باب
في شروط الصلاة
https://twitter.com/hadithecharif
http://almobine.blogspot.com/
الشرط لغة : العلامة , وشرعا : ما
يلزم من عدمه العدم , ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته , وشروط الصلاة ما
تتوقف صحتها عليها مع الإمكان .
وللصلاة شرائط لا تصح إلا بها ,
إذا عدمت أو بعضها ; لم تصح الصلاة , ومنها :
أولا : دخول وقتها : قال تعالى : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا أي : مفروضا في أوقات محددة , فالتوقيت هو التحديد , وقد وقت الله الصلاة ; بمعنى أنه سبحانه حدد لها وقتا من الزمان , وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها .
أولا : دخول وقتها : قال تعالى : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا أي : مفروضا في أوقات محددة , فالتوقيت هو التحديد , وقد وقت الله الصلاة ; بمعنى أنه سبحانه حدد لها وقتا من الزمان , وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها .
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه : " الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به " .
فالصلاة تجب بدخول وقتها ; لقوله تعالى : أَقِمِ
الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ وقد أجمع العلماء على فضيلة الإتيان بالصلاة
في أول وقتها في الجملة ; لهذه الآية , ولقوله تعالى : فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ وقوله تعالى : وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وقال تعالى : وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ وفي " الصحيحين " أنه صلى الله عليه
وسلم سئل : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها وقال تعالى : حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها .
والصلوات المفروضات خمس في اليوم
والليلة , لكل صلاة منها وقت مناسب اختاره الله لها , يتناسب مع أحوال العباد ,
بحيث يؤدون هذه الصلوات في هذه الأوقات , ولا تحبسهم عن أعمالهم الأخرى , بل
تعينهم عليها , وتكفر عنهم خطاياهم التي يصيبونها ; فقد شبهها النبي صلى الله عليه
وسلم بالنهر الجاري , الذي يغتسل منه الإنسان خمس مرات , فلا يبقى من درنه شيء .
وهذه المواقيت كما يلي :
1 - صلاة الظهر : ويبدأ وقتها
بزوال الشمس ; أي : ميلها إلى المغرب عن خط المسامتة , وهو الدلوك المذكور في قوله
تعالى : أَقِمِ
الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ويعرف الزوال بحدوث الظل في جانب المشرق بعد
انعدامه من جانب المغرب , ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثله في الطول ,
ثم ينتهي بذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : وقت
الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله رواه مسلم . ويستحب تعجيلها في أول الوقت ;
إلا في شدة الحر ; فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر ; لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا
اشتد الحر , فأبردوا بالصلاة , فإن شدة الحر من فيح جهنم
2- صلاة العصر : يبدأ وقتها من
نهاية وقت الظهر , أي : من مصير ظل كل شيء مثله , ويمتد إلى اصفرار الشمس على
الصحيح من قولي العلماء . ويسن تعجيلها في أول الوقت , وهي الصلاة الوسطى التي نص
الله عليها لفضلها , قال تعالى : حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وقد ثبت في الأحاديث أنها صلاة العصر .
3- وصلاة
المغرب : يبدأ وقتها بغروب الشمس ; أي : غروب قرصها جميعه ; بحيث لا يرى منه شيء ;
لا من سهل ولا من جبل , ويعرف غروب الشمس أيضا بإقبال ظلمة الليل من المشرق ;
لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا
أقبل الليل من ها هنا , وأدبر النهار من ها هنا ; فقد أفطر الصائم ثم يمتد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر ,
والشفق : بياض تخالطه حمرة , ثم تذهب الحمرة ويبقى بياض خالص ثم يغيب , فيستدل
بغيبوبة البياض على مغيب الحمرة .
ويسن تعجيل صلاة المغرب في أول
وقتها ; لما روى الترمذي وصححه عن سلمة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب قال : وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم
.
4- وصلاة
العشاء : يبدأ وقتها بانتهاء وقت المغرب ; أي : بمغيب الشفق الأحمر , ويمتد إلى
طلوع الفجر الثاني , وينقسم إلى قسمين : وقت اختيار يمتد إلى ثلث الليل , ووقت
اضطرار من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني .
وتأخير
الصلاة إلى آخر الوقت المختار ( إلى ثلث الليل ) أفضل إن سهل , فإن شق على
المأمومين ; فالمستحب تعجيلها في أول وقتها ; دفعا للمشقة . ويكره النوم قبل صلاة
العشاء ; لئلا يستغرق النائم فتفوته , ويكره الحديث بعدها , وهو التحادث مع الناس
; لأن ذلك يمنعه من المبادرة بالنوم حتى يستيقظ مبكرا ; فينبغي النوم بعد صلاة
العشاء مباشرة , ليقوم في آخر الليل , فيتهجد , ويصلي الفجر بنشاط ; لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها . وهذا إذا كان سهره بعد
العشاء من غير فائدة , أما إذا كان لغرض صحيح وحاجة مفيدة ; فلا بأس .
5- وصلاة
الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني , ويمتد إلى طلوع الشمس , ويستحب تعجيلها إذا
تحقق طلوع الفجر .
هذه
مواقيت الصلوات الخمسة التي فرضها الله فيها ; فعليك بالتقيد بها ; بحيث لا تصليها
قبل وقتها , ولا تؤخرها عنه ; فقد قال الله تعالى : فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ أي : الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها , وقال
تعالى : فَخَلَفَ
مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ ومعنى أضاعوها : أخروها عن وقتها ; فالذي يؤخر
الصلاة عن وقتها سماه الله ساهيا عنها ومضيعا لها , وتوعده بالويل والغي , وهو واد
في جهنم , ومن نسيها أو نام عنها ; تجب عليه المبادرة إلى فضائها ; قال صلى الله
عليه وسلم : من
نسي صلاة أو نام عنها , فليصلها إذا ذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك فتجب المبادرة لقضاء الصلاة الفائتة على الفور
, ولا ينتظر إلى دخول وقت الصلاة التي تشابهها كما يظن بعض العوام , ولا يؤخرها
إلى خروج وقت النهي , بل يصليها في الحال . ..
ثانيا: ستر العورة
ومن شروط الصلاة ستر العورة
وهي ما يجب تغطيته , ويقبح ظهوره , ويستحيى منه , قال الله تعالى : يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي : عند كل صلاة , وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : لا
يقبل الله صلاة حائض ( أي : بالغ ) ; إلا بخمار رواه أبو داود والترمذي وحسنه .
قال ابن عبد البر : " أجمعوا
على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا ; فلا خلاف في وجوب
ستر العورة في الصلاة وبحضرة الناس " وفي الخلوة على الصحيح , قال النبي صلى
الله عليه وسلم : احفظ
عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : فإن
استطعت أن لا يراها أحد ; فلا يرينها قال : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله
أحق أن يستحى منه رواه أبو داود وغيره .
وقد سمى الله كشف العورة فاحشة في
قوله عن الكفار : وَإِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا
بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وكانوا يطوفون بالبيت عراة , ويزعمون أن
ذلك من الدين ; فكشف العورة والنظر إليها يجر إلى شر خطير , ووسيلة إلى الوقوع في
الفاحشة وهدم الأخلاق ; كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة التي ضاعت كرامتها
وهدمت أخلاقياتها ; فانتشرت فيها الرذيلة , وعدمت فيها الفضيلة .
فستر العورة إبقاء على الفضيلة
والأخلاق , ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم بكشف عوراتهم , وقد حذرنا الله
منه في قوله : يَا
بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير
من المجتمعات البشرية اليوم , وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا ; فتكونت نوادي العراة
, وتفشى السفور في النساء , فعرضت أجسادها أمام الرجال ; بلا حياء ولا خجل .
أيها المسلم ! إنه يجب ستر العورة
بما لا يصف بشرتها , قال تعالى : يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ فمواراة العورة باللباس الساتر أمر مطلوب
وواجب , وحد عورة الرجل الذكر من السرة إلى الركبة ; لحديث علي رضي الله عنه : لا
تبرز فخذك , ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت رواه أبو داود وابن ماجه , وفي الحديث الآخر : غط
فخذك ; فإن الفخذ عورة رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه , ومع هذا كله
; نرى مع الأسف الشديد كثيرا من الرجال عندما يزاولون الألعاب يكشفون أفخاذهم ولا
يغطون إلا العورة المغلظة , وهذه مخالفة صريحة لهذه النصوص ; فالواجب عليهم التنبه
لذلك , والتقيد بأحكام دينهم , وعدم الالتفات لما يخالفها .
والمرأة كلها عورة ; لقوله صلى
الله عليه وسلم : والمرأة
عورة صححه الترمذي , ولحديث أم سلمة : أتصلي المرأة
في درع وخمار وليست عليها إزار ؟ قال : إذا
كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها رواه أبو داود , ولأبي داود والترمذي وابن
ماجه من حديث عائشة : لا
يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم ; أن
المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف ; لا تجوز صلاتها . هذه الأحاديث , مع
قوله تعالى : وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الآية , وقوله : يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ وقوله تعالى : وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وقول عائشة : كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات , فإذا مر بنا الرجال ; سدلت إحدانا خمارها
على وجهها , فإذا جاوزونا : كشفناه هذه النصوص وما جاء بمعناها من الكتاب والسنة ,
وهي كثيرة شهيرة , تدل على أن المرأة كلها عورة أمام الرجال الأجانب , لا يجوز أن
يظهر من بدنها شيء بحضرتهم في الصلاة وغيرها , أما إذا صلت في مكان خال من الرجال
الأجانب ; فإنها تكشف وجهها في الصلاة ; فهو ليس بعورة في الصلاة , لكنه عورة عند
الرجال غير المحارم ; فلا يجوز نظرهم إليه .
وإنه لمن المؤسف المحزن ما وصل
إليه كثير من نساء العصر المسلمات من تهتك وتساهل في الستر , وتسابق إلى إبراز
مفاتنهن , واتخاذ اللباس الذي لا يستر ; تقليدا لنساء الكفرة والمرتدين ; فلا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إن الله تعالى قد أمر بقدر زائد
على ستر العورة في الصلاة , وهو أخذ الزينة ; فقال تعالى : يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة فقط , مما
يدل على أن المسلم ينبغي له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي
الله تبارك وتعالى , فيكون المصلي في هذا الموقف على أكمل هيئة ظاهرا وباطنا . ..
ثالثا: اجتناب النجاسة
ومما يشترط
للصلاة اجتناب النجاسة ; بأن يبتعد عنها المصلي , ويخلو
منها تماما في بدنه وثوبه وبقعته التي يقف عليها للصلاة .
والنجاسة قذر مخصوص يمنع جنسه
الصلاة ; كالميتة , والدم , والخمر , والبول , والغائط : لقوله تعالى : وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ قال ابن سيرين : " اغسلها بالماء "
, وقال صلى الله عليه وسلم : تنزهوا
من البول ; فإن عامة عذاب القبر منه وأمر صلى الله عليه وسلم المرأة أن تغسل ثوبها
إذا أصابه دم الحيض وتصلي فيه , وأمر بدلك النعلين ثم الصلاة فيهما , وأمر بصب
الماء على البول الذي حصل في المسجد . .. وغير ذلك من الأدلة الدالة على اجتناب
النجاسة ; فلا تصح صلاة مع وجود النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه أو البقعة التي
يصلي عليها , وكذلك إذا كان حاملا لشيء فيه نجاسة .
ومن رأى عليه نجاسة بعد الصلاة ولا
يدري متى حدثت ; فصلاته صحيحة , وكذا لو كان عالما بها قبل الصلاة , لكن نسي أن
يزيلها ; فصلاته صحيحة على القول الراجح .
وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة
وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير ; كخلع النعل والعمامة ونحوهما ; أزالهما وبنى ,
وإن لم يتمكن من إزالتها ; بطلت الصلاة .
ولا تصح الصلاة
في المقبرة غير صلاة الجنازة ; لقوله صلى الله عليه وسلم : الأرض
كلها مسجد إلا المقبرة والحمام رواه الخمسة إلا النسـائي , وصححه الترمذي ,
وقال صلى الله عليه وسلم : لا
تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها رواه الجماعة إلا البخاري , وقال عليه الصلاة
والسلام : فلا
تتخذوا القبور مساجد وليس العلة في النهي عن الصلاة في المقابر أو
عندها خشية النجاسة , وإنما هي خشية تعظيمها واتخاذها أوثانا ; فالعلة سد الذريعة
عن عبادة المقبورين , وتستثنى صلاة الجنازة ; فيجوز فعلها في المقبرة ; لفعل النبي
صلى الله عليه وسلم , وذلك يخصص النهي , وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور
لا يصلى فيه ; لأن النهي يشمل المقبرة وفنائها الذي حولها .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في
المسجد المبني على القبر : لا يصلى فيه فرض ولا نفل , فإن كان المسجد قبل القبر ;
غير : إما بتسوية القبر , أو نبشه إن كان جديدا , وإن كان القبر قبل المسجد ; فإما
أن يزال المسجد , وإما أن تزال صورة القبر .
ولا تصح الصلاة في المسجد الذي
قبلته إلى قبر ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا
تصلوا إلى القبور ولا تصح الصلاة
في الحشوش , وهي المراحيض المعدة لقضاء الحاجة ; فيمنع من الصلاة في داخل الحش ;
لكونه معدا للنجاسة , ولأن الشارع منع من ذكر الله فيه ; فالصلاة أولى بالمنع ,
ولأن الحشوش تحضرها الشياطين .
ولا تصح الصلاة في الحمام , وهو
المحل المعد للاغتسال ; لأنه محل كشف العورات , ومأوى الشياطين , والمنع يشمل كل
ما يغلق عليه باب الحمام ; فلا تجوز الصلاة فيه .
ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل ,
وهي المواطن التي تقيم فيها وتأوي إليها . قال الشيخ تقي الدين : " نهي عن
الصلاة في أعطانها ; لأنها مأوى الشياطين , وكما نهي عن الصلاة في الحمام ; لأنه
مأوى الشياطين ; فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه " .
وتكره الصلاة
في مكان فيه تصاوير قال الإمام ابن القيم : " وهو أحق
بالكراهة من الصلاة في الحمام ; لأن كراهة الصلاة في الحمام : إما لكونه مظنة
النجاسة , وإما لكونه بيت الشيطان , وهو الصحيح , وأما محل الصور ; فمظنـة الشرك ,
وغالب شرك الأمم كان من جهـة الصور والقبور " ا هـ .
أيها المسلم ! عليك بالعناية
بصلاتك ; فتطهر من النجاسة قبل دخولك فيها , وتجنب المواضع المنهي عن الصلاة فيها
; لتكون صلاتك صحيحة على وفق ما شرعه الله , ولا تتهاون بشيء من أحكامها أو تتساهل
فيه ; فإن صلاتك عمود دينك , متى استقامت ; استقام الدين , ومتى اختلت ; اختل
الدين . .. وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والاستقامة .
رابعا: استقبال القبلة
ومن شروط الصلاة استقبال
القبلة وهي الكعبة المشرفة , سميت قبلة لإقبال الناس عليها , ولأن المصلي
يقابلها , قال تعالى : فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فإن قرب من الكعبة , وكان يراها ; وجب عليه
استقبال نفس الكعبة بجميع بدنه ; لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعا , فلم يجز
له العدول عنها , ومن كان قريبا منها , لكن لا يراها ; لوجود حائل بينه وبينها ;
اجتهد في إصابتها , والتوجه إليها ما أمكنه , ومن كان بعيدا عن الكعبة في أي وجهة
من جهات الأرض ; فإنه يستقبل في صلاته الجهة التي فيها الكعبة , ولا يضر التيامن
ولا التياسر اليسيران , لحديث : ما
بين المشرق والمغرب قبلة صححه الترمذي , وروي عن غير واحد من الصحابة ,
وهذا بالنسبة لأهل المدينة وما وافق قبلتها مما سامتها , ولسائر البلدان مثل ذلك ;
فالذي في المشرق مثلا تكون قبلته بين الجنوب والشمال والذي في المغرب كذلك .
فلا تصح الصلاة بدون استقبال
القبلة , لقوله تعالى : وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي : في بر أو جو أو بحر أو مشرق أو مغرب ;
إلا العاجز عن استقبال الكعبة : كالمربوط أو المصلوب لغير القبلة إذا كان موثقا لا
يقدر عليه ; فإنه يصلي حسب استطاعته , ولو لم يستقبل القبلة ; لأن هذا الشرط يسقط
عنه للعجز بإجماع أهل العلم , وكذا في حال اشتداد الحرب , والهارب من سيل أو نار
أو سبع أو عدو , والمريض الذي لا يستطيع استقبال القبلة ; فكل هؤلاء يصلون على حسب
حالهم , ولو إلى غير القبلة , وتصح صلاتهم ; لأنه شرط عجز عنه ; فسقط , قال تعالى
: فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : وإذا
أمرتكم بأمر ; فأتوا منه ما استطعتم وورد في الحديث المتفق عليه ; أنهم عند اشتداد
الخوف يصلون مستقبلي القبلة وغير مستقبليها .
ويستدل على القبلة بأشياء كثيرة ;
منها : الإخبار , فإذا أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل ; عمل بخبره , إذا كان المخبر
متيقنا القبلة , وكذا إذا وجد محاريب إسلامية ; عمل بها , واستدل بها على القبلة ;
لأن دوام التوجه إلى جهة تلك المحاريب يدل على صحة اتجاهها , وكذلك يستدل على
القبلة بالنجوم , قال الله تعالى : وَبِالنَّجْمِ
هُمْ يَهْتَدُونَ
خامسا: النية
ومن شروط الصلاة النية
وهي لغة : القصد , وشرعا : العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى . ومحلها
القلب ; فلا يحتاج إلى التلفظ بها , بل هو بدعة , لم يفعله رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا أصحابه ; فينوي بقلبه الصلاة التي يريدها , كالظهر والعصر ; لحديث : إنما
الأعمال بالنيات وينوي مع تكبيرة الإحرام , لتكون النية مقارنة
للعبادة , وإن تقدمت بزمن يسير في الوقت ; فلا بأس .
ويشترط أن تستمر النية في جميع
الصلاة , فإن قطعها في أثناء الصلاة ; بطلت الصلاة . ويجوز لمن أحرم في صلاة فريضة
وهو مأموم أو منفرد أن يقلب صلاته نافلة إذا كان ذلك لغرض صحيح ; مثل أن يحرم
منفردا , فيريد الصلاة مع الجماعة .
واعلم أن بعض الناس قد أحدثوا في
النية بدعة وتشددا ما أنزل الله بهما من سلطان , وذلك بأن يقول أحدهم : نويت أن
أصلي فرض كذا عدد كذا من الركعات أداء لله خلف هذا الإمام . .. ونحو ذلك من
الألفاظ , وهذا شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلم ينقل عنه أنه
تلفظ بالنية لا سرا ولا جهرا , ولا أمر بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
: " اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكريرها , بل من اعتاده ينبغي
تأديبه , والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه , لا سيما إذا آذى به أو كرره . ..
" إلى أن قال : " وبعض المتأخرين خرج وجها من مذهب الشافعي في ذلك ,
وغلطه جماهير أصحاب الشافعي , قال الشافعي : إن الصلاة لا بد من النطق في أولها ,
فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية , وإنما أراد التكبير " ا هـ كلام الشيخ .
والتلفظ بالنية كما أنه بدعة , فقد
يدخل في الرياء أيضا ; لأن المطلوب إخلاص العمل لله وإخفاؤه ; إلا ما ورد دليل
بإظهاره ; فالذي ينبغي للمسلم أن يكون وقافا عند حدود الشريعة , عاملا بالسنن ,
تاركا للبدع , مهما كان نوعها , وممن كان مصدرها . .. وفق الله الجميع لما
يحبه ويرضاه , والله تعالى يقول : قُلْ
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فالله أعلم بنيات القلوب ومقاصدها ; فلا حاجة
إلى التلفظ بها في الصلاة وفي جميع العبادات , والله تعالى أعلم .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire