el bassaire

mercredi 21 novembre 2012

أقل مقدار للقراءة


أركان الخطبة الجمعة ج 3

أقل مقدار للقراءة


اختلف الفقهاء - سواء من قال بالسنية أو الركنية - في أقل مقدار من القرآن يقرأ في خطبة الجمعة، وذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: يجزئ ما دون آية إذا استقل بمعنى، ولا يجزئ ما لا يستقل ولو كان آية كاملة.
وبهذا قال بعض الحنابلة (1).
القول الثاني: أقله آية، سواء كانت طويلة أو قصيرة، وبهذا قال المالكية (2) والإمام الشافعي وأصحابه (3) والإمام أحمد في رواية عنه، وهو الصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليه أكثرهم (4).
القول الثالث: أن أقله ثلاث آيات أو آية طويلة، وهذا هو الظاهر من مذهب الحنفية (5) جاء في الفتاوى الهندية: " ومقدار ما يقرأ فيها [يعني خطبة الجمعة ] من القرآن ثلاث آيات قصار أو آية طويلة " (6).
القول الرابع: يجزئ ما دون آية مطلقا، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (7)
الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أصحاب هذا القول نظروا إلى المعنى، فما لم يستقل بمعنى لا يحصل به المقصود من القراءة، فلا فائدة منه فلا يجزئ ولو كان آية كاملة، وما استقل بمعنى أجزأ ولو كان دون آية  (8)
أدلة أصحاب القول الثاني:
1- أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقتصر في قراءته في خطبة الجمعة على أقل من آية (9).
2- أن الحكم لا يتعلق بما دون الآية، بدليل منع الجنب من قراءتها دون ما هو أقل منها (10).
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن قراءة الجنب لما دون آية محل خلاف، فمن الفقهاء من يرى منع قراءته، بل هو رواية عن الإمام أحمد، وأخذ بها بعض أصحابه (11).

دليل أصحاب القول الثالث: أن فرض قراءة القرآن في الصلاة يتأدى بثلاث آيات قصار أو آية طويلة، فسنة القراءة في الخطبه تتأدى بهذا القدر من باب أولى (12)  .

مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بأن المفروض في الصلاة قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، بل المفروض هو قراءة الفاتحة بعينها.
دليل أصحاب القول الرابع: أنه ليس في قراءة القرآن في الخطبة على المنبر شيء موقت، فما شاء الخطيب قرأ، ولو كان دون الآية  (13).

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن أقل مقدار لقراءة القرآن في خطبة الجمعة هو ما يستقل بمعنى، سواء كان آية أو أقل؛ لقوة ما استدلوا به، ولعدم ورود دليل على التجديد، وقد تقدم في المطلب السابق ترجيح السنية، فيكون المقصود في هذا الترجيح أقل مقدار للإتيان بالسنة.

قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة والسجود له :

اختلف الفقهاء في حكم قراءة الخطيب في خطبة الجمعة لآية فيها سجود تلاوة، والسجود إذا قرأ، وذلك على قولين:
القول الأول: يباح قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، والسجود له، وبهذا قال الحنفية (14)  والإمام الشافعي وأصحابه (15) و الحنابلة (16) وابن حزم (17)
القول الثاني: يكره قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، ويكره السجود له، وبهذا قال الإمام مالك، وأصحابه (18).

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:

أولا: من السنة: ما رواه أبو سعيد الخدري  قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تَشَزَّنتم للسجود، فنزل فسجد فسجدوا  (19) (20) ، وفعل النبي صلى الله عليه و سلم واضح ومتكرر.

ثانيا: من آثار الصحابة
1- ما رواه ربيعة بن عبد الله بن الهدير عن عمر بن الخطاب أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: " يا أيها الناس إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه "، ولم يسجد عمر(21).
وجه الدلالة: أن عمر قرأ السجدة في خطبة الجمعة ونزل فسجد، وفعله هذا كان مع حضور الصحابة - رضي الله عنهم-، ولم ينكر عليه أحد منهم، فدل ذلك على إباحة قراءة ما فيه سجود تلاوة في خطبة الجمعة والسجود لذلك (22)
مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن ذلك مما لم يتبع عليه عمر  و لا عمله أحد من بعده  (23) 
والإجابة عن هذه المناقشة: يجاب عنها بأن دليل الإباحة ليس مقصورا على فعل عمر  بل ثبت من فعل النبي صلى الله عليه و سلم كما تقدم في حديث أبي سعيد، كما أنه لا يسلم بأنه لم يعمله أحد بعده، بل فعله غيره من الصحابة والتابعين كما سيأتي.
2- ما روي أن النعمان بن بشير قرأ سجدة (ص) وهو على المنبر فنزل فسجد، ثم عاد إلى مجلسه   (24).
3- ما رواه صفوان (25) بن محرز قال: " بينا الأشعري (26) يخطب يوم الجمعة إذ قرأ السجدة الآخرة من سورة الحج، قال: نزل عن المنبر فسجد، ثم عاد إلى مجلسه "  (27)
4- ما روي عن عمار بن ياسر أنه قرأ على المنبر : "إذا السماء انشقت"   (28) ثم نزل إلى القرار فسجد بها  (29).
5- ما روي عن عقبة  (30) بن عامر  أنه قرأ على المنبر السجدة فنزل  (31)، وهذه الآثار واضحة الدلالة.
ثالثا: من المعقول: أن سجود التلاوة حال خطبة الجمعة سنة وجد سببها، ولا يطول الفصل بها، فاستُحِبَّ فعلها كحمد الله - سبحانه وتعالى - إذا عطس، وتشميت العاطس (32).

أدلة أصحاب القول الثاني:
1- أن الخطيب إذا قرأ في الخطبة ما فيه سجود تلاوة فإنه بين أمرين إما أن يسجد، وفي هذا إخلال بنظام الخطبة، وإما ألا يسجد، فيدخل في الوعيد الوارد في قول الله - تعالى -: "وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون"  (33) فلذا يكره له قراءتها، والسجود لها (34)

مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه اجتهاد في مقابل نص، وهو ما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول من فعل النبي صلى الله عليه و سلم فهو مردود.
الوجه الثاني: عدم التسليم بإخلاله بنظام الخطبة؛ لأنه عمل يسير متعلق بها، كما أنه أولى من تكليم المأموم للخطيب وتكليم الخطيب للمأموم الذي ورد من فعل النبي r حيث إنه - أي التكليم - لأمر لا علاقة له بالخطبة.
2- أن السجود حال الخطبة يسبب التخليط على الناس، وذلك بأن يتوهموا أن الإمام قد فرغ من الخطبة وقام إلى الصلاة، فيكره (35)

مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الوجه الأول: ما تقدم في مناقشة الدليل السابق أنه اجتهاد في مقابل النص، فهو مردود.
الوجه الثاني: عدم التسليم بتسببه في التخليط؛ لأن الناس مأمورون بالإنصات واستماع الخطبة، فإذا قرأ الخطيب ما فيه سجود علموا إن نزوله للسجود وليس لفراغه.
3- أن سجود التلاوة صلاة تطوع، فلا يشتغل بها في أثناء الخطبة، كصلاة ركعتين  (36).
مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن صلاة ركعتين لم يوجد سببها، ويطول الفصل بها، بخلاف السجود (37)، الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بإباحة قراءة ما فيه سجود تلاوة في خطبة الجمعة، والسجود لذلك؛ لقوة ما استدلوا به، وعدم قيام الدليل على خلافه، ولكن ينبغي للإمام أن ينبه المأمومين إذا أراد السجود ويتأكد ذلك إذا كان هناك من لا يراه لبعد أو حائل حتى لا يحصل تشويش على الناس.

المبحث الخامس حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها

اختلف من قال بركنية هذه الأمور الأربعة، وهي الحمد، والصلاة على النبي r والموعظة، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم الشافعية والحنابلة كما تقدم في حكم ترتيبها، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يشترط الترتيب في هذه الأركان، ولكن يستحب، فله التقديم والتأخير، وصفته: أن يبدأ بالحمد، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ثم الموعظة، ثم قراءة القرآن، وهذا هو الوجه الصحيح عند الشافعية كما ذكر النووي (38) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (39).
القول الثاني: يشترط الترتيب في هذه الأركان على الصفة التي ذكر أصحاب القول الأول، فلا يجوز التقديم والتأخير، وهذا وجه عند الشافعية (40) وقول لبعض الحنابلة (41).
القول الثالث: يشترط ترتيب الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ولا ترتيب بين القراءة وغيرها.
وبهذا قال بعض الشافعية (42).

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول:
1- أن المقصود من الخطبة الوعظ والتذكير، وهذا حاصل مع عدم الترتيب (43).
2- أنه لم يرد نص في اشتراط الترتيب، فلا يلزم (44).
أدلة أصحاب القول الثاني: لم أطلع على أدلة صريحة لهم، ولكن الظاهر أنهم يستدلون بما يلي:
أولا: الاستدلال على البداءة بالحمد بما رواه أبو هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: كل كلام لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم (45) (46) ، وهذا واضح الدلالة.

مناقشة هذا الدليل: يناقش بما سبقت مناقشته به في مسألة اشتراط الحمد في الخطبة (47).
ثانيا: الاستدلال على التثنية بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن كل عبادة ذكر الله - تعالى - فيها يذكر فيها رسوله صلى الله عليه و سلم بعده كالأذان، والتشهد، وغيرهما.
مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أن ذكر الرسول صلى الله عليه و سلم بعد ذكر الله - تعالى - غير مطرد في جميع العبادات، فمنها ما يشرع فيها ذكر الله دون ذكر رسوله كالوضوء، والذكاة.
الوجه الثاني: أنه ليس ظاهر الدلالة على وجوب الترتيب، وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليلهم عليهما، أما أصحاب القول الثالث فالظاهر أنهم يستدلون على اشتراط البدء بالحمد، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بما سبق الاستدلال به لأصحاب القول الثاني عليه.
وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليل لهم عليهما.

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية ترتيب الأمور الأربعة: الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ثم القراءة؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن الأصل عدم وجوب الترتيب.

1 ينظر: شرح الزركشي 2/179 ، والفروع 2/110 ، والإنصاف 2/388.
 2 ينظر: الشرح الصغير للدردير 1/181.
3 ينظر: الأم 1/231 ، والمجموع 4/520 ، وروضة الطالبين 2/25 ، ومغني المحتاج 1/286.
 4 ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/52 ، وشرح الزركشي 2/179 ، والمغني 3/175 ، والفروع 2/110 ، والإنصاف 2/387 ، والمبدع 2/158 ، وقال بعضهم: لا بد أن تستقل بمعنى.
 5 ينظر: المبسوط 2/26 ، والفتاوى الهندية 1/147.
 6 الفتاوى الهندية 1/147.
 7 ينظر: شرح الزركشي 2/179 ، والكافي لابن قدامة 1/221 ، والفروع 2/110 ، والإنصاف 2/388.
 8 ينظر: شرح الزركشي 2/179.
9 ينظر: المغني 3/175 ، والشرح الكبير 2/183.
 10 ينظر: المغني 3/175 ، والمبدع 2/158 ، وكشاف القناع 2/32.
11 ينظر: الفروع 1/201 ، والإنصاف 1/243 ، والمبدع 1/187 - 188.
12 ينظر: المبسوط 2/26.
13 ينظر: المغني 3/176.
14 ينظر: الحجة على أهل المدينة 1/218 ، وبدائع الصنائع 1/192 - 193 ، وفتح القدير 2/27.
 15 ينظر: الأم 1/231 ، والمجموع 4/520 ، وروضة الطالبين 2/26 ، ومغني المحتاج 1/216.
16 ينظر: المغني 3/180 ، والفروع 2/112.
 17 ينظر: المحلى 5/60.
 18 ينظر: الموطأ 1/206 ، والمنتقى شرح الموطأ 1/351 ، الشرح الكبير للدردير 1/301 ، وحاشية العدوي 1/320.
 19 أبو داود الصلاة (1410) ، الدارمي الصلاة (1466).
 20 سبق تخريجه ص (147).
 21 سبق تخريجه ص (147).
22 ينظر: فتح الباري 2/559.
 23 ينظر: المنتقى شرح موطأ مالك 1/351.
 24 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعله صاحبها 2/18.
 25 هو صفوان بن محرز بن زياد المازني ، وقيل: الباهلي ، قال أبو حاتم: جليل ، ووثقه العجلي ، وابن سعد وغيرهما ، وقال ابن حجر: ثقة عابد ، توفي سنة 74 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 7/147 ، وتهذيب التهذيب 4/430 ، وتقريب التهذيب 1/368).
 26 ظاهره أن المقصود به الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري.
 27 أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2/18.
 28 سورة الانشقاق ، الآية رقم (1).
 29 أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2/18 ، وفي باب من كان يسجد في المفصَّل 2/8 ، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب فضائل القرآن - باب كم في القرآن من سجدة 2/340 ، وفي كتاب الجمعة - باب القراءة على المنبر 3/193 ، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الصلاة - باب السجدة في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) 2/316.
 30 عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني ، يكنى بأبي حماد ، من المهاجرين قديما ، وهو أحد من جمع القرآن ، ولي إمرة مصر لمعاوية ، وتوفي سنة 58 هـ ، وقيل غير ذلك. (ينظر: طبقات ابن سعد 4/343 ، وتهذيب التهذيب 7/242).
 31 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعله صاحبها 2/19.
 32 ينظر: المغني 3/181.
33 سورة الانشقاق ، الآية رقم (21).
 34 ينظر: حاشية الدسوقي 1/301.
35 ينظر: المنتقى شرح موطأ مالك 1/351.
 36 ذكر هذا الدليل لهم ابن قدامة في المغني 3/181.
 37 ينظر: المغني 3/181.
 38 ينظر: المجموع 4/522 ، وروضة الطالبين 2/30 - 31 ، ومغني المحتاج 1/286 - 287 ، 288.
 39 ينظر: المغني 3/180 ، والإنصاف 2/389 ، المبدع 2/159 ، وكشاف القناع 2/33.
40 ينظر: المجموع 4/522 ، ومغني المحتاج 1/287.
 41 ينظر: الإنصاف 2/389.
 42 ينظر: المجموع 4/522 ، وروضة الطالبين 2/30 ، ومغني المحتاج 1/286 - 287.
43 ينظر: المجموع 4/522 ، ومغني المحتاج 1/288 ، وكشاف القناع 2/33.
 44 ينظر: المجموع 4/522 ، ومغني المحتاج 1/288.
 45 أبو داود الأدب (4840) ، أحمد (2/359).
 46 تقدم تخريجه ص (127).
47 ص (128).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire