el bassaire

mercredi 22 mai 2013

باب فروض الوضوء وصفته




الفروض جمع فرض والفرض في الأصل الحز والقطع أو التقدير. لأن الفروض مقدرات. وفي الشرع ما أثيب فاعله وعوقب تاركه. والوضوء بالضم فعل المتوضئ. وهو إمرار الماء على الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة من الوضاءة وهي النظافة سمي بذلك لأنه ينظف المتوضيء ويحسنه وصفة الوضوء كيفيته مصدر وصفه يصفه وصفًا وصفة: نعته بما فيه لما ذكر الماء الذي تحصل به الطهارة وأردفه بالاستنجاء أتبعه بالوضوء لأن مشروعية الاستنجاء قبله لا نزاع فيها وإنما قدم السواك على الوضوء. للإتيان به في أوله عند المضمضة ثم أعقب ذلك بسائر مقاصد الطهارة.
والوضوء من أعظم شرائط الصلاة والدليل على وجوبه وشرطيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فالآية المذكورة.
وأما السنة فمنها ما في الصحيحين "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ولمسلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور". وغيرهما وأما الإجماع، فقال ابن رشد لم ينقل في ذلك خلاف. واتفق المسلمون على شرطيته. وورد في فضله أحاديث كثيرة منها قوله "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" وقوله: "من توضأ كما أمره الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
(قال الله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا{ قال ابن مسعود إذا سمعت الله يقول: }يا أيها الذين آمنوا{ فاصغ سمعك لجوابها فهو إما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه }إذا قمتم إلى الصلاة{ يعني وأنتم على غير طهر }فاغسلوا وجوهكم{ بالماء والغسل في الأصل من غسل الشيء سال وغسله يغسله غسلاً طهره بالماء وأزال الوسخ ونحوه عنه بإجراء الماء عليه وقدم الوجوه جمع وجه وهو في الأصل من المواجهة فشرع غسله الذي نظافته ووضاءته عنوان على نظافة القلب. وشرع بعده غسل اليدين لأنهما أحق الأعضاء بالنظافة والنزاهة بعده فقال: }وأيديكم إلى المرافق{ جمع مرفق موصل الذراع في العضد. والأيدي جمع يد وإلى تستعمل بمعنى مـع كقوله }ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم{ أي مع أموالكم. وفعله عليه الصلاة والسلام يبينه. وعن جابر: "أدار الماء على مرفقيه" رواه الدارقطني. ولمسلم "غسل يده حتى أشرع في العضد". وذكروا أن المغيا لا يدخل في الغاية إلا في ثلاث، غسل اليدين إلى المرفقين،  والرجلين إلى الكعبين، و التكبير المقيد }وامسحوا برؤوسكم{ الباء للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول فكأنه قال الصقوا المسح برؤوسكم يعني بالماء فشرع الله سبحانه مسح جميع الرأس وأقامه مقام الغسل تخفيفًا. }وأرجلكم إلى الكعبين{ أي مع الكعبين فإلى بمعنى مع كما تقدم. والأحاديث في صفة الوضوء. ولمسلم حتى أشرع في الساق. والكعبان هما العظمان الناتئان من جانبي القدم. وهما مجمع مفصل الساق والقدم. قال النووي. وهذا بإجماع الناس خلافًا للشيعة. وأرجل بالنصب أعاد الأمر إلى الغسل. وعلى القراءة بالخفض لا يخالف ما تواتر عن النبي – صلى الله عليه و سلم - من غسل الرجلين.
قال شيخ الإسلام فإن المسح جنس تحته نوعان. الإسالة وغير الإسالة كما تقول العرب تمسحت للصلاة. فما كان بالإسالة فهو غسل. وعن عمرو "ثم غسل رجليه" كما أمره الله وتواتر عنه – صلى الله عليه و سلم - أنه قال ويل للأعقاب من النار قال الشيخ والله أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين. وهذا هو الغسل وذكر المسح على الرجلين تنبيهًا على قلة الصب على الرجل فإن السرف يعتاد فيها كثيرًا اهـ.
وهذه الأعضاء هي آلات الأفعال التي يباشر بها العبد ما يريد فعله. وبها يعصى الله ويتقى. وهي أسرع ما يتحرك من البدن للمخالفة. ورتب غسلها على ترتيب سرعة حركتها في المخالفة. أو لشرفها. وتنبيهًا بغسل ظاهرها على تطهير باطنها. وأخبر – صلى الله عليه و سلم - أنه كلما غسل عضوًا منها حط عنه كل خطيئة أصابها بذلك العضو. وفي آخر الآية }ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون{. وهل هذه الآية مؤسسة للحكم أو مقررة للحكم الثابت. روى ابن ماجه من طريق رشدين أن جبرائيل علم النبي – صلى الله عليه و سلم - الوضوء عند نزوله عليه بالوحي. وقال ابن المنذر معلوم عند جميع أهل السير أنه لم يصل قط إلا بوضوء.
ولأحمد قال "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي". وقال شيخ الإسلام الوضوء من خصائص هذه الأمة. كما جاءت به الأحاديث الصحيحة "أنهم يبعثون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء" وأنه يعرفهم بهذه السيماء. فدل على أنه لا يشاركهم فيها غيرهم. وما رواه ابن ماجه لا يحتج به وليس له عند أهل الكتاب خبر عن أحد من الأنبياء أنه يتوضأ وضوء المسلمين.
(وعن عمر بن الخطاب) بن نفيل بن عبد العزى العدوي أمير المؤمنين الخليفة الثاني أفضل الصحابة بعد الصديق–رضي الله عنهما- ولي بعده عشر سنين ونصفًا وفتحت في أيامه ممالك كسرى وقيصر، أستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين (قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه و سلم - يقول "إنما الأعمال بالنيات) أي إنما المنوي بحسب ما نواه العامل ونوى الشيء ينويه نواء ونية قصده وعزم عليه. والألف واللام للاستغراق وأكده بقوله (وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه) وعن علي لا عمل لمن لا نية له.
فالنية سر العبودية وروحها. قال الله تعالى: }وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين{، ومعلوم أن إخلاص النية للمعبود أصل النية. والعمل الذي لم ينو ليس بعبادة. ولا مأمورًا به فلا يكون فاعله متقربًا إلى الله. وهذا لا يقبل نزاعًا وكيف يؤدي وظائف العبودية من لم يخطر بباله التمييز بين العبادات والعادات. ولا بين مراتب تلك الوظائف هذا أمر ممتنع عادة وعقلاً وشرعًا كما قاله الشيخ وغيره فلا يصح الوضوء ولو مستحبًا إلا بالنية. وكذا سائر العبادات. وفي حديث عثمان. أن الوضوء طاعة من الطاعات وعمل من الأعمال أي فلا بد فيه من النية.
(وعن أبي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وغيره) فرواه أبو داود وابن ماجه والترمذي عن سعيد بن زيد (بسند ضعيف) وله شواهد لا تخلو من مقال. قال الحافظ مجموعها يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً وقال ابن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قاله. وقال بعض أهل العلم. لا وضوء حقيقة في نفسه، فهـو نص فيها أنها ركن أو شرط. ولو صلحت للاحتجاج لم يصح وضوء تاركها عمدًا. بخلاف الساهي فإن وضوءه صحيح وعن أحمد سنة وفاقًا، وقال أرجو أن يجزئه الوضوء لأنه ليس في التسمية حديث أحكم به. قال ابن سيد الناس. روي في بعض الروايات لا وضوء كاملاً. وإن صح فيحمل على تأكد الاستحباب ونفي الكمال بدونها. قال شيخ الإسلام ولا تشترط في الأصح. والمراد من ذكره هنا أن التسمية مشروعة في الوضوء ولا نزاع في ذلك.
(وعنه أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - قال إذا استيقظ أحدكم من نومه) أي انتبه منه (فلا يغمس يده في الإناء) أخرج البرك والحياض. قال شيخ الإسلام أي الإناء الذي للماء المعتاد لإدخال اليد وهو الصغير (حتى يغسلها ثلاثًا) فدل الحديث على المنع من إدخال اليد إلى إناء الوضوء عند الاستيقاظ حتى يغسلها ثلاثًا ويتأكد من نوم الليل لقوله (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده متفق عليه). وقال النووي وغيره ليس مخصوصًا بالقيام من النوم. بل المعتبر الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء كان قام من نوم ليل أو نهار أو شك.
(ولهما عن عثمان) بن عفان الأموي القرشي ثالث الخلفاء الراشدين هاجر إلى الحبشة مرتين وتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلف سنة أربع وعشرين واستشهد سنة خمس وثلاثين ولـه اثنتان وثمانون (أنه دعا بوضوء) أي بماء يتوضأ به  (فغسل كفيه ثلاث مرات) وهو سنة باتفاق أهل العلم (ثم تمضمض) أي حرك الماء في فمه ثم إن شاء مجه (واستنشق) أي أوصل الماء إلى أنفه ثم جذبه بريح الأنف إلى داخله ليزول ما فيه (واستنثر) أي طرح الماء من أنفه بنفسه بعد الاستنشاق مع وضع إصبع يساره على أنفه. يمضمض ثلاثًا ويستنشق ويستنثر ثلاثًا. يجمع بينهما بثلاث غرفات كما في حديث علي، "تمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات" متفق عليه.
ولهما من حديث عبد الله بن زيد "توضأ فمضمض واستنشق ثلاثًا بكف واحد" يأخذ غرفة فيجعل بعضها في فمه وبعضها في أنفه ثم ثانية وثالثة هكذا كل ذلك من كف واحد، وفيها دليل على وجوب المضمضة والاستنشاق والبداءة بهما، وكل من وصف وضوءه – صلى الله عليه و سلم - لم ينقل أنه ترك المضمضة والاستنشاق وهما في حكم الظاهر. وفي الصحيحين "من توضأ فليستنشق" وقال "استنشقوا مرتين بالغتين أو ثلاثًا" وللترمذي وصححه "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" قال أحمد وأنا أذهب إليه لأمر النبي – صلى الله عليه و سلم - وعنه سنة وفاقًا لمالك والشافعي. وحكى ابن المنذر أنه لا خلاف في أن تاركهما لا يعيد. (ثم غسل وجهه ثلاث مرات) ولا نزاع في أن الثلاث سنة وإن المرة واجبة (ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات) وفيه بيان لما أجمل في الآية من قوله }وأيديكم إلى المـرافق{ (ثم اليسرى مثل ذلك) أي ثم غسل يده اليسرى مثل غسل اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات. وللطبراني عنه "غسل يديه إلى المرفقين حتى مسح أطراف العضدين". وللبزار من حديث وائل "حتى جاوز المرافق" ولمسلم والطبراني، وغيرهما نحوه. وخبر حتى أشرع في العضدين وحتى أشرع في الساقين إنما يدل ونحوه على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء.
وفي الحديث مشروعية تقديم اليمين على الشمال. ولهما عن عائشة مرفوعًا "كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله" وللخمسة عن أبي هريرة "إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم" وأجمعوا على سنيته فمن تركه تم وضوءه وفاته الفضل. قال الموفق وغيره لا نعلم في عدم وجوبه خلافًا (ثم مسح برأسه) وهذا موافق للآية للإتيان بالباء للإلصاق قال شيخ الإسلام اتفق الأئمة على أن السنة مسح جميع الرأس كله كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة. والذين نقلوا وضوءه – صلى الله عليه و سلم - لم ينقل أحد منهم أنه اقتصر على مسح بعضه. وقياس مسح الرأس على مسح الوجه واليدين في التيمم في وجوب الاستيعاب والفعل. والباء والأمر في الموضعين سواء. ومسحه مرة يكفي بالاتفاق. ولا يستحب ثلاثًا.
وقال ابن القيم الصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس هكذا جاء عنه صريحًا. ولم يصح عنه خلافه ألبتة. وقال أبو داود أحاديث عثمان الصحاح تدل على أن مسح الرأس مرة  وقال غير واحد  (ثم قال) يعني عثمان –رضي الله عنه- (رأيت رسول الله – صلى الله عليه و سلم - توضأ نحو وضوئي هذا) أي توضأ وضوءًا مثل وضوئي هذا ثم قال. "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" وروى صفة وضوئه – صلى الله عليه و سلم - على نحو من هذه الصفة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. وغسل هذه الأعضاء فرض بإجماع المسلمين.
وحكى النووي وغيره الإجماع على أن الواجب غسل الأعضاء مرة مرة. وعلى أن الثنتين والثلاث سنة. وفي الصحيح وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه "توضأ مرة مرة، وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وعن عبد الله بن زيد مرتين مرتين وعن غير واحد نحوه وبعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها بخلاف ذلك.
(وعن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري المازني النجاري قاتل مسيلمة هو ووحشي استشهد سنة ثلاث وستين، في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (ومسح صلى الله عليه و سلم رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة)، وفسر الإقبال باليدين والإدبار بهما وكونه مرة واحدة بقوله (بدأ بمقدم رأسه) أي: وضع كفيه وأصابعه عند جبهته وأمرهما على رأسه (حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما فإن الفاء في "أقبل" والواو في "أدبر" لا يقتضيان الترتيب، فالتقدير أدبر وأقبل كما في صحيح البخاري "فأدبر به، وأقبل" لأن ذهابه إلى جهة القفاء إدبار ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال وقد يحمل الاختلاف في الروايات على تعدد الحالات. ولأبي داود عن المقدام "وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه". وله من حديث علي في صفة الوضوء "ومسح برأسه واحدة"، وقال الترمذي وقد روي من غير وجه عن النبي –صلى الله عليه و سلم- أنه مسح برأسه مرة واحدة. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
(ولمسلم عنه) أي عن عبد الله بن زيد في صفة وضوئه صلى الله عليه و سلم قال (ومسح رأسه بماء غير فضل يديه) فأخذ ماء جديد للرأس لا بد منه. وهو مقتضى الأحاديث بل دل على أن كل عضو يجدد له ماء. ولا يغسل بفضل العضو قبله. ولقوله في حديث عبد الله بن زيد "ثم أدخل يده أي في الإناء فاستخرجها".
(ولأبي داود عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي القرشي أسلم قبل أبيه وكان أبوه أكبر منه بثلاث عشرة سنة توفي سنة ثلاث وأربعين. في صفة وضوء النبي – صلى الله عليه و سلم - وهو كالأحاديث السابقة في وصفه قال (ثم مسح برأسه وأدخل
إصبعيه السباحتين) أي مسبحة اليد اليمنى واليسرى وسميت سباحة لأنه يشار بها عند التسبيح (في أذنيه) يعني: في صماخي أذنيه (ومسح بإبهاميه) تثنية إبهام. أي مسح بإبهامي يديه (ظاهر اذنيه) اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ، "وبالسباحتين باطنهما".
وللترمذي وصححه عن ابن عباس ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. فدل الحديثان على شرعية مسح الظاهر بالإبهامين والباطن بالسباحتين قال ابن القيم ولم يثبت أنه أخذ لهما ماء جديدًا. وقال الحافظ المحفوظ أنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه والأذنان من الرأس في غير ما حديث. واختار شيخ الإسلام وغيره أنهما يمسحان بمائه وهو مذهب الجمهور.
(وعن جابر في صفة الحج) أي حج النبي – صلى الله عليه و سلم - وهو حديث طويل جليل من حين خروجه من المدينة إلى أن قضى حجه – صلى الله عليه و سلم -. ويأتي إن شاء الله تعالى ومنه قال (ابدءوا بما بدأ الله به" رواه النسائي) هكذا (بلفظ الأمر وهو عند مسلم بلفظ الخبر) أي: بلفظ نبدأ أو أبدأ وذلك لما دنا من الصفا.
فأفاد الحديث أن الذي بدأ الله به ذكرًا نبتدئ به فعلاً فإن كلامه تعالى وتقدس كلام حكيم لا يبدأ ذكرًا إلا بما يستحق البداءة به فعلاً فإنه مقتضى البلاغة وهو وإن كان في الصفا والمروة فهو دليل على البداءة في الوضوء بما بدأ الله به. والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، فإن آية الوضوء داخلة تحت الأمر بقوله (ابدؤا بما بدأ الله به). وترتيبه الأعضاء الأربعة وإدخاله الممسوح بين المغسولات، وهي جنس واحد دال على الترتيب. والآية سيقت لبيان الواجب.
والنبي – صلى الله عليه و سلم - رتب الوضوء كذلك. وقال "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" فيجب غسل الوجه ثم ما بعده على الترتيب. قال شيخ الإسلام ولم يتوضأ – صلى الله عليه و سلم - قط إلا مرتبًا. ولا مرة واحدة في عمره. كما لم يصل إلا مرتبًا. وهو قول جماهير العلماء. وما روي عن الحنفية مستدلين بحديث ابن عباس أنه "مسح رأسه بفضل وضوئه" لا يعرف له طريق صحيح يتم الاستدلال به.
(وله) أي لمسلم (من حديث عمر في رجل) توضأ و (ترك موضع ظفر على قدمه) فابصره النبي – صلى الله عليه و سلم - فـ (قال إرجع فأحسن وضوءك) ولأحمد وأبي داود عن أنس نحوه. وعن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه و سلم - أنه "رأى رجلاً يصلي، وفي بعض قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة".
فهذا الخبر يدل على الوجوب. والنبي – صلى الله عليه و سلم - لم يتوضأ إلا متواليًا ومن معنى الآية أن يتوضأ متواليًا وهو مذهب مالك.
ورواية عن أحمد لكن في سند الحديث مقال. وما رواه مسلم لا يدل على وجوب الإعادة لأنه لم يأمر فيه بسوى الإحسان. فلا يدل على وجوب الموالاة وهو مذهب أبي حنيفة. قال شيخ الإسلام وهو أشبه بأصول الشريعة. ونصوص أحمد. وقال لو فرق لعذر لم يضره وقال النووي وغيره التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع المسلمين. ودل الحديث على أن من ترك جزءًا يسيرًا مما يجب تطهيره لا تصح طهارته، وهذا متفق عليه. وكذا التيمم عند الجمهور وإن تركه جاهلاً.
(وعن عثمان أنه – صلى الله عليه و سلم - كان يخلل لحيته في الوضوء) رواه الخمسة ولأبي داود عن أنس نحوه. وتخليل اللحية تفريقها وإسالة الماء بينها وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء فيأخذ كفًا من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبيها ويعركها. قال ابن القيم، وكان – صلى الله عليه و سلم - يخلل لحيته ولم يكن يواظب على ذلك.
(وعن لقيط) بن عامر بن صبرة صحابي مشهور وهو أبو رزين العقيلي (مرفوعًا) إلى النبي – صلى الله عليه و سلم - قال (أسبغ الوضوء) والإسباغ الإتمام والإنقاء واستكمال الأعضاء أي عمم الأعضاء واستوعبها ولا تترك شيئًا من فرائض الوضوء وسننه. ولأحمد وغيره إسباغ الوضوء شطر الإيمان (وخلل بين الأصابع) رواه الخمسة و (صححهما الترمذي) ولهما شواهد منها ما في السنن من حديث ابن عباس "إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك" حسنه البخاري. ولا خلاف في سنيته، وهو في الرجلين آكد لأنها ألصق من
اليدين. وفي السنن أنه – صلى الله عليه و سلم - إذا توضأ دلك أصابع رجليه. قال ابن القيم وكان – صلى الله عليه و سلم - يخلل الأصابع. ولم يكن يواظب على ذلك إنما يفعله أحيانًا. ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه.
(وعن عمر عن النبي – صلى الله عليه و سلم - قال ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء) أي: يبلغه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون (ثم يقول) يعني بعد إتمام الوضوء وقيل يستحب متوجهًا إلى القبلة. ولأحمد وأبي داود "ثم يرفع نظره إلى السماء" فيقول (أشهد أن لا إله إلا الله) أي أقطع وأجزم أن لا معبود بحق إلا الله (وحده لا شريك له) تأكيدان للإثبات والنفي (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) أي وأقطع أن محمدًا عبد ورسوله. قدم عبده لأنه أحب الأسماء وأشرفها لديه تعالى. قال وسميتك عبدي المتوكل – صلى الله عليه و سلم - (إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه أحمد ومسلم) وأبو داود. والنسائي. وابن ماجه.
وزاد الترمذي "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" جمع بينهما إلمامًا بقوله (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ولما كانت التوبة طهارة الباطن من أدران الذنوب والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إلى الله تعالى ناسب الجمع بينهما غاية المناسبة. وهذه الزيادة رواها البزار والطبراني وغيرهما.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire