el bassaire

jeudi 29 septembre 2016

حِفْظُ السَّمْع

حِفْظُ السَّمْع


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
إن من نعَم الله العظيمة علينا نعمة السمع ؛ ألا ما أجلَّها من نعمة وما أعظمها من عطية ومنَّة ، ولنتفكر عباد الله بهذا السمع الذي منَّ الله علينا به كيف حالنا لو كنَّا فاقدين له ؟ إنها والله نعمة عظيمة ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل:78] ، وقال الله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2] ، وقال الله تعالى : { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:23] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
إن السمع نعمةٌ عظيمة من نعم الله عليك ؛ فبالسمع عباد الله تُعرف الخيرات ، ويُهتدى إلى طرق البر والأبواب الصالحات ، وبالسمع عباد الله يُسمع كلام الله عز وجل القرآن ويُسمع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالسمع تُتلقى العلوم وتكون المخاطبات والتفاهمات؛ فما أعظم النعم التي تصل إلى الإنسان من سمعه، بل إن السمع بوابةٌ رئيسة ومدخلٌ عظيم للقلب ؛ فمن وُفِّق لحفظ سمعه فإن في حفظه له خيراً عظيماً في سلامة قلبه وسلامة نفسه وسلامة سلوكه ، بخلاف من أرخى لسمعه العِنان وأخذ يسمع كل شيء بدون ضابطٍ وبدون قيد وبدون خوفٍ ولا مراقبةٍ لله تبارك وتعالى .
والسمع نعمةٌ يسأل الله عنها الناسَ يوم القيامة قال الله تعالى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر:8] ؛ قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : (( النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ ، ليَسْأَلُ اللهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] )) ؛ نعم أيها المؤمن إن الله عز وجل سائلك يوم القيامة عن سمعك ماذا كنت تسمع به ؟ فحقيق على عبدٍ منَّ الله عليه بهذه النعمة وأكرمه بهذه العطية أن لا يستعملها إلا في طاعة الله ، فإنَّ من شكرك لله عز وجل على هذه النعمة أن لا تستعملها إلا في طاعة الله وفيما يرضيه سبحانه وتعالى .
والمسموعات التي تُسمع بالآذان تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. مسموعٌ يحبه الله تبارك وتعالى ويرضاه ؛ كسماع الذكر والعلم وكلام الله عز وجل ، وأعظم شيءٍ تشْرُف الأسماع باستماعه وتزدان الآذان بالإصغاء إليه كلام الله تبارك وتعالى ، أشرف الكلام وأجلُّه على الإطلاق .
2. والنوع الثاني: سماعٌ محرم ومسموعاتٌ محرمات ؛ وذلك بأن يستمع الإنسان إلى اللهو والباطل وأنواع ما حرَّم الله عليه استماعه .
3. والنوع الثالث : سماعٌ مباح ؛ أباح الله عز وجل للعبد أن يستمع إليه .
والواجب على العبد أن يحرص على استعمال سمعه فيما أباحه الله له وفيما أوجبه الله تبارك وتعالى عليه ، وليحذر من خلاف ذلك . ولله عز وجل في كل عضوٍ من الأعضاء أمرٌ وله فيه نهيٌ وله فيه نعمة ؛ فمن استعمل العضو فيما أمَرَه الله به وجنَّبه ما نهاه الله عنه فإنه قد قام بشكر ذلك العضو .
عباد الله : وللسمع شرٌّ يُستعاذ بالله تبارك وتعالى منه ، وفي جامع الترمذي عَنْ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِكَتِفِي فَقَالَ : (( قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي ، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي ، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي )) فعلَّمه عليه الصلاة والسلام هذه الدعوة العظيمة التي يجدر بنا - عباد الله - أن نُعنى بها ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه أنواع الفتن وكثرت فيه - عباد الله - تلك الآلات الكثيرة التي بأيدي الناس وفي سياراتهم وفي بيوتاتهم ، وقد تورَّط كثير من الناس من خلال تلك الأجهزة والآلات بأنواع من السماعات المحرمات مما كان سبباً في مرض القلوب وضعف الإيمان ورقَّة الدين .
وقد أكرم الله عز وجل بعض عباده فأحسنوا استعمال تلك الآلات فيما يرضي الله جل وعلا وجنَّبوا أنفسهم بتوفيق من الله عز وجل استعمالها فيما يضر وفيما يسخط الله جل وعلا .
إن من لم يستعمل سمعه فيما يرضي الله واستعمله فيما يسخطه سبحانه فإنه يعرِّض نفسه ويعرِّض سمعه للعقوبة الأليمة يوم القيامة ، إضافةً إلى ما يكون لبعض الناس أو لكثير منهم من عقوبات معجَّلات ، وفي الحديث - حديث ابن عباس رضي الله عنهما - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه البخاري . والآنك: الرصاص المذاب . وهذا مثال - عباد الله - من أمثلة كثيرة لعقوبة من لا يستعمل سمعه فيما يرضي الله ، بل أخذ يستعمله في الحرام وفيما يُغضب الله تبارك وتعالى ويُسخطه .
اتقوا الله تعالى ؛ واشكروه جل وعلا على نعمه ، فإن شكر النعمة سببٌ للمزيد ، كما أنَّ كفران النعم سببٌ لزوالها ولنتفكر - والحديث عن نعمة السمع - في رجلين ؛ أحدهما أخذ يستمع إلى القرآن أو يستمع إلى موعظةٍ مؤثرة أو إلى خطبةٍ نافعة أو كلماتٍ مسدَّدة ؛ كم لذلك من أثر على قلبه من زيادةٍ في الإيمان وقوةٍ في اليقين وحرصٍ على الطاعات وإقبالٍ على العبادات ، وآخر أخذ يستمع بأذنه إلى اللهو والحرام والفسق والمجون ، كم لهذا السماع من أثر عليه بانصراف نفسه عن الخيرات وبُعْدها عن العبادات وإقبالها على المنكرات !! 
لا يمكن - أن تحرك أغنية أو لهو أو فسق أو مجون في قلب إنسان حباً للخيرات ورغبة في الطاعات ؛ فإن هذا السماع إنما يحرِّك في القلب رغبةً في الفسق والباطل والحرام ، بخلاف السماع النافع فإن نفعه وعوائده وآثاره المباركات على العبد عظيمة جداً ؛ ولهذا فإنك أيها المؤمن في ميدان ابتلاء وامتحان مع هذه النعمة - نعمة السمع - ماذا تستمع ؟ وإلى ماذا تصغي بسمعك ؟ فحاسب نفسك وزِنْ سمعك واجتهد في إصلاح حالك وإصلاح مسموعاتك يكون ذلك سبباً لسعادتك في دنياك وأخراك ، بخلاف حال - عباد الله- من انفلت منه سمعه وأخذ يستمع ما لا يباح كيف أنَّ ذلك السماع يجرُّه إلى مضرَّات وويلات ، ولنعتبر في هذا الباب بقول نبينا عليه الصلاة والسلام : (( وَالْأُذُنُ زِنَاهَا الِاسْتِمَاعُ )) 
نسأل الله الكريم أن يحفظنا وذرياتنا وأهلينا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن يهدينا إليه جميعاً صراطاً مستقيما .

حِفْظُ الفرج


حِفْظُ الفرج


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا

 وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله 
اتقوا الله تعالى وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة مؤمن يعلم أن ربه يسمعه ويراه . وتقوى الله عز وجل عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون إن من الواجبات العظيمة التي أوجبها الله سبحانه وتعالى على عباده ويتحقق بتطبيقها الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة حفظ الفروج ؛ بصيانتها وإبعادها عن مواطن الرذيلة وأفعال الفساد والانحراف، وإلزامها بلزوم العفاف والتمسك بالفضيلة، ليفوز العبد بحفظه لفرجه وصيانته له في دنياه وأخراه . فإنه من وفَّقه الله عزَّ وجلَّ لحفظ فرجه كان ذلك ضماناً بإذن الله عز وجل للفوز برضا الله ودخول جنته، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ))، وبالمقابل فإن عدم حفظ الفرج وإهمال صيانته سببٌ لدخول النار، بل ثبت في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال عليه الصلاة والسلام : ((الْفَمُ وَالْفَرْجُ)) .
ولقد تكاثرت الدلائل في كتاب الله عزَّ وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في الحث على حفظ الفروج وصيانتها وبيان ما يترتب على ذلك من الآثار المباركات والخيرات المتنوِّعات في الدنيا والآخرة ؛ يقول الله تبارك وتعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [المؤمنون:1-7]، ثم ذكر جل وعلا ثوابهم وأجرهم فقال سبحانه : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10-11]، ويقول الله جل وعلا : { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:19-31] ثم ذكر جل وعلا ثوابهم فقال : { أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35]، وقال الله تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } الآية [النور:30-31]، ويقول الله تبارك وتعالى: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35] .
الواجب على من تقرع سمعه هذه الآيات أن يعيَها وأن يُحسِن فهمها وأن يعمل على تحقيقها ليفوز بالخيرات العظيمات والفضائل المتعدِّدات من رب الأرض والسماوات .
وليتق الله إنسانٌ دخل مدخلاً آثما، وليعلم أنه سيقف موقفاً بين يدي الله وسيسأله رب العالمين، فعلى العبد أن يتقيَ الله ربه، وأن يصون فرجه، وأن لا يتعدى حدود الله تبارك وتعالى، وأن يراقب الله في سرِّه وعلنه وغيبه وشهادته، وأكبر زاجر في هذا الباب بل وفي كل باب أن تعلمَ أن رب العالمين يراك وأنه سبحانه لا تخفى عليه منك خافية { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق:14]، وإذا تذكَّر العبد رؤية الله له واطلاعه عليه وعلمه به فإن ذلك أكبر زاجر وأعظم رادع .
وفي حفظ الفروج وصيانتها من الوقوع في الزنا وما يلحق به من السِّحاق واللواط والاستمناء وغير ذلكم من الأفعال التي هي من التعدِّي والتجاوز في هذا الباب كما مرَّ معنا في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } أي في هذا لا يكون ملوماً، ومن تعدَّى ذلك فهو معتدٍ وملوم وسيعاقبه ويحاسبه الله تبارك وتعالى .
إن عدم حفظ الفرج له آثارٌ عظيمة ذكرها أهل العلم، ومن ذلكم عباد الله ما بسطه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامٍ عظيم له في هذا الباب يحسُن بنا جميعاً أن نتأمله . 
يقول رحمه الله تعالى : " والزنا يجمعُ خلال الشر كلها ؛ من قلَّة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلَّة الغيْرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاءٌ بعهد، ولا صدقٌ في حديث، ولا محافظةٌ على صديق، ولا غيْرةٌ تامة على أهله، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنَفَة للحُرَم وذهاب الغيرة من القلب من شُعبه وموجباته، ومن موجباته : غضبُ الرب بإفساد حُرمه وعياله، ولو تعرَّض رجلٌ إلى ملِكٍ من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة، ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغَشَيان الظلمة له، ومنها الفقر اللازم، ومنها أنه يُذهِب حرمة فاعله، ومنها أنه يسلِبه أحسن الأسماء وهو اسم العفَّة والبِرِّ والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن، ومنها أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي أنه قال: ((لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ)) فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان، [ومنها أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي فيه الزناة والزواني]، ومنها أنه يفارقه الطِّيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور:26]، وقد حرَّم الله الجنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب قال الله تعالى: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل:32]، وقال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر:73]، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخُبث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميَّز الخبيث من الطيِّب وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيِّب ولا يدخل الجنة خبيث، ومنها أنه يعرِّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن " . 
قال ابن القيم - والكلام لا يزال له - : " فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر " .
والواجب على كل مؤمن أن يعمل ولاسيما في هذا الزمن الذي كثُرت فيه الشرور وتعدَّدت فيه أنواع الفتن أن يعمل على صيانة نفسه بإبعادها عن كل أمرٍ يقرِّبه من الزنا أو يدنيه منه، فإن الله عز وجل لما حرَّم الزنا قال : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } [الإسراء:32] وفي هذا تحريمٌ للزنا وتحريمٌ لكل سببٍ أو أمرٍ يُدني منه ويقرِّب منه، ولهذا جاء في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه ذكر زنا العين وزنا اللسان وزنا الأذن وزنا اليد ثم قال صلى الله عليه وسلم : ((وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) .
ولقد جُبلت النفوس على بُغض الزنا وكراهيته وإدراك قبحه وشناعته وأنَّ إنساناً لا يرضى ذلك لأهله أو أحدٍ من قرابته، ولنتأمل في هذا المقام ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا مَهْ مَهْ، فَقَالَ : (( ادْنُهْ )) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ، قَالَ : (( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ))، قَالَ : (( أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ )) قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : (( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ))، قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ )) فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ .

خطورة التبرج


https://al-bassair.blogspot.com/

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله

أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله جل وعلا هي خير الوصايا وأعظمها ، وهي وصية الله تبارك وتعالى للأولين والآخرين من خلْقه كما قال جل وعلا: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ }[النساء:131] .
إنَّ نعمة الله جل وعلا علينا بهذا الدين نعمةٌ عظيمة ومنَّةٌ جسيمة؛ فإن الدين كلُّه محاسن في هداياته العظيمة وتوجيهاته القويمة وإرشاداته السديدة ، ومن ذلك -يا ما يختص بالمرأة المؤمنة من حماية فضيلتها ورعاية شرفها والعناية بعفَّتها وإبعادها عن مواقع الردى والفتنة والشرور .
: ولهذا جاء الإسلام في جملة هداياته للمرأة بنهيها عن التبرج ومنعها منه وتحذيرها من فعله ، لما يترتب عليه من شرورٍ عظيمة وآفاتٍ جسيمة وأخطارٍ وخيمة على المرأة نفسها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه .
لنتأمل في هذا المقام في آيةٍ كريمةٍ عجيبٌ أمرها في هذا الباب؛ ألا وهي قول الله عز وجل : {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:60] .
فتأمل رعاك الله ، وتأملي أيتها المرأة المسلمة هداك الله في أمر الله عز وجل للمرأة الكبيرة المسِنَّة التي لا مطمع فيها لا ترجو نكاحًا ولا تطمع فيه ولا يطمع فيها أيضًا الرجال؛ نهاها الله سبحانه وتعالى أن تتبرج بزينةٍ بأن تُظهِر شيئًا من زينتها أو تضعُ شيئًا يجمِّلها ويحسِّنها فيكون ذلك داعيةً للفتنة وموجبًا لإثارة الشر .
يقول في هذا المقام الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى موضحًا ما تشتمل عليه هذه الآية الكريمة من هداية عظيمة : «وإذا كان العجائز يُلزَمن بالحجاب عند وجود الزينة ولا يُسمح لهن بتركه إلا عند عدمها وهنَّ لا يفتن ولا مطمع فيهن؛ فكيف بالشابات الفاتنات !! ثم أخبر سبحانه أن استعفاف القواعد بالحجاب خيرٌ لهن ولو لم يتبرجن بزينة؛ وهذا كلُّه واضحٌ في حث النساء على الحجاب والبُعد عن السفور وأسباب الفتنة» انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
عباد الله : ولقد جاء في القرآن والسنة نصوص كثيرة في هذا الباب مبينةً عظم شأن هذا الأمر ووجوب بُعد المرأة عن التبرج وأن هذا خطرٌ عليها ومضرةٌ لمجتمعها وأنه من خطوات الشيطان وأعمال الجاهلية ، قال الله عز وجل : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: ٣٣] ؛ فبيَّن جل في علاه أنَّ تبرج المرأة بالزينة عملٌ قبيحٌ من أعمال الجاهلية القبيحة وشنائع فِعالها .
وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا))؛ وهذا من أدل ما يكون على أن تبرج المرأة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام ومن موجبات دخول النار .
وجاء في سنن البيهقي من حديث أبي أُذَيْنَة الصَّدَفِيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ؛ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ)) رواه البيهقي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع وهو قليل جدًا في الغربان .
ومما جاء في هذا الباب -باب عدم التبرج والتحذير منه- ما ثبت في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ رضي الله عنها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : ((أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقِي، وَلَا تَزْنِي ، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ ، وَلَا تَنُوحِي ، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى))؛ فعدَّ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأمور التي يبايع النساء عليها عند دخولهن في هذا الدين العظيم وعليه فإن المتبرجة نقضت هذا العهد العظيم والميثاق الكريم والبيعة الشريفة التي أخذها النساء الأوَل وهنَّ يبايعن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
والتبرج -يا معاشر المؤمنين- من خطوات الشيطان الآثمة ودعواته الفاتنة المضرَّة بالنساء وبالمجتمع كله؛ يقول الله تبارك وتعالى: { يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}[الأعراف:27] .
والتبرج آفةٌ عظيمة ومضرةٌ جسيمة على المجتمعات؛ فإن المجتمع المسلم إذا وُجد فيه النساء المتبرجات وكثُرن في المجتمع أضررن بالمجتمع ضررًا عظيما ، وأصبحن بهذا التبرج داعياتٍ للرذيلة ، ناشراتٍ للفساد محركاتٍ ومهيجاتٍ للفتنة ومثيراتٍ لمطامع كل من في قلبه مرض؛ وهذا مبتغى أعداء دين الله من المرأة للفتك بالمجتمعات المسلمة ، ولهذا قال أحد أعداء الدين : "انزعوا الحجاب من المرأة المسلمة وغطوا به القرآن"؛ أي أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة فقد قضيتم على المجتمع المسلم وتمكَّنتم من إشاعة الشرور والرذيلة والفساد فيه ، مما يحقق هلاك المجتمع ودماره .
فالحذر الحذر -يا معاشر المؤمنين- ولنتقِ الله سبحانه وتعالى ولنرعَ هذه الأمانة ، وعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل ولتحذر أشد الحذر من أن تكون من هؤلاء النساء أهل هذا الوصف الذميم .
روى النسائي في السنن الكبرى عن عمارة بن خُزيمة بن ثابت قال : كُنَّا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ ، فَلَمَّا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجِهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ دَخَلَ الشِّعْبَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِغِرْبَانٍ كَثِيرٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا كَقَدْرِ هَذَا الْغُرَابِ مَعَ هَذِهِ الْغِرْبَانِ)) . ورواه الحاكم في مستدركه وقال : ((وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا فِيهَا خَوَاتِيمُ)) . ورواه أبو يعلى في مسنده وقال : ((فِإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ عَلَيْهَا جَبَائِرَ لَهَا - أي أساور في معصمها من ذهب أو فضة - وَخَوَاتِيمَ وَقَدْ بَسَطَتْ يَدَهَا إِلَى الْهَوْدَجِ)) .
لنتأمل يا معاشر المؤمنين في هذه القصة العظيمة والموقف العجيب من هذا الصحابي رضي الله عنه عندما رأى امرأةً على هودجها، ومن المعلوم أن الهودج لا يكشف من المرأة شيئا إلا أنها أخرجت يدها فقط وعليها بعض الحلي، فقال رضي الله عنه ما قال وتذكَّرَ كلام النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في شأن النساء؛ فكيف به رضي الله عنه وأرضاه لو رأى ما تبدَّلت إليه حال كثير من النساء في كثير من المجتمعات من وقوع شنيعٍ في التبرج وإظهار المفاتن وإبداء المحاسن غير مباليات بشرع الله وحدوده جل في علاه؛ فاتناتٍ مجتمعاتهن مثيراتٍ للفاحشة والرذيلة عياذًا بالله .
فعلى المرأة أن تتأمل في هذه النصوص العظيمة وأن تتذكر وقوفها بين يدي الله جل وعلا ومفارقتها لهذه الحياة وأنَّ الله عز وجل سائلها يوم تلقاه عن هذه الأعمال الشنيعة والجنايات الفظيعة . ألا فلتتقِ الله كل امرأة مسلمة تخاف مقامها بين يدي الله تبارك وتعالى .
وإنَّا لنسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يمنَّ على نسائنا وبناتنا بلباس الحشمة والعفاف والستر والصيانة، وأن يعيذهن من موجبات الفتنة وأسباب الشرور ودعاة الرذيلة بمنِّه وكرمه سبحانه.


samedi 24 septembre 2016

قرار المرأة وقارها

قرار المرأة وقارها



إن النعمة علينا معاشر المسلمين والمنة عظيمة بالهداية لهذا الدين والصراط المستقيم .
أيها المؤمنون : إنه دين الله تبارك وتعالى الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دينا سواه ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3] ، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85] ، إنه الدين الذي أصلح الله به العقائد والأعمال والأخلاق ، وأصلح به ظاهر المرء وباطنه ، وزيَّنه بجمال هذا الدين وكماله ، إنه الدين - عباد الله - الذي من تمسك به أفلح ونجح ، ومن تركه ترحّلت عنه العقيدة السليمة والأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة النبيلة.

أيها المؤمنون : وإن من تدابير الدين العظيمة وتوجيهاته المباركة تلك التوجيهات التي جاءت في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام مختصة بالمرأة المسلمة ، محقِّقة لها في تمسكها بتلك الآداب والتوجيهات الفلاح والسعادة والصيانة والرفعة في الدنيا والآخرة ، والمرأة المسلمة - عباد الله - إذا وفقها الله جل وعلا وشرح صدرها للتمسك بآداب الإسلام وأهدابه سعِدت وسلِمت وسلِم أيضا مجتمعها من الافتتان بها ، لأن المرأة - أيها المؤمنون- فتنة ، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ((فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )) ؛ فالفتنة في النساء فتنة عظيمة وشديدة للغاية وقد خافها وخشيها نبي الهدى والرحمة صلوات الله وسلامه عليه على أمته . وجاء الإسلام بتوجيهات مسددة وإرشادات عظيمة إذا أخذت بها المرأة سلمت وسلم مجتمعها من الافتتان بها .
إن الواجب على المرأة المسلمة أن تقرأ القرآن وأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وتأخذ بالتوجيهات الواردة في الكتاب والسنة مأخذ الجد والعزيمة دون تراخٍ أو توان ؛ فإن في تلك التوجيهات صلاحها وسعادتها في دنياها وأخراها . ولمـَّا تمرد بعض النساء على توجيهات الشرع وإرشاداته الحكيمة وقعن - والعياذ بالله- في مهاوي الرذيلة ومآلات الهلاك ، وكثير منهن بعد خطوات طويلة وعمرٍ مديد أمضيْنه في البعد عن شرع الله وتوجيهات الإسلام أعلنَّ في مناسبات كثيرة فشلهن بسبب ذلك البعد والترحل عن قيم الإسلام وآدابه ، والسعيد من اتعظ بغيره ، والشقي من اتعظ به غيره .
إن المسلمة عندما تتأمل في آداب الإسلام وتوجيهاته لها لا ترى أنها تكبيلٌ لها وتقييد لحريتها كما يزعمه خصوم الإسلام وأعداء الدين ، بل إن توجيهات الإسلام للمرأة المسلمة توجيهاتٌ تكفُل للمرأة الحياة النبيلة والعيش الهنيء بعيداً عن أخطار الفتن ومسالك الانحلال والانحراف والفساد . إن المرأة عندما تأخذ بتعاليم الإسلام تعيش حياة الوقار والكمال والجمال والعفة ، والحديث في بيان هذه التوجيهات يطول ويطول ؛ لكن لنقف مع بعض هذه التوجيهات العظيمة :

يقول الله جل وعلا : ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب:33] ، وفي قراءة ﴿وَقـِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ والمعنى على القراءة الأولى : من القرار وهو المكث في البيوت وعدم الخروج إلا لحاجة وضرورة ملِحّة ، وعلى القراءة الأخرى ﴿ قِرْنَ ﴾ من الوقار . وبين القراءتين تلازم في المعنى ؛ فإن المرأة - أيها المؤمنون - إذا قرت في بيتها تحقق لها الوقار ، بينما إذا كانت خراجة ولاجة فإن هذا الخروج والولوج وعدم القرار في البيوت يفضي بها إلى ترحل الوقار عنها وحلول أضداد ذلك محله .
وفي قوله ﴿ بُيُوتِكُنَّ ﴾ ؛ مع أن البيوت في الغالب ملك للأزواج لكن لما للمرأة من اختصاص بالبيت وبقاءٍ به ورعايةٍ له ومسؤوليةٍ عظيمةٍ فيه أضيف البيت إليها ؛ لأنها مطلوبٌ منها ملازمة البيت والقرار فيه وأن لا يكون لها خروجٌ من بيتها إلا لحاجة .
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ ؛ فإذا خرجت من بيتها تخرج لحاجةٍ أو لضرورة ملتزمةً بضوابط الشرع وأهدابه وآدابه ، فمن التبرج : سفور المرأة وإبداءُها محاسنها ، وإظهارها لزينتها ، وتعطرها وتجملها ، وحرصها على فتن الرجال ولفت أنظارهم ، فكل هذه المعاني من تبرج الجاهلية الأولى التي لا تنال منها المرأة إن فعلتها إلا الانحطاط والسفول والعياذ بالله .
ثم هذه المرأة الكريمة المصونة التي قرّت في بيتِها تأتي التوجيهات إلى الرجل أن يرعى كرامتها وأن يحفظ لها فضيلتها وأن لا يكون هُناك اختلاط بين الرجال والنساء أو خلوةٌ بالمرأة الأجنبية لما يترتب على ذلك من فتن وأضرار ، ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ)) ، وفي رواية ((لاَ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ)) ؛ فالمرأة مطلوب منها أن تقر في بيتها ونُهيَ الرجال الأجانب عن الدخول على النساء في البيوت لما يترتب على ذلك من شر وفتنة وهلاك . (( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ )) أي هل يشمله ذلك ؟ والحمو أو الأحماء : أقارب الزوج عدا آباءه وأبناءه ؛ كأخيه وعمه وخاله وابن عمه وابن خاله .
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : (( الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) ؛ ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) ؛ الحمو: الذي هو قريب الزوج من أخ وعم وابن عم وخال وابن خال قال عنهم صلوات الله وسلامه عليه : ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) فكيف بالرجال الأجانب البعداء عن المرأة ومن ليس لهم بها قرابةٌ ولا بزوجها ؟!
قال: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) ؛ وفي تعبيره عليه الصلاة والسلام بالموت تنبيهٌ إلى أن الإخلال بآداب الإسلام ووصاياه العظام لا يوصل بمن أخلّ بها إلا إلى الموت والهلكة ، نعم !! قد يكون هذا المخِل بآداب الإسلام وأهدابه يمشي على قدميه ويأكل ويشرب ويتحدث ولكنه في الحقيقة ميت ، لمَ ؟ لأن الفضيلة والعفة والشرف والكرامة ماتت عنده فلم يكن من أهلها ، فالفضيلة تموت والعفة تموت والأخلاق تموت ولموتها أسباب ، وديننا جاء لحماية العباد من موت الفضيلة وموت الأخلاق وموت الآداب .
إن المرأة المسلمة ولاسيما في زماننا هذا زمن الفتن ، الزمن الذي انفتح فيه كثير من الناس على عادات الكفار وتقاليدهم بل ومجونهم وانحلالهم وانحرافهم وانحطاطهم وسفولهم ، ومع كثرة النظر وإدمان المشاهدة من خلال القنوات الفضائية ومن خلال مواقع الشبكة العنكبوتية ومن خلال مجلات هابطة ونحو ذلك بدأت تتسلل تلك الأخلاق إلى عقول بعض النساء ، والمرأةُ ضعيفة وسريعةُ الافتتان إلا من حماها الله عز وجل ووقاها وسارعت بإنقاذ نفسها وسد أبواب الفتنة عنها ملتجئةً إلى الله تبارك وتعالى معتصمةً به .
إننا في زمان يجب علينا أن تتضافر فيه جهودنا حمايةً للفضيلة ورعايةً للكرامة وصيانةً للشرف ورعايةً للغيرة الدينية التي جاء بها دين الله تبارك وتعالى لنعيش في كنف الإسلام وآدابه العظام وتوجيهاته المسددة حياة شرف وفضيلة وكرامة ورفعة .
وإذا كان ديننا الحنيف بتوجيهاته العظيمة وإرشاداته السمحة المباركة يريد من المرأة أن تعيش حياة الكمال والفضيلة والرفعة فإن أعداء الدين وخصومه لا يريدون منها ذلك ؛ بل يريدون حياة الرذيلة والانحطاط والسفول ) وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ( [النساء:27] ، نعم ! إنها حقيقةٌ ظاهرة .
عباد الله : إن على المرأة المسلمة أن لا تستهين بهذا الأمر وأن لا تسمع لدعوة كل ناعقٍ وكل هاتف ، وإنما ليكن سماعها مقصوراً على ما كان مُدْعَماً بالحجج البينات والدلائل الواضحات من العلماء المحققين الراسخين أهل الدراية بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام .


إن المرأة في هذا الإسلام إن عاشت مع آدابه عاشت حياةً كريمةً فاضلة ، وإن فُتنت ومضت مع دعاة الفتنة ودعاة الشر والفساد لِتتذكر أنها يوماً من الأيام ستغادر هذه الحياة ، ولتتذكر أن جسمها الجميل ومحاسنها الفاتنة وتزيينها لنفسها وفتنها للرجال سيأتي عليها يوم وتُدرج في حفرة ويهال عليها التراب وتأكلها الديدان ويذهب عنها رونقها وجمالها وتكون في تلك الحفرة رهينةُ أعمالها وقيد ما قدَّمت في هذه الحياة ، فلتتق الله المرأة المسلمة في نفسها خاصة وفي مجتمعها ؛ ليعيش المجتمع حياة الكرماء وحياة الأفاضل النبلاء . 

mercredi 21 septembre 2016

التحذير من اللَّعن والسّب

التحذير من اللَّعن والسّب

https://al-bassair.blogspot.com/

إن دين الإسلام دين الرحمة في أهدافه وغاياته وفي أعماله ومعاملاته ، ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء:١٠٧] ، وأمة الإسلام أمةٌ متراحمة ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد:١٧].

عباد الله : إن رحمة الإسلام علامةً مُشرقةً لأهله وسمةً بارزة ؛ فمن خرج عن دائرتها إنما يمثِّل نفسه ولا يمثل الإسلام، فنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )).

عباد الله : واللعَّان هو المشتغل باللعنة والتي تجري على لسانه هذه الكلمة في كل وقت وفي كل مناسبة . وليس هذا من شأن أهل الإسلام ولا مما تدعو إليه رحمة الإسلام ، يقول صلى الله عليه وسلم عن الصّدِّيقين وهم أعلى أمته رتبة : ((لَا يَنْبَغِي لِلصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا )) ، ويقول عليه الصلاة والسلام عن عموم أهل الإيمان أهل الفضيلة والكمال: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ )) ، وعندما يكون الإنسان بهذه الصفة طعاناً لعانا لا يكون أهلاً لأن يكون يوم القيامة شهيداً لأهل الإيمان ولا شفيعاً لهم عند الله جل وعلا ؛ لأن الشهادة عباد الله مبناها على ذكر أهل الإيمان بالخير والجميل والشفاعة مبناها على الدعاء لهم بالخير وحسن العاقبة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) .

اللعن دعاءٌ بالطرد والإبعاد من رحمة الله، والإسلامُ دعا إلى التراحُم والتواصُل والدعاء بالسلامة والرّحمة والبركة . وشعارُ المسلمين في تلاقيهم " السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته "، ومن الناس والعياذ بالله من يجري على لسانه اللعنُ أكثر مما يجري على لسانه السلام والرحمة والبركة.

اللعنُ شأنُه خطير وأضرارُه جسيمة وعواقبه على صاحبه وخيمة في الدنيا والآخرة وأشدُ اللعن وأَسوَؤُه وأقبحه وأشنعه وأفظعه وأنكاه وأشده جرما : لعن ربّ العالمين والعياذ بالله ، أو لعن دين الإسلام، أو لعن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ ومثل هذا اللعن إذا صدر من مسلم كان بذلك مرتدًا عن الإسلام خارجاً من دائرته ليس من أهل الإسلام بل هو كافرٌ مرتدٌ ملحدٌ زنديق ، لا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفاً ولا عدلا ؛ لا يقبل تبارك وتعالى منه فريضةً ولا نفلا ، وأيُّ جرم أفظع وأشنع من هذا !!

لعنُ المؤمنين ولاسيما خيارَهم وأماثلهم ويأتي في مقدمة أهل الإيمان صحابة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وقد خصّهم عليه الصلاة والسلام بالذكر في هذه المسألة فقال في الحديث الصّحيح : (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )) ، ويشتد الأمر فظاعة والجرم كِبَرا عندما يكون اللعن متجهاً لسادات الصّحابة وخيارهم كصدّيق الأمة وخليفته عمر وبقية الخلفاء الأربعة وبقية العشرة المشهود لهم بالجنة وأزواج النّبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، وقد عدّ غير واحدٍ من العلماء مثل ذلك كفراً ناقلاً من ملة الإسلام واستدلوا على ذلك بالقرآن بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح:٢٩]  ، فكيف والعياذ بالله من يوجِّه لهم اللعنة والسباب !! عياذا بالله من ذلك.

لعنُ المسلم لأخيه أمرٌ في غاية الخطورة وفي أشد ما يكون من الضرر والعياذ بالله ، بل صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الصحيح: ((لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ )) رواه البخاري ومسلم ، وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ )).

وعندما تصدر اللَّعنة من الإنسان على غير مستحِقّ لها من الجماد أو الحيوان أو الإنسان فإنها ترجع إلى صاحبها ، روى أبو داود في سننه بسند ثابت عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا )) ؛ تصوروا - عباد الله - كم من اللعنات تحل على الإنسان عندما يكون لسانه مكثراً من اللعن مستديماً له !! فلا تزال اللعنات تتوالى عليه وتحل عليه ويكون هو المتسبب لنفسه بحلولها.

وأشد ما يكون في اللعن فيما يتعلق بالناس لعن الإنسان لوالديه والعياذ بالله سواءً تسبُّبًا أو إبتداء ؛ إبتداءً : بأن يباشرهما باللعنة ، وتَسبُّبًا : بأن يسب الرجل أبا الرجل فيسبُّ أباه ويسبُّ أمه ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ )).

وما جاء في السنة الصّحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من اللعن بالأوصاف فإن الواجب التزام السنة بهذا كما جاءت ؛ كلعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وكلعنه عليه الصلاة والسلام في الخمر عشرة ، وكلعنه للواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن ، وكلعنه للمتشبهين للرجال من النساء وبالنساء من الرجال ، وكلعنه عليه الصلاة والسلام للمحلِّل والمحلَّل له ، إلى غير ذلك مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من اللَّعن بالأوصاف لا بالتعيين ، وفي مثل هذا - عباد الله - يأتي المرء بهذا الأمر كما جاء في السنة ؛ فإنه جاء في السنة لعناً بالوصف لا بالتعيين ، ولهذا من رأى شخصاً يفعل شيئا من هذه الأفعال لا يحل له أن يلعنه بعينه ؛ لأنه قد يتوب ، وقد يكون قد قام فيه مانع من موانع حلول اللَّعنة ، فلربما رجعت اللعنة على القائل كما سبق أن مر معنا

وقد فرَّق العلماء بين اللعن بالتعميم واللعن بالتعيين كما ثبتت بذلك السنة ، فنبينا صلى الله عليه وسلم لعن بالخمر عشرة ولما جيء بذلك الرجل الذي تكرَّر شربه للخمر فقال أحد الصحابة " لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: (( لا تلعنوه فإنه يحبُّ الله ورسوله )).

إن أمةَ الإسلام أهل هذا الدين الحنيف المبارك ليسَ شأنُهم كالكفار أهل النار الذين شأنهم كما وصف الله : ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف:٣٨] ، فليس هذا شأن أهل الإيمان ؛ بل شأنهم التراحُم والتواصُل والتّعاون على البر والتقوى كما قال الله جل وعلا : ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ ، يقول صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )).


إن شأن المسلم - عباد الله - تجاه إخوانه : رحمتُهم والإحسان إليهم والدعاء لهم بالخير والاستغفار لهم ، لا لعنهم والطّعن فيهم والوقوع فيهم بالمسبَّة ، يقول الله تعالى لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد:١٩] ، ويقول الله تعالى في شأن أهل الإيمان : ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا  ﴾ [الحشر:١٠] ،   وقد رتب الله جلَّ وعلا أجوراً عظيمة وأفضالاً عميمة وخيراتٍ كبيرة لمن يبذل لإخوانه المؤمنين الدعاء والاستغفار ، وتأملوا رعاكم الله في هذا حديثاً واحدا عن نبيكم الكريم عليه الصلاة والسلام رواه الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من حديث عبادة بن الصامت أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: (( مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً )) ؛ كم هي الأجور هنا رعاكم الله !! ؛ إذا قلت رعاك الله في دعائك : اللهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات كان لك من الحسنات بهذه الكلمة بعدد المسلمين من زمن آدم إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها ، فليست هي بالآلاف ولا بالعشرات بل هي ملايين مُمَلْينة . 

mardi 20 septembre 2016

وجوب لزوم الجماعة

وجوب لزوم الجماعة


إن تقوى الله عزّ وجل العُدّة في الشدة والرخاء ، والذخيرة في السراء والضراء، بها تُكشف الغموم وتزال الهموم وتجلب الأرزاق، وتتيسر الأمور وتعظم الأجور ، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]  ويقول تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:4-5] . وبركات التقوى وعوائدها على المتقين لا تُعدّ ولا تحصى ، وتقوى الله عباد الله : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله.
عباد الله : إن نعمة الله جلّ وعلا علينا بهذا الدين عظيمة ، حيث إنه سبحانه جعل هذا الدين مباركاً على أهله ؛ به تنتظم أمورهم ، ويجتمع شملهم ، وتتحقّق مصالحهم، وتزول به عنهم الشرور والآفات والمحن والرزيات ، فنعمة الله على عباده بهذا الدين عظيمة .
عباد الله : وإن ما يتحقق للمسلمين من خيرات وبركات بهذا الدين إنما تتحقق لهم باستمساكهم به ومحافظتهم عليه ورعايتهم لآدابه وخلاله الرشيدة وتوجيهاته المباركة الحميدة ، وسنقف - عبادَ الله - وقفةً مباركة مع حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى من خلاله جمالَ توجيه هذا الدين وحُسن إرشاده لأمّة الإسلام لتنتظم مصالحهم ، ولتتحقق لهم الخيرية ، ولتزول عنهم الشرور والآفات ، وتندفع عنهم الرزايا والبليات ، ولنستشعر - عباد الله - ونحن نسمع هذا الحديث وغيره من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أن دين الله عز وجل كله خير وبركة ، ومصلحة للناس ، وتحقيق لغايات حميدة يعيشون في ظلالها ويسلَمون من الآفات والشرور ، فنبينا عليه الصلاة والسلام لا يدعو إلا لخير ، ولا ينهى إلا عن شر ، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ )) . تأملوا - رعاكم الله - هذا الحديث العظيم المبارك عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه ، وقد انتظم هذا الحديث ثلاث وصايا عظيمة وتوجيهات كريمة لأمة الإسلام لتتحقق لهم بذلك الخيرية وليسلموا من الشرور والآفات التي إن وقعت اختل صفهم ووقعت فيهم أنواع الشرور والبلايا والرزيات ، ثلاث وصايا ما أعظمها وأجلَّ قدرها - عباد الله - فلنتأملها :
أما الوصية الأولى عباد الله : فإنها وصية بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين , وتحذيرٌ من الخروج على جماعة المسلمين ، فإن يد الله على جماعتهم ، والله عز وجل حافظٌ جماعةَ المسلمين ما حافظ المسلمون عليها ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) ؛ والخروج عن الطاعة يكون بنزع اليد عن الطاعة لولاة أمر المسلمين ، والافتيات عليهم ، وعدم السمع والطاعة لهم ، والخروج على جماعتهم، فإذا كان نهج الإنسان كذلك فإنه بذلك يشق صف المسلمين ، ويخلخل وحدتهم ، وينشر بينهم الشقاق والصراع وما لا يحمدون عاقبته لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولهذا جاءت الأحاديث المتكاثرة والنصوص المتضافرة إلى الدعوة للسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين ، والسمع والطاعة إنما تكون بالمعروف ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عزّ وجل ، وإذا كان - عبادَ الله - أهل الإيمان يسمعون ويطيعون لولاتهم دون استنكافٍ أو استكبار فإن مصالحهم بذلك تتحقق ، لأن مصالح الناس لا تتحقق إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بأمير ولا أمير إلا بسمعٍ وطاعة ، فإذا تحققت هذه الأمور انتظمت مصالح المسلمين والتأم شملهم وتحقّقت بينهم التعاون وزالت عنهم الشرور والآفات .
وأما الوصيّة الثانية عباد الله : فهي تحقيق الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية بحيث يكون اجتماع المسلمين وتآخيهم على الإيمان بالله والحبِ في الله والبغضِ في الله ، شأنهم كذلك ؛ لا أن يكون أمرهم مبنياً على تعصباتٍ عِرْقية وحميات جاهلية وحزبيات بغيضة , تشتت ولا تجمع ، وتفرّق ولا تألف ، وتنشر بين الناس التطاحنَ والتدابر ، وإذا كان شأن الناس في تآخيهم لا يراعون هذا المبدأ العظيم التآخي في الله ولأجل الله فإنه تنتشر بينهم العداوات بسبب العصبيات الجاهلية والنزعات العرقية التي تشتت ولا تؤلف وتفرق ولا تجمع ، وتأمل قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ )) فالدعوة ليست للعصبة وإنما الدعوة لدين الله عز وجل ، والتآخي ليس على عرقيات وإنما على دين الله تبارك وتعالى كما قال جلّ وعلا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:١٠] ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))رواه مسلم  ، فالتآخي يكون في الله جلّ وعلا ، والتعاون يكون على طاعة الله ، فإذا خرج الناس عن هذا السبيل وابتغوا غير هذه الجادة، انتشر بينهم العداوة والبغضاء.
وأما الوصية الثالثة عباد الله : فإنها حفظ وحدة المسلمين وحماية بيضتهم ، ورعاية جماعتهم ، ومراعاة حرماتهم والبعد عن إيذائهم ، وحفظ عهودهم ومواثيقهم ، وتأمل هذه الوصايا ، وتأمل هذه التوجيهات مجتمعة في قوله عليه الصلاة والسلام  محذِّرا ومنذرا : (( وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ )) ؛ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم براء ممن كان هذا نهجه وسبيله .
 ألا فلنتقِ الله - عبادَ الله - ولنستمسك بهذا الدين العظيم وبتوجيهات الكريمة لتتحقق لنا الخيرية ، ولنفوز برضا الله تبارك وتعالى ، ولتزول عنا المحن والآفات . وإنّا لنسأل الله عز وجل أن يصرف على المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يوفقهم لكل خير ، وأن يعزّ دينه ويعليَ كلمته، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
عباد الله : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن تقوى الله - عز وجل - عزّ وسعادة وفلاح ورفعة في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائماً وأبداً مع المتقين . واعلموا - رعاكم الله - أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة , ومن شذ شذ في النار ، واعلموا - رعاكم الله - أن الكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصّحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .