el bassaire

mercredi 1 juin 2016

باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود



باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود
شرحُ عُمدةِ الأحكامِ
للشّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُحسنِ التّويجريّ

http://al-bassair.blogspot.com

96- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ».([1])
...........................................
النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرشد إلى أمرين:
الأول: الاعتدال في السجود بحيث لا ينخفض الانخفاض الذي يترتب عليه التصاق الأعضاء ببعضها كحال الكسالى، بل قالوا هذه الصفة قد يترتب عليها نوم المصلي - إذا التصق - ولا يليق بإنسان يؤدي هذه الشعيرة معظما لمن هو بين يديه - وهو بين يدي الله سبحانه وتعالى -، وكذلك لا يجافي ويرتفع الارتفاع الذي لا يليق بالخشوع ولا يليق بحسن السمت في هذه الصلاة فقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اعتدلوا في السجود، ثم بيّن ما يخل في هذا الاعتدال فقال: «ولا يبسط أحدكم يديه انبساط الكلب»، مثل ما مرّ علينا، وانبساط الكلب هو أن يبسط الذراع مع الكف كله على الأرض؛ هكذا يصنع الكلب.
97- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ «أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ - ثَلاثاً - فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ؛ فَعَلِّمْنِي. فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا» .([2])
...........................................
هذا الحديث من الأحاديث المهمة في الصلاة - ولا سيما في بيان الأركان التي لا تصح الصلاة إلا بها -، ما يرد في المتون مثل هذا اللفظ الذي بين أيدينا وقد يرد في الأسانيد من الوصف بأنه فعل رجل سأل رجل جاءت امرأة؛ فإذا هذا الشخص - ذكرا كان أو أنثى - لم يُسَمَّ ولم يذكر باسمه هذا يطلق عليه عند المحدثين مبهم، لأنه لا يعرف عنه شيء، هنا هذا الرجل أُبهم مع أنه بيَّنته روايات أُخر، والإبهام قد يكون المقصود الستر عليه، مثل الرجل الذي جاء إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا رسول الله هلكت، قال: «وما أهلكك؟» قال: أتيت امرأتي وأنا صائم([3])، أو جاء رجل إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني زنيت([4])، هم يعرفونه الصحابة لكن أبهموا اسمه من باب الستر عليه، لأنه قد يكون هذا الفعل الذي سأله عنه مما يُعاب به، وإلّا هذا الرجل اسمه خلاد بن رافع رضي الله عنه، وهذا الحديث يُسمى حديث المسيء صلاته لأنه أساء الصلاة؛ فالنَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبطل صلاته فقال: «ارجع فصلي فإنك لم تصلي» يعني صلاتك غير صحيحة، بالطبع الرجل ثلاث مرات، وفي هذا دلالة على أن التكرار ثلاث مرات مهم في التعليم، مهم في البيان، كان النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا سلّم سلّم ثلاثا([5])، مهم في إقامة الحجة، فأراد النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقيم عليه الحجة وأن يتطلع هو بشوق إلى تصحيح ما وقع فيه من الخطأ، ولذا جاء إلى النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، يؤخذ من هذا فائدة مهمة - قد تغيب عن كثير من الناس -، فبعض المسلمين الآن هداهم الله قد يصل إلى عمر متقدم يصل إلى سنّ الخمسين والسّتين - وحتى من كانت أعمارهم عشرين وثلاثين وأربعين - ويظن أنه معذور بالجهل في أحكام الشرع، هل النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عَذَرَهُ هنا؟ لم يعذره، قال له: صلاتك غير صحيحة، ولذا أحد الصحابة رأى رجلا يتوضأ وهو لا يحسن الوضوء، فقال له: منذ متى وأنت تصلي بهذا الوضوء؟ قال: منذ ستين سنة، قال: هل تعلم أنك لو مت لكنت من أهل النار([6])، لأنك لم تصلي، لن تجد في صحيفتك صلوات، هذا الكلام يقال لمن هو يعيش في بيئة علمية، يعذر بالجهل من كان في بيئة ليس فيها علم، وسائل التعلم غير متاحة نعم معذور، لكن من هو في بيئة علم؛ مدارس ودروس ومشايخ ووسائل اتصال وكتب، كل وسائل العلم متاحة لا عذر لك، وتعلم أنك إن صليت أو تطهرت أو صمت أو حججت على غير الصفة الشرعية الواجبة فهذا العمل غير صحيح وغير مقبول، والدليل صريح، النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى، يقول: «ارجع فصلي فإنك لم تصلي» صلاتك التي صليتها غير نافعة غير صحيحة، ولذا العلماء رحمهم الله قسّموا العلم إلى أقسام:
علم واجب لا يُعْذَرُ به أحد، وهو ما لا يتم الواجب إلا به، سواء كان في الاعتقاد أو في الأحكام أو في المعاملات، يعني لا يأتي إنسان عنده أموال ولا يزكي ويقول أنا أجهل أحكام الزكاة، لا يقبل منه هذا العذر، إذًا أي أمر واجب فالعلم به واجب ولا تتذرع وتظن أن الاعتذار بالجهل سيغنيك أمام الله سبحانه وتعالى، انتبه لنفسك، هذا النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول لهذا الرجل: ما نفعك حسن القصد واجتهاده وصلاته، فقال له: ارجع، فصلاتك غير صحيحة وغير مقبولة، فجاء يتطلع مشفق مستشرفة نفسه فقال: والذي بعثك بالحق يقسم بالله - لا أعرف غيرها فعلمني، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قمت إلى الصلاة» أولا القيام ركن من أركان الصلاة، لو صلّى القادر على القيام جالسا لم تصح صلاته، استثنيت النافلة لأن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم»([7]) هذا في النافلة أما في الفريضة فلا بد من القيام، «إذا قمت إلى الصلاة فكبّر» تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» بالطبع الجمهور على وجوب الفاتحة عدا الحنفية رحمهم الله، فقالوا: هي مشروعة الفاتحة - ولكن ليست بواجبة، فيجوز أن يقرأ ما تيسر من القرآن، ويحتجون بهذا اللفظ وبقول الله سبحانه وتعالى ﴿فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾([8])، لكن ردّ عليهم الجمهور أنه في رواية للمسيء صلاته فاقرأ الفاتحة ثم ما تيسر من القرآن، وأما قول الله سبحانه وتعالى ﴿فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾([9]) فهذا مجمل جاء تفسيره وبيانه في السُّنَّة أن الواجب المتيسر هي الفاتحة، وهناك من العلماء من وجّه حتى رواية «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» أن المقصود بها الفاتحة لأنها هي المتيسرة لدى المسلمين، يعني هو عارف - المسيء صلاته - أن المتيسر هي الفاتحة، فعلى كل حال نحن سيأتينا حديث يدل على وجوبها، والأصل الجمع بين النصوص، قال: «ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتها كلها» يعني في كل الركعات، أخذ العلماء من هذا الحديث ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم «حتى تعتدل، وحتى تطمئن» إلى وجوب الطمأنينة وأنها ركن من أركان الصلاة إذا لم تتحقق لم تتحقق بطلت الصلاة إلا الحنفية رحمهم الله فيرون أنها مشروعة وليست بواجبة، ولذا يُلحظ على كثير من عوامّهم - وفقهم الله للحق - عدم الطمأنينة خصوصا بعد الرفع من الركوع وبعد الرفع من السجود إلى الحال الذي لا يحصل معه حتى مجرد الاعتدال فضلا عن الطمأنينة، تقول أنه أصلا لم يكمل الجلسة ولم يكمل القيام ثم هوى ساجدا، وحجتهم في ذلك أن الطمأنينة ليست واجبة ولكن الآن صار هناك إخلال بالحد الأدنى من الصلاة وهو الاعتدال ليس موجود ناهيك عن الطمأنينة علما بأن النص هنا صريح والأظهر أن سبب فساد وعدم صحة صلاة المسيء صلاته هي الطمأنينة - أنه لم يكن يطمئن رضي الله عنه - فوجهه النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ضرورة الطمأنينة.



([1]) صحيح البخاري (822).
([2]) صحيح البخاري (757).
([3]) صحيح البخاري (1936).
([4]) صحيح البخاري (6815).
([5]) صحيح البخاري (94).
([6]) صحيح. النسائي (1312) بنحوه. صحيح وضعيف سنن النسائي (1312).
([7]) صحيح البخاري (1115).
([8]) المزمل: 20.
([9]) المزمل: 20.