el bassaire

vendredi 27 septembre 2013

شرح كتاب الموطأ كتاب الأقضية الجزء 3




    الجزء  3 شرح  كتاب   الموطأ    كتاب   الأقضية

( الْبَابُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا ) . إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ فَالْخُلْطَةُ الْمُعْتَبَرَةُ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ هِيَ : أَنْ يُسَالِفَهُ مُبَايَعَةً , وَيَشْتَرِي مِنْهُ مِرَارًا , وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ السِّلْعَةَ وَالثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ . وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ سَحْنُونٌ : لَا تَكُونُ الْخُلْطَةُ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : أَنَّ الْمُسَالَفَةَ وَاتِّصَالَهَا مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ تَقْتَضِي التَّعَامُلَ , وَيَشْهَدُ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسَلِّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ جَازَ أَنْ يُبَايِعَهُ , وَرُبَّمَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ السَّلَفِ فَيَثْبُتُ بَيْنَهَا بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي دُيُونِ الْمُبَايَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : : وَلَا تَثْبُتُ بَيْنَ أَهْلِ السُّوقِ مُخَالَطَةٌ بِكَوْنِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّبَايُعُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُونٌ قَالَ سَحْنُونٌ : وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَالْأُنْسِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ خُلْطَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّدَاعِيَ مِنْ جِهَةِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ بِسَبَبِ الْبَيْعِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِذَا كَانَتْ الْخُلْطَةُ بِتَارِيخٍ قَدِيمٍ وَانْقَطَعَتْ بَقِيَ حُكْمُ الْمُخَالَطَةِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ . وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا خُلْطَةٌ وَانْقَطَعَتْ فَإِنْ ثَبَتَ انْقِطَاعُهَا لَمْ يَحْلِفْ إلَّا بِخُلْطَةٍ ثَانِيَةٍ مُجَدَّدَةٍ تَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ , وَإِنْ قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَقَامَ فِيهَا بَيِّنَةً ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْغَدِ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا آخَرَ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْخُلْطَةِ لِانْقِطَاعِهَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى خُلْطَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمْرُهَا , وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ : إنَّ مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ مُخَالَطَةٍ قَدِيمَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا غَيْرَهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ فَلَا يُحَلِّفُهُ بِالْخُلْطَةِ الْأُولَى فَقَوْلُ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا تُوجِبُ الْيَمِينَ فِي دَعَاوِيهِمَا دُونَ أَنْ يَعْرِفَ سَبَبَ تِلْكَ الدَّعَاوَى , وَإِنْ عَرَفَ انْقِطَاعَ الدَّعَاوَى وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ تَجْرِي بَيْنَهُمَا يَلْزَمُ مَعْرِفَتُهَا وَمَعْرِفَةُ التَّعَامُلِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَقْتِهَا , وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ الْيَمِينُ .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ أَمَّا مَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ فَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا , وَالْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ بِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا بِالْخُلْطَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ الْيَمِينَ أَنَّهُ خَلِيطُهُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الشَّاهِدِ . وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : إذَا أَقَامَ بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ ابْنُ كِنَانَةَ بِقَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لَا يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ فَتَثْبُتُ بِسَبَبٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُرِيدُ مِمَّا تَقْوَى بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَعْنًى يَثْبُتُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ , وَلَمَّا اخْتَصَّ بِالْمَالِ ثَبَتَ بِمَا ثَبَتَ بِهِ الْمَالُ مِنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَنْ أَثْبَتَ حَقَّهُ بِبَيِّنَةٍ فَدَفَعَهَا الْمَطْلُوبُ بِعَدَاوَةٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ . وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ : وَقَدْ قِيلَ يَحْلِفُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمَرْدُودَةَ لَمَّا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيمَا شَهِدَتْ بِهِ مِنْ الْحَقِّ فَبِأَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُشْهَدْ بِهِ مِنْ الْخُلْطَةِ أَوْلَى , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبُولِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِرْثِ فِي إيجَابِ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ فِي الدِّمَاءِ . ( فَصْلٌ ) : : وَقَوْلُهُ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّعَاوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْحَاكِمِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ كَانَ خَلِيفَةً , وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الْحَالَتَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ حُكْمِهِ وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ , وَإِنَّمَا اسْتَقْضَى الْقُضَاةُ حِينَ اتَّسَعَ الْأَمْرُ وَشُغِلَ الْخُلَفَاءُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا أَمِيرٌ غَيْرُ مُؤَمَّرٍ يُرِيدُ أَنَّهُ غَالِبٌ مَالِكٌ لِلْأَمْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ : هُوَ كَالْخَلِيفَةِ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا فِي جَوْرٍ أَوْ خَطَأٍ بَيِّنٍ , يُرِيدُ فَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ قَالَ , وَإِنْ كَانَ مُؤَمَّرًا يُرِيدُ وَلَّاهُ غَيْرُهُ يُفَوِّضُ إلَيْهِ حُكُومَةً فَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ , وَلَا أَنْ يَسْتَقْضِيَ غَيْرَهُ , وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يُفَوِّضَ إلَيْهِ نَصًّا فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَ قَاضِيًا , وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَحُكْمُ قَاضِيهِ . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ : إذَا كَانَ مِثْلُ وَالِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة أَوْ وَالِي الْفُسْطَاطِ أَمِيرَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَضَاءَهُ مَاضٍ وَقَضَاءَ قَاضِيهِ إلَّا فِي جَوْرٍ بَيِّنٍ . وَنَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ وَزَادَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمِيرُ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا كَانَتْ بِغَلَبَةٍ وَمَلَكَةٍ لِلْأَمْرِ فَهِيَ عَامَّةٌ , وَإِذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا وَلَّاهُ إيَّاهُ دُونَ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُوَلِّ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ عَامَّةٌ فَتَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الْقَضَاءِ , وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِذَا قَضَى صَاحِبُ السُّوقِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَرْضِينَ , وَلِلنَّاسِ قَاضٍ أَوْ مَاتَ قَاضِيهِمْ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَالْمَجْمُوعَةِ : إنْ جَعَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمِيرُ الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ كَأَمِيرِ مِصْرَ , وَإِفْرِيقِيَةَ وَالْأَنْدَلُسِ جَازَ قَضَاؤُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا فَقِيهًا , وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ إلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَوَالِي الْمِيَاهِ إذَا جَعَلَ إلَيْهِ الْأَمِيرُ الْقَضَاءَ وَكَانَ عَدْلًا وَحَكَمَ بِصَوَابٍ جَازَ حُكْمُهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ فَإِذَا قُدِّمَ لِلْقَضَاءِ وَالِي الْمِيَاهِ أَوْ غَيْرُهُ , وَوَجَدْنَا فِيهِ شُرُوطَ الْقَضَاءِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا صَحَّتْ أَحْكَامُهُ , وَإِنْ عُدِمَتْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ ) فَأَمَّا صِفَةُ مَنْ يَحْكُمُ فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا رَشِيدًا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ لَوْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ : وَكَذَلِكَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ . وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَسْخُوطُ وَالنَّصْرَانِيُّ قَالَ أَشْهَبُ : وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُوَسْوِسُ , وَإِنْ أَصَابُوا الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمْ . وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً فَحُكْمُهَا مَاضٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ الْمَسْخُوطُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بَصِيرَيْنِ عَارِفَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فَإِنَّ تَحْكِيمَهُمَا وَحُكْمَهُمَا جَائِزٌ إلَّا فِي خَطَأٍ بَيِّنٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَأَشْهَبُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَبِهِ آخُذُ . وَقَدْ وَلَّى عُمَرُ الشِّفَاءَ , وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمَانَ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ سُوقَ الْمَدِينَةِ , وَلَا بُدَّ لِوَالِي السُّوقِ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ , وَلَوْ فِي صِغَارِ الْأُمُورِ . وَقَالَ أَصْبَغُ : إنْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا فَحَكَمَ فَأَصَابَ جَازَ , وَكَذَلِكَ الْمَحْدُودُ وَالصَّبِيُّ إذَا كَانَ قَدْ عَقَلَ وَعَرَفَ وَعَلِمَ فَرُبَّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ , وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ لَمْ يُرَاعِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ , وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ لَمْ يُجِزْ فِيهِ إلَّا مَنْ قَدَّمْنَا وَصْفَهُ قَبْلَ هَذَا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْحُكْمِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا ) , وَإِنَّمَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يُحَكِّمَانِهِ فِي الْأَمْوَالِ , وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا , وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا , وَلَا يُلَاعِنَ قَالَهُ سَحْنُونٌ . وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا فِي قِصَاصٍ , وَلَا حَدِّ قَذْفٍ , وَلَا عِتْقٍ , وَلَا طَلَاقٍ , وَلَا نَسَبٍ , وَلَا وَلَاءٍ ; لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ لَا يَقْطَعُهَا إلَّا الْإِمَامُ قَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ حَكَّمَاهُ فَحَكَمَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ نَفَذَ حُكْمُهُ , وَيَنْهَاهُ  السُّلْطَانُ عَنْ الْعَوْدَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لَهَا قَدْرٌ فَيُحْتَاطُ لَهَا بِأَنْ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا مَنْ قَامَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ بِأَحْوَالِهِ الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِكَ لَهُ أَوْ يُؤْمَنُ فِي الْأَغْلَبِ أَمْرُهُ أَوْ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ فِي ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( ش ) : قَوْلُهُ : إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ , وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْكِبَارِ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مَا رَأَيْتُ الْقُضَاةَ أَخَذَتْ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا احْتَجَّ بِهِ شُيُوخُنَا مِنْ أَنَّ الدِّمَاءَ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ لَهَا وَالصِّبْيَانُ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ يَنْفَرِدُونَ فِي مَلَاعِبِهِمْ حَتَّى لَا يَكَادَ أَنْ يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ , وَيَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنْ اللَّعِبِ وَالتَّرَامِي مَا رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ بَيْنَهُمْ إلَّا الْكِبَارُ , وَأَهْلُ الْعَدْلِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَدْرِ دِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بَيْنَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي غَالِبِ الْحَالِ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ( فَرْعٌ ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْهُمْ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهَا شَهَادَتُهُمْ . وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ .

الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الْقَتْلِ مِنْ الْجِرَاحِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ قَالَ سَحْنُونٌ : إنَّمَا أَجَزْتُهَا فِي الْجِرَاحِ , وَلَمْ أُجِزْهَا فِي الْحُقُوقِ لِلضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ الْحُقُوقَ يَحْضُرُهَا الْكِبَارُ , وَلَا يَحْضُرُونَ فِي جِرَاحِ الصِّغَارِ فِي الْأَغْلَبِ , وَلَوْ حَضَرَهَا كَبِيرٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قِيلَ لَهُ فَيَلْزَمُك عَلَى هَذَا الْغَصْبُ أَنْ يَغْصِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثَوْبًا قَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهَا فِي الْقَتْلِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَهُمْ فِي الْقَتْلِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا أُجِيزَتْ لِلِاحْتِيَاطِ لِلدِّمَاءِ , وَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ فِي الْحُقُوقِ , وَالِاحْتِيَاطُ لِلنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْجِرَاحِ فَإِذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ لِكَثْرَةِ لَعِبِهِمْ وَتَرَامِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا يَكْثُرُ بَيْنَهُمْ مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ دُونَ مَا يَقِلُّ , وَيَنْدُرُ , وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي الْحُقُوقِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقِلُّ بَيْنَهُمْ , وَيَنْدُرُ حَالَ انْفِرَادِهِمْ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا جُوِّزَتْ فِي الْقَتْلِ فَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ : لَا يَجُوزُ فِيهِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ أَصْلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ شَهَادَةُ الْعُدُولِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ وَالْقَتْلِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : : وَمَنْ ذَا الَّذِي تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ . وَقَالَ أَشْهَبُ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ  وَقَالَ سَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ إنَاثِهِمْ فِي الْجِرَاحِ فَلَمْ يُجِزْهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ , وَأَجَازَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ . وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ : تَجُوزُ شَهَادَةُ إنَاثِهِمْ وَذُكُورِهِمْ فِي الْقَتْلِ . وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ : تَجُوزُ شَهَادَةُ إنَاثِهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ : وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ صِغَارًا حَيْثُ تَجُوزُ كِبَارًا وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا تَدْعُو إلَى مَا يَكْثُرُ , وَيَتَكَرَّرُ دُونَ مَا يَقِلُّ وَيَنْدُرُ , وَحُضُورُ الْإِنَاثِ مَعَ الذُّكُورِ مِنْهُمْ يَقِلُّ لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقِلُّ مِنْهُمْ مِثْلُ هَذَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ وَوَجْهُ الْإِجَازَةِ أَنَّ الصِّغَارَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا انْفَرَدُوا بِحُضُورِهِ كَالذُّكُورِ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ فَقَدْ رَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُمْ غُلَامٌ وَجَارِيَتَانِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ . وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ غُلَامَانِ أَوْ غُلَامٌ وَجَارِيَتَانِ , وَلَا يَجُوزُ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ , وَلَا جَوَارٍ , وَإِنْ كَثُرْنَ ; لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ مَقَامُ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَانِ مَقَامُ غُلَامٍ , وَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ الْغُلَامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَلَا يَكُونُ مَعَهُ قَسَامَةٌ . وَقَالَ الْمُغِيرَةُ : وَلَا يَحْلِفُ مَعَهُ فِي الْجِرَاحِ ; لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ كَبِيرٌ عَدْلٌ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ فَيَمِينُ الْوَلِيِّ مَعَهُ كَشَاهِدٍ مَعَهُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : قَالَ مَالِكٌ : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ مِنْهُمْ زَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ , وَلَا شَهَادَةُ مَنْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كِبَارِهِمْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صِغَارِهِمْ كَالْمَجَانِينِ وَالْمَخْبُولِينَ , وَإِنْ شَهِدَ أَحْرَارُهُمْ لِعَبِيدِهِمْ جَازَ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَلَا يُنْظَرُ فِي الصِّبْيَانِ إلَى عَدَالَةٍ , وَلَا عَدَاوَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى عَدَالَةٍ , وَلَا جُرْحَةٍ فِيهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ ; لِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ لَا عَوْدَ لَهَا , وَلَا نَفْعَ فِي مَوْضِعِ الْعَدَاوَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ , وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْحَالِ مَا يَقْصِدُونَ بِهِ إلَى أَذَى مَنْ يُعَادِيهِمْ بِمِثْلِ هَذَا . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ : إذَا ثَبَتَتْ الْعَدَاوَةُ لَمْ يَجُزْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَأَثَّرَ فِي إبْطَالِهَا الْعَدَاوَةُ كَشَهَادَةِ الْكِبَارِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَهَلْ يَجُوزُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : لَا يُنْظَرُ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَى جُرْحَةٍ , وَلَا قَرَابَةٍ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَسْقُطُ فِي الْقَرَابَةِ . وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ : يَجْرِي مَجْرَى الْكَبِيرِ فِي الْأَبَوَيْنِ وَالْجُدُودِ وَالزَّوْجَةِ فَتُرَدُّ فِي هَذَا ; لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ , وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ بِعَدَاوَتِهِ , وَلَا عَدَالَتِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ بِقَرَابَتِهِ ; لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِكُلِّ وَجْهٍ وَالْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُهَا إلَّا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ أَبْلَغَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعَدَاوَةُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فَبِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْهَا الْقَرَابَةُ أَوْلَى , وَأَحْرَى وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ اعْتِبَارُهَا بِشَهَادَةِ الْكِبَارِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهَا شَهَادَتُهُمْ ) هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ وَتُقَيَّدُ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فَأَمَّا الْكَبِيرُ يَكُونُ مَعَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ , وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا انْفَرَدُوا , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَأَصْحَابِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا أُجِيزَتْ بَيْنَهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا انْفَرَدَ , وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ فَقَدْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ وَصَارُوا عَلَى حَالَةٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَحْكَامِهِمْ مَعَهَا فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ . وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا مُبَاغَتَةً وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ , وَأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ حَتَّى سَقَطَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ دُونَ أَنْ يَضْرِبَهُ أَحَدٌ أَوْ يَقْتُلَهُ فَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ تَامَّةٌ , وَلَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ الْكَبِيرَيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ , وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَعْدَلِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ أَصْبَغَ هَذَا وَقَالَ : قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّ شَهَادَةَ الْكَبِيرَيْنِ أَحَقُّ , وَأَنَّهَا كَالْجُرْحَةِ لِلصِّغَارِ , وَغَيْرُ هَذَا خَطَأٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً ; لِأَنَّ النِّسَاءَ يَجُزْنَ فِي الْخَطَأِ وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ قَالَهُ كُلَّهُ  سَحْنُونٌ . وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ شَاهِدٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الصِّغَارِ إلَّا كَبِيرٍ مَقْتُولٍ لَمْ يَبْقَ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ بِعَصَا لَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَ سَبَبِهِ حَيَاةٌ يُعْلِمُهُمْ , وَيُلَقِّنُهُمْ الشَّهَادَةَ مِثْلَ أَنْ يُلْقِيَهُ أَحَدُ الصِّبْيَانِ مِنْ عُلُوٍّ عَظِيمٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعِيشَ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ أَوْ يُلْقِيَهُ مِنْ عُلُوٍّ فِي بَحْرٍ فَيَغْرَقُ أَوْ يَضْرِبَهُ بِسَيْفٍ ضَرْبَةً يُبِينُ بِهَا رَأْسَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَهَلْ تُرَاعَى الْعَدَالَةُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُمْ قَالَ مَالِكٌ إذَا شَهِدَ صَبِيَّانِ مَعَ كَبِيرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ مُطَرِّفٌ : إذَا كَانَ الْكَبِيرُ عَدْلًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مَسْخُوطًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَبْدًا لَمْ تَضُرَّ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَصْبَغُ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنْ كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ وَكَانَ ظَاهِرَ السَّفَهِ وَالْجُرْحَةِ جَازَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهَا . وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : أَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي حَضَرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَبِأَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي رَدِّ شَهَادَةِ غَيْرِهِ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ الْآخَرِ فِي تَوَقُّفِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَلُحَتْ حَالُهُمْ بِحُضُورِ الْفَاسِقِ مَعَهُمْ عَنْ حَالِ الضَّرُورَةِ وَالْحَالِ الْمُتَكَرِّرَةِ إلَى حَالٍ يَنْدُرُ , وَيَقِلُّ مِنْ جَرَيَانِ مِثْلِ هَذَا بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَوْضِعٍ يَحْضُرُهُ الْكِبَارُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْكَبِيرُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ الصِّبْيَانُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّانِ وَرَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ , وَيُكَلَّفُ شَهَادَةَ رَجُلٍ آخَرَ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ حُضُورُ الْكَبِيرِ دُونَ اعْتِبَارِ حَالِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا افْتِرَاقُهُمْ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا فَلَا تَجُوزُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُمْ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا مِنْ أَنَّهُمْ يَنْفَرِدُونَ بِاللَّعِبِ بِمَا تَكْثُرُ بِهِ الْجِرَاحُ , وَرُبَّمَا أَدَّتْ إلَى الْقَتْلِ , وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ بِحِفْظِ الدِّمَاءِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا بِأَنْ تَثْبُتَ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهَا غَيْرُهَا , وَمِمَّا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَالِ , وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الضَّبْطِ وَالثَّبَاتِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ وَمِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ , وَلَا عُلِمَتْ لَهُمْ عَدَالَةٌ يُؤْمَنُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَوَّلِ قَوْلِهِمْ وَمَا ضُبِطَ مِنْهُ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَأَمَّا تَفَرُّقُهُمْ مَا لَمْ تُقَيَّدْ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي شَهَادَتِهِمْ تَفَرُّقُهُمْ , وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَبِّبُوا أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَوْ كِبَارٌ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُلَقِّنُوهُمْ الشَّهَادَةَ , وَيَصْرِفُوهُمْ عَنْ وَجْهِهَا أَوْ يُزَيِّنُوا لَهُمْ الزِّيَادَةَ فِيهَا أَوْ النُّقْصَانَ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ , وَبَطَلَتْ , وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ فَقَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ فُلَانٌ شَجَّ فُلَانًا وَقَالَ آخَرَانِ مِنْهُمْ بَلْ شَجَّهُ فُلَانٌ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كُتُبٍ قَدَّمَ ذِكْرَهَا إلَّا كِتَابَ ابْنِ حَبِيبٍ : تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ . وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَهَاتُرٌ , وَلَوْ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا يَقْتَضِي فِي الْكِبَارِ الْأَخْذَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ . وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ : لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ , وَإِنَّمَا أَصَابَتْهُ دَابَّةٌ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كِبَارًا عُدُولًا لَحُكِمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ هَذَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا رُجُوعُهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَالِي بِرُجُوعِهِمْ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا . وَقَالَ سَحْنُونٌ : وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَرْجِعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ , وَبَعْدَ أَنْ صَارُوا رِجَالًا فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِشَهَادَتِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الصِّبْيَانِ بَاطِلٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire