el bassaire

mercredi 22 mai 2013

باب صلاة الجماعة




أي باب بيان أحكام الجماعة في الصلاة ومن الأولى بالإمامة وموقف الإمام والمأموم وما يبيح ترك الجماعة من الأعذار وما يتعلق بذلك، وفصلت أحكام الجماعة لأنها صفة زائدة على ماهية الصلاة وسميت جماعة لاجتماع المصلين في الفعل مكانًا وزمانًا فإذا أخلوا بهما أو بأحدهما لغير عذر كان ذلك منهيًا عنه باتفاق الأئمة.

واتفق المسلمون على أن الصلوات الخمـس في المسـاجد جماعة من أوكد العبادات وأجل الطاعات وأعظم القربات بل وأعظم شعائر الإسلام شرعها الله –عز وجل- لهذه الأمة ببركة نبيها محمد –صلى الله عليه  و سلم- لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع وعموم البركة ومضاعفة الثواب وزيادة العمل عند مشاهدة أولي الجد وغير ذلك من الحكم، وشرع أيضًا اجتماعات معلومة منها الجمعة والعيدان والوقوف بعرفة. وبرهان وجوب الجماعة للصلوات الخمس الكتاب والسنة والآثار والاعتبار وعمل المسلمين قرنًا بعد قرن وموجب عمارة المساجد وفرض النداء لها وغير ذلك.

(قال تعالى: }وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ{ أي فصليت بهم إمامًا في صلاة الخوف }فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ{ الآية وذكر حالة الاجتماع والائتمام بإمام واحد ويأتي. قال ابن كثير وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك. قال الشيخ فإن الجماعة يعني في صلاة الخوف يترك لها أكثر واجبات الصلاة فلولا وجوبها لم يؤمر بترك الواجبات لها فأمر تعالى بالجماعة أولاً ثم أمر بها ثانيًا ولم يرخص لهم حال الخوف فلو كانت سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى فدلت هذه الآية وكذا الأحاديث الآتية في صلاة الخوف وغيرها على وجوبها

على الأعيان وقال تعالى: }وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين{ والسياق يدل على اختصاص الركوع بذلك وخص الركوع لأنه تدرك به الصلاة فليس إلا فعلها مع المصلين. وإطلاق البعض على الكل كثير فالمراد وصلوا مع المصلين والأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلاً إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال.و قال تعالى:  }وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ{  وقال: }وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُون{ ونحو صلاة الخوف الجمع بين الصلاتين في المطر لأجل تحصيل الجماعة مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت والوقت شرط فلو لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت.

(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - قال والذي نفسي بيده) فيه إثبات صفة اليد له تعالى على ما يليق بجلاله تعالى وعظمته من غير تمثيل (لقد هممت) هو جواب القسم والإقسام منه – صلى الله عليه  و سلم - لبيان عظم شأن ما يذكره زجرًا عن ترك الجماعة أي عزمت (أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) أي آتي (إلى رجال لا يشهدون الصلاة) أي لا يحضرون الجماعة (فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق عليه).

وفي لفظ "ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وأحرق بالتشديد يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه. وإنما منعه – صلى الله عليه  و سلم - من تحريق المتخلفين ما في البيوت من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم الجماعة. ولابن ماجه "لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم" وأول الحديث "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر" لأنهما وقت السكون والراحة ولذة النوم وليس لهم داع.

"ولو يعلمون ما فيهما" يعني من مزيد الفضل "لأتوهما" أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة "ولو حبوا" على المرافق والركب إذا منعهم مانع من المشي وهو شاهد لأثر ابن مسعود الآتي ولفضيلة الجماعة قال الحافظ وهذا الحديث ظاهر في كونها فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول – صلى الله عليه  و سلم - ومن معه، وكون الشيء واجبًا لا ينافي كونه فضيلة.

(ولمسلم قال أتى النبي – صلى الله عليه  و سلم - رجل أعمى) هو ابن أم مكتوم (فقال: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد) ولأحمد وأبي داود وغيرهما عنه أنه قال: "أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي" والرخصة التسهيل في الأمر والتيسير (فرخص له) أي في عدم إتيان المسجد (فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب) ولفظ أحمد وأبي داود قال: "أتسمع النداء" قال: نعم قال: "ما أجد لك رخصة".

قال شيخ الإسلام وهذا نص في إيجاب الجماعة اهـ. ويأتي قوله: "فليؤمكما أكبركما" ولمسلم "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم" وهو أمر ظاهر الوجوب. وقوله: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وقواه عبد الحق. وفي السنن: "من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له" قال الشيخ هذا يقتضي أن النداء والصلاة في الجماعة من الواجبات.

(وله عن ابن مسعود: لقد رأيتنا) يعني أصحاب محمد r الذين هم أعمق الناس علمًا وأغزرهم فهمًا شاهدوا التنـزيل وعلموا التأويل اختارهم الله لصحبة نبيه ولحفظ دينه. وأول الأثر قال من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليصل هذه الصلوات الخمس حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيه سنن الهدى. وإن هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادي بهن من سنن الهدى. وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم. ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم.

ولقد رأيتنا (وما يتخلف عنها) يعني الصلوات الخمس (إلا منافق معلوم النفاق) قال تعالى: }وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى{  (ولقد كان الرجل يؤتى به) يعني إلى الجماعة (يهادي بين الرجلين) أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما (حتى يقام في الصف) لتأكد حضورها.وهذا دليل ظاهر على استقرار وجوبه عند أصحاب النبي – صلى الله عليه  و سلم - ومعلوم أن كل أمر لا يتخلف عنه إلا منافق لا يكون إلا واجبًا على الأعيان. قال شيخ الإسلام وهو المشهور عن أحمد وغيره من أئمة السلف وفقهاء الحديث وغيرهم. ولأحمد وغيره مرفوعًا "الجفا كل الجفا والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه" وثبت حديث "يد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار".

وسئل حبر الأمة عبد الله بن عباس عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار ولا يحضر الجماعة فقال: هو في النار. ومن قال من الأئمة إنها سنة. فمؤكدة لتصريحه بتأثيم تاركها وسقوط عدالته وتعزيره وأنه لا رخصة في تركها إلا لعذر للأخبار فوافقونا معنى بل صرح بعضهم بأنها سنة مؤكدة وأنهم أرادوا بالتأكيد الوجوب أخذًا بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد على تركها.

وقال النووي وطوائف من اتباع الأئمة: الجماعة مأمور بها للأحاديث الصحيحة المشهورة وإجماع المسلمين. وذكر الوجه الثالث أنها فرض عين وأنه قول للشافعي واثنين من أكابر أصحابهم المتمكنين في الفقه أبي بكر بن خزيمة وابن المنذر وغيرهما. وأن من خالف ذلك فليس له دليل مقاوم أدلة وجوبها. وقال الشافعي وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر، ذكره المزني. وقال الشيخ اتبع الإمام أحمد ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة من وجوبها مع عدم العذر وسقوطها بالعذر.

وقال الشيخ من أصر على ترك الجماعة فهو آثم مخالف الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. وقال هو وابن القيم من تأمل الكتاب والسنة وما كان عليه السلف حق التأمل علم أن فعلها في المسجد فرض عين إلا لعذر وأنه كترك الجماعة لغير عذر وبه تتفق الأحاديث والآثار. وما ورد من الأدلة على وجوب الجماعة مما تقدم وغيره صريح في إتيان المساجد لها وأنه من أكبر شعائر الدين.

(وعن ابن عمر مرفوعًا "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ) أي الفرد (بسبع وعشرين درجة متفق عليه) ولأحمد "خمس وعشرين درجة كلها مثل صلاته" ولهما من حديث أبي هريرة "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجة" وفي لفظ "بخمس وعشرين جزءًا" وهو مروي عن جماعة من الصحابة. وفي بعض الروايات "ضعفًا" وفي بعضها "صلاة".

والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد سبعًا وعشرين مرة. وللخمسة من حديث أبي "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده. وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل. وما كان أكثر فهو أحب إلى الله" وقال القرافي لا نزاع أن الصلاة مع الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرهم لشمول الدعاء وسرعة الإجابة وكثرة الرحمة وقبول الشفاعة، و قيل مفهوم العدد غير مراد فلا منافاة، وقيل باعتبار قرب المسجد وبعده وقيل غير ذلك. وفي فضل صلاة الجماعة أحاديث وآثار كثيرة واستدل القائلون بأن صلاة الجماعة غير واجبة بهذا الحديث، وأن صيغة أفضل تدل على الاشتراك في أصل الفضل وإن المشترك ههنا لا بد أن يكون هو الإجزاء والصحة وكون الشيء واجبًا لا ينافي كونه فضيلة. فكذا كونه فضيلة لا ينافي كونه واجبًا.

وأنكر شيخ الإسلام وغيره حمله على غير المعذور. وقال التفضيل لصلاة الجماعة على صلاة الفرد إنما دل على فضل هذه الصلاة وحده ولعله من لم تكن عادته الصلاة في جماعة فقد قال قاعدة الشريعة أن من كان عازمًا على الفعل عزمًا جازمًا وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل. وقال إنما يكتب له إذا كان من عادته أن يعمل ونيته أن يعمل وفي الصحيح "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا".

والجمهور أنه تصح صلاة المنفرد بلا عذر مع الإثم. قال الموفق وغيره لا نعلم من أوجب الإعادة على من صلى وحده إلا ما روي عن بعض الصحابة أن من صلى وحده من غير عذر فلا صلاة له. وقال الشيخ الوقت لا يمكن تلافيه فإذا فات لم يمكن فعل الصلاة فيه. ونظيره من فوت الجماعة الواجبة التي يجب عليه شهودها وليس هناك جماعة أخرى فإنه يصلي منفردًا. وتصح صلاته هنا مع الإثم لعدم إمكان صلاته جماعة.

(ولهما عنه مرفوعًا إذا استأذنكم نساؤكم) بالليل (إلى المسجد) ولم يذكر أكثر الرواة بالليل وخص لما فيه من الستر بالظلمة (فأذنوا لهن) "ولا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد" لأنهم من أهل الفرض أشبهن الرجال فيدخلن في عموم ما تقدم من فضل الجماعة. ولأحمد وأبي داود "وبيوتهن خير لهن" أي صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك. ولا نزاع في ذلك ولأحمد  من حديث أم سلمة: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن»، وله من حديث أبي هريرة "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات" أي غير متطيبات. ولمسلم عنه "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة".

قال القاضي عياض وشرط العلماء في خروجهن أن يكون بليل غير متزينات ولا متطيبات ولا مزاحمات للرجال ولا شابة مخشية الفتنة. وقالت عائشة لو أن رسول الله r رأي من النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها وذلك لما رأت من حسن الملابس والطيب والزينة والتبرج وإنما كان النساء يخرجن في المروط والأكسية والشملات الغلاظ فإذا كان الحال كذلك لم يجز منعهن عن المساجد. ويدخل في ذلك مجالس الذكر للتفقه ونيل البركة. وإن منعها لم يحرم. وذكره البيهقي قول عامة الفقهاء ولأن ملازمة المسكن حق واجب للزوج فلا تتركه لفضيلة. وقال الوزير الذي أرى حضورهن الجماعات وأنهن يكن في أواخر الصفوف من الرجال على ما جاءت به الأحاديث ومضى عليه زمان المصطفى –r- والصدر الأول وغير مكروه بل مسنون. وقال اتفقوا على أنه يكره للشواب منهن حضور جماعات الرجال وتسن لهن الجماعة منفردات عن الرجال وهو مذهب أحمد والشافعي لفعل عائشة وأم سلمة رواهما البيهقي وغيره ولأمر النبي – صلى الله عليه  و سلم - لأم ورقة "أن تجعل لها مؤذنًا وأمرها أن تؤم أهل دارها" رواه الخمسة. ولأنهن من أهل الفرض فيدخلن في عموم الخبر المتقدم. قال ابن القيم لو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله "تفضل صلاة الجماعة" الحديث لكفى وهو قول ابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة.

(وعن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس مشهور باسمه وكنيته استعمله النبي – صلى الله عليه  و سلم - على بعض اليمن توفي بالكوفة وقيل بمكة سنة خمسين (مرفوعًا "الإثنان فما فوقهما جماعة" رواه ابن ماجه وفيه ضعف) وللبيهقي من حديث أنس نحوه وفيه ضعف أيضًا ولأن الجماعة مأخوذة من الاجتماع والإثنان أقل ما يتحقق به الجمع.

والحديثان وإن كان فيهما ضعف ففي الصحيحين "وليؤمكما أكبركما" وفيهما عن ابن عباس فقمت عن يساره "فأقامني عن يمينه" وقال عليه الصلاة والسلام "من يتصدق على هذا" فقام رجل فصلى معه فقال: "هذان جماعة" رواه أحمد وغيره. وقال الوزير أجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة إثنان إمام ومأموم قائم عن يمنه وحكاه النووي إجماع المسلمين.

(وعن أبي مسعود) البدري وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري مشهور بكنيته توفي سنة أربعين رضي الله عنه (أن رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - قال لا يؤمن الرجل الرجل) في بيته ولا (في سلطانه) محل ولايته ومظهر سلطانه أو فيما يملكه وليس له ذلك (إلا بإذنه رواه مسلم) قال النووي معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وعن ابن مسعود من السنة أن يتقدم صاحب البيت.

فإمام المسجد الراتب أولى ولقوله "من زار قومًا فلا يؤمهم" ولعمومات كثيرة. وقال الخطابي معناه أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته إذا كان من القراءة أو العلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ أو أفقه منه قال في المبدع بغير خلاف نعلمه. وأتى ابن عمر أرضًا له فيها مولى له فصلى معهم وقال صاحب المسجد: أحق رواه البيهقي بسند جيد.

وإن كان إمام المسجد عن ولاية سلطان أو عامله فهو داخل في حكم السلطان أو كان إمام المسجد باتفاق من أهل المسجد فهو أحق لأنها ولاية خاصة ولأن التقدم عليه يسيء الظن به وينفر عنه وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم فيحرم تقديم غيرهما عليهما بدون إذن. ولهما تقديم غيرهما ولا يكره بل يستحب إن كان أفضل منهما وتصح بلا نزاع ويقدم عليهما ذو السلطان لأن له الولاية العامة. ثم نوابه كالقاضي وكل سلطان أولى من جميع نوابه.

وإن تأخر إمام عن وقته المعتاد وظن حضوره أرسل إليه إن أمكن فإن ضاق الوقت صلوا لفعل الصديق وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما حين غاب النبي – صلى الله عليه  و سلم ، وقال: "أحسنتم" متفق عليهما. وكذا إن ظن حضوره والمعروف عنه أنه لا يكره صلوا لأنهم معذورون وقد أسقط حقه بالتأخير ولأن تأخره عن وقته المعتاد يغلب على الظن وجود عذر له. وإن بعد محله أو لم يظن حضوره صلوا لإسقاط حقه.

(وله عن أبي ذر مرفوعًا صل الصلاة لوقتها) وذلك أنه قال له: "كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة أو يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها" (فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة) وفي رواية "ولا تقل إني صليت فلا أصلي" وفي رواية "فإن أقـيمت الصـلاة وأنت في المسجد فصل" ففيه مشروعية الدخول في الصلاة معهم. وتقدم حديث يزيد "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".

ولأحمد من حديث محجن قال أتيت النبي – صلى الله عليه  و سلم - وهو في المسجد فحضرت الصلاة "فصلى يعني ولم أصل فقال لي ألا صليت فقلت يا رسول الله إني قد صليت في الرحل ثم أتيتك قال فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة" وللدارقطني "إذا دخلت مسجدًا فصل مع الناس وإن كنت قد صليت فحضور الجماعة سبب للإعادة، فيسن أن يعيدها سواء كانت وقت نهي أولا لظاهر الأحاديث ولئلا يكون قعوده والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به وأنه ليس من المصلين.

وأما قصد الإعادة فمنهي عنه إذ لو كان مشروعًا لأمكن أن تصلي الصلاة الواحدة مرات. قال الشيخ ولا ريب في كراهته ولأنه غير مشروع تتبع المساجد للإعادة ولا يعيد من بالمسجد وغيره بلا سبب. وليس للإمام إعادة الصلاة مرتين ويجعل الثانية عن فائتة أو غيرها والأئمة متفقون على أنه بدعة إلا لعذر مثل صلاة خوف ونحوه ولأحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" فلا يجوز للرجل أن يصلي صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها. فيعيدها. من غير سبب على جهة الفرض. وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نـافلة.

اقتداء بالنبي – صلى الله عليه  و سلم - في أمره بذلك فليس من إعادة الصلاة في يوم مرتين لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ. ولأحمد وغيره أنه – صلى الله عليه  و سلم - قال: "من يتصدق على هذا فيصلي معه" فقام رجل من القوم. ولابن أبي شيبة أنه أبو بكر فصلى معه.

(وله عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة") وفي لفظ "إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة" فلا يجوز أن يشرع في نفل مطلقًا ولا راتبة من سنة فجر أو غيرها في المسجد أو غيره إذا أقيمت الصلاة ولو ببيته لعموم الخبر. قال الشيخ وقد اتفق العلماء على أنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد ولكن تنازعوا في سنة الفجر والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السنة لا في بيته ولا في غير بيته.

وفي الصحيحين أنه رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف لاث به الناس فقال – صلى الله عليه  و سلم - "الصبح أربعًا الصبح أربعًا" وفيهما أنه قال: "يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعًا" ولمسلم "بأي الصلاتين اعتددت بصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا" وكان عمر يضرب على الصلاة بعد الإقامة وصح عن ابنه أنه كان يحصب من يشتغل في المسجد بعد الشروع في الإقامة.

وقال ابن حزم من كان حاضرًا لإقامة الصلاة فترك الدخول مع الإمام أو اشتغل بقراءة قرآن أو بذكر الله أو بابتداء تطوع فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أنه عاص لله تعالى متلاعب بالصلاة. قال النووي والحكمة أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة.ونهى النبي – صلى الله عليه  و سلم - عن الاختلاف على الأئمة فلا تنعقد نافلة بعد إقامة الفريضة التي يريد أن يفعلها مع ذلك الإمام الذي أقيمت له. وإن لم يرد أن يفعلها معه انعقدت كما لو أقيمت بمسجد لا يريد الصلاة فيه. وأما قضاء الفائتة فتجب مع سعة الوقت. وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها خفيفة إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها لأن الفرض أهم.

(وعنه) أي: أبي هريرة قال: (قال رسول الله –r: من "أدرك ركعة من الصلاة") يعني مع الجماعة (فقد أدرك الصلاة" متفق عليه) ولأبي داود "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها ركوعًا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" واختار شيخ الإسلام وغيره أنها لا تدرك الجماعة إلا بركعة وقال إذا أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك الجماعة وإن أدرك أقل من ركعة فله بنيتة أجر الجماعة ولا يعتدله به وإنما يفعله متابعة لإمامه.

وإن قصد الجماعة ووجدهم قد صلوا كان له أجر من صلى في الجماعة كما وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه  و سلم وفي السنن فيمن تطهر في بيته ثم ذهب إلى المسجد يدرك الجماعة فوجدها قد فاتت أنه يكتب له أجر صلاة الجماعة. وكما في الصحيح فيمن حبسهم العذر عن الجهاد وغير ذلك فالمعذور يكتب له مثل ثواب الصحيح إذا كانت نيته أن يفعل وقد عمل ما يقدر عليه.

ويستحب أن يصلي في جماعة أخرى إذا فاتته فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلي معه لقوله عليه الصلاة والسلام "من يتصدق على هذا" بل يجب على من فاتته الجماعة ولم يجد من يصلي معه قصد مسجد آخر إن أمكن لأجل الجماعة.(ولهما عنه فما أدركتم) أي إذا فعلتم ما أمرتكم به من ترك الإسراع ونحوه وقد تقدم (فصلوا) فدل على أن فضيلة الجماعة يدركها ولو دخل مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة ولو أقل من ركعة وهو قول الجمهور وفيه صحة الدخول معه على أي حالة أدركه عليها (وما فاتكم فأتموا) أي أكملوا وهذه رواية الجمهور. وفي رواية "فاقضوا" والقضاء في الأصل بمعنى الأداء. وقال الحافظ أكثر الروايات ورد بلفظ "فأتموا"، وأقلها بلفظ "فاقضوا"،  والقضاء. يطلق على الأداء كقوله: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ{.

ومخرج الحديث واحد فيحمل اقضوا على معنى الأداء والفراغ ولا يغاير فأتموا فلا حجة لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدرك مع الإمام هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في الركعتين الأخريين وقراءة السورة بل هو أولها. وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه.

وفي الصحيحين عن المغيرة في صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس فلما سلم "قام رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - يتم صلاته فلما قضاها أقبل عليهم وقال أحسنتم" وللبيهقي عن علي ما أدركت مع الإمام هو أول صلاتك وهذا مذهب الشافعي ورواية عن مالك وأحمد. قال الشافعي هو أولها حكمًا ومشاهدة وهو مقتضى الأمر بمتابعة الإمام والائتمام. وقال ابن عمر يكبر فإذا سلم الإمام قام إلى ما بقي من صلاته وهو قول طائفة من الصحابة فيستفتح ويستعيذ فيما يدرك.

وأجمعوا على تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى وعلى التشهد الأخير في آخر صلاته ولا يحتسب له بتشهد الإمام الأخير لا من أول صلاته ولا من آخرها إلا أنه يأتي فيه بالتشهد الأول فقط. ولو أدرك ركعة من المغرب تشهد عقب الركعة الأولى من القضاء. ولا يسردها إجماعًا لئلا يغير هيئة الصلاة. وهذا أوضح دليل على أن ما أدرك المؤتم مع الإمام أول صلاته. وأنه يقضي ما فاته على الهيئة المشروعة.

(وللبخاري عن أبي بكرة أنه ركع دون الصف) ولفظه أنه انتهى إلى النبي – صلى الله عليه  و سلم - وهو راكع. فركع قـبل أن يصـل إلى الصف فذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه  و سلم - وفي رواية أنه دخل المسجد. وللطبراني فانطلق يسعى وللطحاوي وقد حفزه النفس. وللطبراني فلما انصرف قال رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - "أيكم دخل الصف وهو راكع" فذكر ذلك لرسول الله – صلى الله عليه  و سلم - (فقال النبي – صلى الله عليه  و سلم - زادك الله حرصًا) أي على الخير (ولا تعد) بضم العين أي إلى ما صنعت من السعي الشديد. ثم الركوع دون الصف. ثم من المشي إلى الصف كما ورد صريحًا في طرقه.و لم يأمره بإعادة الركعة فدل على أن المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع قبل رفع رأسه منه دخل معه في الركعة واجتزأ بها ولا يضره سبق الإمام له بالقراءة لعدم وجوب القراءة عليه حينئذ حكاه شيخ الإسلام وجماعة من الحنفية وغيرهم إجماعًا.

وعليه عمل الأمة من الصحابة والتابعين لا يعرف عن السلف خلاف في ذلك ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام. وهو يأتي به مع التكبيرة ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة وأيضًا فلابن خزيمة من حديث أبي هريرة "من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها" وعمومات أحاديث أخر احتج بها الفقهاء وفهموا منها صحة ركعة المأموم إذا ركع مع إمامه قبل أن يرفع صلبه وكان أمرًا مشهورًا عند الصحابة والتابعين وسائر أئمة المسلمين لم يأمر أحدًا منهم بإعادة صلاة من أدرك إمامه.

مع أن هذه المسألة من أشهر مسائل الدين ووقوعها يتكرر بين أظهر المسلمين وفهمه أبو بكرة وسائر الصحابة والتابعين فإنه لو لم يكن متقررًا عندهم أن مدرك الركوع مع الإمام مدرك للركعة لم يوجد هذا الإسراع منهم إذ لو قد علموا أن الركعة تفوت بفوات قراءة الفاتحة لم يسرعوا هذا الإسراع الذي نهاهم النبي صلى الله عليه  و سلم عنه وهذا أمر معلوم مدرك الحس.

ويجزئ من ذلك إذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء قبل أن يزول الإمام عنه وحكى ابن العربي وغيره الإجماع عليه وقال الزين العراقي: مذاهب الأئمة الأربعة –وعليه الناس قديمًا وحديثًا- إدراك الركعة بإدراك الركوع بأن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع حتى لو كان في الهوى والإمام في الارتفاع وقد بلغ هويه حد أقل الركوع قبل أن يرفع الإمام عنه، وإن لم يلتقيا فيه فلا ويأتي بالتكبيرة كلها قائمًا ولو لم يطمئن ثم يطمئن ويتابع إمامه وتجزئه التحريمة عن تكبيرة الركوع. روي عن زيد وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد فأجزأ الركن عن الواجب كنظائره. والأفضل بتكبيرتين خروجًا من خلاف من أوجبه.

ولو ترك تكبيرة الإحرام وكبر للركوع وهو ذاكر للإحرام متعمد لما أجزأته صلاته لتركه تكبيرة الإحرام حكاه ابـن رشد إجماعًا وإن لم ينو شيئًا انعقدت فرضًا صححه النووي وغيره.ودل على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها. وفي سنن سعيد بن منصور "من وجدني قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فليكن معي على الحال التي أنا عليها" وعن أبي هريرة وغيره" إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا" ويكبر لوجوبه لكل انتقال يعتد به المصلي.

(وعن جابر أن رسول الله –- قال من كان له إمام) يأتم به في الصلاة (فقراءته له قراءة رواه أحمد) قال في شرح المقنع بإسناد صحيح متصل رجاله كلهم ثقات. قال الحافظ هو مشهور من حديث جابر وله طرق ورواه سعيد بن منصور والدارقطني مرسلاً.

قال الشيخ وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين. ومرسله من أكابرهم ومثله يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، ورواه الحافظ أحمد بن منيع وعبد بن حميد وأبو حنيفة وغيره من طرق مرفوعة صحيحة. رفعه سفيان وشريك وجرير وأبو الزهير وغيرهم ورواه مالك عن جابر موقوفًا وثبت عن عشرة من أصحاب النبي – صلى الله عليه  و سلم صلى الله عليه  و سلم - النهي عن القراءة خلف الإمام. وحكي إجماعًا ولعله سكوتي فإنه لما ثبت عن عشرة منهم الخلفاء ولم يثبت رد أحد عليهم عند توفر الصحابة كان إجماعًا.

وقال الشعبي أدركت سبعين بدريًا كلهم يمنعون المأموم عن القراءة خلف الإمام. وروي عن ثمانين كلهم يشددون في النهي عن القراءة خلف الإمام. وقال ابن مسعود لا أعلم في السنة القراءة خلف الإمام. وقال بلال لا تسبقني بآمين. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه  و سلم: "ما لي أنازع القرآن" قال: فانتهى الناس أن يقرؤا فيما يجهر فيه النبي – صلى الله عليه  و سلم -وهو من مقابلة الخاص بالعام وقد توافرت فيه آثار الصحابة والتابعين.

وقال تعالى: }وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون{ وهذا أيضًا نص في وجوب الاستماع والإنصات علل به حصول الرحمة وقال غير واحد من الصحابة والتابعين. إنها نزلت في القراءة خلف الإمام. وقال أحمد أجمع أهل العلم على أن هذه الآية في الصلاة. وفي الصحيح: "وإذا قرأ فأنصتوا" وغير ذلك من عمومات الكتاب والسنة الدالة على وجوب الإنصات والاستماع والإنصات هو السكوت والاستماع هو الإصغاء. قال شيخ الإسلام وهو إجماع الأمة فيما زاد على الفاتحة وقول جماهير السلف فيها وغيرها.

وقال القراءة مع جهر الإمام منكر مخالف للكتاب والسنة وما عليه الصحابة. وعلى النهي عنه جمهور السلف والخلف وفي بطلان الصلاة به نزاع ولم يجئ دليل بسكوت الإمام سكوتًا يسع قراءة المأموم الفاتحة فأين الإنصات المأمور به وما تقدم من حديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" خص منه المدرك في الركوع إجماعًا فيجوز تخصيصه بالمأموم لأن القراءة ثبتت منه شرعًا فإن قراءة الإمام له قراءة.

وقال أحمد وسفيان وغيرهما لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إذا كان وحده. وقال غير واحد إذا كان ضامنًا للصلاة إمامًا أو منفردًا يؤيده ما رواه مسلم وغيره "بفاتحة الكتاب فصاعدًا" ولأبي داود وغيره من حديث أبي سعيد "وما تيسر" ومن حديث أبي هريرة "وما زاد" وجاء "وبما شئت" أفيدل على وجوب قراءة ما زاد عليها.

وقد أجمع أهل العلم على عدم وجوب ما زاد على الفاتحة فكذلك لا يدل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم. ولو سلم فالمأموم يقرأ حكمًا ويقال أيضًا قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" ونحوه المراد به الإمام والمنفرد والمأموم أيضًا إذا أمكنه جمعًا بين الأخبار. والجمع مطلوب إذا أمكن عند العلماء وهذا أحوط لئلا يترك العمل بحديث رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - بغير سبب يوجب ترك العمل به إما نسخ أو غيره من الأسباب.

مع أن قوله "إلا بفاتحة الكتاب" فيه ثلاث علل. فيه مكحول وهو يدلس. وقد اضطرب في إسناده وتفرد به محمود ابن الربيع وخالفهما من هو أثبت منهما. وما روي من طريق نافع
ابن محمود فقال الحافظ وغيره لا يحتج به. وإذًا فكالمردود.وقال ابن عبد البر وغيره ليس في هذا الباب ما لا مطعن فيه. ويدل على ضعفها أدلة أخر منها أن حديث المنازعة رواه أبو هريرة من غير استثناء وليس فيه أثر من الاستثناء مع أن كل واحد من الحديثين ورد في صلاة الصبح. وقد قال مالي أنازع القرآن فمجموع الأمرين يدل على اتحاد الواقعة.

ومنها أن جمعًا من الصحابة اتفقوا على ترك القراءة خلف الإمام في الجهرية كما تقدم فلو كان ما روي عن عبادة في الاستثناء صحيحًا لا اشتهر بينهم لأن الواقعة كانت في جماعة من الصحابة في صلاة الصبح. ولكان مذهب عامتهم القراءة بها خلف الإمام في الجهرية كالسرية. ومنها أن هذه الزيادة لم يخرجها الشيخان مع أن البخاري كان حريصًا على إثبات القراءة خلف الإمام. وأما من زعم أنه صححه في جزء القراءة فليس بصحيح كما لا يخفى على من طالعه فيجب أن يرجح النص الصحيح من الأخبار.

وقال الشيخ وإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة فقد أمر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته وهو سفه تنزه عنه الشريعة كمن يتكلم والإمام يخطب. قال ابن كثير ولمنـزلة مشروعية التأمين على قراءة الإمام فينزل بمنزلة قراءتها فإن قوله (قد أجيبت دعوتكما) على أن هارون أمن على دعاء موسى فنـزل ، منزلة من دعا فدل على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله. ومما يبين حكمة سقوط القراءة عن المأموم أن الإنصات من تمام الائتمام فمن نازع إمامه لم يكن مؤتمًا. وقد ثبت النهي عن منازعة الإمام فلو قرأ عصى النهي وكان له قراءتان في صلاة واحدة وهذا غير مشروع. وإذا أخذت الأدلة من مواضع تفوت الحصر وهي مع ذلك مختلفة المساق لا ترجع إلى باب واحد إلا أنها تنتظم المعنى الواحد الذي هو المقصود بالاستدلال عليه. وتكاثرت على الناظر عضد بعضها بعضًا فصارت بمجموعها مفيدة للقطع.

(وعن أبي هريرة: كان رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - إذا كبر للصلاة) أي تكبيرة الإحرام (سكت هنيهة) أي سكتة لطيفة (قبل القراءة) والمراد عن الجهر لا عن مطلق القول قال: (فسألته) عن سكوته ما يقول فيه (فقال أقول "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" الحديث متفق عليه) ولمسلم أرأيت سكوتك وتقدم أن حديث عمر أولى الاستفتاحات وقال شيخ الإسلام الأفضل أن يستفتح حال سكوته وهو أفضل من قراءته في ظاهر مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما لأن القراءة يعتاض عنها بخلاف الاستفتاح.

وقال وما ذكره ابن الجوزي أن قراءة المأموم وقت مخافتة الإمام أفضل من استفتاحه غلط. بل قول أحمد وأكثر أصحابه الاستفتاح أولى. لأن الاستماع بدل من قراءته . ولأبي داود وغيره عن الحسن عن سمرة أنه حفظ عنه سكتتين سكتة إذا كبر يعني في الركعة الأولى. وهذه يشهد لها النصوص الصحيحة الدالة على سكوته – صلى الله عليه  و سلم - بعد التحريم للاستفتاح . وسكتة بعد الفراغ من قراءة الفاتحة وهو مذهب الشافعي وأحمد. قال ابن القيم وغيره قيل إنها لأجل قراءة المأموم فعلى هذا ينبغي تطويلها بقدر قراءة المأموم الفاتحة.

وقال مالك وأصحاب الرأي مكروهة وقال المجد والشيخ وغيرهما: هما سكتتان على سبيل الاستحباب إحداها تختص بأول ركعة للاستفتاح والثانية سكتة يسيرة بعد القراءة كلها ليرتد إليه نفسه لا لقراءة الفاتحة خلفه ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة ولا عن الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرؤونها. ولو كان يسكت سكوتًا يسع قراءة الفاتحة لنقل كما نقل غيره مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله. ولو كان مشروعًا لكانوا أحق الناس بعلمه. فعلم أنه بدعة والسكتتان اللتان جاءت بهما السنة الأولى بعد التكبير للاستفتاح ثبت سكوته في ذلك في الصحيح وغيره.

وفي السنن "أنه كان له سكتتان سكتة في أول القراءة وسكتة بعد القراءة وهي لطيفة للفصل لا تتسع لقراءة الفاتحة. ولم يقل أحد أنه كان له ثلاث سكتات فمن نقلها فقد قال قولاً لم ينقله أحد من المسلمين. والسكتة التي عند قوله ولا الضالين من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي. ومثل هذا لا يسمى سكوتًا.

وإن كان لا يسمع لبعد أو صمم أو كان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول فالأظهر أنه يقرأ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعًا وإما قارئًا وهذا ليس بمستمع ولا يحصل له مقصود السماع فقراءته أفضل من سكوته وقال: المصلي إما أن يكون مستمعًا وإما قارئًا وجميع الأذكار التي يشرع للإمام أن يقولها سرًا يشرع للمأموم أن يقولها سرًا. ومعلوم أن القرآ، أفضل من الذكر والدعاء وجاء الأمر بذلك في الكتاب والسنة و الأمر متناول الإمام والمأموم والمنفرد. والسكوت بلا ذكر ولا دعاء ولا قراءة ليس عبادة. وقال النووي وغيره لا يسكت في صلاته إلا في حال استماعه لقراءة إمامه فلو سكت في قيامه أو ركوعه أو سجوده أو قعوده يسيرًا لم تبطل فإن سكت طويلاً لعذر بأن نسي شيئًا فسكت ليتذكره لم تبطل وهو قول الجمهور وإن سكت طويلاً لغير عذر ففي بطلانها خلاف.

(ولهما عنه أن رسول الله صلى الله عليه  و سلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به) قد نقل الاتفاق على إفادة إنما للحصر وقصر المأموم على الاتصاف بكونه مؤتمًا بالإمام لا يتجاوزه إلى مخالفته وأكده بقوله: (فلا تختلفوا عليه) فيجب الاقتداء به والاتباع له ومـن شأن التابع أن لا يتقدم على المتبوع ومقتضى ذلك أنه لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فصلها ولا في غيرها مما ينقاس عليها بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله.(فإذا كبر) أي للإحرام أو النقل (فكبروا) ولأحمد وأبي داود، ولا تكبروا حتى يكبر، زاده تأكيدًا لما أفاده مفهوم الشرط من أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام منه. وكذلك الركوع والرفع منه والسجود (وإذا ركع فاركعوا) ولا تركعوا حتى يركع أي حتى يأخذ في الركوع.

(وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد)، وتقدم وللبخاري عن أنس "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تركعوا حتى يركع ولا ترفعوا حتى يرفع" (وإذا سجد) أي أخذ في السجود (فاسجدوا) "ولا تسجدوا حتى يسجد" وفي الصحيحين عنه "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته حمار".

قال شيخ الإسلام وهذا لأن المؤتم متبع لإمامه مقتد به والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته فإذا تقدم عليه. كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعلمه ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير وللبزار عنه الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان" ولمسلم عن أنس "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف"، ولما رأى عمر رجلاً يسابق الإمام ضربه وقال لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت. ولمسلم عن البراء "وإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله  - صلى الله عليه  و سلم - ساجدًا ثم نقع سجودًا بعده".فيستحب أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد فراغ الإمام مما كان فيه في قول أكثر أهل العلم للأخبار ونقل الخلف عن السلف. وإن كبر معه للإحرام لم تنعقد، وهو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم لأن شرطه أن يأتي بها بعد إمامه وهو عنوان الاقتداء به. وإن قارنه في غيرها لم تبطل باتفاق العلماء لكن يكره وتفوته فضيلة الجماعة.

وأما مسابقة الإمام فقال شيخ الإسلام حرام باتفاق الأئمة لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه ولا يرفع قبله ولا يسجد قبله. وقد استفاضت الأحاديث عن النبي –r بالنهي عن ذلك. وقال النووي الجمهور أنها تصح مع الإثم ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرجع ليأتي به بعده فإن لم يفعل عمدًا بطلت صلاته لتركه الواجب عمدًا. وسهوًا تصح.


قال شيخ الإسلام لكن يتخلف عنه بقدر ما سبق به الإمام كما أمر بذلك أصحاب رسول الله – صلى الله عليه  و سلم - وإن ركع ورفع قبل إمامه بطلت الركعة فقط إن لم يأت بها مع الإمام كما لو لم يدركه، وتصح صلاته للجهل أو النسيان. قال في الإنصاف بلا نزاع لخبر "عفي عن أمتي الخطأ والنسيان" وكذا إن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه وأولى. ويصلي تلك الركعة قضاء.

وأما إن ترك متابعته عمدًا فلا نزاع في بطلان صلاته حكاه صاحب المنتهى وغيره لما تقدم من النهي والتخلف عنه كالسبق فيما تقدم. قال الموفق وغيره فإن سبق الإمام المأموم بركن كامل مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذر من نعاس أو غفلة أو زحام أو عجلة إمام فإنه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شيء عليه. لا نعلم فيه خلافًا والمراد أنه يفعل ما سبق به إذا أمن فوات الركعة الثانية، وإلا تبعه ولغت. والتي تليها عوض عنها ويقضي بدلها.

(وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا) وجوبًا في الفرض مع القدرة إجماعًا (وإذا صلى قاعدًا) لعذر (فصلوا قعودًا أجمعون) بالرفع تأكيدًا لضمير الجمع. وفي رواية للبخاري بالنصب على الحال قال ابن عبد البر روي هذا من طرق متواترة عن النبي –r- من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم. وحكاه ابن حزم قول جمهور السلف وحكي إجماع الصحابة فيه وثبت عن أربعة بعد النبي – صلى الله عليه  و سلم - قال ابن المنذر ولا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

والحكمة في ذلك سد الذريعة عن مشابهة الكفار حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود. ولأبي داود من حديث جابر "ولا تفعلوا كما تفعل أهل فارس بعظمائها" وفي الصحيحين وغيرهما أنه "صلى جالسًا والناس خلفه قيام" وذلك يوم السبت أو الأحد وتوفي يوم الاثنين. قال الخطابي وقد صلى قاعدًا والناس خلفه قيام. وادعى النسخ وحكى هو والنووي وابن دقيق وغيرهم صحتها خلفه قيامًا قول أكثر العلماء وذكره في الفروع اتفاقًا ولأنه الأصل ولم يأمر – صلى الله عليه  و سلم - من صلى خلفه قائمًا بالإعادة.

وجمع الإمام أحمد بين الأخبار فذهب إلى أن الإمام الراتب إذا ابتدأ الصلاة قائمًا لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قيامًا سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدًا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته فإنه لم يأمرهم بالقعود لأنه ابتدأ صلاته قائمًا. وهذا لا نزاع فيه لأن القيام هو الأصل. فإذا بدأ به لزمه في جميعها إذا قدر عليه وهو بخلاف صلاته في مرضه الأول فإنه ابتدأ صلاته قاعدًا فأمرهم بالقعود فيجوز وأنكر دعوى النسخ وهو جمع حسن.

وقال الشافعي: يستحب للإمام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلي بالجماعة قائمًا كما استخلف النبي – صلى الله عليه  و سلم - ولأن فيه خروجًا من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد المرجو زوال علته. ولأن القائم أكمل وأقرب إلى كمال هيئات الصلاة. والنبي – صلى الله عليه  و سلم - فعل الأمرين وكان الاستخلاف أكثر فدل على فضيلته وأم قاعدًا في بعض الصلوات لبيان الجواز ولا تصح خلف عاجز عن الركوع وسجود وقعود إلا بمثله. (ولهما عنه مرفوعًا أيكم أم الناس) وفي لفظ "إذا أم أحدكم الناس" وفي لفظ "إذا صلى أحدكم بالناس (فليخفف" ولهما من حديث أبي مسعود: أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز (فإن فيهم الصغير والضعيف والكبير وذا الحاجة) وفي رواية "منهم". وفي رواية "خلفه" وهؤلاء يريدون التخفيف فيلاحظهم الإمام.

وفي الصحيح أنه قال: "أفتان يا معاذ، إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها. وسبح اسم ربك، والليل إذ يغشى. فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". والحديث مروي بألفاظ كثيرة. ولأبي داود وغيره عن عثمان بن أبي العاص أن النبي – صلى الله عليه  و سلم - قال: "أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم" قال عليه الصلاة والسلام: "وإذا صلى وحده فليطول ما شاء" وفي لفظ "فليصل كيف شاء" مخففًا ومطولاً ولهما عن أنس "كان يكملها" وفي رواية "ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه  و سلم وقال ابن عمر "كان يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات" فالذي فعل هو الذي أمر به. وتقدم صفة صلاته صلى الله عليه  و سلم.

فالتخفيف المأمور به أمر نسبي يرجع إلى ما فعله r، وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين، فإنه لم يكن يأمر أمته بأمر ثم يخالفه. قال الحافظ، ومن سلك طريقة النبي –r- في الإيجاز والإتمام لا يشتكى منه تطويل. وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا كما شرع القصر. ومراده ما لم يؤثروا التطويل وعددهم ينحصر. وقال ابن عبد البر التخفيف للأئمة أمر مجمع عليه مندوب إليه عند العلماء لا خلاف في استحبابه على ما شرطنا من الإتمام.

وقال شيخ الإسلام ليس له أن يزيد على القدر المشروع. وينبغي أن يفعل غالبًا ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله غالبًا. ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي صلى الله عليه  و سلم يزيد وينقص أحيانًا للمصلحة. ويلزم الإمام مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه. وقال النووي قال العلماء واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال وكان صلى الله عليه  و سلم يعلم من حال المأمومين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول. وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه فيخفف.



وفي وقت يريد إطالتها فيسمع بكاء الصبي فيخفف. كما ثبت في الصحيح وغيره اهـ. ويسن تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية لخبر أبي قتادة وتقدم. وليلحقه القاصد إليها ما لم يشق على مأموم.

تتمة:

الجن مكلفون في الجملة إجماعًا لقوله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون{ فلذلك يدخل كافرهم النار إجماعًا ويدخل مؤمنهم الجنة لعموم الأخبار. قال الشيخ ونراهم في الآخرة ولا يرونا وتنعقد بهم الجماعة وهم موجودون في زمن النبوة وقبلها وليس منهم رسول. وقال ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويًا لما على الإنس في الحد والحقيقة لكنهم شاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلمه بين العلماء

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire