الجزء 2 شرح كتاب الموطأ
كتاب الأقضية
(
الْبَابُ الثَّانِي فِي حَالِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ) أَمَّا حَالُ الْأَدَاءِ
فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي شَهَادَةً حَفِظَهَا فَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا
لَهَا حِينَ الْأَدَاءِ إمَّا لِأَنَّهُ اسْتَدَامَ حِفْظَهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ
قَيَّدَهَا فِي كِتَابٍ يَذْكُرُهَا مِنْهُ حَالَ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا
يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ . وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يَتَفَقَّدُهُ عِنْدَ
نَفْسِهِ , وَقَدْ يَكُونُ فِي كِتَابٍ عَقَدَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ عَقْدًا
بِمَا عُلِمَ فِي الشَّاهِدِ مِنْ ذَلِكَ , وَهَذَا يُسَمِّيهِ أَصْحَابُ
الْوَثَائِقِ عَقْدَ اسْتِرْعَاءٍ , وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ مَنْ
تَسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَذَا
ثُمَّ يَكْتُبُ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ وَيُسَلِّمُ الْعَقْدَ إلَى صَاحِبِهِ
الْمَشْهُودِ لَهُ , فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَدُعِيَ الشَّاهِدُ إلَى
الشَّهَادَةِ لَزِمَ الشَّاهِدَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا
لِجَمِيعِهِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهِ أَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَى
عُمُومِهَا , وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضَهُ شَهِدَ بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ
يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَشْهَدُ .
,
وَأَمَّا مَحَلُّ نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الشُّهُودِ فَفِيهَا بَابَانِ
أَحَدُهُمَا نَقْلُهَا عَنْ شُهَدَاءَ مُعَيَّنِينَ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي
نَقْلِهَا عَنْ شُهَدَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ مُعَيَّنِينَ )
فَأَمَّا نَقْلُهَا عَنْ الْمُعَيَّنِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُنْقَلُ
عَنْهُ مُتَيَقِّنًا لِمَا أَشْهَدَ بِهِ غَيْرَ شَاكٍّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَمَنْ
شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهَا عَنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ
فِي الْمَجْمُوعَةِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَنُصُّ
شَهَادَتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهَا عَنْهُ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ ,
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْبِرَ قَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِيعَابَ
لِلشَّهَادَةِ وَالْمُؤَدِّي لِلشَّهَادَةِ يَتَحَرَّزُ فِيهَا وَيُؤَدِّيهَا
أَدَاءً يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِهَا وَأَدَاءُ الشَّاهِدِ شَهَادَتَهُ إلَى مَنْ
يَنْقُلُهَا عَنْهُ كَأَدَائِهَا إلَى الْحَاكِمِ , وَلَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ
سَمِعَهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ
الْعَمَلُ بِهَا فَكَذَلِكَ النَّاقِلُ لَهَا عَنْهُ .
(
الْبَابُ الثَّانِي فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ ) أَمَّا
نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى
السَّمَاعِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا تَقَادَمَ
زَمَنُهُ تَقَادُمًا يَبِيدُ فِيهِ الشُّهُودُ وَتُنْسَى فِيهِ الشَّهَادَاتُ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَتَخْتَصُّ بِمَا لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ وَلَا
يَنْتَقِلُ الْمَوْتُ فِيهِ كَالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ وَالْوَقْفِ الْمُحَرَّمِ ,
فَأَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّمَا يُشْهَدُ فِيهِ عَلَى السَّمَاعِ فِيمَا بَعُدَ
مِنْ الْبِلَادِ , وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْبِلَادِ أَوْ الشَّهَادَةُ
بِبَلَدِ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ وَمَا
تَقَرَّرَ مِنْ الْعِلْمِ , وَإِنْ كَانَ سَبَبُ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ السَّمَاعَ
إلَّا أَنَّ لَفْظَ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ , وَلِذَلِكَ لَا يُؤَدِّي
شَهَادَتَهُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ سَمَاعًا فَاشِيًا مَا يَنُصُّهُ مِنْ
شَهَادَتِهِ , وَأَمَّا إذَا تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَتَّى وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ
فَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى عِلْمِهِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ
وَأَنَّ فُلَانًا ابْنَهُ يَرِثُهُ فَلَا يُطْلِقُونَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ
شَهَادَةَ سَمَاعٍ .
(
ش ) : قَوْلُهُ أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ جُلِدَ الْحَدَّ تَجُوزُ
شَهَادَتُهُ لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْحُدُودِ الَّتِي يُجْلَدُ فِيهَا مِنْ الزِّنَا
وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ إلَّا أَنَّ إيرَادَهُ هَهُنَا يَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَمْلَهُ عَلَى عُمُومِهِ ثُمَّ
يُسْتَدَلَّ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَيَجْعَلَهُ
أَصْلًا لِجَمِيعِ الْجِنْسِ , وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ الْقَذْفَ وَحْدَهُ
وَيَقْصِدَ بَيَانُ حُكْمِهِ بِالْآيَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا ; لِأَنَّهَا
خَاصَّةٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَكُلُّ مَا يُوجِبُ الْجَلْدَ حَدًّا يُوجِبُ
التَّفْسِيقِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ
يُنَافِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } { وَاَلَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فَكُلُّ مَنْ قَذَفَ الْمُحْصَنَاتِ وَلَمْ
يُثْبِتْ مَا قَذَفَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الْقَذْفِ وَوَجَبَ رَدُّ
شَهَادَتِهِ بِهِ وَالْحُكْمُ بِفِسْقِهِ فِي الظَّاهِرِ إلَيْنَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ بِحَالِهِ فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ أَوْ مُشْتَبَهًا
عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَتَى يُحْكَمُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ
وَسَحْنُونٌ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا تُرَدُّ
شَهَادَتُهُ حَتَّى يُجْلَدَ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْكِتَابَيْنِ
تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ وَحَقَّ عَلَيْهِ
الْقَذْفُ , وَلَوْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْجَلْدِ
وَبَعْدَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ الْحُكْمُ
عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ قَاذِفًا بِأَنْ يُكْمِلَ الْجَلْدَ , فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ
فَلَوْ أَقَرَّ الْمَقْذُوفُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ مَا قَذَفَهُ بِهِ لَسَقَطَ
الْجَلْدُ ; لِأَنَّ طَرِيقَهُ النَّكَالُ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ
قَاذِفًا وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّفْسِيقَ بِهِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ
الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ يَتِمُّ بِعَجْزِهِ عَنْ
إثْبَاتِ مَا قَذَفَ بِهِ وَالْحَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْهِيرٌ لَهُ فَلَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ كَالْكَفَّارَةِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا
مَا يُوجِبُ النَّكَالَ وَالتَّعْزِيرَ دُونَ الْحَدِّ فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ
فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَسَنَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَكَالُ
الشَّتْمِ أَوْ نَحْوُهُ فَلَا تُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ , وَأَمَّا مَنْ
لَيْسَ بِمَشْهُورِ الْعَدَالَةِ إلَّا أَنَّهُ مَقْبُولٌ وَأَتَى بِالْأَمْرِ
الْعَظِيمِ مِمَّا فِيهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ فَلْيُنْظَرْ فِي هَذَا ,
وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْهُ مَا
تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَمِنْهُ مَا لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَيُنْظَرُ
فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ عَلَى قَدْرِ الشَّاتِمِ , وَقَدْرِ مَا أَتَى بِهِ
وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ يُعْمَلُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَإِمْضَائِهَا
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
(
ش ) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ
الشَّاهِدِ يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ
لِصِحَّةِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بِهِمَا فِيمَا شَهِدَ
بِهِ الشَّاهِدُ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعِيَ وَقَضَى لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ
الْحِجَازِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا
يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ
مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ }
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ
خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ , وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا
الشَّهَادَتَيْنِ فَالْجَوَابُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ .
وَهَذَا إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا
اخْتَصَّ فِي أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَاتِ فِيمَا اُدُّعِيَ
عَلَيْهِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يُشِيرُونَ إلَيْهِ لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ
خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ لِلنَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم بِأَمْرٍ شَاهَدَهُ , وَإِنَّمَا شَهِدَ لَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ
لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى
غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ لَا يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ مَعَ
شَاهِدِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا
أَنَّ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَجْنَا
بِهِ ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ شَهَادَتَهُ
شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْيَمِينِ , وَحَدِيثُنَا يَقْتَضِي
الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَإِنْ كَانَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ
لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ
الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
قَضَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ مَعَ شَهَادَةِ الْمُدَّعِي فَبَيَّنَ بِذَلِكَ
أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا تَأْثِيرَ لِشَهَادَتِهِ . فَالْجَوَابُ أَنَّ
قَوْلَهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يُفِيدُ كَوْنَهُمَا مِمَّا قَضَى
بِهِ وَأَنْ يَكُونَ قَضَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَلَوْ كَانَ مَا
قُلْتُمُوهُ لَقَالَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدِ أَوْ قَضَى
بِالْيَمِينِ وَرَدَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ , وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ
قَوْلَهُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا مِنْ جَنْبَةٍ
وَاحِدَةٍ , وَعَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَهُ الْيَمِينُ فِي غَيْرِ جَنْبَةِ
الشَّاهِدِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا إنَّهَا مَعَهُ بَلْ هِيَ نَاقِضَةٌ لَهُ
وَمُبْطِلَةٌ لِشَهَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا فِي
مَوْضِعٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ حَيَوَانًا فَيَدَّعِي
الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ
يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ
فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا وَحْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ
بِالْبَرَاءَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي
أَنَّهُ مَا اشْتَرَى عَلَى الْبَرَاءَةِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالرَّدِّ بِشَاهِدِهِ
مَعَ يَمِينِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ
بِالتَّمْيِيزِ مَعَ الشَّاهِدِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَاهِدٍ , وَإِنَّمَا هُوَ
مُخْبِرٌ عَنْ عِلْمِهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي
يَسْتَوِي النَّاسُ فِي عِلْمِهَا لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا شَاهِدَانِ
وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ
الشَّاهِدِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَعَمْتُمُوهُ قَضِيَّتَانِ ثَبَتَ
بِالشَّاهِدِ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْعَيْبِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي
بَرَاءَتُهُ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الْتِزَامِ الْبَيْعِ
بِالْبَرَاءَةِ , وَهَاتَانِ قَضِيَّتَانِ قَضَى فِي إحْدَاهُمَا بِالشَّاهِدِ
وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْيَمِينُ بِهَا وَقَضَى فِي الثَّانِيَةِ بِالْيَمِينِ
وَلَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ بِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ
الْمُدَّعِيَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي
جَنْبَتِهِ ابْتِدَاءً كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ . ( فَصْلٌ ) : وَمَا رَوَاهُ عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ فِي تَصْحِيحِ
الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْأَمْرُ بِهِ إظْهَارٌ لِاتِّفَاقِ
عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ وَأَعْلَامِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( ص ) : ( قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ
بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ
شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبَ
فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ
عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ ) . ( ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ صَاحِبَ
الْحَقِّ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ
يَقْتَطِعُ الْحُقُوقَ بِيَمِينِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ عَلَى
ضَرْبَيْنِ : مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَعَلَى
ضَرْبَيْنِ : غَيْرُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَمُوَلًّى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى
عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ الَّذِي شَهِدَ
لَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا
أَوْ أُنْثَى ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَسَاوَوْا فِي الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ
وَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ . ( فَرْعٌ ) وَأَمَّا الْمُوَلَّى
عَلَيْهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا
وَانْفَرَدَ بِالْحَقِّ قَبْلَ شَاهِدِهِ وَاسْتُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ
وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ
وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي
كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ , وَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمَيِّتِ
صَغِيرًا وُقِفَ لَهُ حَقُّهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ فَيَحْلِفَ وَلَمْ يَذْكُرْ
الْيَمِينَ وَبِهَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ
الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ ثَبَتَ
الْيَمِينُ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ
لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُرْجَى
أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ فَانْتَظَرَ ذَاكَ أَصْلُهُ
الْمُغْمَى عَلَيْهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ
فَإِذَا حَلَفَ أَبْقَى الْحَقَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ
أَوْ مُعَيَّنًا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ
فَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ فَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ مَا فِي الذِّمَّةِ
وَالْمُعَيَّنُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنْ فَاتَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِهِ
لِلصَّبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ
عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ
مِنْهُ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُتْرَكُ عِنْدَهُ الْحَقُّ فَإِذَا
بَلَغَ الصَّبِيُّ وَصَارَ مِمَّنْ يَحْلِفُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ لَمَّا
أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَخَذَ حَقَّهُ . ( فَرْعٌ ) فَإِنْ نَكَلَ الصَّبِيُّ بَعْدَ
أَنْ بَلَغَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ
وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ ; لِأَنَّ
يَمِينَهُ بِذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَتْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ يَمِينَ
الْمَطْلُوبِ يَمِينُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ
حَلَفَ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ لِتَقَدُّمِهَا فِي الرُّتْبَةِ
عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ هَذِهِ لِضَرُورَةِ تَوَقُّفِ تِلْكَ , وَإِنْ
لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي صَحَّتْ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ وَصَحَّ الْحُكْمُ لَهُ
بِهَا وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ يَمِينَ الْمَطْلُوبِ لِتَوْقِيفِ
الْحَقِّ بِيَدِهِ خَاصَّةً لَمَّا تَعَذَّرَتْ يَمِينُ الطَّالِبِ الَّتِي
يَتَعَجَّلُ بِهَا حَقَّهُ فَإِذَا حَلَفَ الطَّالِبُ أَخَذَ حَقَّهُ بِشَاهِدِهِ
وَيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ يَمِينَ الِاسْتِحْقَاقِ وَقُضِيَ
لَهُ , وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ
; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ أَوَّلًا يَمِينَ اسْتِحْقَاقٍ لَوَجَبَ أَنْ
لَا يَبْقَى بَعْدَهَا لِلْمُدَّعِي يَمِينٌ وَلَوَجَبَ إذَا نَكَلَ عَنْهَا أَنْ
لَا يَنْفُذَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي
يَمِينًا بَعْدَهَا , وَلَمَّا كَانَ إذَا حَلَفَ بَقِيَ الْحَقُّ بِيَدِهِ حَتَّى
يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِذَا رَشَدَ الْمُدَّعِي وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ
بِالْحَقِّ لِلْمَطْلُوبِ وَعُلِمَ أَنَّهَا يَمِينُ إبْقَاءِ الْحَقِّ فَيَجِبُ
إذَا رَشَدَ وَنَكَلَ الطَّالِبُ أَنْ يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ يَمِينَ
الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْأَصْلُ مُتَنَازَعٌ فِيهِ . (
مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا غَرِمَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ
عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ كِنَانَةَ , وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِذَا بَلَغَ
الصَّغِيرُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ , وَإِنْ نَكَلَ
فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ الْمُوَلَّى
عَلَيْهِ وَالصَّغِيرُ بَعْدَ الرُّشْدِ وَالْبُلُوغِ رُدَّ إلَى الْمَطْلُوبِ
وَنَحْوُهُ رَوَاهُ ابْنُ كِنَانَةَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ
بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ يَمِينُهُ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ
لَهُ شَيْءٌ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ ثَانِيَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ .
(
ش ) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُتَوَفَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ ,
وَلَهُ دَيْنٌ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ
الشَّاهِدِ , وَيَبْدَأُ الْغُرَمَاءُ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْمِيرَاثِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ نَكَلَ
الْوَرَثَةُ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ , وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ
الْوَرَثَةَ يَبْدَؤُنَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْإِطْلَاقِ , وَبِهَذَا قَالَ
مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَالَ سَحْنُونٌ : إنَّمَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ
أَنْ يَحْلِفُوا أَوَّلًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ
نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبِضُوا دَيْنَهُمْ كَانَ
لِلْوَرَثَةِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَوَّلًا إذَا لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ
, فَإِنْ قَامُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ , وَطَلَبُوا أَنْ يَحْلِفُوا فَهُمْ
الْمُبْدِئُونَ بِهَا ; لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ
أَنَّ الْوَرَثَةَ أَوْلَى بِالتَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ
يَدْفَعُوا إلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ , وَيَخْتَصُّونَ بِالتَّرِكَةِ
دُونَ الْغُرَمَاءِ , وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حَيًّا لَمَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ
أَنْ يَحْلِفُوا فَكَذَلِكَ مَعَ وَرَثَتِهِ ; لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ
مَا أَرَادُوا التَّرِكَةَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قوله تعالى { مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ
مُبْدَئِينَ قَبْلَ الْوَرَثَةِ فِي الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا
حُكِمَ لَهُمْ بِصِحَّةِ دَيْنِهِمْ . ( فَرْعٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ
فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ فِي تَبْدِئَةِ الْغُرَمَاءِ
وَالْوَرَثَةِ بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُبْدِئُونَ
بِالْأَيْمَانِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ
حَلَفَ الْغُرَمَاءُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ وَاَلَّذِي رَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ هَذَا , وَخِلَافُ قَوْلِ سَحْنُونٍ , وَهُوَ
أَشْبَهَ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ إذَا قَامَ
لِلْغُرَمَاءِ شَاهِدٌ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ مَعَهُ
فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ غُرَمَاؤُهُ وَاسْتَحَقُّوا قَدْرَ دَيْنِهِمْ فَإِنْ
فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِيَمِينٍ فَدَلَّ قَوْلُهُ
أَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَامُوا بِالشَّاهِدِ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَامُوا بِهِ
بَعْدَ ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ وَاسْتِحْلَافِهِمْ أَنَّهُمْ قَبَضُوا دَيْنَهُمْ ,
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُمْ الْقِيَامُ بِالشَّاهِدِ وَمَعَ ذَلِكَ
فَالْوَرَثَةُ مُبْدَءُونَ بِالْأَيْمَانِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ قَوْلُهُ
فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا
بِيَمِينٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْضَلْ شَيْءٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَا
تَقَدَّمَ . ( فَرْعٌ ) : وَإِذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْيَمِينِ أَوَّلًا
فَحَلَفَ الْغُرَمَاءُ , وَبَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ
الْغُرَمَاءُ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا , وَيَأْخُذُوهُ . وَقَدْ
تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ,
وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَاوَدَةُ
الْيَمِينِ ; لِنُكُولِهِمْ عَنْهَا أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ
أَنَّ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَضْلًا عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِ ,
وَنَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَيَحْلِفُونَ , وَيَأْخُذُونَ الْفَضْلَ , وَهُوَ
مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ . وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : أَنَّ نُكُولَهُمْ
أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ نُكُولًا عَنْ الْيَمِينِ وَتَسْلِيمِ الْحَقِّ , وَإِنَّمَا
كَانَ امْتِنَاعًا مِنْ يَمِينٍ يَصِيرُ مَا اسْتَحَقَّ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ ,
وَلَوْ كَانَ نُكُولًا لَهُ حُكْمُ النُّكُولِ لَمَا انْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَى
الْغُرَمَاءِ , وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْتَقِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ , وَهَذِهِ
الْيَمِينُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَنُوبُ فِيهَا الْوَرَثَةُ
عَنْ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْغُرَمَاءُ أَيْمَانَ الْوَرَثَةِ
حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلُوا
حِينَئِذٍ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
مُعَاوَدَتُهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي : أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا
حَلَفُوا فَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ عَلَى جَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِذَا نَكَلُوا فَقَدْ
بَطَلَ حَقُّهُمْ مِنْهُ كَالشُّرَكَاءِ فِي الْمِيرَاثِ مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ
فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِ جَمِيعِ الدَّيْنِ مَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ
, وَثَبَتَتْ الْيَمِينُ لِغَيْرِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا عَلِمَ الْوَرَثَةُ
بِالْفَضْلِ فَنَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ فَقَدْ أَبْطَلُوا حَقَّهُمْ مِنْهُ ,
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ ثَبَتَ لَهُمْ الْيَمِينُ عِنْدَ ظُهُورِهِ .
(
ش ) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ حَقًّا إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا
مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ : يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
إثْبَاتِ خُلْطَةٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى
لَا يُوجِبُ حُكْمًا إلَّا لِوَجْهِ ضَرُورَةٍ وَاسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ تَلْحَقُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِالْيَمِينِ
بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةٌ بِأَنْ يَكُونَ
مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ ,
وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي الشَّرْعِ , وَبِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ
فِي الْقِتَالِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ
, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي
ذَلِكَ أَبْوَابٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الدَّعَاوَى الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا
الْخُلْطَةُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى
الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّالِثُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ
الْخُلْطَةُ .
الْبَابُ
الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُلْطَةُ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ
الْخُلْطَةُ هُوَ الْمُدَايَنَةُ وَادِّعَاءُ دَيْنٍ مِنْ مُعَاوَضَةٍ , وَفِي
كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ كَفَالَةٌ بِحَقٍّ
فَلَا يَلْزَمُهُ , وَيَلْحَقُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ , وَوَجْهُ
ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْمُشَاحَّةِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَمَنْ تَكَفَّلَ لَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ . (
مَسْأَلَةٌ ) : : وَإِنْ أَوْصَى أَنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا حَلَفَ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ
أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ . وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَقَالَ :
إنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إلَى الصِّدْقِ فَيُوجِبُ
مِنْ ذَلِكَ مَا تُوجِبُهُ الْمُخَالَطَةُ , وَمَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ ; لِأَنَّ
لِقَوْلِ الْمُدَّعِي عِنْدَ مَوْتِهِ تَأْثِيرًا فِي تَحْقِيقِ الدَّعَاوَى
الْمُوجِبَةِ لِلْأَيْمَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمُدَّعِي
دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَنْ ادَّعَى ثَوْبًا بِيَدِ إنْسَانٍ
أَنَّهُ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ
مَنْ لَهُ ثَوْبٌ أَوْ عَرَضٌ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ , وَلَوْ
اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لَتَعَذَّرَ حِفْظُ الشُّهُودِ لَهُ وَضَبْطُهُمْ لِذَلِكَ
مَعَ كَثْرَتِهِ , وَلَزِمَهُمْ مِنْ مُرَاعَاتِهِ مَا يَشُقُّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ
إلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ فِي مِثْلِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ
خُلْطَةٍ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَالصُّنَّاعُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ
لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فِي صِنَاعَتِهِمْ دُونَ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ قَالَهُ
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ; لِأَنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّاسِ ,
وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تُجَّارُ السُّوقِ فَإِنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ
لِلشِّرَاءِ مِنْ النَّاسِ وَالْبَيْعِ مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ
بَيْنَهُمْ أَنَّ الصُّنَّاعَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ
الْمُطَالَبَةَ بِالْعَمَلِ وَالْمَعْمُولِ خَاصَّةً دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ
عَلَى أَحَدٍ مُطَالَبَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَالْعَبْدُ
الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَبِيعُ مَتَاعًا فَيَقْتَضِي الثَّمَنَ هُوَ
وَسَيِّدُهُ فَيَدَّعِي الْمُتَبَايِعُونَ قَضَاءَ السَّيِّدِ بَعْضَ الثَّمَنِ
قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ : عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ
أَنْكَرَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا
الْمُخَالَطَةُ إنَّمَا هِيَ مَا
حَقَّقَتْ دَعْوَى تَنَاوَلَتْ مُعَاوَضَةً ; لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
مُنْكِرٌ لِسَبَبِهَا , وَأَمَّا مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلَا
اعْتِبَارَ فِيهَا بِالْخُلْطَةِ ; لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا بِالثَّمَنِ قَدْ
أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْيَمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَمَنْ أَوْصَى
أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَيْنًا فَطَلَبَ الْوَرَثَةُ يَمِينَ الْمُقَرِّ لَهُ
أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ : لَا يَأْخُذُهَا حَتَّى يَحْلِفَ
وَقَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي مِثْلِ هَذَا مَرَّةً بِالْيَمِينِ
وَمَرَّةً بِلَا يَمِينٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ يُرِيدُ
لَبَاقٍ لَمْ يَقْبِضْهُ وَأَمَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا أَوْصَى بِهِ
الْمَيِّتُ فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ وَجْهُ إثْبَاتِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لِجَوَازِ
أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَوَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ أَنَّ الْمُوصِيَ
قَدْ صَدَّقَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى تَصْدِيقِهِ , وَلَمْ يَقْضِهِ أَحَدٌ
بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْوَارِثِ ,
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ . (
مَسْأَلَةٌ ) : وَإِنَّمَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى مَعَ تَحْقِيقِهَا
وَتَحْقِيقِ الْإِنْكَارِ , وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَنَا أَحْلِفُ أَنَّ
لِي عَلَيْك كَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ حَتَّى يُحَقِّقَ يَمِينَهُ مِنْ
كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خُلْطَةٌ
وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا فَهَلْ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ
بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُسْتَحْلَفُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ
الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ , وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا
بِأَنَّ لِلتُّهْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الْأَحْكَامِ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ
تَدَّعِي أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ اسْتَكْرَهَهَا
أَنَّهَا تُحَدُّ , وَإِنْ كَانَ يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ نَظَرَ الْإِمَامُ
فِيهِ , فَالتُّهْمَةُ تُوجِبُ مَا تُوجِبُهُ الْخُلْطَةُ مِنْ الْيَمِينِ
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْعَدْلِ وَالْفَاجِرِ فِي
الْأَيْمَانِ الَّتِي تُحَقَّقُ فِيهَا الدَّعَاوَى سَوَاءٌ , وَإِنَّمَا
يُخْتَلَفُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire