el bassaire

mardi 14 mai 2013

اعتبار المصالح والمفاسد


اعتبار المصالح والمفاسد


إن الشريعة الإسلامية مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها، ولذا فإن من القواعد المهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبار المصالح، فيشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يؤدي إل مفسدة، أعظم من المنكر أو مثله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم حصول منكر أعظم منه، فإنه يسقط وجوب الإنكار، بل لا يسوغ الإنكار في هذه الحالة.

الأدلة من القرآن الكريم


ومن الأدلة على ذلك من القرآن الكريم:
1-قول الله تعالى: و اقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من" سورة البقرة آية : 191 .  إلى قـوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان"سورة البقرة ، الآيات 191-193.

فالقتال في سبيل الله تعالى يحقق مصلحة عظيمة وهي إعلاء كلمة الله تعالى، وإذلال الشرك وأهله، وفيه مفسدة إزهاق الأرواح، إلا إن المصلحة في بقاء الدين وإعلاء التوحيد وإذلال الشرك ورفع الفتنة لا تقاومها المضرة في إزهاق الأرواح، كما أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفوس.
2-قوله تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما  سورة البقرة ، الآية 219 .

فشارب الخمر يترك العبادة، ويتعدى على الآخرين بالضرب والشتم والقتل وغير ذلك، وهذه المفاسد العظيمة لا تقاومها أي مصلحة أو منفعة مزعومة.

3- قـوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك" سورة الأنعام ، الآية 108 .

في هذه الآية نهانا الله تعالى عن سب آلهة المشركين، وذلك للمفسدة الكبيرة المترتبة على ذلك، وهي سبهم لله تعالى مع أن سب آلهتهم وتحقيرها فيه مصلحة، إلا أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

الأدلة من السنة النبوية


ومن الأدلة من السنة النبوية:
1-ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها: يا عائشة لولا قومكِ حديثٌ عهدهم -قال ابن الزبير: بكفر - لنقضتُ الكعبة فجعلت لها بابين: بابٌ يدخل الناس، وبابٌ يخرجون } ففعله ابن الزبير.

وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: ( باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يَقْصُرَ فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشدَّ منه )

قال ابن حجر، رحمه الله: ( وفي الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا، فخشيَ صلى الله عليه و سلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويُستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه).
2- ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود  قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا }.
فترك صلى الله عليه و سلم كثرة الوعظ والتعليم لدفع مفسدة النفور والفتور والانقطاع، وكان أحبَّ الديــن إليــه ما دام عليه صاحبه 

3- ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لمعاذ بن جبل يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، (ثلاثا)، قال: ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرَّمه الله على النار، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قـال: إذا يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما.

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي هريرة - فمن لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة، فلقيه عمر فدفعه، وقال: ارجع يا أبا هريرة، ودخل على أثره فقال: يا رسول الله لا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس، فخلهم يعملون، فقال عليه الصلاة والسلام: فخلهم.

قال ابن حجر - رحمه الله -: ( فكأن قوله صلى الله عليه و سلم لمعاذ (( أخاف أن يتكلوا)) كان بعد قصة أبي هريرة، فكان النهي للمصلحة لا للتحريم ، فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ ولاطلاعه على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم كما هو ظاهر من قصــة أبي هريـرة.

فتبليغ الناس بهذه البشارة وإدخال السرور عليهم بذلك مصلحة، واتكالهم على ذلك وعدم فهمهم وتركهم العمل مفسدة عظيمة، لذا اعتمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رآه عمر في ذلك.

وروى البخاري - رحمه الله - عن علي أنه قال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ }.

قال ابن حجر - رحمه الله -: ( وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذكر عند العامة).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (.. إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام، وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة.

وقال ابن القيم رحمه الله: ( إن النبي صلى الله عليه و سلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله... ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عَزَمَ على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنَعه من ذلك - مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر).

وقال الشيخ حمد بن ناصر: ( لكن إن خاف حصول منكر أعظم سقط الإنكار، وأنكر بقلبه، وقد نص العلماء على أن المنكر إذا لم يحصل إنكاره إلا بحصول منكر أعظم منه أنه لا ينبغي، وذلك لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتقليل المفاسد).

وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد إبراهيم آل الشيخ: ( مما ينبغي أن يُعلم أنه متى كانت مفسدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به ورسوله وإن كان ذلك في ترك واجب أو فعل محرم، فالمؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم، وليعلم أن الاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال.).

ومن خلال ما تقدم من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال العلماء الأجلاء يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت باعتبار المصالح ودرء المفاسد، فلا يجوز تغيير المنكر بمنكر أشد منه، أو مثله، فعلى الدعاة إلى الله أن يتنبهوا إلى هذه القاعدة عند أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولا يخفى أن هذا الباب مزلة أقدام، وكثيرا ما يقع فيه الاختلاف والاشتباه، وتختلط فيه النزعات الشخصية بالاجتهادات الفقهية، والمعصوم من عصمه الله و لا مخرج من هذه الفتن إلا بالتمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والأخذ بما يقرره أهل العلم الربانيون الموثوق بهم والاجتماع خير من الفرقة 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire