el bassaire

samedi 26 septembre 2015

عيد الأضحى ما يُعمل فيه وما يُجتنب

عيد الأضحى ما يُعمل فيه وما يُجتنب




اعلم أخي المسلم أن للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أعياد لا غير، عيد يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وعيدان يأتيان في كل عام مرة، وهما عيدا الفطر والأضحى، لمَّـا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: « إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى » الحديث، فأبدلنا الله بيومي اللهو واللعب هذين يومي الذكر، والشكر، والمغفرة، والعفـو.

وكما للمؤمنين أعياد في الدنيا فلهم كذلك أعياد في الجنة، يجتمعون فيها، ويتزاورون، ويزورون ربهم الغفور الرحيم، وهي نفس أيام الأعياد الثلاثة في الدنيا: يوم الفطر، والأضحى، ويوم الجمعة الذي يدعى بيوم المزيد؛ أما الخواص فإن أيامهم كلها عيد، حيث يزورون ربهم في كل يوم مرتين بكرة وعشياً.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعياداً فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعياداً". قال الحسن: "كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذكره، وشكره فهو له عيد".

فما الذي ينبغي علينا أن نعمله في هذا العيد، وما الذي ينبغي اجتنابه؟

ما ينبغي عمله في العيد

أولاً: العيدان يثبتان بالرؤية وليس بالحساب، وهذا إجماع من أهل السنة لقوله صلى الله عليه وسلم: « (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين ليلة) »؛ أما الصلاة فبالتقويم الشمسي.

ثانياً: استحب جماعة من أهل العلم إحياء ليلة العيد، منهم الشافعي، ولم يصحّ في ذلك حديث، وكل الآثار التي وردت في ذلك ضعيفة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة.

ثالثاً: التكبير، ومن السنة أن يبدأ التكبير من ليلة العيد في الأسواق، والبيوت، ودبر الصلوات المكتوبة، وفي الطريق، وقبل الصلاة؛ ويكبر الإمام أثناء الخطبة؛ وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"؛ ويستمر التكبير دبر الصلوات إلى صلاة عصر ثالث أيام التشريـق.

رابعاً: من السنة أن يغتسل لصلاة العيد، فقد روي أن علياً وابن عمر رضي الله عنهم كانا يغتسلان، وروي مالك بسند صحيح: "أن ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو"، أي لصلاة العيد.

خامساً: من السنة أن يلبس المسلم أحسن ثيابه ويتطيب لصلاة العيد، وفي يوم العيد، جديدة كانت الثياب أم مغسولة.

سادساً: التعجيل بصلاة العيد بعد الشروق، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، والسنة إخراج النسـاء، حتى الحيض، والأطفال، شريطة أن يكن متحجبات، غير متطيبات، ولا مختلطات بالرجال في الطرقات والمراكب، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وإن لم يلتزمن بذلك فلا يخرجن.

سابعاً: يصلي العيد جماعة، ركعتان، يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات ويرفع يديه فيها، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة "ق"، ويكبِّر في الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة الواقعة، وله أن يقرأ فيها بعد الفاتحة بسبِّح والغاشية، يجهر فيهما بالقراءة؛ وحكمها أنها فرض كفاية، و قيل سنة مؤكدة.

ثامناً : لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد، ولا سنة قبلها ولا بعدها.

تاسعاً: تُصلى العيد في المصلى والصحارى، ولا تُصلى في المسجد إلا لضرورة، إلا في مكة المكرمـة.

عاشراً: كل تكبيرة من تكبيرات العيد سنة مؤكدة، يسجد الإمام والمنفرد للواحدة منها، وقيل لا شيء على من نسيها.

أحد عشر: المسبوق يكمل صلاته بعد سلام الإمام بكامل هيئتها، وإن جاء في الركعة الأولى أوالثانية ووجد الإمام شرع في القراءة كبر في الأولى سبعاً بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً، ومن فاتته الصلاة صلى منفرداً.

الثاني عشر: للعيد خطبتان بعد الصلاة يجلس بينهما، يحث فيهما الإمامُ المسلمين على تقوى الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين أحكام الأضحية وما يتعلق بها، ويسن الاستماع إليهما.

الثالث عشر: بعد الفراغ من الصلاة والخطبة يتعجل الإمام بذبح أضحيته، وكذلك يفعل جميع الناس ، ليفطروا منها، ومن لم يتمكن من الذبح في اليوم الأول ذبح في اليوم الثاني أوالثالث.

الرابع عشر: من السنة أن يرجع من العيد بطريق غير الطريق الذي جاء به.

الخامس عشر: الأضحية له أن يأكل منها، ويتصدق، ويدخر، مالم تكن هناك جائحة، ولا يحل له أن يبيع شيئاً منها.

السادس عشر: والأضحية سنة مؤكدة على الموسرين من الرجال والنساء، المقيمين والمسافرين، المتزوجين وغير المتزوجين، من الأحرار والعبيد، أما المعسر فلا حرج عليه في ذلك.

السابع عشر: يجزئ في الأضحية الجذع من الضأن، وهو ما أتم ستة أشهر؛ والثنيّ من الماعز، وهو ما أتم سنة ودخل في الثانية؛ ومن الإبل ؛ ومن البقر ؛ ويشترط فيها السلامة من العيوب، وقد نهينا أن نضحي بالعرجاء البين عرجها، والعجفاء، والعمياء، والكسيرة.

الثامن عشر: من السنة أن يصل المضحي أهله، وأرحامه، وجيرانه، وأن يصافي ويعافي من بينه وبينه شحناء.

التاسع عشر: يقال في التهنئة بالعيد: تقبل الله منا ومنك، ويقول الرادّ كذلك.

العشرون : الإكثار من ذكر الله تعالى .

الحادي والعشرون: إذا اجتمع عيد وجمعة فقد ذهب أهل العلم في صلاة الجمعة ثلاثة مذاهب:
1. قال أكثر الفقهاء تجب الجمعة بعد العيد.

2. تجب على الإمام فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون"2، وقد روي مثل ذلك عن ابن عمر وابن عباس.

3. لا تجب الجمعة على كل من صلى العيد، الإمام وغيره.


وقد روي هذا عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن الفقهاء الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، ودليل ذلك ما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعـم. قال: فكيف صنع؟ قـال: صلى العيـد، ثم رخص في الجمعة .

و قد روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما عندما كان أميراً على الحجاز واتفق عيد وجمعة أنه صلى العيد ولم يخرج بعدُ إلا لصلاة العصر .

ما يحذر منه في العيد

1. التكلف والإسراف في شراء الملابس والأضحية، وفي صيانة البيوت وتزيينها.

2. الاجتماع في بيوت حديثي 
الموت، سيما النساء، وإعادة الحزن والبكاء في هذا اليوم.
3. زيارة القبور سيما للنساء، وقد منعهن الشارع من زيارة القبور في هذا اليوم وفي غيره.

4. دخول الرجال الأجانب على النساء في البيوت ومصافحتهن، وربما الجلوس معهن.

5. اختلاط النساء والرجال في الحدائق العامة، والمنتزهات، وفي المركبات العامة، وكثير من النساء والبنات متبرجات متطيبات .

6. إقامة الحفلات الغنائية وشهودها.

7. الاشتغال بلعب الورق "الكتشينة" ونحوها.

8. 
الغفلة عن ذكر الله، خاصة صلاة الجماعة.
9. يجب تجنب المعاصي والحذر منها، من شرب خمر، وزنا، وسرقة، وغيبة، ونحوها.

10. شد الرحال لزيارة الأضرحة، والقباب، والموتى، وإيقاد السرج عليها، وإقامة الحوليات ونحوها.

11. إخراج البنات البالغات ودون البلوغ سافرات، كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات. وقد توعد هذا الصنف بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها: { 
يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }.
12. التشبه بما يفعله الكفار في أعيادهم.

13. 
الصيام يوم العيد.
14. التهاون في ترك صلاة العيد.

15. المبالغة في السهر، خشية ضياع صلاة الصبح.


وأخيراً اعلم أخي الكريم، تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، اعلم أن العيد ليس لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب؛ في ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.


dimanche 20 septembre 2015

مشهد التقوى في الحج

مشهد التقوى في الحج
الحج .. آداب وأسرار ومشاهد 
محمد بن إبراهيم الحمد

https://www.facebook.com/hadithecharif
https://www.facebook.com/groups/elbassaire/
https://twitter.com/hadithecharif
https://www.youtube.com/user/hadithecharif
http://al-bassair.blogspot.com



مشهد التقوى في الحج

لكل عبادة في الإسلام حكمةٌ أو حكمٌ يظهر بعضها بالنص عليه، أو بأدنى عمل عقلي، وقد يخفى بعضها إلا على المتأملين المتعمقين بالتفكر، والتدبر، والموفقين بالاستجلاء، والاستدبار.
ولكل عبادة في الإسلام تُؤدَّى على وجهها المشروع، أو بمعناها الحقيقي آ ثارٌ في النفوس تختلف باختلاف العاملين في صدق التوجُّه، واستجماع الخواطر، وإخلاص النيات، واستحضار العلاقة بالمعبود.
والعبادات إذا لم تُعْطِ آثارها في أعمال الإنسان الظاهرة فهي عبادات مدخولة، أو جسد بلا روح.
هذا وإن للحج حِكَماً باهرة، وأسراراً بديعة، وآثاراً على الفرد والأمة.
وما زال المسلمون ينهلون من معين الحج العذب، ويشهدون دروسه النافعة، وينالون من بركاته المتنوعة.
والحديث ههنا سيدور حول أعظم درس، وأكبر حكمة تشهد في الحج، ألا وهي التقوى.
ولو تأملنا النصوص الواردة في الحج لوجدناها في معظمها تدور حول هذا المعنى العظيم، قال الله  تعالى : [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ](البقرة: 197)، وقال  عز وجل : [لَنْ يَنَالَ  اللَّهَ  لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا  وَلَكِنْ  يَنَالُهُ  التَّقْوَى  مِنْكُمْ](الحج: 37)، وقال  تبارك وتعالى :[ذَلِكَ  وَمَنْ  يُعَظِّمْ  شَعَائِرَ  اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ] (الحج :32).
فأولوا الألباب الذين خصهم الله بالنداء لتقواه؛ يأخذون من الحج عبرة للتزود من التقوى، فينظرون إلى أصل التشريع الإلهي، ومكانته المهمة في الدين، ويعلمون أن صدق المحبة والعبودية لله لا يكون إلا بتقديم مراد الله على كل مراد.
فهذا إبراهيم الخليل  عليه السلام  ابتلاه الله  تعالى  بذبح ابنه الوحيد إسماعيل، الذي ليس له سواه، والذي رزقه الله إياه عند كبر سنه، والذي هو أحب محبوب من محبوبات الدنيا.
وهذا الأمر من أعظم البلاء، وبه يتحقق الإيمان، وتظهر حقيقة الامتحان، فالخليل أعطى المسلمين درساً عظيماً للصدق مع الله، وذلك بتقديم مراد الله على مراد النفس مهما غلا وعظم، فإنه بادر إلى التنفيذ مع شدة عاطفته، وعظيم رحمته ورقته وشفقته  فأفلح، وأنجح، وتجاوز هذا البلاء، فرحمه الله، وشلَّ حركة السكين عن حلق ابنه، بعد أن أهوى بها الخليل؛ ففداه الله بذبح عظيم، وجعلها سنة مؤكدة باقية في المسلمين إلى يوم القيامة، ليعاملوا الله تعالى معاملة المحب لحبيبه ومعبوده، فيضحوا بمرادات نفوسهم، ومحبوباتها في سبيل مراد الله ومحبوبه. 
فإذا عرف الحجاج هذا المعنى، وأدركوا هذا السر العظيم الذي لأجله شرعت الهدي والأضاحي؛ عادوا يحملون تلك المعاني العظيمة، التي تجعلهم لا يتوانون عن تنفيذ شيء من أوامر الله، فلا تمنعهم لذة النوم وشهوة الفراش عن المبادرة إلى القيام إلى صلاة الفجر، ولا يمنعهم حب المال، والحرص على جمعه من ترك الغش، والغبن، والربا، والتطفيف، وإنفاق السلع بالأيمان الكاذبة.


ولا يمنعهم حب الشهوات والميل إلى النساء، والطمع في نيل اللذة المحرمة من غض البصر، ولزوم العفة، وحفظ الفروج، إيثاراً لما يحبه الله على ما تحبه نفوسهم، وتنزع إليه طبائعهم، ورغبة في نيل رضا الله، وعوضه في الدنيا والآخرة.
ولا يمنعهم حب الدنيا عن الإنفاق في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
وعلى هذه النبذة اليسيرة من أعمال الحج فقس؛ وهكذا يستفيد أولوا الألباب من هذا الدرس العظيم من الحج ما يتزودون به على التقوى. 
وبما أن الوصية بالتقوى أعظم ما ورد في القرآن الكريم، وبما أن أعمال الحج تدور حول هذا المعنى العظيم  فإليكم شيئاً من البسط لمفهوم التقوى وفضائلها.
تعريف التقوى: عرف العلماء التقوى بتعريفات عديدة هي من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ومن تعريفاتهم ما قاله طلق بن حبيب : التقوى أن تعملَ بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وعرفها الراغب الأصفهاني  بقوله: التقوى بتعارف الشرع حفظ النفس عما يُؤثِم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات.
وقال ابن الجوزي : التقوى اعتماد المتقي ما يحصل به الحيلولة بينه وبين ما يكرهه.
وقال ابن تيمية : اسم تقوى الله يجمع فِعْلَ كلِّ ما أمر الله به إيجاباً واستحباباً, ونهى عنه تحريماً وتنزيهاً, وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد.

وقال ابن رجب : أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تَقِيْهِ منه؛ فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبينما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وقايةً تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معصيته.
والكلام في التقوى يتضمن مسألتين عظيمتين:
المسألة الأولى: التقوى الكاملة: وهي ما اشتملت على فعل الواجبات, وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات، وترك المكروهات، وبعض المباحات, هذا أعلى درجات التقوى, قال الحسن : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال؛ مخافة الحرام.
وقال ميمون بن مِهران : المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه.
المسألة الثانية: أن التقوى لابد أن تكون بعلم: قال ابن رجب : وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يتقي ثم يتقيه.
قال عون بن عبد الله: تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم يُعْلَمْ منها إلى ما علم منها.
وذكر معروف الكرخي  عن بكر بن خنيس  قال: كيف يكون متقياً من لا يدري ما يتقي؟.
ثم قال معروف: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأةٌ فلم تَغُضَّ بصرك, وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك.

ثمرات التقوى:
التقوى وصية الله لخلقه ووصية رسول الله " لأمته, وثمرات التقوى لا تكاد تحصى ولا تحصر؛ إذ هي منبع كل خير ديني ودنيوي، وإليكم ذكراً لبعض تلك الثمرات:
1 الحفظ من الأعداء، قال الله  تعالى : [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً](آل عمران:120).
2 التأييد والنصر والمعية الخاصة، قال  تعالى : [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ](النحل:128).
3 حصول المخرج للمتقي، ورزقه من حيث لا يحتسب، قال  تعالى : [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ](الطلاق).
4 حصول التيسير، قال الله  تعالى : [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً] (الطلاق:4).
5 قبول العمل، قال الله تعالى: [إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ](المائدة:27).
6 أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له، قال الله   تعالى : [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ](الحجرات:13).
7 النجاة من النار، قال الله  عز وجل : [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً] (مريم).
8  دخول الجنة، قال الله  عز وجل : [وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ](آل عمران:133).

9 محبة الله للمتقي، قال الله عز وجل : [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ](التوبة:4).
10 انتفاء الخوف والحزن، ونيل البشارة في الدنيا والآخرة، والفوز العظيم، قال الله  تعالى : [أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ](يونس).   
11 أن الله يجعل للمتقي فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، قال الله  تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً](الأنفال:29).
12 تكفير السيئات، وتعظيم الأجور، قال  عز وجل :[وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً](الطلاق:5).
13 التقوى طريق العلم، قال  عز وجل : [وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ] (البقرة:282).
14 التقوى سبيل الفلاح، قال  عز وجل : [وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (آل عمران:130).
15التقوى خير الزاد، قال  عز وجل : [وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى] (البقرة:197).
16 التقوى خير لباس، قال  عز وجل : [وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ](الأعراف:26).
17 أن العاقبة للتقوى وللمتقين، قال الله  عز وجل : [وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى] (طه:132)، وقال  تعالى : [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ](القصص:83).
18 نيل ولاية الله، قال الله  تبارك وتعالى : [إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ](الأنفال:34).
19 نيل البركات، قال الله  تعالى : [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ](الأعراف:96).
وصايا السلف بالتقوى:
ومما يؤكد شأن التقوى أن السلف الصالح كانوا يتواصون بالتقوى كثيراً، ولو رام أحد من الناس حصر تلك الوصايا لربما أعياه الأمر، وإليكم طرفاً منها:
كان أبو بكر  يقول في خطبته: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله.
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر، دعاه، فوصاه بوصية، وأول ما قال له: اتق الله يا عمر.
وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله  رضي الله عنهما : أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله  عز وجل  فإن من اتقاه وقاه، ومن أقرضه أجزاه، ومن شكره زاده؛ فاجعل التقوى نُصْبَ عينيك، وجلاء قلبك.
واستعمل علي بن طالب رجلاً على سرية فقال: أوصيك بتقوى الله الذي لابد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله  عز وجل  التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين.
ولما ولي خطب فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: أوصيكم بتقوى الله  عز وجل  فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف.

dimanche 13 septembre 2015

من متافع الحج و دروسه

من منافع الحج ودروسه
الحج .. آداب وأسرار ومشاهد
محمد بن إبراهيم الحمد

https://twitter.com/hadithecharif
http://al-bassair.blogspot.com



لقد شرع الله الشعائر والعبادات لِحِكَمٍ عظيمة، ومصالح عديدة لا ليضيق بها على الناس، ولا ليجعل عليهم في الدين من حرج.

ولكل عبادة في الإسلام حِكَمٌ بالغة، يظهر بعضها بالنص عليها، أو بأدنى تدبُّر، وقد يخفى بعضها إلا على المتأملين الموفَّقين في الاستجلاء والاستنباط.

والحكمة الجامعة في العبادات هي: تزكية النفوس، وترويضها على الفضائل، وتطهيرها من النقائص، وتصفيتها من الكدُرات، وتحريرها من رقِّ الشهوات، وإعدادها للكمال الإنساني، وتقريبها للملأ الأعلى، وتلطيف كثافتها الحيوانية؛ لتكون رِقَّاً للإنسان، بدلاً من أن تَسْتَرِقَّهُ.

وفي كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم، وعقله، وإرادته.
هذا وإن للحج أسراراً بديعة، وحكماً متنوعة، وبركاتٍ متعددة، ومنافع مشهودة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة.

قال الله  تبارك وتعالى  في محكم التنزيل: [وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ] (الحج).

والحديث ههنا سيكون حول بعض المنافع التي تشهد في الحج، والتي وردت مجملة في قوله  تعالى : [لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ].

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي  في الآية السابقة: أي لينالوا ببيت الله منافع دينية من العبادات الفاضلة، والعبادات التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية من التكسب، وحصول الأرباح الدنيوية، وهذا أمر مشاهد كلٌّ يعرفها. هـ.

وإليكم طرفاً من تلك المنافع والدروس التي تُنال بالحج:
أولاً: تحقيق العبودية والتوحيد لله تبارك وتعالى : فكمال المخلوق في تحقيق العبودية لربه، وكل ما ازداد العبد تحقيقاً لها ازداد كماله وعلت درجته، وفي الحج يتجلى هذا المعنى غاية التجلي؛ ففي الحج تذلل لله، وخضوع وانكسار بين يديه؛ فالحاج يخرج من ملاذ الدنيا مهاجراً إلى ربه، تاركاً ماله وأهله ووطنه، متجرداً من ثيابه، لابساً إحرامه، حاسراً عن رأسه، متواضعاً لربه، تاركاً الطيب والنساء، متنقلاً بين المشاعر بقلب خاشع، وعين دامعة، ولسان ذاكر يرجو رحمة ربه، ويخشى عذابه.

ثم إن شعار الحاج منذ إحرامه إلى حين رمي جمرة العقبة والحلق لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
ومعنى ذلك: أنني خاضعٌ لك، منقادٌ لأمرك، مستعد لما حملتني من الأمانات؛ طاعة لك، واستسلاماً دونما إكراه، أو تردد.
وهذه التلبية ترهف شعور الحاج، وتوحي إليه بأنه منذ فارق أهله مقبلٌ على ربه، متجردٌ عن عاداته ونعيمه، منسلخ من مفاخره ومزاياه.
ولهذا التواضع والتذلل أعظم المنزلة عند الله عز وجل إذ هو كمال العبد، وجماله، وهو مقصود العبودية الأعظم، وبسببه تمحى عن العبد آثارُ الذنوب، وظلمتها؛ فيدخل في حياة جديدة ملؤها الخير، وحشوها السعادة.


وإذا غلبت هذه الحال على الحجاج فملأت عبودية الله قلوبهم، وكانت هي المحرك لهم فيما يأتون، وما يذرون  صنعوا للإنسانية الأعاجيب، وحرروها من الظلم، والشقاء، والبهيمية.

ثانياً: التعود على اغتنام الأوقات؛  فالوقت رأس مال الإنسان، والوقت من أَجَلِّ ما ينبغي أن يصان عن الإضاعة والإهمال.
وفي الحج يقوم الحاج بأعمال عظيمة، وفي أماكن مختلفة متباعدة مزدحمة، وفي أيام محددة، قد لا تتجاوز أربعة أيام.
وفي هذا دليل على أن في الإنسان طاقةً هائلةً مخزونة لو استثارها لآتت أكلها ضعفين أو أكثر، وهذا درس عظيم يبعث المسلم إلى أن يعتاد اغتنام الأوقات، وأن يحرص على أن لا يضيع منها شيئاً في غير فائدة.

 ثالثاً: ارتباط المسلمين بقبلتهم التي يولون وجوههم شطرها في صلواتهم المفروضة خمس مرات في اليوم؛ وفي هذا الارتباط سر بديع يصرف وجوههم عن التوجه إلى غربٍ كافر، أو شرقٍ ملحد؛ فتبقى لهم عزتهم، وكرامتهم.
رابعاً: تحقق الأخوة الإسلامية: فالقبلة واحدة، والرب واحد، والمشاعر واحدة  واللباس واحد، والمناسك واحدة، والزمان واحد، فكل هذه الأمور تجتمع في الحج، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة للتآخي، والتعارف، والتعاون على مصالح الدين والدنيا.

خامساً: أن الحج فرصة عظيمة للإقبال على الله بشتى القربات: حيث يجتمع في الحج من العبادات ما لا يجتمع في غيره؛ فيشارك الحج غيره من الأوقات بالصلوات وغيرها من العبادات التي تُفعل بالحج وغير الحج، وينفرد بالوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، ورمي الجمار، وإراقة الدماء، وغير ذلك من أعمال الحج..

سادساً: الحج وسيلة عظمى لحط السيئات ورفعة الدرجات؛ فالحج يهدم ما كان قبله، قال النبي " لعمرو بن العاص : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبلهرواه مسلم.

والحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد؛ فعن أبي هريرة  قال: سئل النبي ": أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبروررواه البخاري..

والحج أفضل الجهاد؛  فعن عائشة رضي الله عنها  قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبروررواه البخاري.

والحج المبرور جزاؤه الجنة، قال ": العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنةرواه مسلم.

والحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه إذا كان حجه مبروراً، قال النبي ": من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمهرواه البخاري، ومسلم.

سابعاً: هياج الذكريات الجميلة، ففي الحج تهيج الذكريات الجميلة: وهذا سر بديع من أسرار الحج العزيزة على كل قلب مسلم، وما أكثر تلك الذكريات، وما أجمل ترددها على الذهن؛ فالحاج على سبيل المثال يتذكر أبانا إبراهيم الخليل عليه السلام  فيتذكر توحيده لربه، ومُهاجرَه في سبيله، وكمال عبوديته، وتقديمه محابَّ ربِّه على محابِّ نفسه، ويتذكر ما جرى له من الابتلاءات العظيمة، وما حصل له من الكرامات، والمقامات العالية، ويتذكر أذانه في الحج، ودعاءه لمكة المكرمة، وبركات تلك الدعوات التي ترى آثارها إلى يومنا الحاضر..

ويتذكر الحاج ما كان من أمنا هاجر  عليها السلام  فيتذكر سعيها بين الصفا والمروة؛ بحثاً عن ماءٍ تشربه؛  لتدر باللبن على وليدها أبينا إسماعيل ذلك السعي الذي أصبح سنة ماضية، وركناً من أركان الحج.


ويتذكر أبانا إسماعيل  عليه السلام  فيمر بخاطره مشاركة إسماعيل لأبيه إبراهيم في بناء الكعبة، ويتذكر ما كان من بر إسماعيل بأبيه؛ حيث أطاعه لما أخبره بأن الله يأمره بذبحه، فما كان من إسماعيل إلا أن قال: [افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ](الصافات:102).

ويتذكر الحاج أن مكة هي موطن النبي " ففيها ولد وشب عن الطوق، وفيها تنزل عليه الوحي، ومنها شعَّ نور الإسلام الذي بدد دياجير الظلمات.

ويتذكر من سار على تلك البطاح المباركة من أنبياء الله ورسله، وعباده الصالحين؛ فيشعر بأنه امتداد لتلك السلسلة المباركة، وذلك الركب الميمون.

فهذه الذكريات الجميلة تربط المؤمن بأكرم رباط، وتبعث في نفسه حبَّ أسلافه الكرام، والحرصَ على اتباع آثارهم، والسير على منوالهم.
ثم إن الحاج إذا عاد من رحلة حجه حمل معه أغلى الذكريات، وأعزَّها على نفسه؛  فتظل نفسُه متلهفةً للعودة إلى تلك البقاع المباركة.

ثامناً: اكتساب الأخلاق الجميلة: فالحج ميدان فسيح لمن أراد ذلك؛ فالحاج يتدرب عملياً على الحلم، والصبر، والمداراة، وكظم الغيظ من جراء ما يلقى من الزحام، والتعب، والنصب سواء في الطريق إلى الحج، أو في الطواف، أو في السعي، أو في رمي الجمار، أو غيرها من المناسك؛ فيتحمل الحاج ما يلقاه من ذلك؛ لعلمه بأن الحج أيام معدودة، ولخوفه من فساد حجه إذا هو أطلق لنفسه نوازع الشر، ولإدراكه بأن الحجاج ضيوف الرحمن؛  فإكرامهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم دليل على إجلال الله  عز وجل .

فإذا تحمل الحاج تلك المشاق في أيام الحج صار ذلك دافعاً لأن يتخلق بالأخلاق الجميلة بقية عمره.

ثم إن الحاج يتعلم الكرم، والبذل، والإيثار، والبر، والرحمة، وذلك من خلال ما يراه من المواقف النبيلة الرائعة التي تجسد هذه المعاني؛ فهذا سخي يجود بالإنفاق على المساكين، وذاك كريم بخلقه يعفو عمن أساء إليه، وأخطأ في حقه، وذاك رحيم يعطف على المساكين ويتلطف بهم، وذاك حليم يصبر على ما يلقاه من أذى، وذاك بَرٌّ بوالده يحمله على عاتقه، وذاك يحوط أمه العجوز بلطفه ورعايته.

بل ويكتسب الأخلاق الجميلة إذا رأى من لا يدركون معنى الحج، ممن يغضبون لأدنى سبب، وتطيش أحلامهم عند أتفه الأمور.
فإذا رأى العاقلُ البصيرُ سوء فعال هؤلاء انبعث إلى ترك الغضب، وتجافى عن مرذول الأخلاق.


تاسعاً: تذكر الآخرة: فإذا رأى الحاج ازدحام الناس، ورأى بعضهم يموج في بعض، وهم في صعيد واحد، وبلباس واحد، وقد حسروا عن رؤوسهم، وتجردوا من ثيابهم، ولبسوا الأردية والأزر، وتجردوا من ملذات الدنيا، ومتعها  تذكر يوم حشره على ربه؛ فيبعثه ذلك إلى الاستعداد للآخرة، ويقوده إلى استصغار متاع الحياة الدنيا، ويرفعه عن الاستغراق فيها، ويكبر بِهِمَّته عن جعلها قبلة يولي وجهه شطرها حيثما كان.

أيها الحاج الكريم أسأل الله أن يجعل حجك مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً، وأن يعيد علينا وعليك وعلى أمة الإسلام من بركات الحج.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.