمن الذي كثُرت فيه الشرور وتعدَّدت فيه أنواع الفتن أن يعمل على صيانة نفسه بإبعادها عن كل أمرٍ يقرِّبه من الزنا أو يدنيه منه، فإن الله عز وجل لما حرَّم الزنا قال : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } [الإسراء:32] وفي هذا تحريمٌ للزنا وتحريمٌ لكل سببٍ أو أمرٍ يُدني منه ويقرِّب منه، ولهذا جاء في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه ذكر زنا العين وزنا اللسان وزنا الأذن وزنا اليد ثم قال صلى الله عليه وسلم : ((وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) .
ولقد جُبلت النفوس على بُغض الزنا وكراهيته وإدراك قبحه وشناعته وأنَّ إنساناً لا يرضى ذلك لأهله أو أحدٍ من قرابته، ولنتأمل في هذا المقام ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا مَهْ مَهْ، فَقَالَ : (( ادْنُهْ )) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ، قَالَ : (( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ))، قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ )) فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire