el bassaire

vendredi 5 juillet 2013

التواضع



التواضع

ممن ضربوا أروع الأمثلة في التواضع، خامس الراشدين، الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. فكانت ثيابه تقدر بأثنى عشر درهما، وكان عنده بعض جلسائه يوما، فاحتاج السراج إلى إصلاح، فقام إليه عمر فأصلحه، فقال له من معه: كلنا نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين. فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قمت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء

واشترى ابنه خاتما غاليا، فكتب إليه عمر يقول »بلغني أنك اشتريت خاتما بألف درهم، فإذا أتاك كتابي هذا فبع الخاتم وأشبع بثمنه ألف بطن، واتخذ لك خاتما بدرهمين واكتب عليه رحم الله امرأ عرف قدر. نفسه.

وقد يظن بعض قصار النظر وسطحي التفكير أن التواضع معناه في لباس الخلق أو الوسخ من الثياب، أو في إهمال النظافة والعناية بالمظهر والشكل، أو في نوع من المشي والتحدث والجلوس، كل ذلك لم يكن، إنما التواضع في العبد عن الاغترار بالنفس، كما قدمنا، أما التجمل والتزين والتطهر فمن الإسلام قال الله تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ ، مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين{ الأعراف: 31
وقال: }إِنَّ لله لا يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ا لمتطهرينَ{ )البقرة: 222 (، وقال صلى
رواه مسلم. » إن الله جميل يحب الجمال « : الله عليه وسلم.

والتواضع يجب أن لا يتجاوز حده وإلا عد رذيلة، لأن الإنسان إذا بالغ في التواضع، وأسرف فيه، صار مثار السخرية والاستهزاء والانتقاد، وهذا حجة الإسلام الإمام الغزالي -رحمه الله- يقول عن التواضع اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق، له طرفان وواسطة، فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبرا، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسسا
ومذلة، والوسط يسمى تواضعا، والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس، فإن كلا طرفي الأمور ذميم، وأحب الأعمال إلى الله أوساطها، فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع، أي وضع شيئا من قدره الذي يستحقه، والعالم إذا دخل عليه إسكافي فتنحى عن مجلسه وأجلسه فيه، ثم تقدم وسوى له نعله وغدا إلى باب الدار خلفه، فقد تخسس وتذلل، وهذا أيضا غير محمود بل المحمود عند الله العدل وهو أن يعطى كل ذي حق حقه.

وهنا قد يطرح سؤال وهو هذا: ما الطريق إلى التحلي بفضيلة التواضع، أم هو طبيعي في الإنسان؟

إن الإمام الغزالي يرسم الطريق إلى ذلك ويذكر ما ملخصه أن الإنسان يجب عليه أولا أن يتذكر بدايته وبدايته يعرضها القرآن الكريم في هذه الآيات: }مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، .)18- ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ "عبس: 22

فالإنسان في أول أمره لم يكن شيئا مذكورا، وفي النهاية يصير شيئا معدوما، وأي شيء أخس من المحو والعدم؟ وقوله تعالى: }مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{؟ استفهام، وغرضه زيادة التقدير في التحقير، ولاشك أن النطفة شيء حقير مهين للغاية، ومن كانت بدايته هذه النطفة ونهايته الموت والعدم، فكيف يجوز له أن يتكبر أو يتجبر؟ أليس من ضلال العقل وفساد الفطرة، وخطإ التقدير أن يتكبر الإنسان وهو يعلم أن أوله نطفة وآخره جيفة؟
حكي أن مطرف بن عبد الله ابن الشخير نظر إلى المهلب ابن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء فقال: يا أبا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ فقال المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بل أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire