باب في أحكام
صلاة الجمعة
https://twitter.com/hadithecharif
http://almobine.blogspot.com/
سميت بذلك لجمعها الخلق الكثيـر ,
ويومها أفضل أيـام الأسبوع , ففي " الصحيحين " وغيرهما : من
أفضل أيامكم يوم الجمعة وقال صلى الله عليه وسلم : نحن
الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة , بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا , ثم هذا
يومهم الذي فرض الله عليهم , فاختلفوا فيه , فهدانا الله له , والناس لنا فيه تبع وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أضل
الله عن الجمعة من كان قبلنا , فكان لليهود يوم السبت , وللنصارى يوم الأحد , فجاء
الله بنا , فهدانا ليوم الجمعة
شرع اجتماع المسلمين فيه لتنبيههم على عظم نعمة الله عليهم , وشرعت فيه الخطبة
لتذكيرهم بتلك النعمة , وحثهم على شكرها , وشرعت فيه صلاة الجمعة في وسط النهار ,
ليتم الاجتماع في مسجد واحد .
وأمر الله المؤمنين بحضور ذلك
الاجتماع واستماع الخطبة وإقامة تلك الصلاة , قال تعالى : يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَقال ابن القيم : " كان من هدي النبي صلى
الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره , وقد
اختلف العلماء , هل هو أفضل أم يوم عرفة ; على قولين , هما وجهان لأصحاب الشافعي ,
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل ) , و هَلْ
أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ إلى أن قال : " وسمعت شيخ الإسلام ابن
تيمية يقول : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر
الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها ; فإنهما اشتملتا على خلق آدم , وعلى
ذكر المعاد , وحشر العباد , وذلك يكون يوم الجمعة , وكان في قراءتهما في هذا اليوم
تذكير للأمة بما كان فيه ويكون , والسجدة جاءت تبعا , ليست مقصودة حتى يقصد المصلي
قراءتها حيث اتفقت ( يعني : من أي سورة ) "
ومن خصائص يوم الجمعة استحباب كثرة الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته ; لقوله صلى الله عليه وسلم : أكثروا
من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة رواه البيهقي .
ومن أعظم خصائص يوم الجمعة صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم
مجامع المسلمين , من تركها تهاونا بها , طبع الله على قلبه . ومن خصائص يوم الجمعة
الأمر بالاغتسال فيه , وهو سنة مؤكدة , ومن العلماء من يوجبه مطلقا , ومنهم يوجبه
في حق من به رائحة يحتاج إلى إزالتها . ومن خصائص يوم الجمعة استحباب التطيب فيه ,
وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع . ومن خصائص هذا اليوم ; استحباب
التبكير للذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة , والاشتغال بالصلاة النافلة والذكر
والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة , ووجوب الإنصات للخطبة إذا سمعها , فإن لم ينصت
للخطبة , كان لاغيا , ومن لغا , فلا جمعة له , وتحريم الكلام وقت الخطبة ; ففي
" المسند " مرفوعا : والذي
يقول لصاحبه : أنصت , فلا جمعة له
ومن خصائص يوم الجمعة قراءة سورة الكهف في يومها ; فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم : من
قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ; سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء , يضيء به
يوم القيامة , وغفر له ما بين الجمعتين رواه الحاكم والبيهقي . ومن خصائص يوم الجمعة
أن فيه ساعة الإجابة ; ففي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : إن
في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا , إلا أعطاه
إياه ( وقال بيده ; يقللها )
ومن خصائص يوم الجمعة أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده
والشهادة له بالوحدانية ولرسوله جمع بالرسالة وتذكير العباد . وخصائص هذا اليوم
كثيرة , ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه " زاد المعاد " , فأوصلها إلى
ثلاث وثلاثين ومئة . ومع هذا ; يتساهل كثير من الناس في حق هذا اليوم , فلا يكون
له مزية عندهم على غيره من الأيام , والبعض الآخر يجعل هذا اليوم وقتا للكسل
والنوم , والبعض يضيعه باللهو واللعب والغفلة عن ذكر الله , حتى إنه لينقص عدد
المصلين في المساجد في فجر ذلك اليوم نقصا ملحوظا ; فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ويستحب التبكير في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة , فإذا دخل المسجد ; صلى تحية
المسجد ركعتين . وإن كان مبكرا فأراد أن يتنفل بزيادة صلوات ; فلا مانع من ذلك ;
لأن السلف كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله : " والأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام ; لما
في " الصحيح " من قوله صلى الله عليه وسلم " ثم يصلي ما كتب له
" , بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل
المسجد يوم الجمعة من غير توقيت , وهو المأثور عن الصحابة , كانوا إذا أتوا المسجد
يوم الجمعة ; يصلون من حين يدخلون ما تيسر ; فمنهم من يصلي عشر ركعات , ومنهم من
يصلي اثنتي عشرة ركعة , ومنهم من يصلي ثماني ركعات , ومنهم من يصلي أقل من ذلك ,
ولهذا ; كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة
بعدد , والصلاة قبل الجمعة حسنة , وليست بسنة راتبة , وإن فعل أو ترك , لم ينكر
عليه , وهذا أعدل الأقوال , وحينئذ ; فقد يكون الترك أفضل , إذا اعتقد الجهال أنها
سنة راتبة " ا ه . هذا ما يتعلق بصلاة النافلة قبل صلاة الجمعة ; فليس لها
راتبة قبلها , وإنما راتبتها بعدها , ففي " صحيح مسلم " : إذا
صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات وفي " الصحيحين " : أنه
صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين
والجمع بين الحديثين أنه إن صلى في بيته ; صلى
ركعتين , وإن صلى في المسجد , صلى أربع ركعات , وإن شاء صلى ست ركعات ; لقول ابن
عمر : و كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة , تقدم فصلى ركعتين , ثم تقدم فصلى أربعاوالأحقية في المكان في المسجد للسابق بالحضور
بنفسه , وأما ما يفعله الناس من حجز مكان في المسجد , توضع فيه سجادة أو عصا أو
نعلان , ويتأخر هو عن الحضور , ويحرم المتقدم من ذلك المكان , فإن ذلك عمل غير
سائغ , بل صرح بعض العلماء أن لمن أتى المسجد رفع ما وضع في ذلك المكان والصلاة
فيه ; لأن السابق يستحق الصلاة في الصف الأول , ولأن وضع الحمى للمكان في المسجد
دون حضور من الشخص اغتصاب للمكان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وما يفعله كثير من الناس من تقديم
مفارش ونحوها إلى المسجد يوم الجمعة قبل صلاتهم ; فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين ,
بل محرم , وهل تصح صلاة على ذلك المفروش ؟ فيه قولان للعلماء ; لأنه غصب بقعة في
المسجد بفرش ذلك المفروش فيها , ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن
يصلي في ذلك المكان , والمأمور به أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد , فإذا قدم
المفروش ونحوه وتأخر هو ; فقد خالف الشريعة من جهتين : من جهة تأخره وهو مأمور
بالتقدم , ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد ومنعه السابقين له , وأن يتموا الصف
الأول فالأول , ثم إنه إذا حضر يتخطى رقاب الناس " ا هـ .
ومن أحكام الجمعة أن من دخل المسجد والإمام يخطب ; لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز
فيهما ; لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا
جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ; فليصل ركعتين , متفق عليه زاد مسلم : وليتجوز فيهما أي : يسرع . فإن جلس
; قام فأتى بهما , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي جلس قبل أن
يصليهما , فقال له :
قم فاركع ركعتين
ومن أحكام صلاة الجمعة أنه لا يجوز الكلام والإمام يخطب : لقوله تعالى : وَإِذَا
قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قال بعض المفسرين : " إنها نزلت في
الخطبة , وسميت قرانا ; لاشتمالها على القرآن " , وحتى على القول الآخر بأن
الآية نزلت في الصلاة , فإنها تشمل بعمومها الخطبة . وقال صلى الله عليه وسلم : من
قال صه ; فقد لغا , ومن لغا ; فلا جمعة له رواه أحمد . وفي الحديث الآخر : من
تكلم , فهو كالحمار يحمل أسفارا , والذي يقول له : أنصت ; ليست له جمعة
والمراد لا جمعة له كاملة . وفي "
الصحيحين " من حديث أبي هريرة : إذا
قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب ; فقد لغوت أي : قلت اللغو , واللغو الإثم , فإذا كان
الذي يقول للمتكلم : أنصت - وهو في الأصل يأمر بمعروف - , قد لغا , وهو منهي عن
ذلك ; فغير ذلك من الكلام من باب أولى .
ويجوز للإمام أن يكلم بعض
المأمومين حال الخطبة , ويجوز لغيره أن يكلمه لمصلحة ; لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كلم سائلا , وكلمه هو , وتكرر ذلك في عدة وقائع كلم فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعض الصحابة وكلموه حال الخطبة فيما فيه مصلحة وتعلم , ولأن ذلك لا يشغل
عن سماع الخطبة .
ولا يجوز لمن يستمع الخطبة أن
يتصدق على السائل وقت الخطبة , لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله ; فلا يعينه على
ما لا يجوز , وهو الكلام حال الخطبة .
وتسن الصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم إذا سمعها من الخطيب , ولا يرفع صوته بها ; لئلا يشغل غيره بها .
ويسن أن يؤمن على دعاء الخطيب بلا
رفع صوت . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ورفع الصوت قدام الخطيب
مكروه أو محرم اتفاقا , ولا يرفع المؤذن ولا غيره صوته بصلاة ولا غيرها " اه
. ويلاحظ أن هذا الذي نبه عليه الشيخ لا يزال موجودا في بعض الأمصار , من رفع
الصوت بالصلاة على الرسول أو غير ذلك من الأدعية حال الخطبة أو قبلها أو بين
الخطبتين , وربما أن بعض الخطباء يأمر الحاضرين بذلك , وهذا جهل وابتداع لا يجوز
فعله .
ومن دخل والإمام يخطب ; فإنه لا
يسلم , بل ينتهي إلى الصف بسكينة , ويصلي ركعتين خفيفتين كما سبق , ويجلس لاستماع
الخطبة , ولا يصافح من بجانبه .
ولا يجوز له العبث حال الخطبة بيد
أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : من
مس الحصا ; فقد لغا , ومن لغا , فلا جمعة له صححه الترمذي , ولأن العبث يمنع الخشوع . وكذلك
لا ينبغي له أن يتلفت يمينا وشمالا , ويشتغل بالنظر إلى الناس , أو غير ذلك , لأن
ذلك يشغله عن الاستماع للخطبة , ولكن ليتجه إلى الخطيب كما كان الصحابة رضي الله
عنهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة . وإذا عطس ; فإنه يحمد الله
سرا بينه وبين نفسه . ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وإذا جلس الإمام بين
الخطبتين لمصلحة , لكن لا ينبغي التحدث بأمور الدينا . وبالجملة ; فخطبتا الجمعة
لهما أهمية عظيمة في الإسلام ; لما تشتملان عليه من تلاوة القرآن وذكر أحاديث الرسول
صلى الله عليه وسلم , وتضمنهما التوجيهات النافعة والموعظة الحسنة والتذكير بأيام
الله , فيجب الاهتمام بهما من قبل الخطيب ومن قبل المستمعين ; فليست خطبة الجمعة
مجرد حديث عادي كالأحاديث التي تلقى في النوادي والاحتفالات والاجتماعات العادية .
ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض المستمعين لخطبتي الجمعة يرفع صوته بالتعوذ عندما
يسمع شيئا من الوعيد في الخطبة , أو يرفع صوته بالسؤال والدعاء عندما يسمع شيئا من
ذكر الثواب أو الجنة , وهذا شيء لا يجوز , وهو داخل في الكلام المنهي عنه حال
الخطبة .
وقد دلت النصوص على أن الكلام حال
الخطبة يفسد الأجر , وأن المتكلم لا جمعة له , وأنه كالحمار يحمل أسفارا , فيجب
الحذر من ذلك والتحذير منه . وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن صلاة الجمعة فرض مستقل
, ليست بدلا من الظهر . قال عمر رضي الله عنه :
" صلاة الجمعة ركعتان , تمام غير قصر , على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وذلك لأنها تخالف صلاة الظهر في أحكام كثيرة ,
وهي أفضل من صلاة الظهر , وآكد منها , لأنه ورد على تركها زيادة تهديد , ولأن لها
شروطا وخصائص ليست لصلاة الظهر , ولا تجزئ عنها صلاة الظهر ممن وجبت عليه ما لم
يخرج وقتها ; فصلاة الظهر حينئذ تكون بدلا عنها . وصلاة الجمعة فرض عين على كل
مسلم ذكر حر مكلف مستوطن : روى أبو داود بسنده عن طارق بن شهاب مرفوعا : الجمعة حق
واجب على كل مسلم في جماعة , إلا أربعة : عبد مملوك , أو امرأة , أو صبي , أو مريض
إسناده ثقات , وصححه غير واحد . وروى الدارقطني
بسنده عن جابر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر ; فعليه الجمعة يوم الجمعة ; إلا مريضا , أو مسافرا , أو صبيا , أو
مملوكا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " كل قوم
مستوطنين ببناء متقارب , لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا , تقام فيه الجمعة إذا كان
مبنيا بما جرت به عادتهم من مدر أو خشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك , فإن
أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك , وإنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ,
ليسوا كأهل الخيام والحلل , الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر , وينتقلون في
البقاع , وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا " انتهى .
ولا تجب الجمعة على مسافر
سفر قصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره
, فلم يصل أحد منهم الجمعة في السفر .
ومن خرج إلى البر في نزهة أو غيرها , ولم يكن حوله مسجد تقام فيه الجمعة , فلا
جمعة عليه , ويصلي ظهرا .
ولا تجب على امرأة .
قال ابن المنذر وغيره : "
أجمعوا أن لا جمعة على النساء , وأجمعوا أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة ; أن ذلك يجزئ
عنهن , وكذلك إذا حضرها المسافر ; أجزأته , وكذلك المريض ; لأن إسقاطها عن هؤلاء
للتخفيف عنهم , ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد زوال الشمس حتى
يصليها , وقبل الزوال يكره السفر إن لم يكن سيصليها في طريقه "
و يشترط لصحة الجمعة
1- دخول
الوقت ; لأنها صلاة مفروضة , فاشترط لها دخول الوقت كبقية الصلوات ; فلا تصح قبل
وقتها ولا بعده , لقوله تعالى : إِنَّ
الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا وأداؤها بعد الزوال أفضل وأحوط ; لأنه الوقت
الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته , وأداؤها قبل
الزوال محل خلاف بين العلماء , وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر , بلا خلاف .
2 - أن يكون المصلون مستوطنين بمساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به ; فلا تصح
من أهل الخيام وبيوت الشعر الذين ينتجعون في الغالب مواطن القطر وينقلون بيوتهم ;
فقد كانت قبائل العرب حول المدينة , ولم يأمرهم النبي -179- صلى الله عليه وسلم
بصلاة الجمعة
ومن أدرك
مع الإمام من صلاة الجمعة ركعة ; أتمها جمعة ; لحديث أبي هريرة مرفوعا : من
أدرك ركعة من الجمعة , فقد أدرك الصلاة رواه البيهقي , وأصله في " الصحيحين
" .
وإن أدرك أقل من ركعة , بأن رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية قبل دخوله معه ;
فاتته صلاة الجمعة , فيدخل معه بنية الظهر , فإذا سلم الإمام , أتمها ظهرا .
3 - ويشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتين ; لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما
, وقال ابن عمر : كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم , يفصل بينهما بجلوس متفق عليه
ومن شروط
صحتهما : حمد الله , والشهادتان , والصلاة على رسوله , والوصية بتقوى الله ,
والموعظة , وقراءة شيء من القرآن , ولو آية ; بخلاف ما عليه خطب بعض المعاصرين
اليوم , من خلوها من هذه الشروط أو غالبها .قال الإمام ابن القيم : " ومن
تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه ; وجدها كفيلة ببيان الهدى
والتوحيد , وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية , والدعوة إلى الله ,
وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه , وأيامه التي تخوفهم من بأسه , والأمر
بذكره وشكره الذي يحببهم إليه ; فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى
خلقه , ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه , فينصرف السامعون وقد أحبوه
وأحبهم .
ثم طال
العهد , وخفي نور النبوة , وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة
حقائقها ومقاصدها , فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها , وأخلوا
بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها , فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع ,
فنقص بل عدم حظ القلوب منها , وفات المقصود بها " .
هذا ما قاله الإمام ابن القيم في طابع الخطب في عصره , وقد زاد الأمر على ما وصف ,
حتى صار الغالب على الخطب اليوم أنها حشو من الكلام قليل الفائدة :
فبعض الخطباء أو كثير منهم يجعل الخطبة كأنها موضوع إنشاء مدرسي , يرتجل فيه ما
حضره من الكلام بمناسبة وبدون مناسبة , ويطيل الخطبة تطويلا مملا , حتى إن بعضهم
يهمل شروط الخطبة أو بعضها , ولا يتقيد بمواصفاتها الشرعية , فهبطوا بالخطب إلى
هذا المستوى الذي لم تعد معه مؤدية للغرض المطلوب من التأثير والتأثر والإفادة .
وبعض الخطباء يقحم في الخطبة مواضيع لا تتناسب مع موضوعها , وليس من الحكمة ذكرها
في هذا المقام , وقد لا يفهمها غالب الحضور , لأنها أرفع من مستواهم , فيدخلون
فيها المواضيع الصحفية والأوضاع السياسية وسرد المجريات التي لا يستفيد منها
الحاضرون .
فيا أيها الخطباء ! عودوا بالخطبة إلى الهدي النبوي , لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ركزوا مواضيعها على نصوص من القرآن والسنة
التي تتناسب مع المقام , ضمنوها الوصية بتقوى الله والموعظة الحسنة , عالجوا بها
أمراض مجتمعاتكم بأسلوب واضح مختصر , أكثروا فيها من قراءة القرآن العظيم الذي به
حياة القلوب ونور البصائر .
إنه ليس المقصود وجود خطبتين فقط , بل المقصود أثرهما في المجتمع ; كما قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت ,
لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفا بما يحرك القلوب ويبعث بها إلى الحير , وذم الدنيا
والتحذير منها مما تواصى به منكرو الشرائع , بل لا بد من الحث على الطاعة , والزجر
عن المعصية , والدعوة إلى الله , والتذكير بآلائه " , وقال . " ولا تحصل
الخطبة باختصار يفوت به المقصود , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب ,
احمرت عيناه , وعلا صوته , واشتد غضبه , حتى كأنه منذر جيش , يقول : صبحكم ومساكم
" اه .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يسن في خطبتي الجمعة أن يخطب على منبر ; لفعله
عليه الصلاة والسلام , ولأن ذلك أبلغ في الإعلام وأبلغ في الوعظ حينما يشاهد
الحضور الخطيب أمامهم .
قال النووي رحمه الله : " واتخاذه سنة مجمع عليها " .
ويسن أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا أقبل عليهم ; لقول جابر : وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر , سلم
رواه ابن ماجه وله شواهد .
ويسن أن يجلس على المنبر إلى فراغ المؤذن , لقول ابن عمر : كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن , ثم يقوم
فيخطب رواه أبو داود .
ومن سنن خطبتي الجمعة أن يجلس بينهما , لحديث
ابن عمر : كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم , يفصل بينهما بجلوس متفق عليه .
ومن سننهما أن يخطب قائما ; لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم , ولقوله تعالى : وَتَرَكُوكَ
قَائِمًا وعمل المسلمين عليه .
ويسن أن يعتمد على عصا ونحوه .
ويسن أن يقصد تلقاء وجهه ; لفعله صلى الله عليه وسلم , ولأن التفاته إلى أحد
جانبيه إعراض عن الآخر ومخالفة للسنة ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد تلقاء
وجهه في الخطبة , ويستقبله الحاضرون بوجوههم ; لقول ابن مسعود رضي الله
عنه : كان إذا استوى على المنبر ; استقبلناه بوجوهنا رواه الترمذي .
ويسن أن يقصر الخطبة تقصيرا معتدلا , بحيث لا يملوا وتنفر نفوسهم , ولا يقصرها
تقصيرا مخلا , فلا يستفيدون منها , فقد روى الإمام مسلم عن عمار مرفوعا :
إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ; فأطيلوا الصلاة , وأقصروا الخطبة ومعنى قوله : " مئنة من فقهه " ; أي
: علامة على فقهه .
ويسن أن يرفع صوته بها ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب ; علا صوته , واشتد
غضبه , ولأن ذلك أوقع في النفوس , وأبلغ في الوعظ , وأن يلقيها بعبارات واضحة قوية
مؤثرة وبعبارات جزلة .
ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم , ويدعو لإمام المسلمين وولاة
أمورهم بالصلاح والتوفيق , وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند
المسلمين , وعليه عملهم ; لأن الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح من
منهج أهل السنة والجماعة , وتركه من منهج المبتدعة , قال الإمام أحمد : " لو
كان لنا دعوة مستجابة ; لدعونا بها للسلطان " , ولأن في صلاحه صلاح المسلمين
.
وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الأمور , ويسيئون الظن
بمن يفعله .
ويسن إذا فرغ من الخطبتين أن تقام الصلاة مباشرة , وأن يشرع في الصلاة من غير فصل
طويل .
وصلاة الجمعة ركعتان بالإجماع , يجهر فيهما بالقراءة , ويسن أن يقرأ في الركعة
الأولى منهما بسورة الجمعة بعد الفاتحة , ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة
بسورة المنافقين ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما ; كما رواه مسلم عن ابن
عباس , أو يقرأ في الأولى ب سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بـ هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ
أحيانا بالجمعة والمنافقين , وأحيانا ب ( سبح ) والغاشية , ولا يقسم سورة واحدة من
هذه السور بين الركعتين , لأن ذلك خلاف السنة .
والحكمة في الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة كون ذلك أبلغ في تحصيل المقصود .
الملخص الفقهي/ قسم العبادات
تلخيص صالح بن
فوزان بن عبدالله آل فوزان