el bassaire

samedi 28 septembre 2013

قُلْ ءَامنْتُ بِاللهِ ثم اسْتقِمْ

عن أبي عمرو وقيل أبي عمرة بن سفيان بن عبد الله الثّقفي رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال :"قل ءامنت بالله ثمّ استقم " رواه مسلم


الحمدُ للهِ وحدَه، خَلقَ العالَمَ وحَدَّه، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ لا نَبِيَّ بعدَه، اللهُمَّ ذَكِّرْنا ما نَسينا، وَعَلِّمْنا مَا جَهِلْنا، وانفَعْنَا بِما عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنا عِلْمًا، وارزُقْنا الإِخلاصَ في العَمَلِ ودَوامَ النِّعمِ وحُسْنَ الخِتَامِ.
أمَّا بعدُ، فقد روى مسلمٌ رحمَهُ اللهُ أنَّ رسولَ اللهِ محمّدًا عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ لسُفيانَ بنِ عبدِ اللهِ الثَّقفِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ لَمَّا قالَ لَهُ: قلتُ يا رسولَ اللهِ قُل لِي في الإسلامِ قولاً لا أسألُ عنهُ أَحَدًا غيرَكَ، قالَ: "قُلْ ءَامَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ"، وفِي رِوَايَةِ التِّرمِذِيِّ أنَّ سفيانَ بنَ عبدِ اللهِ قالَ: قلتُ يا رسولَ اللهِ حَدِّثْنِي بأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قالَ: "قُلِ اللهُ رَبِّي ثُمَّ اسْتَقِمْ" قلتُ يا رسولَ اللهِ ما أَخْوَفَ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخذَ بِلِسانِ نَفْسِهِ ثم قالَ: "هَذَا". هذا الصَّحابِيُّ الجَلِيلُ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ أنْ يُعَلِّمَهُ كَلامًا جَامِعًا لأَمْرِ الإِسْلامِ، ومعنَى "قُلْ لِي في الإسلامِ" أي في دِينِهِ وشريعَتِهِ. "قَولاً" أيْ لفظًا جامعًا لأُمُورِهِ كَافِيًا وَاضِحًا. "لا أسأَلُ عنه أحَدًا غيرَكَ" أيْ لا أحتَاجُ فيهِ إلَى سُؤَالِ أحَدٍ غَيْرِكَ. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قُلْ: "ءامَنْتُ بِاللهِ" أَيِ اثْبُتْ عَلَى إِيمانِكَ بِاللهِ، أَيْ دُمْ علَى إِيمانِكَ بِاللهِ. قالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّها الذِينَ ءامَنُوا ءَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي دَاوِمُوا عَلَى الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ واثبتُوا عليهِ، لأنَّ الثَّباتَ علَى الإِيمانِ حتَّى الممَاتِ منْ أعظَمِ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وجلَّ.
وقد قالَ الشيخُ مُحَدِّثُ الدِّيارِ الشَّاميةِ بدرُ الدِّينِ الحَسَنِيُّ رحمهُ اللهُ الذِي تُوُفِّيَ مِنْ قَريبِ مائةِ سنَةٍ:"إنَّ الملائكَةَ لَتَتَعَجَّبُ في هذا الزَّمانِ مِنْ رَجُلٍ يُتَوَفَّى علَى الإيمانِ" وذلِكَ لانتِشَارِ الكفرِ بينَ الناسِ في ذلكَ الحينِ، فكيفَ في هذَا الزمانِ الذي كَثُرَ فيهِ أدعياءُ العِلْمِ الذِينَ يَبُثُّونَ الكُفْرَ ءَانَاءَ الليلِ وأطرافَ النَّهارِ، زاعِمِينَ أَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ الناسَ الإِسلامَ!! وقد صَدَقَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمَّا قالَ :"أُناسٌ مِنْ جِلْدَتِنَا يَتَكلَّمونَ بألسنَتِنَا تَعْرِفُ منهم وتُنكرُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا". وقولُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "ثُمَّ اسْتَقِمْ" أيْ على فِعْلِ الوَاجِبَاتِ وتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. والاستقامةُ معنَاهَا لُزومُ طاعَةِ اللهِ، وقد قالَ سيِّدُنا أحمدُ الرِّفاعِيُّ الكبيرُ: "الاستِقَامَةُ عينُ الكَرامَة" وَقِيلَ الاسْتِقامَةُ هي مُتابَعَةٌ للسُّنَّةِ الْمُحَمَّديَّةِ معَ التَّخَلُّقِ بالأَخْلاقِ المرضيةِ. وتأمَّلْ قولَ اللهِ تعالَى لرسولِهِ محمَّدٍ: ﴿فَاسْتَقِمْ كما أُمِرتَ وَمَنْ تَابَ معكَ ولا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ قالَ النسفيُّ رحمهُ اللهُ في تفسيرِها: فاستَقِمِ اسْتِقَامَةً مثلَ الاسْتِقَامَةِ التِي أُمِرْتَ بِهَا غَيْرَ عادِلٍ عنهَا (أيْ لا يتركُهُا إلى غيرِها). وقد بشَّرَ اللهُ الذينَ اسْتَقَامُوا بالجنَّةِ التِي وُعِدُوهَا، وَبِتَبْشِيرِ الملائكةِ بأنَّهُ لا خَوْفٌ عليهِمْ ولا حزنٌ، وبأنَّهم أصحابُ الجنّةِ خالدِينَ فيهَا. قالَ جلَّ شأنُه في القرءانِ الكريمِ: ﴿إنَّ الذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلَ عليهِمُ الملائكةُ أَلاَّ تخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بالْجَنّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدونَ﴾. ومعنَى قولِهِ تعالَى: ﴿إنَّ الذينَ قالوا ربُّنا اللهُ﴾ أيْ نَطقُوا بالتَّوْحيدِ ثم استَقامُوا علَى تَوحيدِ اللهِ وشريعَةِ نبيِّهِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وعنِ الصِّدِّيقِ رضيَ اللهُ عنهُ: "استَقامُوا فِعلاً كما استقَامُوا قَوْلاً" وعنْ سيِّدِنا عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ : "لَمْ يَرُوغُوا روغانَ الثعالِبِ" أي لَمْ يُنافِقُوا. وعن سيِّدِنا عثمانَ رضيَ اللهُ عنهُ: "أخلَصُوا العَمَل". وعن سيِّدِنا عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ: "أدَّوا الفرائضَ" وعنِ الفضيلِ رحمهُ اللهُ: "زَهِدُوا في الفَانِيَةِ (أيِ الدنيا) وَرَغِبُوا في الباقيةِ (أيِ الآخِرَةِ)". وقالَ الإمامُ النسفيُّ رحمهُ اللهُ في قولِهِ تعالَى: ﴿تَتَنَزَّلُ عليهِمُ الملائِكَةُ﴾ أيْ عندَ الموتِ ﴿أَلاَّ تَخَافُوا﴾ أي ما تُقْدِمونَ عليهِ ﴿ولا تحزَنُوا﴾ على مَا خلَّفْتُمْ، فالخوفُ غَمٌّ يلحَقُ بالإنسانِ لتَوَقُّعِ المكروهِ، والحزنُ غَمٌّ يلحَقُ لوقوعهِ من فواتِ نافعٍ أو حُصولِ ضَارٍّ، والمعنَى أَنَّ اللهَ كتبَ لكُمُ الأمْنَ مِنْ كُلِّ غَمٍّ فلَنْ تَذُوقُوهُ ﴿وأبشِرُوا بِالْجَنَّةِ التِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فِي الدُّنْيا. انتهى.
قال بعضُهم: متَى اسْتَقَامَ القَلْبُ علَى مَعْرِفَةِ اللهِ وعلى خشيتِهِ وإِجْلالِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرَجائِهِ وَدُعَائِهِ والتَّوَكُّلِ عليهِ والإنَابَةِ إليهِ اسْتَقَامَتِ الجَوَارِحُ على طَاعتِه فَإِنَّ القَلْبَ هُوَ مَلِكُ الأعضاءِ وَهِيَ جُنودُهُ. فإذَا استَقَامَ الملِكُ استَقَامَتْ جُنودُهُ وَرَعَايَاهُ، وأَعْظَمُ ما يُراعَى بعدَ
القلبِ مِنَ الجَوَارِحِ اللسانُ فَإِنَّهُ تُرجُمانُ القَلْبِ وَالْمُعَبِّرُ عنهُ. وفِي مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ رحمَهُ اللهُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ". نَسأَلُ اللهَ حُسنَ الخِتامِ والاستِقَامَةِ والثَّباتَ علَى الإيمانِ حتَّى الممَاتِ بِجَاهِ حَبيبِهِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. واللهُ أعلمُ وأحكمُ.
المصدر: منتدى من ترك شيئا لله عوضهالله خيرا منه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire