باب في أحكام
الجنائز
الملخص الفقهي/ قسم العبادات
http://al-bassair.blogspot.com
إن شريعتنا - ولله الحمد - كاملة
شاملة لمصالح الإنسان في حياته وبعد مماته , ومن ذلك ما شرعه الله من أحكام
الجنائز , من حين الأرض والاحتضار إلى دفن الميت في قبره , من عيادة المريض ,
وتلقينه , وتغسيله , وتكفينه , والصلاة عليه , ودفنه , وما يتبع ذلك من قضاء ديونه
, وتنفيذ وصاياه , وتوزيع تركته , والولاية على أولاده الصغار .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز
أكمل الهدي , مخالفا لهدي سائر الأمم , مشتملا على إقامة العبودية لله تعالى على
أكمل الأحوال , وعلى الإحسان للميت ومعاملته بما ينفعه قي قبره ويوم معاده , من
عيادة , وتلقين , وتطهير , وتجهيز إلى الله تعالى على أحسن الأحوال وأفضلها ,
فيقفون صفوفا على جنازته , يحمدون الله , ويثنون عليه , ويصلون على نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم ويسألون للميت المغفرة والرحمة والتجاوز , ثم يقفون على قبره ,
يسألون له التثبيت , ثم زيارة قبره , والدعاء له , كما يتعاهد الحي صاحبه في
الدنيا , ثم الإحسان إلى أهل الميت وأقاربه وغير ذلك " ا ه .
ويسن الإكثار
من ذكر الموت والاستعداد له بالتوبة من المعاصي ورد المظالم
إلى أصحابها , والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل هجوم الموت على غرة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكثروا من ذكر هاذم اللذات
رواه
الخمسة بأسانيد صحيحة , وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما , وهاذم اللذات : بالذال :
هو الموت .
وروى الترمذي وغيره عن ابن مسعود مرفوعا : استحيوا من الله حق الحياء . قالوا : إنا نستحي يا نبي الله
والحمد لله . قال : ليس كذلك , ولكن من استحيا من الله حق الحياء , فليحفظ الرأس
وما وعى , وليحفظ البطن وما حوى , وليذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة , ترك
زينة الدنيا , ومن فعل ذلك , فقد استحيا في الله حق الحياء
أحكام المريض
والمحتضر
وإذا أصيب
الإنسان بمرض , فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع ويسخط
لقضاء الله وقدره , ولا بأس أن يخبر الناس بعلته ونوع مرضه , مع الرضى بقضاء الله
, والشكوى إلى الله تعالى , وطلب الشفاء منه لا ينافي الصبر , بل ذلك مطلوب شرعا
ومستحب , فأيوب عليه السلام نادى ربه وقال : أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
وكذلك لا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة بل ذهب
بعض العلماء إلى تأكد ذلك , حتى قارب به الوجوب , فقد جاءت الأحاديث بإثبات
الأسباب والمسببات , والأمر بالتداوي , وأنه لا ينافي التوكل . كما لا ينافيه دفع
الجوع والعطش بالطعام والشراب .
ولا يجوز التداوي
بمحرم , لما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه , أنه قال : إن
الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وروى
أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعا : إن الله أنزل الدواء , وأنزل الداء , وجعل لكل داء دواء , ولا
تداووا بحرام وفي
" صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخمر : إنه ليس بدواء
ولكنه داء
وكذلك يحرم التداوي
بما يمس العقيدة , من تعليق التمائم المشتملة على
ألفاظ شركية أو أسماء مجهولة أو طلاسم أو خرز أو خيوط أو قلائد أو حلق تلبس على
العضد أو الذراع أو غيره , يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء , لما فيها من
تعلق القلب على غير الله في جلب نفع أو دفع ضر , وذلك كله من الشرك أو من وسائله
الموصلة إليه , ومن ذلك أيضا التداوي عند المشعوذين من
الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن فعقيدة
المسلم أهم عنده من صحته .
وقد جعل الله الشفاء في المباحات
النافعة للبدن والعقل والدين , وعلى رأس ذلك القرآن الكريم والرقية به وبالأدعية
المشروعة .
قال ابن القيم : " ومن أعظم العلاج فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء
والتضرع إلى الله والتوبة , وتأثيره أعظم من الأدوية , لكن بحسب استعداد النفس
وقبولها " . انتهى .
ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض
وعلاجها في المستشفيات وغيرها .
وتسن عيادة
المرضى , لما في " الصحيحين " وغيرهما : خمس تجب للمسلم على أخيه , وذكر منها عيادة المريض فإذا زاره , سأل عن حاله , فقد كان
النبي يدنو من المريض , ويسأله عن حاله وتكون
الزيارة يوما بعد يوم , أو بعد يومين , ما لم يكن المريض يرغب الزيارة كل يوم ,
ولا يطيل الجلوس عنده , إلا إذا كان المريض يرغب ذلك , ويقول للمريض : " لا
بأس عليك , طهور إن شاء الله " , ويدخل عليه السرور , ويدعو له بالشفاء , ويرقيه
بالقرآن , لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين .
ويسن للمريض أن يوصي بشيء
من ماله في أعمال الخير , ويجب أن يوصي بماله وما عليه من
الديون وما عنده من الودائع والأمانات , وهذا مطلوب , حتى من الإنسان الصحيح ,
لقوله صلى الله عليه وسلم : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته
مكتوبة عنده متفق عليه , وذكر الليلتين تأكيد لا تحديد , فلا ينبغي أن يمضي
عليه زمان , وإن كان قليلا , إلا ووصيته مكتوبة عنده , لأنه لا يدري متى يدركه
الموت .
ويحسن المريض ظنه بالله ,
فإن الله عز وجل يقول . أنا عند ظن عبدي بي ويتأكد ذلك عند إحساسه بلقاء الله .
ويحسن لمن يحضره تطميعه في رحمة
الله , ويغلب في هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف , وأما في حالة الصحة ,
فيكون خوفه ورجاؤه متساويين , لأن من غلب عليه الخوف , أوقعه في نوع من اليأس ,
ومن غلب عليه الرجاء , أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله .
فإذا احتضر المريض , فإنه
يسن لمن حضره أن يلقنه لا إله إلا الله , لقوله صلى الله
عليه وسلم : لقنوا
موتاكم لا إله إلا الله رواه
مسلم , وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص , فتكون ختام كلامه , فعن معاذ مرفوعا
: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله , دخل الجنة ويكون تلقينه إياها برفق , ولا يكثر عليه , لئلا يضجره وهو في هذه
الحال . ويسن أن يوجه إلى القبلة ، ويقرأ عنده سورة ( يس ) , لقوله صلى الله عليه
وسلم : اقرءوا على موتاكم سورة " يس "
رواه
أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان , والمراد بقوله : " موتاكم " . من
حضرته الوفاة , أما من مات , فإنه لا يقرأ عليه , فالقراءة
على الميت بعد موته بدعة , بخلاف القراءة على الذي يحتضر , فإنها
سنة , فالقراءة عند الجنازة أو على القبر أو لروح الميت , كل هذا من البدع التي ما
أنزل الله بها من سلطان , والواجب على المسلم العمل بالسنة وترك البدعة .
ثانيا : أحكام
الوفاة
ويستحب إذا مات الميت تغميض عينيه
, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة رضي الله عنه لما
مات , وقال : إن الروح إذا قبض , تبعه البصر , فلا تقولوا إلا خيرا , فإن الملائكة
يؤمنون على ما تقولون رواه
مسلم ,
ويسن ستر
الميت بعد وفاته بثوب , لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي , سجي ببرد حبرة متفق عليه .
وينبغي الإسراع في تجهيزه إذا تحقق
موته , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله رواه أبو داود , ولأن في ذلك حفظا للميت من التغير , قال الإمام
أحمد رحمه الله : " كرامة الميت تعجيله " , ولا بأس أن ينتظر به من
يحضره من وليه أو غيره إن كان قريبا ولم يخش على الميت من التغير .
ويباح الإعلام
بموت المسلم , للمبادرة لتهيئته , وحضور جنـازته , والصلاة عليه , والدعاء له ,
وأما الإعلام بموت الميت على صفة الجزع وتعداد مفاخره
فذلك من فعل الجاهلية , ومنه حفلات التأبين
إقامة المآتم .
ويستحب الإسراع بتنفيذ وصيته , لما
فيه من تعجيل الأجر , وقد قدمها الله تعالى في الذكر على الدين , اهتماما بشأنها ,
وحثا على إخراجها . ويجب
الإسراع بقضاء ديونه , سواء كانت لله تعالى من زكاة وحج أو نذر طاعة أو كفارة , أو
كانت الديون لآدمي كرد الأمانات والغصوب والعارية , سواء أوصى بذلك أم لم يوص به ,
لقوله صلى الله عليه وسلم : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه رواه أحمد والترمذي وحسنه , أي : مطالبة به , عليه من الدين
محبوسة , ففي هذا الحث على الإسراع في قضاء الدين عن
الميت وهذا فيمن له مال يقضى منه دينه , ومن لا مال له ومات عازما على
القضاء , فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله يقضي عنه .
ثالثا : تغسيل
الميت
ومن أحكام الجنازة وجوب تغسيل
الميت على من علم به وأمكنه تغسيله , قال صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته : اغسلوه بماء
وسدر . .. الحديث متفق عليه , وقد تواتر تغسيل الميت في الإسلام قولا وعملا
, وغسل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر المطهر , فكيف بمن سواه , فتغسيل
الميت فرض كفاية على من علم بحاله من المسلمين .
والرجل يغسله الرجل , والأولى
والأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل , لأنه حكم شرعي له صفة
مخصوصة , لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي , ويقدم قي تولي
تغسيل الميت وصيه , فإذا كان الميت قد أوصى أن يغسله شخص معين , وهذا المعين عدل
ثقة , فإنه يقدم في تولي تغسيله وصيه بذلك ; لأن أبا
بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس , فالمرأة
يجوز أن تغسل زوجها , كما أن الرجل يجوز أن يغسل زوجته , وأوصى
أنس رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين ثم
يلي الوصي في تغسيل الميت أبو الميت , فهو أولى بتغسيل ابنه , لاختصاصه بالحنو
والشفقة على ابنه , ثم جده , لمشاركته للأب في المعنى المذكور , ثم الأقرب فالأقرب
من عصباته , ثم الأجنبي منه , وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا كلهم يحسنون
التغسيل وطالبوا به , وإلا , فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا علم له .
والمرأة تغسلها النساء , والأولى
بتغسيل المرأة الميتة وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة , قدمت على
غيرها إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى فالقربى من
نسائها .
فالمرأة تتولى تغسيلها النساء على
هذا الترتيب , والرجل يتولى تغسيله الرجال على ما سبق , ولكل واحد من الزوجين غسل
صاحبه , فالرجل له أن يغسل زوجته والمرأة لها أن تغسل زوجها ; لأن أبا
بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته ولأن عليا
رضي الله عنه غسل فاطمة وورد
مثل ذلك عن غيرهما من الصحابة .
ولكل من الرجال والنساء غسل من له
دون سبع سنين ذكرا كان أو أنثى , قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة
تغسل الصبي الصغير " ا ه ; ولأنه لا عورة له في الحياة , فكذا بعد الموت , ولأن
إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساءوليس
لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر , ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر .
ولا يجوز لمسلم أن يغسل
كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته ,
لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا
غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فالآية الكريمة تدل بعمومها على تحريم تغسيله وحمله واتباع جنازته
, وقال تعالى : وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا
تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وقال تعالى : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولا يدفنه , لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار , فإن المسلم
يواريه , بأن يلقيه في حفرة , منعا للتضرر بجثته , ولإلقاء قتلى بدر في القليب ,
وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة المكفرة , وهكذا يجب أن يكون موقف
المسلم من الكافر حيا وميتا , موقف التبري والبغضاء : قال
تعالى حكاية عن خليله إبراهيم والذين معه : إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُوقال
تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ
أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ وذلك
لما بين الكفر والإيمان من العداء , ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه , فلا تجوز
موالاتهم أحياء ولا أمواتا .
نسأل الله أن يثبت قلوبنا على الحق
, وأن يهدينا صراطه المستقيم .
ويشترط أن يكون الماء الذي يغسل به
طهورا مباحا , والأفضل أن يكون باردا , إلا عند الحاجة لإزالة وسخ على الميت أو في
شدة برد , فلا بأس بتسخينه .
ويكون التغسيل في مكان مستور عن
الأنظار ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن .
ويستر ما بين سرة الميت وركبته وجوبا قبل التغسيل
ثم يجرد من ثيابه , ويوضع على سرير الغسل منحدرا نحو رجليه , لينصب عنه الماء وما
يخرج منه . ويحضر التغسيل الغاسل ومن
يعينه على الغسل , ويكره لغيرهم حضوره . ويكون
التغسيل بأن يرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه , ثم يمر يده على بطنه ويعصره
برفق , ليخرج منه ما هو مستعد للخروج , ويكثر صب الماء حينئذ , ليذهب بالخارج , ثم
يلف الغاسل على يده خرقة خشنة , فينجي الميت , وينقي المخرج بالماء , ثم ينوي
التغسيل , ويسمي , ويوضئه كوضوء الصلاة , إلا في المضمضة والاستنشاق , فيكفي عندنا
مسح الغاسل أسنان الميت ومنخريه بإصبعيه
مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء , ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه , ثم يغسل
رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون , ثم يغسل ميامن جسده , وهي صفحة عنقه اليمنى , ثم
يده اليمنى وكتفه , ثم شق صدره الأيمن وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه
الميامن , ثم يقلبه على جنبه الأيسر , فيغسل شق ظهره الأيمن , ثم يغسل جانبه
الأيسر كذلك , ثم يقلبه على جنبه الأيمن , فيغسل شق ظهره الأيسر , ويستعمل السدر
مع الغسل أو الصابون ,
ويستحب أن يلف على يده خرقة حال
التغسيل . والواجب غسله واحدة إن حصل
الإنقاء , والمستحب ثلاث غسلات , وإن لم يحصل الإنقاء , زاد في الغسلات حتى ينقي
إلى سبع غسلات , ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ; لأنه يصلب بدن الميت ,
ويطيبه , ويبرده , فلأجل ذلك , يجعل في الغسلة الأخيرة , ليبقي أثره . ثم ينشف الميت بثوب ونحوه , ويقص شاربه , وتقلم
أظافره إن طالت , ويؤخذ شعر إبطيه , ويجعل المأخوذ معه في الكفن , ويضفر شعر رأس
المرأة ثلاثة قرون , ويسدل من ورائها .
وأما إذا تعذر
غسل الميت لعدم الماء , أو خيف تقطعه بالغسل كالمجذوم
والمحترق , أو كان الميت امرأة مع رجال ليس فيهم زوجها , أو رجلا مع نساء ليس فيهم
زوجته , فإن الميت في هذه الأحوال ييمم بالتراب , بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل
على يد الماسح , وإن تعذر غسل بعضا الميت , غسل ما أمكن غسله منه , ويمم عن الباقي
. ويستحب لمن غسل ميتا
أن يغتسل بعد تغسيله , وليس ذلك بواجب .
رابعا : أحكام
التكفين
وبعد تمام الغسل والتجفيف يشرع تكفين
الميت ويشترط في الكفن أن يكون ساترا , يستحب أن يكون أبيض نظيفا , سواء
كان جديدا - وهو الأفضل - أو غسيلا .
ومقدار الكفن الواجب
ثوب يستر جميع الميت , والمستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف , وتكفين المرأة في
خمسة أثواب , إزار وخمار وقميص ولفافتين , ويكفن الصغير في ثوب واحد , ويباح في
ثلاثة أثواب , وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين , ويستحب تجمير
الأكفان بالبخور بعد رشها بماء , الورد ونحوه , لتعلق بها
رائحة البخور .
ويتم تكفين الرجل بأن تبسط اللفائف
الثلاث بعضها فوق بعض , ثم يؤتى بالميت مستورا وجوبا بثوب ونحوه ويوضع فوق اللفائف
مستلقيا , ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت , ويشد
فوقه خرقة , ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى مواضع
سجوده : جبهته , وأنفه , ويديه , وركبتيه , وأطراف قدميه , ومغابن البدن : الإبطين
, وطي الركبتين وسرته , ويجعل من الطيب بين الأكفان وفي رأس الميت , ثم يرد طرف
اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن , ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر
, ثم الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك , ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر
مما عند رجليه , ثم يجمع الفاصل عند رأسه ويرد على وجهه , ويجمع الفاضل عند رجليه
فيرد على رجليه , ثم يعقد على اللفائف أحزمة , لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر .
وأما المرأة
فتكفن في خمسة أثواب إزار تؤزر به , ثم تلبس قميصا , ثم تخمر بخمار
على رأسها , ثم تلف بلفافتين .
خامسا : أحكام
الصلاة على الميت
ثم يشرع بعد ذلك الصلاة
على الميت المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : من شهد الجنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها حتى
تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين متفق عليه .
والصلاة على الميت فرض كفاية , إذا
فعلها البعض , سقط الإثم عن الباقين , وتبقى في حق الباقين سنة , وإن تركها الكل ,
أثموا .
ويشترط في الصلاة على الميت
: النية , واستقبال القبلة , وستر العورة , وطهارة المصلي والمصلى عليه
واجتناب النجاسة , وإسلام المصلي والمصلى عليه , وحضور الجنازة إن كانت بالبلد ,
وكون المصلي مكلفا . وأما
أركانها , فهي : القيام فيها , والتكبيرات الأربع , وقراءة الفاتحة , والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم , والدعاء للميت
والترتيب , والتسليم .
وأما سننها , فهي : رفع اليدين مع
كل تكبيرة , والاستعاذة قبل القراءة , وأن يدعو لنفسه وللمسلمين , والإسرار
بالقراءة , وأن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقبل التسليم قليلا , وأن يضع يده اليمنى
على يده اليسرى على صدره , والالتفات على يمينه في التسليم . تكون
الصلاة على الميت بأن يقوم الإمام والمنفرد عند صدر الرجل
ووسط المرأة ويقف المأمومون خلف الإمام , ويسن جعلهم ثلاثة صفوف , ثم يكبر
للإحرام , ويتعوذ بعد التكبير مباشرة فلا يستفتح , ويسمي , ويقرأ الفاتحة , ثم
يكبر , ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة عليه قي تشهد الصلاة
, ثم يكبر , ويدعو للميت بما ورد , ومنه : اللهم اغفر لحينا وميتنا , وشاهدنا وغائبنا , وصغيرنا وكبيرنا
, وذكرنا وأنثانا , إنك تعلم منقلبنا ومثوانا , وأنت على كل شيء قدير , اللهم من
أحييته منا , فأحيه على الإسلام والسنة , ومن توفيته منا , فتوفه عليهما , اللهم
اغفر له , وارحمه , وعافه , واعف عنه , وأكرم نزله , ووسع مدخله , واغسله بالماء والثلج
والبرد , ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس , وأبدله دارا
خيرا من داره , وزوجا خيرا من زوجه , وأدخله الجنة , وأعذه من عذاب القبر وعذاب
النار , وأفسح له في قبره , ونور له فيه وإن
كان المصلى عليه أنثى , قال : " اللهم اغفر لها " , بتأنيث الضمير في
الدعاء كله , وإن كان المصلى عليه صغيرا , قال : اللهم اجعله ذخرا لوالديه , وفرطا , وأجرا , وشفيعا مجابا ,
اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , وألحقه بصالح سلف المؤمنين , واجعله
في كفالة إبراهيم , وقه برحمتك عذاب الجحيم ,
ثم
يكبر , ويقف بعدها قليلا , ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه .
ومن فاتته
بعض الصلاة على الجنازة , دخل مع الإمام فيما بقى , ثم إذا
سلم الإمام قضى ما فاته على صفته , وإن خشي أن ترفع الجنازة , تابع التكبيرات ( أي
: بدون فصل بينها ) , ثم سلم .
ومن فاتته
الصلاة على الميت قبل دفنه , صلى على قبره .
ومن كان
غائبا عن البلد الذي فيه الميت , وعلم بوفاته , فله أن
يصلي عليه صلاة الغائب بالنية.
وحمل المرأة إذا سقط ميتا
وقد تم له أربعة أشهر فأكثر , صلي عليه صلاة الجنازة , وإن كان
دون أربعة أشهر , لم يصل عليه .
سادسا : حمل الميت ودفنه
حمل الميت ودفنه
من فروض الكفاية على من علم بحاله من المسلمين , ودفنه مشروع بالكتاب والسنة , قال
الله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وقال تعالى : ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي : جعله مقبورا , والأحاديث في دفن الميت مستفيضة , وهو بر
وطاعة وإكرام للميت واعتناء به .
ويسن اتباع
الجنازة وتشييعها إلى قبرها , ففي " الصحيحين " : من شهد جنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها حتى
تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين وللبخاري بلفظ : من شيع ولمسلم
بلفظ : من خرج معها , ثم تبعها حتى تدفن ففي الحديث برواياته الحث على تشييع الجنازة إلى قبرها .
ويسن لمن تبعها المشاركة في حملها
إن أمكن , ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابة , لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة
.
ويسن الإسراع
بالجنازة , لقوله صلى الله عليه وسلم : أسرعوا بالجنازة , فإن تك صالحة , فخير تقدمونها إليه , وإن
تك سوى ذلك , فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه , لكن , لا يكون الإسراع شديدا , ويكون على حامليها
ومشيعيها السكينة , ولا يرفعون أصواتهم , لا بقراءة ولا غيرها من تهليل وذكر أو
قولهم : استغفروا له , وما أشبه ذلك ; لأن هذا بدعة .
ويحرم خروج
النساء مع الجنائز , لحديث أم عطية : نهينا عن اتباع الجنائز ولم تكن النساء يخرجن مع الجنائز على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم , فتشييع الجنائز خاص بالرجال.
ويسن أن يعمق القبر ويوسع ,
لقوله صلى الله عليه وسلم : احفروا وأوسعوا وعمقوا قال
الترمذي : " حسن صحيح " .
ويسن ستر
قبر المرأة عند إنزالها فيه لأنها عورة .
ويسن أن
يقول من ينزل الميت في القبر : " بسم الله , وعلى ملة رسول الله " لقوله
صلى الله عليه وسلم إذا وضعتم موتاكم في القبور , فقولوا : بسم الله , وعلى ملة
رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الخمسة إلا النسائي , وحسنه الترمذي .
ويوضع الميت في لحده على
شقه الأيمن مستقبل القبلة , لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة
: قبلتكم أحياء وأمواتا رواه
أبو داود وغيره .
ويجعل تحت رأسه لبنة أو حجر أو
تراب , ويدنى من حائط القبر الأمامي , ويجعل خلف ظهره ما يسنده من تراب , حتى لا
ينكب على وجهه , أو ينقلب على ظهره . ثم تسد عليه فتحة اللحد باللبن والطين حتى
يلتحم , ثم يهال عليه التراب , ولا يزاد عليه من غير ترابه .
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر ,
ويكون مسنما - أي : محدبا كهيئة السنام - لتنزل عنه مياه السيول , ويوضع عليه
حصباء , ويرش بالماء ليتماسك ترابه ولا يتطاير , والحكمة في رفعه بهذا المقدار ,
ليعلم أنه قبر فلا يداس , ولا بأس بوضع النصائب على طرفيه لبيان حدوده , وليعرف
بها , من غير أن يكتب علمها .
ويستحب إذا
فرغ من دفنه أن يقف المسلمون على قبره ويدعوا له ويستغفروا له
لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت , وقف عليه , وقال : استغفروا لأخيكم , واسألوا له التثبيت , فإنه الآن يسأل
رواه
أبو داود , وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر ,
فإن هذا بدعة ; لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ,
وكل بدعة ضلالة .
ويحرم البناء
على القبور وتجصيصها والكتابة عليها , لقول جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر , وأن يقعد
عليه , وأن يبنى عليه رواه مسلم , وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا : نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن توطأ ولأن هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة ; لأن الجهال إذا رأوا
البناء والزخرفة على القبر , تعلقوا به .
ويحرم إسراج
القبور - أي : إضاءتها بالأنوار الكهربائية وغيرها ,
ويحرم اتخاذ المساجد عليها - أي : ببناء المساجد عليها - , والصلاة عندها أو إليها
, وتحرم زيارة النساء للقبور لقوله
صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن , وفي " الصحيح " لعن الله اليهود والنصارى , اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولأن تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصل شرك العالم .
وتحرم إهانة
القبور بالمشي عليها ووطئها بالنعال والجلوس عليها وجعلها مجتمعا للقمامات أو
إرسال المياه عليها , لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : لأن يجلس أحدكم على جمرة , فتحرق ثيابه , فتخلص إلى جلده خير
من أن يجلس على قبر
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" من تدبر نهيه عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطء عليه , علم أن
النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال على رءوسهم " .
سادسا : أحكام
التعزية
وزيارة القبور
وتسن تعزية
المصاب بالميت , وحثه على الصبر والدعاء للميت , لما روى
ابن ماجه - وإسناده ثقات - عن عمرو بن حزم مرفوعا : ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة , إلا كساه الله من حلل الكرامة
يوم القيامة ووردت بمعناه أحاديث .ولفظ التعزية أن يقول : " أعظم الله أجرك ,
وأحسن عزاءك , وغفر لميتك "
ولا ينبغي الجلوس
للعزاء والإعلان عن ذلك كما يفعل بعض الناس اليوم ,
ويستحب أن يعد لأهل الميت طعامًا يبعثه إليهم لقوله
صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما , فقد جاءهم ما يشغلهم رواه أحمد والترمذي وحسنه .
أما ما يفعله بعض الناس اليوم من
أن أهل البيت يهيئون مكانا لاجتماع الناس عندهم , ويصنعون الطعام , ويستأجرون
المقرئين لتلاوة القرآن , ويتحملون في ذلك تكاليف مالية , فهذا من المآتم المحرمة
المبتدعة , لما روى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله , قال : "
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة " إسناده ثقات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله : " جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم ليقرئوا ويهدوا له ليس معروفا عند
السلف , وقد كرهه طوائف من أهل العلم من غير وجه " , انتهى .
وقال الطرطوشي : " فأما
المآتم , فممنوعة بإجماع العلماء , والمأتم هو الاجتماع على المصيبة , وهو بدعة
منكرة , لم ينقل فيه شيء , وكذا ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والرابع
والسابع والشهر والسنة , فهو طامة , وإن كان من التركة وفي الورثة محجور عليه أو
من لم يأذن , حرم فعله , وحرم الأكل منه " انتهى .
وتستحب زيارة
القبور للرجال خاصة , لأجل الاعتبار والاتعاظ , ولأجل الدعاء للأموات
والاستغفار لهم , لقوله صلى الله عليه وسلم : كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروها رواه مسلم والترمذي , وزاد : فإنها تذكركم الآخرة , , ويكون ذلك
بدون سفر , فزيارة القبور تستحب بثلاث شروط :
1 - أن يكون الزائر من الرجال
لا النساء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن
الله زوارات القبور
2- أن
تكون بدون سفر , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا
تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
3- أن
يكون القصد منها الاعتبار والاتعاظ والدعاء للأموات , فإن كان القصد منها التبرك
بالقبور والأضرحة وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الموتى
فهذه زيارة بدعية شركية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله : " زيارة القبور على نوعين : شرعية وبدعية , فالشرعية : المقصود بها السلام
على الميت والدعاء له كما يقصد بالصلاة على جنازته من غير شد رحل ,
والبدعية : أن يكون قصد الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت , وهذا شرك أكبر , أو
يقصد الدعاء عند قبره , أو الدعاء به , وهذا بدعة منكرة , ووسيلة إلى الشرك , وليس
من سنة النبي صلى الله عليه وسلم , ولا استحبه أحد من سلف الأمة وأئمتها , انتهى ,
والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire