شرح
الموطاء كتاب القراض
(
ش ) : قَوْلُهُ رضي الله عنه هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ
أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفَكُمَاهُ لَمْ يُرِدْ
بِذَلِكَ إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا , وَإِنَّمَا أَرَادَ
مَنْفَعَتَهُمَا بِالسَّلَفِ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا الْمَالَ ,
وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ السَّلَفِ ; لِأَنَّهُ
لِمَحْضِ الرِّفْقِ فَإِذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ دَخَلَ
الْفَسَادُ فَإِذَا أَسْلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا لِيَدْفَعَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ
الْبَلَدِ وَقَصَدَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمُتَسَلِّفِ خَاصَّةً فَهُوَ جَائِزٌ
لِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ , فَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ إلَيْهِ
حَيْثُ لَقِيَهُ بِبِلَادِ السَّلَفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي
يُؤَمَّرُ فِيهَا أُجْبِرَ الْمُسَلِّفُ عَلَى قَبْضِهِ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ
الْمُسَلَّفِ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ دَفَعَهُ خَاصَّةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يُعَجِّلَهُ لَزِمَ الْمُسَلِّفَ قَبْضُهُ كَالْأَجَلِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ
أَرَادَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَتَهُ بِالسَّلَفِ بِأَنْ يَقْصِدَ إحْرَازَ مَالِهِ
فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ إلَى بَلَدِ الْقَضَاءِ كَالسَّفَاتِجِ الَّتِي
يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ
ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ , وَرَوَى أَبُو الْفَرْجِ جَوَازَ السَّفَاتِجِ
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ ,
وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهَا إذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي قَدَّمْنَا
ذِكْرَهَا .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِنْ
سُنَّةِ الْقِرَاضِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ الْمَالَ
الْقِرَاضَ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ , وَإِنَّمَا هُوَ
مِنْ ضَمَانِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ , فَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ
عَلَى الْعَامِلِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ
الْعَقْدُ صَحِيحٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْلُ
الضَّمَانِ عَنْ مَحَلِّهِ بِإِجْمَاعٍ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ
وَالشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ
أَبَدًا , وَلِذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا أَوْ يَمِينًا
رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ وَيُرَدُّ إلَى قِرَاضِ
مِثْلِهِ وَبَاقِي الْفَصْلِ سَيَرِدُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ الدَّيْنَ بِيَدِ
مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ وَيَدْخُلَهُ مَا قَالَهُ مِنْ
الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ لِلتَّأْخِيرِ بِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى
بِالْجُزْءِ الْيَسِيرِ مِنْ أَجْلِ بَقَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ فَيَفْتَضِحَ
بِإِحْضَارِهِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا رَضِيَ بِمِثْلِهِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ
بِسِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ بِالْحَيَوَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ شَرْطُهُ ;
لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى لَهُ مِنْ السِّلَعِ مَا لَا يُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا
فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا وَقْتَ مِنْ الْأَوْقَاتِ , وَهَذَا شَرْطٌ
فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ , فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ أُقَارِضُك عَلَى أَنْ لَا
تَشْتَرِيَ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا , فَإِنْ كَانَتْ
السِّلْعَةُ كَثِيرَةً مَوْجُودَةً وَلَا تُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَلَا
تُعْدَمُ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْحَيَوَانِ , وَالطَّعَامِ
فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ تَعْدَمُ فِي وَقْتٍ
مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ تَتَعَذَّرُ التِّجَارَةُ بِهَا لِقِلَّتِهَا فِي بَعْضِ
الْأَزْمَانِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَارَضَةُ بِهَا وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَلَى ذَلِكَ
فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ . وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ
أَنَّ هَذَا اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا
يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ
عُرُوضًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ
أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ النَّمَاءُ وَالرِّبْحُ , وَإِذَا قَالَ لَا
تَشْتَرِ إلَّا هَذَا الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْدَمَ فِي ذَلِكَ
الثَّوْبِ رِبْحٌ فَيَبْطُلَ مَقْصُودُ الْقِرَاضِ . ( فَرْعٌ ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ
ذَلِكَ يُفْسِدُ الْقِرَاضَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ
قِرَاضٍ وَقَعَ فَاسِدًا مِمَّا يَرُدُّ فِيهِ الْعَامِلَ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ
أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَتَى عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ
الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا
عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْتَاعَ بِالْمَالِ شَيْئًا فُسِخَ , وَإِنْ عَثَرَ
عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ابْتَاعَ بِالْجَمِيعِ كَانَ فَسْخُهُ الْمَنْعَ مِنْ
اسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهْمًا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ
الْعَمَلِ عَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا
قُلْنَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا تَفْرِيعَ وَإِذَا قُلْنَا يُرَدُّ
إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَابْتَاعَ بِبَعْضِ الْعَيْنِ سَلَفًا قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْوَلِيدِ فَعِنْدِي إنْ اشْتَرَى بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا خَطْبَ لَهُ
فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا , وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِالْكَثِيرِ
وَبَقِيَ الْكَثِيرُ فَهُوَ عَلَى قِرَاضِ
الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَامِلَيْنِ أَنْ
يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ شَيْئًا لَا يُفْضِي إلَى الْأَجْزَاءِ
عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ , وَقَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ
مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَيْهِمَا عَقْدٌ
وَاحِدٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ لَازِمَةٌ وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَقْدٌ
جَائِزٌ , وَالْجَوَازُ ضِدُّ اللُّزُومِ فَلَمَّا تَنَافَى مُقْتَضَاهُمَا لَمْ
يَصِحَّ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ
مُقْتَضَاهُ وَيُوجِبُ فَسَادَهُ وَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ
لِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ وَقَعَ بَيْعٌ
وَقِرَاضٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ
يُفْسَخُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ وَيُعْمَلُ فِي الْقِرَاضِ ثُمَّ
يَتَقَارَضَانِ قِرَاضًا صَحِيحًا إنْ شَاءَ , فَإِنْ لَمْ تَفُتْ سِلْعَةٌ
الْبَيْعَ , وَقَدْ عُمِلَ فِي الْمَالِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَكَانَ أَجِيرًا فِي
الْقِرَاضِ , وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَعُمِلَ فِي الْمَالِ فَكَذَلِكَ
أَيْضًا لَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ وَيُرَدُّ فِي الْقِرَاضِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ
وَيَكُونُ نَمَاءُ الْمَالِ لِرَبِّهِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ
عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَعُودُ إلَى أَنْ
يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَدَدًا مِنْ الرِّبْحِ يَنْفَرِدُ بِهِ ثُمَّ تَطْرَأُ
الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرُبَّمَا اسْتَغْرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَدَدُ
جَمِيعَ الرِّبْحِ فَيَسْقُطُ حَظُّ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ مَعَ وُجُودِهِ
وَاشْتِرَاطِهِ لَهُ , وَذَلِكَ يُنَافِي الْجَوَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْجَهَالَةِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقِرَاضُ إلَّا
بِالْعَيْنِ الدَّنَانِيرِ ,
وَالدَّرَاهِمِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ , فَإِنْ قَارَضَهُ بِعَرْضِ
فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ
هَذَا الْعَرْضَ فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُهُ فَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا يَكُونُ
الثَّمَنُ رَأْسَ الْمَالِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا
نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُسْتَأْنَفٌ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْقِرَاضِ
بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ وَنُزُولُ الْمَطَرِ وَاسْتِدْلَالٌ فِي
الْمَسْأَلَةِ , وَهُوَ أَنَّ هَذَا قِرَاضٌ وَإِجَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ
يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ لِاخْتِلَافِ مُقْتَضَاهُمَا . ( مَسْأَلَةٌ ) :
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الْقِرَاضِ
يَكُونُ الْعَرْضُ رَأْسَ الْمَالِ تَرُدُّ إلَيَّ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ
مِثْلَهُ فَمَا فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَك فَهَذَا أَيْضًا
لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ ,
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ الْغَرَرِ , وَهُوَ أَنَّهُ
يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي وَقْتِ رُخْصِهِ وَيَرُدَّهُ فِي وَقْتِ
غَلَائِهِ , فَيَذْهَبُ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحِ الْمَالِ أَوْ يَأْخُذُهُ فِي
وَقْتِ نَفَاقِهِ وَيَرُدُّهُ فِي وَقْتِ كَسَادِهِ فَيَشْتَرِيهِ بِبَعْضِ رَأْسِ
الْمَالِ وَيُقَاسِمُهُ الْبَعْضَ الْآخَرَ دُونَ أَنْ يُنَمِّيَ بِعَمَلِهِ ,
وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِمَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ وَيَخْتَصُّ
بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَفَاقُهُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ , فَإِنْ جَهِلَ
ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ لَا
يَجُوزُ إلَّا بِالْعَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُصَحَّحَ بِهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ
فَيَكُونَ الْقِرَاضُ مِنْ وَقْتٍ صَحَّ الثَّمَنُ وَحَصَلَ بِيَدِ الْعَامِلِ
وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ ;
لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِهِ لِوَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
, وَهَذَا كَمَا يَقُولُ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُصَحَّحُ بَعْدَ الْفَوَاتِ
وَيُرَدُّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ يَصِحُّ بَيْعُهُ
فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَمْ يُرَدَّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ . ( فَرْعٌ
) وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي ذَلِكَ قِسْمًا
ثَالِثًا , وَهُوَ إذَا أَعْطَاهُ عَرْضًا بِقِيمَتِهِ وَجَعَلَا تِلْكَ
الْقِيمَةَ رَأْسَ الْمَالِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ إلَيَّ أَنَّهُ إنْ
كَانَ قَصَدَ إلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالثَّمَنِ وَيَكُونَ مَا قَوَّمَ بِهِ رَأْسَ
الْمَالِ أَنَّهُ أَجِيرٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُشْتَرَطَةٌ
إمَّا لِرَبِّ الْمَالِ وَإِمَّا لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ بِالْعَرْضِ
فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ ثَمَنٌ قَالَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَهُ حُكْمُ
الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا
إنَّهُ أَجِيرٌ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ فِيهَا زِيَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا
مِنْ الْآخَرِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ بِنَقْدٍ ; لِأَنَّهُ
لَا بُدَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِرَبِّ
الْمَالِ أَوْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِلْعَامِلِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ ; لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَطْلَقَ يَدَ الْعَامِلِ
مِنْ مَالِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ دُونَ غَيْرِهِ فَكُلُّ مَا عَمِلَ
فِيهِ الْعَامِلُ مِنْ عَمَلٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ عَادَ ذَلِكَ بِخُسْرَانٍ
أَوْ رِبْحٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ , فَإِنْ
لَحِقَ الْعَامِلَ بَعْدَ ذَلِكَ غُرْمٌ بِسَبَبِ مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ
مُلْتَزِمٌ مُتَعَدٍّ فِي الْتِزَامِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ
فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ مِنْهُ
قِيمَتُهَا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَبْتَاعَهَا مِنْ مَالِ
الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيلَادِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ جَارِيَةٌ
مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَيَطَؤُهَا فَتَحْمِلُ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقِيمَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ فَفِي
كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ ثَمَنِهَا
يَوْمَ الْوَطْءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَيْهَا
بِالْوَطْءِ وَبِهِ فَاتَتْ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطِئَهَا , وَوَجْهُ
قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْحَمْلِ لَمْ
يَمْنَعْهَا الْوَطْءُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا إلَى الْقِرَاضِ فَإِذَا
فَاتَتْ بِالْحَمْلِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ رَدَّهَا إلَى
الْقِرَاضِ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحَمْلِ أَكْثَرَ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا
يَوْمَ الْحَمْلِ , وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ أَكْثَرَ
لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ ابْتِدَاءِ
التَّفْوِيتِ فِيهَا , وَالْوَطْءُ كَانَ سَبَبَ فَوَاتِهَا , وَإِنْ كَانَ
ثَمَنُهَا أَكْثَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ أُتْلِفَ بِالتَّعَدِّي ,
وَقَدْ رَضِيَ بِضَمَانِهِ حِينَ وَطِئَهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ
تَسَلَّفَ ثَمَنَهَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَتَعَدَّى عَلَى
جَارِيَةٍ مِنْ الْقِرَاضِ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ
مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ وَيُتْبِعَهُ بِقِيمَتِهَا فِي ذِمَّتِهِ
, وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْوَطْءِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا
وَلَا مِمَّا نَقَصَهَا الْوَطْءُ شَيْءٌ وَبَيْنَ أَنْ تُبَاعَ عَلَيْهِ جَمِيعًا
إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ حِصَّتُهُ مِنْهَا إنْ كَانَ فِي
الْمَالِ رِبْحٌ , فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُ مَا بِيعَ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّصِيبِ
الَّذِي بِيعَتْ عَنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ اتَّبَعَتْهُ بِذَلِكَ
النُّقْصَانِ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ , وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ
بِنَصِيبِهِ مِنْهَا وَأَتْبَعَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ
عِيسَى , وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَأَمَّا عَلَى
اخْتِيَارِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ مَنْ ضَمِنَ قِيمَةَ أَمَتِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ
شَرِيكٍ أَوْ مُقَارِضٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَجْهُ
قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ يَوْمَ
الْحُكْمِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَلَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ
الْمَالِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ يَوْمَ
الْوَطْءِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ فِيهَا مَا كَانَ مِنْ نَمَاءٍ بَعْدَ ذَلِكَ
فَرَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ وَرَاعَى أَشْهَبُ يَوْمَ
الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا
وَتَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا فَاَلَّذِي
قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ
وَبَيْنَ أَنْ تُبَاعَ لَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَسَلَّفَ , وَرَوَى ابْنُ
الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْعَدَمِ
بِقِيمَتِهَا وَلَا تُبَاعُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا دَفَعَ
الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْمِيَةِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَبْضَعَ مَعَهُ مَالًا
لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا وَجَدَ لَهُ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا أَوْ
ثَوْبًا يَخْتَصُّ بِهِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا
اسْتَسْلَفَ عَيْنًا وَعَلَيْهَا وَقَعَ تَعَدِّيهِ فَكَانَ مَا اشْتَرَى فِيهِ
لِلْمُتَعَدِّي لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَسَبَّبَ بِحُرْمَةِ الْعِتْقِ , فَإِذَا
لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فَلَمْ أَمْنَعْ صَاحِبَ الْمَالِ مِنْ عِوَضِهِ ;
لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ جَارِيَةً ,
وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَطْلُبَ الرِّبْحَ فَإِذَا حَكَمْت لَهُ
بِالْقِيمَةِ فَقَدْ مَضَى لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ , وَلَوْ اشْتَرَى
الْمُودِعُ الْوَدِيعَةِ جَارِيَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ فِي
يُسْرٍ وَلَا عُسْرٍ , وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ الْقِرَاضِ ,
وَالْبِضَاعَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تُوضَعْ عِنْدَهُ لِلتَّنْمِيَةِ
فَيَكُونُ قَدْ قَصَدَ إلَى إبْطَالِ غَرَضِ صَاحِبِهَا عَنْهَا , وَإِنَّمَا
جُعِلَتْ عِنْدَهُ لِلْحِفْظِ , وَتَسَلُّفُهَا لَا يُنَافِي حِفْظَهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ ; لِأَنَّ لِلْمُودَعِ
أَنْ يَتَسَلَّفَهَا , الْوَدِيعَةُ وَالْقِرَاضُ إنَّمَا دُفِعَا إلَيْهِ
لِلتَّنْمِيَةِ فَإِذَا تَسَلَّفَهَا فَقَدْ قَصَدَ إلَى إبْطَالِ غَرَضِ صَاحِبِ
الْمَالِ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ
ابْتَاعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ
بِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ , وَلَوْ ابْتَاعَ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ
كَانَ أَحَقَّ بِهِ رَبُّهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا عَلَى وَجْهِ
الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا , فَإِنْ كَانَ
كَثِيرًا وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي
مَوْضِعِ اسْتِيطَانِ الْعَامِلِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ ,
فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا
كِسْوَةَ وَلَا مُؤْنَةَ ; لِأَنَّ مُقَامَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْمَالِ ,
وَإِنَّمَا هُوَ لِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ , وَإِنْ
كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ , وَإِنَّمَا يُقِيمُ بِهِ لِلْعَمَلِ
بِالْمَالِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ النَّفَقَةَ , وَالْكِسْوَةَ , وَالْمُؤْنَةَ ;
لِأَنَّ الْمَالَ شَغَلَهُ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ فَأَوْجَبَ مُقَامَهُ
فِي غَيْرِ بَلَدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ كَانَ
لَهُ أَهْلٌ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَهْلٌ بِبَلَدٍ آخَرَ مُسْتَوْطِنًا
لِلْجِهَتَيْنِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا أَقَامَ بِالْمَالِ فِي أَحَدِ
الْبَلَدَيْنِ ; لِأَنَّ مُقَامَهُ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ , وَذَلِكَ يَمْنَعُ
أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ , وَرَوَى ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ
أَشْهَبَ فِي الَّذِي لَهُ أَهْلٌ بِبَلَدِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَهْلٌ حَيْثُ
يُسَافِرُ إلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَلَا
نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ
مَسَافَةَ السَّفَرِ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِ لَهُ فَكَانَتْ لَهُ فِيهَا
النَّفَقَةُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِنْ كَانَتْ تِجَارَتُهُ فِي السَّفَرِ فَلَا
يَخْلُو أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرَبِ كَالْحَجِّ ,
وَالْغَزْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْفَارِ الْقُرَبِ , فَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْفَارِ
الْقُرَبِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ
فِي مَالِ الْقِرَاضِ ذَاهِبًا وَلَا
رَاجِعًا , وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ التِّجَارَةَ . وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ
النَّفَقَةُ فِيهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجَمَاعَةِ
أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ , وَالْقُرْبَةِ فَيَجِبُ
أَنْ يُخْلِصَ لِذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ وَالْغَرَضُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ
أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ ; لِأَنَّ السَّفَرَ لِسَبَبٍ
غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فِيهِ , وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ لَهُ
كَالسَّفَرِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ , وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ
الْمَوَّازِ قوله تعالى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ
رَبِّكُمْ } قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مَعْنَاهُ التِّجَارَةُ فِي الْحَجِّ
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا سَفَرٌ مَقْصِدُهُ بِمَالِ الْقِرَاضِ إلَى
مَوْضِعِ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي كَثِيرِهِ كَمَا لَوْ
أَرَادَ سَفَرًا مَعَ السَّفَرِ لِلْقِرَاضِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرْبَةِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ حَاجَةً مِنْ
تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي بَلَدٍ فَلَمَّا تَجَهَّزَ أَعْطَاهُ رَجُلٌ مَالًا
قِرَاضًا فَأَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ فَهَلْ لَهُ نَفَقَةٌ فِي مَالِ
الْقِرَاضِ أَوْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ نَفَقَتُهُ فِي
مَالِ الْقِرَاضِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ
هَذَا مَالٌ حَصَلَتْ تَنْمِيَتُهُ بِسَفَرٍ عَرَا عَنْ الْقُرْبَةِ ,
وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْوَطَنِ فَكَانَتْ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ
سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ فَلَمْ تَكُنْ
نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا
قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ يُنْظَرُ
, فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِمَالٍ لِلتِّجَارَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ
فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تُفَضُّ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا , وَإِنْ أَرَادَ
الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ نُظِرَ إلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ فِي طَرِيقِهِ , فَإِنْ
كَانَتْ مِائَةً وَكَانَ مَالُ الْقِرَاضِ تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّ عَلَى مَالِ
الْقِرَاضِ مِنْ نَفَقَتِهِ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَعَلَيْهِ عُشْرُهَا .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي مَالِ
الْقِرَاضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْهِبَةِ مِنْهُ ,
وَالتَّفَضُّلِ عَلَى النَّاسِ , وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا
وَلَا غَيْرَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي مِنْهُ
مَنْ سَأَلَ الدَّرَاهِمَ وَالثِّيَابَ وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ الْكِسْوَةَ
, وَالْقِطْعَةَ لِلسَّائِلِ الرَّاضِي بِالدُّونِ الْمُتَكَفِّفِ لِلنَّاسِ فَلَا
بَأْسَ بِذَلِكَ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا إنْ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ
فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
وَاسِعًا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ أَنْ
يَفْعَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرُفَقَاؤُهُ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ
الرُّفَقَاءِ أَنْ يَتَخَارَجُوهُ فِي النَّفَقَاتِ فَيُخْرِجُ كُلُّ إنْسَانٍ
مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَتَعَاوَنُ فِيهِ ثُمَّ يُنْفِقُونَ مِنْهُ فِي
طَعَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَشْمَلُهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِنَّ
ذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَمَنْ يَصُومُ فِي يَوْمٍ دُونَ رُفَقَائِهِ ; لِأَنَّ
ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ ; لِأَنَّ انْفِرَادَ
كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِتَوَلِّي طَعَامَهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَشْغَلُهُ
عَمَّا هُوَ بِسَبَبِهِ مِنْ أَمْرِ سَفَرِهِ , فَإِذَا تَرَافَقَ جَمَاعَةٌ
تَوَلَّى كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مِنْ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ وَلِأَصْحَابِهِ مَا
يَرْتَفِقُ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَعَمَلُ
الْمُسْلِمِينَ إلَى هَلُمَّ جَرًّا لَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَفَضُّلًا مِنْ
بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ , وَكَذَلِكَ إنَّ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْجَمَاعَةُ
جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا جَمِيعًا فِي سَفَرِهِمْ ,
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَفَضُّلًا
مِنْ الْعَامِلِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ , وَإِنَّمَا يَكُونُ
تَفَضُّلًا إذَا أَتَى بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ عَنْ
الْعَادَةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ فِعْلُهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ
تَنْمِيَةٌ لِمَالِ التِّجَارَةِ , فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إمَّا بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي
حِلٍّ وَيُمْضِيَ فِعْلَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَحْتَسِبَ بِقَدْرِ التَّفَضُّلِ
عَلَى نَفْسِهِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَامِلَ إذَا تُوُفِّيَ بَعْدَ أَنْ يَشْغَلَ
مَالَ الْقِرَاضِ فَإِنَّ حَقَّ عَمَلِهِ فِيهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فَلَيْسَ
لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمْ فِي
الْمَالِ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ عَنْ مَوْرُوثِهِمْ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَشَغْلُ
الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِهِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ فَلَيْسَ
لِصَاحِبِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ أَرَادُوا
الْعَمَلَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ
لِمَوْرُوثِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ حَلُّوا مَحَلَّهُ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ
اسْتَسْلَفَ مِنْهُ بِشَرْطٍ كَانَ فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ
جَائِزٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا فِي الْقِرَاضِ لَيْسَتْ مِنْ
الرِّبْحِ فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ
وَلَكِنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْمَالِ أَوْ قَبْلَهُ , فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ
وَكَانَ ذَلِكَ لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا وَمَوَدَّةٍ فَهُوَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ
لِإِبْقَاءِ الْقِرَاضِ وَاسْتِدَامَتِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْهُدْنَةِ
لِإِبْقَاءِ الْقِرَاضِ , وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ , وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ
فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْعَامِلِ
يُسَافِرُ بِمَالِ الْقِرَاضِ فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا أُنْفِقُ مِنْ مَالِكَ
أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا بِعَدٍّ فَلَا يَجُوزُ , وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ
أَوْ الشُّخُوصِ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ; لِأَنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ عَيْنًا
بِعَدٍّ فَفِيهِ تُهْمَةٌ .
(
ش ) : أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَدْ
مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ , وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ
إنَّهُ إذَا عَمِلَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ مُدَّةً , ثُمَّ أَخْبَرَ رَبَّ
الْمَالِ بِمَبْلَغِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ قَبْضًا نَاجِزًا , ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ
يَرُدَّهُ إلَيْهِ قِرَاضًا فَعَلَ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ
قَدْ دَخَلَهُ نَقْصٌ , فَيُؤَخِّرَهُ عَنْهُ لِيَضْمَنَ لَهُ النَّقْصَ فِيهِ
فَيَدْخُلَهُ السَّلَفُ لِلزِّيَادَةِ وَيَدْخُلَهُ أَيْضًا فَسْخُ دَيْنٍ فِي
دَيْنٍ ; لِأَنَّ لِلْقِرَاضِ بَعْضَ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ
ادَّعَى الْخَسَارَةَ فِيهِ , وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ , وَلَوْ ادَّعَى تَبْرِئَةً لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا
أَسْلَفَهُ إيَّاهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي
كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ
مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ وَحَضْرَةِ الْمَالِ ; لِأَنَّ
أَخْذَهُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مُقَاسَمَةٌ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَاسَمَا
رِبْحَ الْقِرَاضِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحَصَّلَ رَأْسُ الْمَالِ .
(
ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى
الْعَامِلِ سِلْعَةً مَتَى شَاءَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إبْطَالٌ لِعَمَلِهِ
وَإِتْلَافٌ لِمَا يَبْقَى لَهُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ , وَالْقِرَاضُ
قَدْ لَزِمَهُمَا عَلَى وَجْهِ مَا دَخَلَا فِيهِ بِالشِّرَاءِ وَالْعَمَلِ
فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِكَاكُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَعْهُودِ مِنْ
التِّجَارَةِ وَطَلَبِ التَّنْمِيَةِ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ
دَيْنًا دَايَنَ بِهِ الْعَامِلُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ , ثُمَّ أَرَادَ
أَحَدُهُمَا بَيْعَ ذَلِكَ وَتَعْجِيلَ مَالِهِ وَأَبَاهُ الْآخَرُ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلُ الْآبِي مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ دَعَا إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ
الْقِرَاضِ , وَالتِّجَارَةِ .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire