الشروط في البيع
كتاب البيوع
الملخص
الفقهي/ قسم العبادات
تلخيص صالح بن فوزان بن عبدالله
آل فوزان
باب في أحكام الشروط في البيع
·
الشروط في البيع كثيرة
الوقوع , وقد يحتاج المتبايعان أو أحدهما إلى شرط أو أكثر , فاقتضى ذلك البحث في
الشروط , وبيان ما يصح ويلزم منها وما لا يصح .
·
والفقهاء رحمهم الله
يعرفون الشرط في البيع بأنه إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه
منفعة , ولا يعتبر الشرط في البيع عندهم ساري المفعول إلا إذا اشترط في صلب العقد
; فلا يصح الاشتراط قبل العقد ولا بعده .
·
والشروط في البيع تنقسم
إلى قسمين : صحيحة وفاسدة :
أولا : الشروط الصحيحة : وهي الشروط التي لا تخالف مقتضى العقد وهذا القسم يلزم العمل بمقتضاه ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
" المسلمون على شروطهم "
ولأن الأصل في الشروط الصحة , إلا ما أبطله الشارع ونهى عنه
.والقسم الصحيح من الشروط نوعان :
أولا : الشروط الصحيحة : وهي الشروط التي لا تخالف مقتضى العقد وهذا القسم يلزم العمل بمقتضاه ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
النوع الأول : شرط لمصلحة
العقد بحيث يتقوى به العقد , وتعود مصلحته على المشترط ; كاشتراط التوثيق بالرهن ,
أو اشتراط الضامن , وهذا يطمئن البائع , واشتراط تأجيل الثمن أو تأجيل بعضه إلى
مدة معلومة , وهذا يستفيد منه المشتري , فإذا وفي بهذا الشرط , لزم البيع , وكذلك
لو اشترط المشتري صفة في المبيع , مثل كونه من النوع الجيد أو من الصناعة الفلانية
أو الإنتاج الفلاني ; لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك , فإن أتى المبيع على الوصف
المشترط لزم البيع , وإن اختلف عنه ; فللمشتري الفسخ أو الإمساك مع تعويضه عن فقد
الشرط , بحيث يقوم المبيع مع تقدير وجود الصفة المشترطة , ثم يقوم مع فقدها ,
ويدفع له الفرق بين القيمتين إذا طلب .
النوع الثاني من الشروط
الصحيحة في البيع : أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر بذل منفعة مباحة في المبيع
; كأن يشترط البائع سكنى الدار المبيعة مدة معينة , أو أن يحمل على الدابة أو
السيارة المبيعة إلى موضع معين ; لما روى جابر :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم باع جملا واشترط
ظهره إلى المدينة "
متفق عليه , فالحديث يدل على جواز بيع الدابة مع استثناء ركوبها
إلى موضع معين , ويقاس عليها غيرها , وكذا لو اشترط المشتري على البائع بذل عمل في
المبيع ; كأن يشتري منه حطبا , ويشترط عليه حمله إلى موضع معلوم , أويشتري منه
ثوبا , ويشترط عليه خياطته .
ثانيا
: الشروط الفاسدة : وهذا القسم أنواع :
النوع الأول : شرط فاسد
يبطل العقد من أصله , ومثاله أن يشترط أحدهما على الآخر عقدا آخر , كأن يقول :
بعتك هذه السلعة بشرط أن تؤجرني دارك , أو يقول : بعتك هذه السلعة بشرط أن تشركني
معك في عملك الفلاني أو في بيتك , أو يقول : بعتك هذه السلعة بكذا بشرط أن تقرضني
مبلغ كذا من الدراهم ; فهذا الشرط فاسد , وهو يبطل العقد من أساسه , لنهي النبي
صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وقد فسر الإمام أحمد
رحمه الله الحديث بما ذكرنا .
النوع الثاني من الشروط
الفاسدة في البيع : ما يفسد في نفسه , ولا يبطل البيع ; مثل أن يشترط المشتري على
البائع أنه إن خسر في السلعة ردها عليه , أو شرط البائع على
المشتري أن لا يبيع السلعة ونحو ذلك فهذا شرط فاسد ; لأنه يخالف مقتضى
العقد , لأن مقتضى البيع أن يتصرف المشتري في السلعة تصرفا مطلقا , ولقوله صلى
الله عليه وسلم :
" من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان
مائة شرط "
متفق عليه , والمراد بكتاب الله هنا حكمه ; ليشمل ذلك سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
والبيع
لا يبطل مع بطلان هذا الشرط ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة حينما
اشترط بائعها ولاءها له إن أعتقت أبطل الشرط , ولم يبطل العقد , وقال صلى الله
عليه وسلم :
" إنما الولاء لمن أعتق "
*
إنه ينبغي للمسلم الذي يشتغل بالبيع والشراء أن يتعلم أحكام البيع وما يصح فيه من الشروط
وما لا يصح ; حتى يكون على بصيرة في معاملته , ولتنقطع الخصومات والمنازعات بين
المسلمين ; فإن غالبها ينشأ من جهل المتبايعين أو أحدهما بأحكام البيع , واشتراطهم
شروطا فاسدة .
باب في أحكام الخيار في البيع
* دين الإسلام دين سمح شامل , يراعي المصالح والظروف , ويرفع الحرج
والمشقة عن الأمة , ومن ذلك ما شرعه في البيع من إعطاء الخيار للعاقد , ليتروى في
أمره وينظر في مصلحته من وراء تلك الصفقة ; فيقدم على ما يؤمل من ورائه الخير ,
ويحجم ويتراجع عما لا يراه في مصلحته .
* فالخيار في البيع معناه طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ
* فالخيار في البيع معناه طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ
وهو
ثمانية أقسام : -
أولا
: خيار المجلس أي المكان الذي جرى فيه التبايع ; فلكل من المتبايعين
الخيار ما داما في المجلس , ودليله قوله صلى الله عليه وسلم :
" إذا تبايع الرجلان ; فكل واحد منهما بالخيار , ما
لم يتفرقا وكانا جميعا "
قال
العلامة ابن القيم رحمه الله : " في إثبات الشارع خيار المجلس في البيع حكمة
ومصلحة للمتعاقدين , وليحصل تمام الرضى الذي شرطه تعالى بقوله :
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
فإن العقد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة ; فاقتضت محاسن
هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حرما يتروى فيه المتبايعان , ويعيدان النظر ,
ويستدرك كل واحد منهما , فلكل من المتبايعين الخيار بموجب هذا الحديث الشريف ; ما
لم يتفرقا بأبدانهما من مكان التبايع , فإن أسقطا الخيار بأن تبايعا على أن لا
خيار لهما أو أسقطه أحدهما سقط , ولزم البيع في حقهما أو حق من أسقطه منهما بمجرد
العقد ; لأن الخيار حق للعاقد , فيسقط بإسقاطه ولقوله صلى الله عليه وسلم :
ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر
ويحرم
على أحدهما أن يفارق أخاه بقصد إسقاط الخيار ; لحديث عمرو بن شعيب وفيه :
ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله
ثانيا
: خيار الشرط بأن يشترط المتعاقدان الخيار في صلب العقد أو بعد العقد
في مدة خيار المجلس مدة معلومة ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
المسلمون على شروطهم
ولعموم قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
ويصح
أن يشترط المتبايعان الخيار لأحدهما دون الآخر ; لأن الحق لهما , فكيفما تراضيا
جاز.
-
ثالثا : خيار الغبن إذا غبن في البيع غبنا يخرج عن العادة ; فيخير المغبون
منهما بين الإمساك والرد ; لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا ضرر ولا ضرار
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه
والمغبون لم تطب نفسه بالغبن , فإن كان الغبن يسيرا قد جرت به
العادة فلا خيار .
وخيار
الغبن يثبت في ثلاث صور :
الصورة الأولى من صور
خيار الغبن : تلقي الركبان , والمراد بهم القادمون لجلب سلعهم في البلد , فإذا
تلقاهم , واشترى منهم , وتبين أنه قد غبنهم غبنا فاحشا ; فلهم الخيار , لقول النبي
صلى الله عليه وسلم :
لا تلقوا الجلب , فمن تلقاه فاشترى منه , فإذا أتى سيده
السوق فهو بالخيار
رواه مسلم ; فنهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب خارج السوق
الذي تباع فيه السلع , وأمر أنه إذا أتى البائع السوق الذي تعرف فيه قيم السلع ,
وعرف ذلك فهو بالخيار بين أن يمضي البيع أو يفسخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا ; لأن فيه نوع تدليس وغش " . وقال ابن القيم : " نهى عن ذلك ; لما فيه من تغرير البائع , فإنه لا يعرف السعر , فيشتري منه المشتري بدون القيمة , ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق , ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن ; فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل , فيكون المشتري غارّا له , وكذا البائع إذا باعهم شيئا ; فلهم الخيار إذا هبطوا السوق , وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا ; لأن فيه نوع تدليس وغش " . وقال ابن القيم : " نهى عن ذلك ; لما فيه من تغرير البائع , فإنه لا يعرف السعر , فيشتري منه المشتري بدون القيمة , ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق , ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن ; فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل , فيكون المشتري غارّا له , وكذا البائع إذا باعهم شيئا ; فلهم الخيار إذا هبطوا السوق , وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة " انتهى .
الصورة الثانية من صور
خيار الغبن : الغبن الذي يكون سببه زيادة الناجش في ثمن السلعة , والناجش : هو
الذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها , وإنما يريد رفع ثمنها على المشتري ,
وهذا عمل محرم , قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
ولا تناجشوا
لما في ذلك من تغرير المشتري وخديعته , فهو في معنى الغش . ومن
صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة : أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب , أو يقول :
اشتريتها بكذا وهو كاذب . ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة : لا أبيعها
إلا بكذا أو كذا , لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال , كأن يقول في سلعة ثمنها
خمسة : أبيعها بعشرة ; ليأخذها المشتري بقريب من العشرة .
الصورة الثالثة من صور
الغبن الذي يثبت به الخيار : غبن المسترسل .
قال الإمام ابن القيم :
" وفي الحديث :
غبن المسترسل ربا
والمسترسل : هو الذي يجهل القيمة ولا يحسن أن يناقص في الثمن , بل
يعتمد على صدق البائع لسلامة سريرته , فإذا غبن غبنا فاحشا ; ثبت له الخيار "
. والغبن محرم ; لما فيه من التغرير للمشتري . ومما يجري في بعض أسواق المسلمين -
وهو محرم - أن بعض الناس حينما يجلب إلى السوق سلعة , يتفق أهل السوق على ترك
مساومتها , ويعمدون واحدا منهم يسومها من صاحبها , فإذا لم يجد من يزيد عليه ,
اضطر لبيعها عليه برخص , ثم اشترك البقية مع المشتري , وهذا غبن وظلم محرم , ويثبت
لصاحب السلعة - إذا علم بذلك - الخيار وسحب سلعته منهم ; فيجب على من يفعل مثل هذا
التغرير أن يتركه ويتوب منه , ويجب على من علم ذلك أن ينكره على من يفعله ويبلغ
المسئولين لردعهم عن ذلك .
-
رابعا : خيار التدليس أي الخيار الذي يثبت بسبب التدليس , والتدليس : هو
إظهار السلعة المعيبة بمظهر السليمة , مأخوذ من الدلسة بمعنى : الظلمة ; كأن
البائع بتدليسه صير المشتري في ظلمة , فلم يتم إبصاره للسلعة , وهو نوعان :
النوع الأول : كتمان عيب السلعة .
والنوع الثاني : أن يزوقها وينمقها بما يزيد به ثمنها .
النوع الأول : كتمان عيب السلعة .
والنوع الثاني : أن يزوقها وينمقها بما يزيد به ثمنها .
والتدليس
حرام , وتسوغ به الشريعة للمشتري الرد , لأنه إنما بذل ماله في المبيع بناء على
الصفة التي أظهرها له البائع , ولو علم أنه على خلافها لما بذل ماله فيها .
ومن أمثلة التدليس الواردة : تصرية الغنم والبقر والإبل , وهي حبس لبنها في ضروعها عند عرضها للبيع , فيظنها المشتري كثيرة اللبن دائما , قال النبي صلى الله عليه وسلم :
لا تصروا الإبل والغنم , فمن ابتاعها فهو بخير النظرين
بعد أن يحلبها إن شاء أمسك , وإن شاء ردها وصاعا من تمر
ومن أمثلة التدليس تزويق البيوت المعيبة للتغرير بالمشتري والمستأجر , وتزويق السيارات حتى تظهر بمظهر غير المستعملة للتغرير بالمشتري , وغير ذلك من أنواع التدليس . يجب على المسلم أن يصدق ويبين الحقيقة , قال صلى الله عليه وسلم :
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك
لهما في بيعهما , وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق في البيع والشراء من أسباب
البركة , وأن الكذب من أسباب محق البركة , فالثمن وإن قل مع الصدق يبارك الله فيه
, وإن كثر الثمن مع الكذب فهو ممحوق البركة لا خير فيه .
ومن أمثلة التدليس الواردة : تصرية الغنم والبقر والإبل , وهي حبس لبنها في ضروعها عند عرضها للبيع , فيظنها المشتري كثيرة اللبن دائما , قال النبي صلى الله عليه وسلم :
ومن أمثلة التدليس تزويق البيوت المعيبة للتغرير بالمشتري والمستأجر , وتزويق السيارات حتى تظهر بمظهر غير المستعملة للتغرير بالمشتري , وغير ذلك من أنواع التدليس . يجب على المسلم أن يصدق ويبين الحقيقة , قال صلى الله عليه وسلم :
-
خامسا : خيار العيب أي الخيار الذي يثبت للمشتري بسبب وجود عيب في السلعة
لم يخبره به البائع أو لم يعلم به البائع , لكنه تبين أنه موجود في السلعة قبل
البيع , وضابط العيب الذي يثبت به الخيار هو ما تنقص بسببه قيمة المبيع عادة أو
تنقص به عينه , وترجع معرفة ذلك إلى التجار المعتبرين , فما عدوه عيبا , ثبت
الخيار به , وما لم يعدوه عيبا ينقص القيمة أو عين المبيع , لم يعتبر , فإذا علم
المشتري بالعيب بعد العقد , فله الخيار بين أن يمضي البيع ويأخذ عوض العيب , وهو
مقدار الفرق بين قيمة المبيع صحيحا وقيمته معيبا , وبين أن يفسخ البيع ويرد السلعة
ويسترجع الثمن الذي دفعه للمشتري .
-
سادسا : ما يسمى بخيار التخبير بالثمن وهو ما إذا باع السلعة
بثمنها الذي اشتراها به , فأخبره بمقداره , ثم تبين أنه أخبر بخلاف الحقيقة , كأن
تبين أن الثمن أكثر أو أقل مما أخبره به , أو قال : أشركتك معي في هذه السلعة برأس
مالي , أو قال : بعتك هذه السلعة بربح كذا وكذا على رأس مالي فيها , أو قال : بعتك
هذه السلعة بنقص كذا وكذا عما اشتريتها به ; ففي هذه الصور الأربع إذا تبين أن رأس
المال خلاف ما أخبره به ; فله الخيار بين الإمساك والرد , على قول في المذهب ,
والقول الثاني : أنه في هذه الحالة لا خيار للمشتري , ويجري الحكم على الثمن
الحقيقي , ويسقط عنه الزائد , والله أعلم .
سابعا : خيار يثبت إذا
اختلف المتبايعان في بعض الأمور , كما إذا اختلفا في مقدار الثمن , أو اختلفا في
عين المبيع , أو قدره , أو اختلفا في صفته , ولا بينة لأحدهما , فحينئذ يتحالفان ,
فيحلف كل منهما على ما يدعيه , ثم بعد التحالف لكل منهما الفسخ إذا لم يرض بقول
الأخر .
ثامنا : خيار يثبت
للمشتري إذا اشترى شيئا بناء على رؤية سابقة , ثم وجده قد تغيرت صفته , فله الخيار
حينئذ بين إمضاء البيع وفسخه , والله أعلم .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire