باب في أحكام الجنائز
الملخص
الفقهي/ قسم العبادات
تلخيص صالح بن فوزان بن عبدالله
آل فوزان
باب في أحكام الجنائز
إن
شريعتنا - ولله الحمد - كاملة شاملة لمصالح الإنسان في حياته وبعد مماته , ومن ذلك
ما شرعه الله من أحكام الجنائز , من حين الأرض والاحتضار إلى دفن الميت في قبره ,
من عيادة المريض , وتلقينه , وتغسيله , وتكفينه , والصلاة عليه , ودفنه , وما يتبع
ذلك من قضاء ديونه , وتنفيذ وصاياه , وتوزيع تركته , والولاية على أولاده الصغار .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز
أكمل الهدي , مخالفا لهدي سائر الأمم , مشتملا على إقامة العبودية لله تعالى على
أكمل الأحوال , وعلى الإحسان للميت ومعاملته بما ينفعه قي قبره ويوم معاده , من
عيادة , وتلقين , وتطهير , وتجهيز إلى الله تعالى على أحسن الأحوال وأفضلها ,
فيقفون صفوفا على جنازته , يحمدون الله , ويثنون عليه , ويصلون على نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم ويسألون للميت المغفرة والرحمة والتجاوز , ثم يقفون على قبره ,
يسألون له التثبيت , ثم زيارة قبره , والدعاء له , كما يتعاهد الحي صاحبه في
الدنيا , ثم الإحسان إلى أهل الميت وأقاربه وغير ذلك " ا ه .
ويسن
الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له بالتوبة من المعاصي ورد
المظالم إلى أصحابها , والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل هجوم الموت على غرة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
أكثروا من ذكر هاذم اللذات
رواه
الخمسة بأسانيد صحيحة , وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما , وهاذم اللذات : بالذال :
هو الموت .
وروى الترمذي وغيره عن ابن مسعود مرفوعا :
استحيوا من الله حق الحياء . قالوا : إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله .
قال : ليس كذلك , ولكن من استحيا من الله حق الحياء , فليحفظ الرأس وما وعى ,
وليحفظ البطن وما حوى , وليذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة , ترك زينة الدنيا
, ومن فعل ذلك , فقد استحيا في الله حق الحياء
أولا : أحكام المريض
والمحتضر
وإذا
أصيب الإنسان بمرض , فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع ويسخط لقضاء الله وقدره
, ولا بأس أن يخبر الناس بعلته ونوع مرضه , مع الرضى بقضاء الله , والشكوى إلى
الله تعالى , وطلب الشفاء منه لا ينافي الصبر , بل ذلك مطلوب شرعا ومستحب , فأيوب
عليه السلام نادى ربه وقال :
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ
وكذلك لا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة بل ذهب بعض العلماء إلى
تأكد ذلك , حتى قارب به الوجوب , فقد جاءت الأحاديث بإثبات الأسباب والمسببات ,
والأمر بالتداوي , وأنه لا ينافي التوكل . كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالطعام
والشراب .
ولا
يجوز التداوي بمحرم , لما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه ,
أنه قال :
إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم
وروى
أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعا :
إن الله أنزل الدواء , وأنزل الداء , وجعل لكل داء دواء
, ولا تداووا بحرام
وفي
" صحيح مسلم "
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخمر : إنه ليس
بدواء ولكنه داء
وكذلك
يحرم التداوي بما يمس العقيدة , من تعليق التمائم المشتملة على ألفاظ شركية أو
أسماء مجهولة أو طلاسم أو خرز أو خيوط أو قلائد أو حلق تلبس على العضد أو الذراع
أو غيره , يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء , لما فيها من تعلق القلب على غير
الله في جلب نفع أو دفع ضر , وذلك كله من الشرك أو من وسائله الموصلة إليه , ومن
ذلك أيضا التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن فعقيدة المسلم أهم عنده
من صحته .
وقد
جعل الله الشفاء في المباحات النافعة للبدن والعقل والدين , وعلى رأس ذلك القرآن
الكريم والرقية به وبالأدعية المشروعة .
قال ابن القيم : " ومن أعظم العلاج فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء
والتضرع إلى الله والتوبة , وتأثيره أعظم من الأدوية , لكن بحسب استعداد النفس
وقبولها " . انتهى .
ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض
وعلاجها في المستشفيات وغيرها .
وتسن
عيادة المرضى , لما في " الصحيحين " وغيرهما :
خمس تجب للمسلم على أخيه , وذكر منها عيادة المريض
فإذا زاره , سأل عن حاله , فقد
كان النبي يدنو من المريض , ويسأله عن حاله
وتكون
الزيارة يوما بعد يوم , أو بعد يومين , ما لم يكن المريض يرغب الزيارة كل يوم ,
ولا يطيل الجلوس عنده , إلا إذا كان المريض يرغب ذلك , ويقول للمريض : " لا
بأس عليك , طهور إن شاء الله " , ويدخل عليه السرور , ويدعو له بالشفاء ,
ويرقيه بالقرآن , لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين .
ويسن للمريض أن يوصي بشيء من ماله في أعمال الخير , ويجب أن يوصي بماله وما
عليه من الديون وما عنده من الودائع والأمانات , وهذا مطلوب , حتى من الإنسان
الصحيح , لقوله صلى الله عليه وسلم :
ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته
مكتوبة عنده
متفق عليه , وذكر الليلتين تأكيد لا تحديد , فلا ينبغي أن يمضي
عليه زمان , وإن كان قليلا , إلا ووصيته مكتوبة عنده , لأنه لا يدري متى يدركه
الموت .
ويحسن المريض ظنه بالله , فإن الله عز وجل يقول .
أنا عند ظن عبدي بي
ويتأكد ذلك عند إحساسه بلقاء الله .
ويحسن
لمن يحضره تطميعه في رحمة الله , ويغلب في هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف
, وأما في حالة الصحة , فيكون خوفه ورجاؤه متساويين , لأن من غلب عليه الخوف ,
أوقعه في نوع من اليأس , ومن غلب عليه الرجاء , أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله
.
فإذا احتضر المريض , فإنه يسن لمن حضره أن يلقنه لا إله إلا الله , لقوله
صلى الله عليه وسلم :
لقنوا موتاكم لا إله إلا الله
رواه
مسلم , وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص , فتكون ختام كلامه , فعن معاذ مرفوعا
:
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله , دخل الجنة
ويكون تلقينه إياها برفق , ولا يكثر عليه , لئلا يضجره وهو في هذه
الحال . ويسن أن يوجه إلى القبلة ، ويقرأ عنده سورة ( يس ) , لقوله صلى الله عليه
وسلم :
اقرءوا على موتاكم سورة " يس "
رواه
أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان , والمراد بقوله : " موتاكم " . من
حضرته الوفاة , أما من مات , فإنه لا يقرأ عليه , فالقراءة على
الميت بعد موته
بدعة , بخلاف القراءة على الذي يحتضر , فإنها سنة , فالقراءة عند الجنازة أو على
القبر أو لروح الميت , كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان , والواجب
على المسلم العمل بالسنة وترك البدعة .
ثانيا : أحكام الوفاة
ويستحب
إذا مات الميت تغميض عينيه ,
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة رضي الله
عنه لما مات , وقال : إن الروح إذا قبض , تبعه البصر , فلا تقولوا إلا خيرا , فإن
الملائكة يؤمنون على ما تقولون
رواه
مسلم ,
ويسن
ستر الميت بعد وفاته بثوب , لما روت عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي , سجي ببرد حبرة
متفق عليه .
وينبغي
الإسراع في تجهيزه إذا تحقق موته , لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله
رواه أبو داود , ولأن في ذلك حفظا للميت من التغير , قال الإمام
أحمد رحمه الله : " كرامة الميت تعجيله " , ولا بأس أن ينتظر به من
يحضره من وليه أو غيره إن كان قريبا ولم يخش على الميت من التغير .
ويباح
الإعلام بموت المسلم , للمبادرة لتهيئته , وحضور جنـازته ,
والصلاة عليه , والدعاء له , وأما الإعلام بموت الميت على صفة الجزع
وتعداد مفاخره
فذلك من فعل الجاهلية , ومنه حفلات التأبين إقامة المآتم .
ويستحب
الإسراع بتنفيذ وصيته , لما فيه من تعجيل الأجر , وقد قدمها الله تعالى في الذكر
على الدين , اهتماما بشأنها , وحثا على إخراجها . ويجب الإسراع بقضاء ديونه
, سواء كانت لله تعالى من زكاة وحج أو نذر طاعة أو كفارة , أو كانت الديون لآدمي
كرد الأمانات والغصوب والعارية , سواء أوصى بذلك أم لم يوص به , لقوله صلى الله
عليه وسلم :
نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
رواه أحمد والترمذي وحسنه , أي : مطالبة به , عليه من الدين
محبوسة , ففي هذا الحث على الإسراع في قضاء الدين عن الميت وهذا فيمن له مال يقضى
منه دينه , ومن لا مال له ومات عازما على القضاء , فقد ورد في الأحاديث ما يدل على
أن الله يقضي عنه .
ثالثا : تغسيل الميت
ومن
أحكام الجنازة وجوب تغسيل الميت على من علم به وأمكنه تغسيله ,
قال صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته : اغسلوه
بماء وسدر . ..
الحديث متفق عليه , وقد تواتر تغسيل الميت في الإسلام قولا وعملا
, وغسل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر المطهر , فكيف بمن سواه , فتغسيل
الميت فرض كفاية على من علم بحاله من المسلمين .
والرجل
يغسله الرجل , والأولى والأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل ,
لأنه حكم شرعي له صفة مخصوصة , لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي
, ويقدم قي تولي تغسيل الميت وصيه , فإذا كان الميت قد أوصى أن يغسله شخص معين ,
وهذا المعين عدل ثقة , فإنه يقدم في تولي تغسيله وصيه بذلك ; لأن
أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت
عميس ,
فالمرأة
يجوز أن تغسل زوجها , كما أن الرجل يجوز أن يغسل زوجته ,
وأوصى أنس رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين
ثم
يلي الوصي في تغسيل الميت أبو الميت , فهو أولى بتغسيل ابنه , لاختصاصه بالحنو
والشفقة على ابنه , ثم جده , لمشاركته للأب في المعنى المذكور , ثم الأقرب فالأقرب
من عصباته , ثم الأجنبي منه , وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا كلهم يحسنون
التغسيل وطالبوا به , وإلا , فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا علم له .
والمرأة
تغسلها النساء , والأولى بتغسيل المرأة الميتة وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها
امرأة معينة , قدمت على غيرها إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها
القربى فالقربى من نسائها .
فالمرأة
تتولى تغسيلها النساء على هذا الترتيب , والرجل يتولى تغسيله الرجال على ما سبق ,
ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه , فالرجل له أن يغسل زوجته والمرأة لها أن تغسل
زوجها ; لأن
أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته
ولأن
عليا رضي الله عنه غسل فاطمة
وورد
مثل ذلك عن غيرهما من الصحابة .
ولكل
من الرجال والنساء غسل من له دون سبع سنين ذكرا كان أو أنثى , قال ابن المنذر :
أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير " ا ه ; ولأنه لا عورة له
في الحياة , فكذا بعد الموت ,
ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء
وليس
لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر , ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر .
ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه أو يصلي عليه أو
يتبع جنازته ,
لقوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا
قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
فالآية الكريمة تدل بعمومها على تحريم تغسيله وحمله واتباع جنازته
, وقال تعالى :
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا
تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وقال تعالى :
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
ولا يدفنه , لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار , فإن المسلم
يواريه , بأن يلقيه في حفرة , منعا للتضرر بجثته , ولإلقاء قتلى بدر في القليب ,
وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة المكفرة , وهكذا يجب أن يكون موقف
المسلم من الكافر حيا وميتا , موقف التبري والبغضاء : قال تعالى حكاية عن خليله
إبراهيم والذين معه :
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ
وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَحْدَهُ
وقال
تعالى :
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ
أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
وذلك
لما بين الكفر والإيمان من العداء , ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه , فلا تجوز
موالاتهم أحياء ولا أمواتا .
نسأل
الله أن يثبت قلوبنا على الحق , وأن يهدينا صراطه المستقيم .
ويشترط
أن يكون الماء الذي يغسل به طهورا مباحا , والأفضل أن يكون باردا , إلا عند الحاجة
لإزالة وسخ على الميت أو في شدة برد , فلا بأس بتسخينه .
ويكون
التغسيل في مكان مستور عن الأنظار ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن .
ويستر ما بين سرة الميت وركبته وجوبا قبل التغسيل ثم يجرد من ثيابه ,
ويوضع على سرير الغسل منحدرا نحو رجليه , لينصب عنه الماء وما يخرج منه .
ويحضر
التغسيل الغاسل ومن يعينه على الغسل , ويكره لغيرهم حضوره . ويكون التغسيل بأن يرفع
الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه , ثم يمر يده على بطنه ويعصره برفق , ليخرج منه ما
هو مستعد للخروج , ويكثر صب الماء حينئذ , ليذهب بالخارج , ثم يلف الغاسل على يده
خرقة خشنة , فينجي الميت , وينقي المخرج بالماء , ثم ينوي التغسيل , ويسمي ,
ويوضئه كوضوء الصلاة , إلا في المضمضة والاستنشاق , فيكفي عندنا مسح الغاسل أسنان
الميت ومنخريه بإصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء ,
ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه , ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون , ثم يغسل
ميامن جسده , وهي صفحة عنقه اليمنى , ثم يده اليمنى وكتفه , ثم شق صدره الأيمن
وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه الميامن , ثم يقلبه على جنبه الأيسر ,
فيغسل شق ظهره الأيمن , ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك , ثم يقلبه على جنبه الأيمن ,
فيغسل شق ظهره الأيسر , ويستعمل السدر مع الغسل أو الصابون ,
ويستحب
أن يلف على يده خرقة حال التغسيل . والواجب غسله واحدة إن حصل الإنقاء ,
والمستحب ثلاث غسلات , وإن لم يحصل الإنقاء , زاد في الغسلات حتى ينقي إلى سبع
غسلات , ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ; لأنه يصلب بدن الميت , ويطيبه
, ويبرده , فلأجل ذلك , يجعل في الغسلة الأخيرة , ليبقي أثره .
ثم
ينشف الميت بثوب ونحوه , ويقص شاربه , وتقلم أظافره إن طالت , ويؤخذ شعر إبطيه ,
ويجعل المأخوذ معه في الكفن , ويضفر شعر رأس المرأة ثلاثة قرون , ويسدل من ورائها
.
وأما
إذا تعذر غسل الميت لعدم الماء , أو خيف تقطعه بالغسل كالمجذوم والمحترق , أو
كان الميت امرأة مع رجال ليس فيهم زوجها , أو رجلا مع نساء ليس فيهم زوجته , فإن
الميت في هذه الأحوال ييمم بالتراب , بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل على يد الماسح
, وإن تعذر غسل بعضا الميت , غسل ما أمكن غسله منه , ويمم عن الباقي .
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل بعد تغسيله , وليس ذلك بواجب .
رابعا : أحكام التكفين
وبعد
تمام الغسل والتجفيف يشرع تكفين الميت ويشترط في الكفن أن يكون
ساترا , يستحب أن يكون أبيض نظيفا , سواء كان جديدا - وهو الأفضل - أو غسيلا .
ومقدار الكفن الواجب ثوب يستر جميع الميت , والمستحب تكفين
الرجل في ثلاث لفائف , وتكفين المرأة في خمسة أثواب , إزار وخمار وقميص ولفافتين ,
ويكفن الصغير في ثوب واحد , ويباح في ثلاثة أثواب , وتكفن الصغيرة في قميص
ولفافتين , ويستحب تجمير الأكفان بالبخور بعد رشها بماء , الورد
ونحوه , لتعلق بها رائحة البخور .
ويتم
تكفين الرجل بأن تبسط اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض , ثم يؤتى بالميت مستورا وجوبا
بثوب ونحوه ويوضع فوق اللفائف مستلقيا , ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في
قطن بين أليتي الميت , ويشد فوقه خرقة , ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه
ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى مواضع سجوده : جبهته , وأنفه , ويديه , وركبتيه , وأطراف
قدميه , ومغابن البدن : الإبطين , وطي الركبتين وسرته , ويجعل من الطيب بين
الأكفان وفي رأس الميت , ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه
الأيمن , ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر , ثم الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك ,
ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند رجليه , ثم يجمع الفاصل عند رأسه
ويرد على وجهه , ويجمع الفاضل عند رجليه فيرد على رجليه , ثم يعقد على اللفائف
أحزمة , لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر .
وأما
المرأة فتكفن في خمسة أثواب إزار تؤزر به , ثم تلبس قميصا , ثم تخمر
بخمار على رأسها , ثم تلف بلفافتين .
خامسا : أحكام الصلاة على
الميت
ثم
يشرع بعد ذلك الصلاة على الميت المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من شهد الجنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها
حتى تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين
متفق عليه .
والصلاة
على الميت فرض كفاية , إذا فعلها البعض , سقط الإثم عن الباقين , وتبقى في حق
الباقين سنة , وإن تركها الكل , أثموا .
ويشترط في الصلاة على الميت : النية , واستقبال القبلة , وستر العورة ,
وطهارة المصلي والمصلى عليه واجتناب النجاسة , وإسلام المصلي والمصلى
عليه , وحضور الجنازة إن كانت بالبلد , وكون المصلي مكلفا . وأما أركانها , فهي :
القيام فيها , والتكبيرات الأربع , وقراءة الفاتحة , والصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم , والدعاء للميت والترتيب , والتسليم .
وأما
سننها , فهي : رفع اليدين مع كل تكبيرة , والاستعاذة قبل القراءة , وأن يدعو لنفسه
وللمسلمين , والإسرار بالقراءة , وأن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقبل التسليم قليلا
, وأن يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره , والالتفات على يمينه في التسليم .
تكون
الصلاة على الميت بأن يقوم الإمام والمنفرد عند صدر الرجل ووسط المرأة ويقف المأمومون خلف
الإمام , ويسن جعلهم ثلاثة صفوف , ثم يكبر للإحرام , ويتعوذ بعد التكبير مباشرة
فلا يستفتح , ويسمي , ويقرأ الفاتحة , ثم يكبر , ويصلي بعدها على النبي صلى الله
عليه وسلم مثل الصلاة عليه قي تشهد الصلاة , ثم يكبر , ويدعو للميت بما ورد , ومنه
:
اللهم اغفر لحينا وميتنا , وشاهدنا وغائبنا , وصغيرنا
وكبيرنا , وذكرنا وأنثانا , إنك تعلم منقلبنا ومثوانا , وأنت على كل شيء قدير ,
اللهم من أحييته منا , فأحيه على الإسلام والسنة , ومن توفيته منا , فتوفه عليهما
, اللهم اغفر له , وارحمه , وعافه , واعف عنه , وأكرم نزله , ووسع مدخله , واغسله
بالماء والثلج والبرد , ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ,
وأبدله دارا خيرا من داره , وزوجا خيرا من زوجه , وأدخله الجنة , وأعذه من عذاب
القبر وعذاب النار , وأفسح له في قبره , ونور له فيه
وإن
كان المصلى عليه أنثى , قال : " اللهم اغفر لها " , بتأنيث الضمير في
الدعاء كله , وإن كان المصلى عليه صغيرا , قال :
اللهم اجعله ذخرا لوالديه , وفرطا , وأجرا , وشفيعا
مجابا , اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , وألحقه بصالح سلف المؤمنين ,
واجعله في كفالة إبراهيم , وقه برحمتك عذاب الجحيم ,
ثم
يكبر , ويقف بعدها قليلا , ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه .
ومن
فاتته بعض الصلاة على الجنازة , دخل مع الإمام فيما بقى , ثم إذا سلم
الإمام قضى ما فاته على صفته , وإن خشي أن ترفع الجنازة , تابع التكبيرات ( أي :
بدون فصل بينها ) , ثم سلم .
ومن
فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه , صلى على قبره .
ومن
كان غائبا عن البلد الذي فيه الميت , وعلم بوفاته , فله أن يصلي عليه صلاة
الغائب بالنية.
وحمل المرأة إذا سقط ميتا وقد تم له أربعة أشهر فأكثر , صلي عليه صلاة الجنازة ,
وإن كان دون أربعة أشهر , لم يصل عليه .
سادسا : حمل الميت ودفنه
حمل الميت ودفنه من فروض الكفاية على من علم بحاله من
المسلمين , ودفنه مشروع بالكتاب والسنة , قال الله تعالى :
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا
وقال تعالى :
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ
أي : جعله مقبورا , والأحاديث في دفن الميت مستفيضة , وهو بر
وطاعة وإكرام للميت واعتناء به .
ويسن
اتباع الجنازة وتشييعها إلى قبرها , ففي " الصحيحين
" :
من شهد جنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها
حتى تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين
وللبخاري بلفظ :
من شيع
ولمسلم
بلفظ :
من خرج معها , ثم تبعها حتى تدفن
ففي الحديث برواياته الحث على تشييع الجنازة إلى قبرها .
ويسن
لمن تبعها المشاركة في حملها إن أمكن , ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابة , لا
سيما إذا كانت المقبرة بعيدة .
ويسن
الإسراع بالجنازة , لقوله صلى الله عليه وسلم :
أسرعوا بالجنازة , فإن تك صالحة , فخير تقدمونها إليه ,
وإن تك سوى ذلك , فشر تضعونه عن رقابكم
متفق عليه , لكن , لا يكون الإسراع شديدا , ويكون على حامليها
ومشيعيها السكينة , ولا يرفعون أصواتهم , لا بقراءة ولا غيرها من تهليل وذكر أو
قولهم : استغفروا له , وما أشبه ذلك ; لأن هذا بدعة .
ويحرم
خروج النساء مع الجنائز , لحديث أم عطية :
نهينا عن اتباع الجنائز
ولم تكن النساء يخرجن مع الجنائز على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم , فتشييع الجنائز خاص بالرجال.
ويسن أن يعمق القبر ويوسع , لقوله صلى الله عليه وسلم :
احفروا وأوسعوا وعمقوا
قال
الترمذي : " حسن صحيح " .
ويسن ستر قبر المرأة
عند إنزالها
فيه لأنها عورة .
ويسن أن يقول من ينزل
الميت في القبر : " بسم الله , وعلى ملة رسول الله " لقوله صلى الله
عليه وسلم
إذا وضعتم موتاكم في القبور , فقولوا : بسم الله , وعلى
ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم
رواه الخمسة إلا النسائي , وحسنه الترمذي .
ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة , لقوله صلى الله عليه
وسلم في الكعبة :
قبلتكم أحياء وأمواتا
رواه
أبو داود وغيره .
ويجعل
تحت رأسه لبنة أو حجر أو تراب , ويدنى من حائط القبر الأمامي , ويجعل خلف ظهره ما
يسنده من تراب , حتى لا ينكب على وجهه , أو ينقلب على ظهره . ثم تسد عليه فتحة
اللحد باللبن والطين حتى يلتحم , ثم يهال عليه التراب , ولا يزاد عليه من غير
ترابه .
ويرفع
القبر عن الأرض قدر شبر , ويكون مسنما - أي : محدبا كهيئة السنام - لتنزل عنه مياه
السيول , ويوضع عليه حصباء , ويرش بالماء ليتماسك ترابه ولا يتطاير , والحكمة في
رفعه بهذا المقدار , ليعلم أنه قبر فلا يداس , ولا بأس بوضع النصائب على طرفيه
لبيان حدوده , وليعرف بها , من غير أن يكتب علمها .
ويستحب
إذا فرغ من دفنه أن يقف المسلمون على قبره ويدعوا له ويستغفروا له لأنه عليه الصلاة
والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت , وقف عليه , وقال :
استغفروا لأخيكم , واسألوا له التثبيت , فإنه الآن يسأل
رواه
أبو داود , وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر , فإن هذا بدعة ; لأنه لم
يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام , وكل بدعة ضلالة .
ويحرم
البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها , لقول جابر :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر , وأن
يقعد عليه , وأن يبنى عليه
رواه مسلم , وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا :
نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن توطأ
ولأن هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة ; لأن الجهال إذا رأوا
البناء والزخرفة على القبر , تعلقوا به .
ويحرم
إسراج القبور - أي : إضاءتها بالأنوار الكهربائية وغيرها , ويحرم اتخاذ
المساجد عليها - أي : ببناء المساجد عليها - , والصلاة عندها أو إليها , وتحرم زيارة النساء
للقبور
لقوله صلى الله عليه وسلم
لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج
رواه أهل السنن , وفي " الصحيح "
لعن الله اليهود والنصارى , اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
ولأن تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصل شرك العالم .
وتحرم
إهانة القبور بالمشي عليها ووطئها بالنعال والجلوس عليها وجعلها مجتمعا
للقمامات أو إرسال المياه عليها , لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا :
لأن يجلس أحدكم على جمرة , فتحرق ثيابه , فتخلص إلى جلده
خير من أن يجلس على قبر
قال
الإمام ابن القيم رحمه الله : " من تدبر نهيه عن الجلوس على القبر والاتكاء
عليه والوطء عليه , علم أن النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال على
رءوسهم " .
سادسا : أحكام التعزية وزيارة
القبور
وتسن
تعزية المصاب بالميت , وحثه على الصبر والدعاء للميت , لما روى ابن ماجه -
وإسناده ثقات - عن عمرو بن حزم مرفوعا :
ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة , إلا كساه الله من حلل
الكرامة يوم القيامة
ووردت بمعناه أحاديث .ولفظ التعزية أن يقول : " أعظم الله
أجرك , وأحسن عزاءك , وغفر لميتك "
ولا
ينبغي الجلوس للعزاء والإعلان عن ذلك كما يفعل بعض الناس اليوم , ويستحب أن يعد لأهل الميت
طعامًا يبعثه إليهم لقوله صلى الله عليه وسلم :
اصنعوا لآل جعفر طعاما , فقد جاءهم ما يشغلهم
رواه أحمد والترمذي وحسنه .
أما
ما يفعله بعض الناس اليوم من أن أهل البيت يهيئون مكانا لاجتماع الناس عندهم ,
ويصنعون الطعام , ويستأجرون المقرئين لتلاوة القرآن , ويتحملون في ذلك تكاليف
مالية , فهذا من المآتم المحرمة المبتدعة , لما روى الإمام أحمد عن جرير بن عبد
الله , قال :
" كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد
دفنه من النياحة "
إسناده ثقات .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم
ليقرئوا ويهدوا له ليس معروفا عند السلف , وقد كرهه طوائف من أهل العلم من غير وجه
" , انتهى .
وقال
الطرطوشي : " فأما المآتم , فممنوعة بإجماع العلماء , والمأتم هو الاجتماع
على المصيبة , وهو بدعة منكرة , لم ينقل فيه شيء , وكذا ما بعده من الاجتماع في
الثاني والثالث والرابع والسابع والشهر والسنة , فهو طامة , وإن كان من التركة وفي
الورثة محجور عليه أو من لم يأذن , حرم فعله , وحرم الأكل منه " انتهى .
وتستحب
زيارة القبور للرجال خاصة , لأجل الاعتبار والاتعاظ , ولأجل الدعاء
للأموات والاستغفار لهم , لقوله صلى الله عليه وسلم :
كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروها
رواه مسلم والترمذي , وزاد : فإنها تذكركم الآخرة , , ويكون ذلك
بدون سفر , فزيارة القبور تستحب بثلاث شروط :
1
- أن يكون الزائر من الرجال
لا النساء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لعن الله زوارات القبور
2- أن تكون بدون سفر ,
لقوله صلى الله عليه وسلم :
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
3- أن يكون القصد منها
الاعتبار والاتعاظ والدعاء للأموات , فإن كان القصد منها التبرك بالقبور
والأضرحة وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الموتى فهذه زيارة بدعية شركية
.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " زيارة القبور على نوعين : شرعية وبدعية
, فالشرعية : المقصود بها السلام على الميت والدعاء له كما يقصد بالصلاة على
جنازته من غير شد رحل , والبدعية : أن يكون قصد الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك
الميت , وهذا شرك أكبر , أو يقصد الدعاء عند قبره , أو الدعاء به , وهذا بدعة
منكرة , ووسيلة إلى الشرك , وليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم , ولا استحبه
أحد من سلف الأمة وأئمتها , انتهى , والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وآله وصحبه .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire