el bassaire

samedi 18 juillet 2015

اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

https://www.facebook.com/hadithecharif
https://www.facebook.com/groups/elbassaire/
https://twitter.com/hadithecharif
https://www.youtube.com/user/hadithecharif
http://al-bassair.blogspot.com

وقد أثار هذا سؤال موضوعاً مهماً يحتاج إلى بسط لمذاهب الفقهاء وبيان الأدلة التي احتجوا بها، وسنحاول بيان ذلك بإيجاز قدر الاستطاعة وعلى النحو الآتي فنقول:

هي في الحقيقة مسألة خلافية وتبقى كذلك، شأنها شأن المسائل المختلف فيها عند السّادة الأئمة. وقد اتّفق العلماء على أنّ مَن صلّى العيد يوم الجمعة، وكذلك صلّى الجمعة، فإنّ صلاة الظّهر تسقط عنه، مسافرًا كان أو مقيمًا، رجلاً كان أو امرأة، صحيحًا كان أو سقيمًا.

 اختلف السّادة الأئمة فيمَن صلّى العيد ممّن تجب عليه صلاة الجمعة، ولم يُصلّ الجمعة، هل تجزئ العيد عن الظّهر أم تبقى الظّهر واجبة في ذمّته؟

المذهب الأول:
إذا وافق العيد يوم الجمعة وصلى المسلمون مع الإمام صلاة العيد فإن ذلك لا أثر له في سقوط الجمعة عن المكلف بها، وإنما يجب عليه حضورها وأداؤها ما لم يكن له عذر من الأعذار التي تبيح التخلف عن حضور الجمعة.
وبهذا قال جمهور العلماء، وهو المشهور في مذهب مالك، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وهو رواية عن أحمد.
لكن يلاحظ هنا أن الشافعي وبعض أصحاب مالك قد ذهبوا إلى أن الذين يجب عليهم حضور الجمعة هم أهل البلد الذي تقام فيه الجمعة، أما الذين أتوا من خارج البلد فهؤلاء مخيرون بين البقاء لحضور الجمعة أو العودة إلى أهلهم، ثم لهم العودة لصلاة الجمعة إن شاؤوا أو عدم العودة، ويصلون عند أهلهم ما وجب عليهم، فهؤلاء مخيرون بين ذلك كله ولا سيما إذا أعلن الإمام الرخصة لهم بذلك، وسيأتي في ما بعد الاستدلال لهذه الفقرة، ونقتصر الآن على ذكر أدلة الجمهور- من حيث الجملة - لما ذهبوا إليه.
ومن الحجة للجمهور على مذهبهم ما يأتي:
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
وجه الاستدلال: أن الآية قد أمرت بالسعي للجمعة عند النداء لها، وهي عامة في جميع الأيام، ولا يجوز تخصيصها إلا بدليل صالح لأن يخصص به عموم هذا النص القطعي، وعليه فلا يجوز إخراج جمعة اليوم الذي وقع فيه العيد من عموم الحكم الذي تضمنته الآية، والقول بسقوط الجمعة أو بسقوط وجوب الحضور إليها؛ وذلك لعدم وجود الدليل الصالح لتخصيص عموم الآية.
ويدل لذلك أيضاً أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه أسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد، بل على العكس من ذلك إذْ صح عنه الالتزام بالصلاتين معاً.
1. فقد صح عن النعمان بن بشير قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ). رواه مسلم.
وهذا نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملتزما بالصلاتين يصلي كلا منهما في وقتها، ولم يرد عنه إطلاقا أنه اسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد.
وعليه : فكيف يصح القول بأن إسقاط صلاة الجمعة بصلاة العيد هو سنة، إذْ كيف يكون سنة ما خالف ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وسيأتي فيما بعد مزيد من الاستدلال على ذلك.
2. إن صلاة الجمعة هي أهم صلاة في الإسلام، وهي الصلاة الوحيدة التي أجمع العلماء أن حضورها فرض عين على المكلف بها إذا لم يكن له عذر يبيح له التخلف عنها، أما صلاة العيد فحكمها عند أهل العلم دائر بين السنية والوجوب العيني أو الكفائي.
وعليه فكيف يصح عقلا سقوط فرض العين بما هو أقل مرتبة في حكم الشرع منه؟
أمّا رأي السّادة المالكية في المسألة، فقد أخرج الإمام مالك في موطئه من حديث عثمان رضي الله عنه قال: “إنّه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحبّ من أهل العالية أن ينتظر فلينتظرها، ومَن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له”. وسُئل زيد بن أرقم: “أشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيدين اجتمعَا في يوم؟ قال: نعم، قيل: فكيف صنع؟ قال: صلّى العيد، ثمّ رخص في الجمعة فقال: مَن شاء أن يُصلّي فليُصلّ”.

وجاء في المدونة: قال مالك: ولم يبلغني أنّ أحدًا أذِنَ لأهل العوالي إلاّ عثمان، قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى الّذي فعل عثمان، وكان يرى أنّ مَن وجبت عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن الإمام. إذًا فالإمام مالك رحمه الله يرى أنّ الجمعة لا تسقط أصلاً إذا اجتمعت مع العيد،
المذهب الثاني:
إذا وقع العيد يوم الجمعة، فمن صلى العيد مع الإمام جاز له التخلف عن حضور الجمعة والاكتفاء بصلاتها ظهرا. وهذا بالنسبة لغير الإمام، أما الإمام فلا يجوز له التخلف عن حضورها، وذلك من أجل أن يقيمها بمن يجب عليه حضورها ممن لم يحضر صلاة العيد، وبمن ينضم إليهم ممن يريد حضورها ممن صلى العيد.
وهذا المذهب هو أظهر الروايات في مذهب أحمد. وتوجد رواية أخرى: أن عدم جواز التخلف عن حضور الجمعة لا يختص بالإمام فقط، وإنما يشمل وجوب حضور العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، وهو عند الإمام أحمد أربعون رجلا، وعليه: فوجوب الحضور للجمعة لا يسقط عن كل من صلى العيد مع الإمام، وإنما يسقط فقط عما زاد على الأربعين، فعلى هذه الرواية تكون إقامة الجمعة فرض كفاية في البلد الذي أقيمت فيه صلاة العيد. وبهذا تكون في مذهب أحمد روايتان تقترب من مذهب الجمهور .
ويلاحظ هنا: أن مذهب أحمد - حتى على أظهر الروايات عنه- يختلف عن قول من يدعي: بأن صلاة الجمعة تسقط بصلاة العيد، وذلك من ناحيتين، وبيان ذلك:
أن مذهب الإمام أحمد - على هذه الرواية - هو: أنه يجوز لمن صلى العيد مع الإمام التخلف عن حضور الجمعة، وأن يصليها ظهرا، وهذا يعني : أن صلاة العيد لم تسقط فرضية صلاة الجمعة، وإنما أسقطت فقط وجوب الحضور، فيصلي بدل الجمعة ظهرا، فإن فعل الأفضل وحضر، عاد في حقه فرض الجمعة، فيصلي الجمعة ولا يجوز له أن يصليها ظهرا، فهو في هذه الحالة كالمريض: إن لم يحضر الجمعة صلى ظهرا، وإن حضرها صلى جمعة، وهذا يختلف تماما مع قول من يدعي أن السنة تدل على سقوط الجمعة بالعيد، فهؤلاء لا يقولون بإقامة الجمعة يوم العيد، ولا يوجبون على من صلى العيد أن يصلي ظهرا، وإنما يصليها فقط من لم يصل العيد. بعد هذا البيان ننتقل إلى ذكر الأدلة على النحو التالي:

أدلة المذهب الثاني:
1. روى أحمد وأبو داود وغيرهما - من طريق إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: " من شاء أن يصلي فليصل" وفي رواية أحمد: " من شاء أن يجمع فليجمع".
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العيد قد رخص في صلاة الجمعة وجعل المسلم بالخيار إن شاء صلاها وإن شاء لم يصلها.
وقد اعترض على الاستدلال بهذا الحديث:
بأنه مروي عن إياس بن أبي رملة، وأكثر المحدثين على أنه مجهول، قال ذلك: ابن القطان، وابن المنذر، وابن حجر، وغيرهم. ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذا اعترض المحدثون على تصحيح علي بن المديني والحاكم لهذا الحديث، إذْ كيف يكون صحيحا وفي إسناده رجل مجهول؟ لذلك فالحديث غير صالح للاحتجاج به.
أقول: ولعل من قوى هذا الحديث قد نظر أن له شاهدا بمعناه وهو حديث أبي هريرة:
1. فقد قال أبو داود : حدثنا محمد بن المصفى، وعمر بن حفص الوصابي، قالا: حدثنا بقية، حدثنا شعبة، وذكر بقية الإسناد إلى أبي صالح عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون". وقد أخرج هذا الحديث الحاكم وغيره.
وجه الاستدلال: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد رخص في صلاة الجمعة أيضا لكنه قال هنا: "وإنا مجمعون". وقد حمل ذلك الإمام أحمد على أن صيغة الجمع هنا المراد بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي على سبيل التعظيم، فلذلك قال: بأن الرخصة لا تشمل الإمام، كما ذكرنا ذلك في ما سبق.
وقد اعترض على الاستدلال بهذا الحديث:
بأن كلا من ابن المصفى والوصابي مجهول الحال، وبقية بن الوليد مختلف في الاحتجاج به، وفوق ذلك فإن الإمام أحمد والدارقطني قد صححا أن الحديث مرسل أرسله أبو صالح، فالحديث لذلك مرسل ضعيف، فلا يصح الاحتجاج به، لذلك فإن الحديثين المذكورين - حتى بانضمام أحدهما للآخر - لا يرقيان إلى مرتبة الاحتجاج بهما، ولذلك قلنا في ما سبق: لا يوجد دليل يخصص عموم الآية التي احتج بها الجمهور.
وفوق ذلك كله : فإن الإمام الشافعي قد أورد ما يدل على أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: " وإنا مجمعون" يعني أهل المدينة، وأن من رخص له بعدم حضور الجمعة هم القادمون لحضور صلاة العيد من العوالي، وهي القرى الواقعة خارج المدينة على مقربة منها، ولا توجد فيها مساجد تقام فيها الجمعة، ولكي لا يشق عليهم انتظار الجمعة رخص لهم بالرجوع إلى أهليهم ليشاركوهم عيدهم، ثم هم بالخيار بعد ذلك : بين بقائهم عند أهلهم أو الرجوع للمدينة لحضور الجمعة.
ويدل على صحة ما ذهب إليه الشافعي ما يأتي:
ا- قد روى البيهقي حديث أبي هريرة موصولا، وقيد بأهل العوالي.
وإسناده ضعيف لكن لا يضره ذلك لأنه معتضد بما يأتي:
ب- فقد روى الشافعي بإسناده عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس من غير حرج".
ج- ويعضده أيضا فُتيا عثمان رضي الله عنه بموجبه، فقد روى الشافعي عن مالك عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له".
وبذلك يتضح أن السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدل على أن صلاة العيد لا تسقط بها صلاة الجمعة.
1. فلم يبق من الأدلة المتعلقة بهذه القضية إلا آثارا متعلقة بصلاة ابن الزبير منها:
الأثر المروي عن وهب بن كيسان رضي الله عنه قال :"اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب، ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يوم الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة". رواه النسائي.
ورواه أبو داود عن عطاء، وقال: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر.
وقد قال الشوكاني عن كل من الأثرين: رجاله رجال الصحيح.
وقد استدل بهذين الأثرين من ادعى سقوط الجمعة بصلاة العيد
ووجه الدلالة من ذلك:
أن الركعتين اللتين صلاهما ابن الزبير لم تكونا صلاة الجمعة وإنما هما صلاة العيد بدليل أنه صلاهما قبل الزوال عند الضحوة الكبرى ولو كانت صلاة الجمعة لصلاهما بعد الزوال ، فإذا ثبت أن ما صلاه قد كان صلاة العيد وأنه لم يصل بعد ذلك شيئا حتى صلى العصر وقد كان ذلك بمحضر الصحابة فلم ينكر ذلك عليه أحد وقد أخبر ابن عباس بذلك فقال: أصاب السنة، فذلك كله يدل على أن سقوط صلاة الجمعة بصلاة العيد هو الذي تدل عليه السنة، وانعقد الإجماع عليه.
وعليه: فهذا هو أهم ما استدل به القائلون بسقوط الجمعة بصلاة العيد. فإن كان هذا هو مدركهم في هذه القضية، فإنه يبدو أن موضع الاستدلال قد التبس عليهم،  وذلك يقتضي إيضاح الجواب لهم.
وبيان الجواب على النحو التالي:
القول بأن الركعتين اللتين صلاهما ابن الزبير كانتا صلاة عيد استغنى بها عن صلاة الجمعة بدليل أنهما صلاهما ضحوة قبل الزوال، ولو كانت جمعة لصلاها بعد الزوال، هذا القول يدل على حصول التباس لدى القائلين به، وإنما الذي حصل هو العكس، فالذي فعله ابن الزبير أنه أخر صلاة العيد إلى وقت يمكن فيه صلاة الجمعة أيضا، فأخر ذلك إلى الضحوة الكبرى وهذا وقت تصح فيه صلاة الجمعة، فإن وقت الجمعة عند ابن الزبير وجماعة من أهل العلم - ومنهم الإمام أحمد - يدخل قبل الزوال في الضحوة الكبرى، وإن كان الأفضل عندهم  أن تصلى بعد الزوال مراعاة لما ذهب إليه جماهير أهل العلم: من أن الجمعة لا يدخل وقتها إلا بعد الزوال - ولسنا الآن بصدد بيان الراجح في ذلك- وإنما فقط لتبيين الأساس الذي انطلق منه ابن الزبير - فابن الزبير فقيه ورع، ومن المعلوم أنه في خلافته لم يكن آمنا لأنه كان هنالك من ينازعه الأمر، وربما وقعت صلاته هذه وهو في حالة خوف وترقب وحذر، وفي هذه الحالة يسوغ الجمع بين الصلوات المتشابهة، لذلك اجتهد ابن الزبير في الجمع بين صلاة العيد وصلاة الجمعة في وقت يصلح لهما، فأخرصلاة العيد إلى الضحوة الكبرى قبل الزوال، وهو وقت لم يخرج فيه وقت صلاة العيد اتفاقا، ودخل فيه وقت صلاة الجمعة كما هو رأي بن الزبير وآخرين كما ذكرنا، وهنا دمج ابن الزبير صلاة العيد بصلاة الجمعة، وهذا واضح في قول عطاء : " فجمعهما جمبعا، فصلاهما ركعتين بكرة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر".
وابن الزبير قد صلى هاتين الركعتين على أنهما صلاة جمعة فأغنته هذه عن صلاة الظهر، واستغنى بها عن صلاة العيد.
فصلاة ابن الزبير هذه جمعة أغنت عن صلاة العيد وليست صلاة عيد أغنت أو أسقطت صلاة الجمعة.
 ونرجو أن يكون هذا البيان قد أزال اللبس الذي حصل لمن استدل بصلاة ابن الزبير على سقوط صلاة الجمعة بصلاة العيد، فهذه الصلاة قد دلت عكس ذلك تماما فصلاة الجمعة هي التي أغنت عن صلاة العد وليس العكس.
فإن قيل ما هو الدليل على أن ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وليس عيدا؟
فالجواب: إن ذلك واضح من طريقة أداء ابن الزبير لهذه الصلاة، فقد ذكرت رواية وهب ابن كيسان السابقة:"أنه خطب ثم صلى"، وتقديم الخطبة على الصلاة من شأن صلاة الجمعة وليس من شأن صلاة العيد فصلاة العيد تقدم فيها الصلاة على الخطبة.
وقد لا حظ هذا الخطابي، وارتضى ذلك ابن قدامة ولذلك نقل كلام الخطابي وذكره بعد أن ذكر الأثرين اللذين رواهما وهب بن كيسان وعطاء، فقال في المغني: (وهذا لا يجوز أن يعمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال، فعلى هذا يكون ابن الزبير صلى الجمعة فسقط العيد والظهر.
فإن قيل : ألا يحتمل أن يكون ابن الزبير يرى جواز تقديم الخطبة على الصلاة في العيد؟
فالجواب:
أن هذا الاحتمال بالنسبة لابن الزبير غير وارد وذلك لأمرين:
الأمر الأول:
أن غير واحد من أهل العلم ومنهم: القاضي عياض وابن قدامة قد نقلا الإجماع على أن خطبة العيد إنما تكون بعد الصلاة وقد جرى العمل على ذلك منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده، لم يخالف في ذلك إلا بعض بني أمية وهو خلاف قد جاء بعد إجماع فلا يبقبل.
ويبدوا أنهم يقصدون بذلك مروان بن الحكم فهو قد قدم خطبة العيد على الصلاة واعترض عليه أبو سعيد الخدري فاعتذر إليه بأن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. والقصة موجودة في صحيح البخاري.
وعليه: كيف يعمل ابن الزبير شيئا وهو يعلم أنه مخالف لما جرى عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد من جاء بعده من الخلفاء؟
والدليل أنه كان يعلم ذلك ما يأتي:
الأمر الثاني:
عن عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها قال فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه وأرسل إليه مع ذلك إنما الخطبة بعد الصلاة وإن ذلك قد كان يفعل قال فصلى ابن الزبير قبل الخطبة. متفق عليه واللفظ لمسلم.
فالخلاصة:
إذا اجتمع عيد وجمعة فإن الواجب هو الالتزام بأداء الصلاتين كل صلاة منهما في وقتها، هذه هي السنة التي جرى عليها العمل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى يومنا هذا.
أنّ صلاة العيد سُنّة، وقد يغيب عنها الكثيرون، أضف إلى ذلك أنّ الجمعة فيها الحكم والفضائل الخير الكثير غير سماع الخطبة، وحصول الاجتماع ممّا لم يرد في صلاة العيد، وحيث إنّ أهل العوالي والمساكن النائية يشقّ عليهم الرّجوع للجمعة فرُخِّص لهم في تركها، أمّا في هذه الأزمنة فقد خفّت المشقّة إن لم نقل انعدمت بوسائل النقل الّتي سهّلت الصّعب وقرّبت البعيد، فمع توفّر هذه الوسائل فلا عذر في ترك الجمعة ولو شهد العيد، وأهم من هذا وذاك ما حصل من كثرة المساجد، حتّى إنّك لتجد العشرات في البلدة الواحدة، عكس ما كان عليه الحال في العهد النّبويّ وعهد الخلفاء الرّاشدين، فليس هناك من مسجد تقام فيه الجمعة سوى المسجد النّبويّ. والله ولي التوفيق.

.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire