الجزء 6 شرح
كتاب الموطأ كتاب الأقضية
(
ش ) : قَوْلُهُ فِيمَنْ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ إلَى مَكَان مُسَمًّى ثُمَّ
يَتَعَدَّاهُ بِالتَّقَدُّمِ أَمَامَهُ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَأْخُذَ
كِرَاءَ دَابَّتِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَدَّى إلَيْهِ مَعَ الْكِرَاءِ
الْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ دَابَّتَهُ , وَإِنْ أَحَبَّ كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ
دَابَّتِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى مِنْهُ الْمُكْتَرِي , وَلَهُ
الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى بِالدَّابَّةِ , وَزَادَ
عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّعَدِّي ,
وَلَحِقَهُ الضَّمَانُ , وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ
يَرُدَّ الدَّابَّةَ الْمُكْتَرِي عَلَى
حَالِهَا وَالثَّانِي : أَنْ يَرُدَّهَا وَقَدْ تَغَيَّرَتْ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى
حَالِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَهَا فِي تَعَدِّيهِ إمْسَاكًا
يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَمْسَكَهَا يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا
يَسِيرَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْيَوْمُ وَشِبْهُهُ
قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْبَرِيدِ وَالْبَرِيدَيْنِ , وَإِنْ كَانَ اكْتَرَاهَا
بِالْأَيَّامِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا أَيَّامًا زَائِدَةً عَلَى أَيَّامِ الْكِرَاءِ
فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا لَهُ الْكِرَاءُ فِي أَيَّامِ التَّعَدِّي
مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَوَجْهُ
ذَلِكَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا التَّعَدِّي فِي عَيْنٍ وَلَا
قِيمَةٍ وَلَا فَوَاتِ أَسْوَاقٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ
كِرَائِهَا فِي الْأَيَّامِ الزَّائِدَةِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ
فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا .
(
ش ) : الْمُسْتَكْرَهَةُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَإِنْ
كَانَتْ حُرَّةً فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى مَنْ اسْتَكْرَهَهَا وَعَلَيْهِ
الْحَدُّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ : عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَ
الصَّدَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَدَّ وَالصَّدَاقَ
حَقَّانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَالثَّانِي لِلْمَخْلُوقِ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا
كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَرَدِّهَا قَالَ مَالِكٌ : وَسَوَاءٌ كَانَتْ
حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَغِيرَةً افْتَضَّهَا .
(
ش ) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ : إنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ
الْحَيَوَانِ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ , وَكَذَلِكَ الْعُرُوض , وَكَذَلِكَ كُلُّ
مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا
مَعْدُودٍ أَنْ تَسْتَوِيَ آحَادُ جُمْلَتِهِ فِي الصِّفَةِ غَالِبًا كَالْبَيْضِ
وَالْجَوْزِ كَمَا تَسْتَوِي حُبُوبُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ مِنْ الْمَكِيلِ
وَآحَادِ الْعِنَبِ الْمَوْزُونِ , وَأَمَّا جُمْلَةُ الْحَيَوَانِ مِنْ
الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ , وَإِنْ اسْتَوَى عَدَدًا فَإِنَّ آحَادَ جُمْلَتِهِ لَا
تَسْتَوِي بَلْ تَتَبَايَنُ , وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَدَدًا مِنْ
جُمْلَةِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ
تَعْيِينُهَا دُونَ خِيَارٍ يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّعْيِينِ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ ,
وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالثِّيَابُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا عَدَدًا مِنْ
الْجُمْلَةِ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَوْ بِمَعْنَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ
عَلَى الْقِيمَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يُعْتَدُّ
لَهُ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ جِهَةِ أَعْيَانِهِ , وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ لَهُ مِنْ
جِهَةِ قِيمَتِهِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَعْدُودُ وَالْمَوْزُونُ إنَّمَا يُقْسَمُ
بِمَا يُعْتَبَرُ بِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ يَتَعَلَّقُ
بِعَيْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا
مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ
قِيمَتُهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ مِثْلَهُ , وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ
عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ
وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ
إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ } وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقِيمَةَ
أَعْدَلُ ; لِأَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ صِفَاتِهِ , وَلَا يَكَادُ يَجِدُ
مِثْلَ مَا أَتْلَفَ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى
أَيْضًا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي عَدَدِ مَبِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا
يَجِبُ بِإِتْلَافِهِ الْمِثْلُ كَالدُّورِ , وَقَدْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ مَنْ
لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ بِحَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا
فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ } وَقَدْ كَانَ احْتَجَّ بِهِ عَلَى بَعْضِ مَنْ
يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا ثُمَّ رَأَيْت غَيْرَهُ قَدْ
أَدْخَلَهُ فِي تَأْلِيفِهِ فَخِفْت أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ وَجْهُ
تَأْوِيلِهِ فَلِذَلِكَ أَوْرَدْتُهُ وَأَوْرَدْتُ بَعْضَ مَا كُنْتُ جَاوَبْتُ
بِهِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم
بَيْتُهُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِيهِ لَهُ لَا سِيَّمَا مِمَّا يُسْتَخْدَمُ
وَيُسْتَعْمَلُ , وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الَّذِي وَرَدَتْ مِنْهُ الْهَدِيَّةُ
فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
لَكِنَّهُ أَرْسَلَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى بَيْتِ الَّتِي أَرْسَلَتْ
بِقَصْعَتِهَا صَحِيحَةً وَأَبْقَى الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا
تُشَعِّبُهَا وَتَنْتَفِعُ بِهَا بَدَلًا مِنْ الصَّحْفَةِ الَّتِي أُخِذَتْ
مِنْهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَصْعَتَيْنِ لِلْمَرْأَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ
فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ إذَا اتَّفَقَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى
الرِّضَا بِهَا , وَإِنَّمَا يَجِبُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا أَبَيَا
ذَلِكَ أَوْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم رَأَى ذَلِكَ سَدَادًا فِي الْأَمْرِ فَرَضِيَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي
بَيْتِهَا , وَانْتَقَلَ إلَى الْأُخْرَى فَرَضِيَتْهُ , وَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ
مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْدَاهُمَا أَبَتْ ذَلِكَ فَحَكَمَ بِهِ فَالْحَدِيثُ
لَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ بِوَجْهٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .
( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاسْتِهْلَاكُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا :
أَنْ يَسْتَهْلِكَ الْجُمْلَةَ وَالثَّانِي : أَنْ يَسْتَهْلِكَ الْبَعْضَ
وَاسْتِهْلَاكُ الْكُلِّ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى
الِاسْتِهْلَاكِ غَصْبٌ أَوْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَصْبٌ فَإِذَا تَقَدَّمَ
عَلَيْهِ غَصْبٌ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْغَصْبِ دُونَ
الِاسْتِهْلَاكِ ; لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ الْغَصْبُ لَضَمِنَ . وَقَدْ رَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ
مِنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِتَعَدِّيهِ ,
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى
انْهَدَمَتْ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي
قَوْلِهِ : إنَّ مَا لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ كَالْأَرْضِينَ وَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ
لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى
يُضْمَنُ بِهِ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَضُمِنَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا
يُحَوَّلُ كَالْإِتْلَافِ وَالِاسْتِهْلَاكِ . وَقَالَهُ أَشْهَبُ , وَإِنْ هَلَكَ
بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَصْبَ
تَعَدٍّ يَضْمَنُ بِهِ الْغَاصِبُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ
وَيُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَاتَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ
بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ .
(
ش ) : قَوْلُهُ عليه السلام { مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ } فَقَدْ
قَالَ مَالِكٌ : إنَّ مَعْنَاهُ فِيمَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ
عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَتَابُ فِيهِ كَالزَّنَادِقَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ
سَحْنُونٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى
الله عليه وسلم { مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } يَعْنِي بَعْدَ
الِاسْتِتَابَةِ فَإِنْ تَابَ تُرِكَ فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الْمُظْهِرِ
لِارْتِدَادِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ
لَا يَخْلُو أَنْ يُسِرَّ كُفْرَهُ أَوْ يُظْهِرَهُ , فَإِنْ أَسَرَّهُ فَهُوَ
زِنْدِيقٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى :
مَنْ أَسَرَّ مِنْ الْكُفْرِ دِينًا خِلَافَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا
صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ
مَنَانِيَّةً أَوْ غَيْرِهَا مِنْ صُنُوفِ الْكُفْرِ أَوْ عِبَادَةِ شَمْسٍ أَوْ
قَمَرٍ أَوْ نُجُومٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلْيُقْتَلْ وَلَا تُقْبَلْ
تَوْبَتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : وَمَنْ أَظْهَرَ كُفْرَهُ مِنْ زَنْدَقَةٍ
أَوْ كُفْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ تَابَ
قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ . وَرَوَى سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ
وَأَصْحَابِهِ يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ
قَالَ سَحْنُونٌ إنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ , وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى { فَلَمَّا رَأَوْا
بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ
مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا }
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : الْبَأْسُ هَاهُنَا السَّيْفُ
وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } وَاحْتَجَّ
مَالِكٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ . وَقَالَ سَحْنُونٌ : لَمَّا
كَانَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ عَلَى مَا أَسَرَّ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ ;
لِأَنَّ مَا يُظْهِرُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُسِرُّ ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ
فَلَا عَلَامَةَ لَنَا عَلَى تَوْبَتِهِ , وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ عَلَى مَا
أَظْهَرَ فَإِذَا أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ أَبْطَلَ بِهَا مَا أَظْهَرَ مِنْ الْكُفْرِ
. قَالَ : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاهَرَ بِالْفَسَادِ
وَالسَّفَهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَصَارَ إلَى الْعَدَالَةِ وَمَنْ شَهِدَ
بِالْعَدَالَةِ وَشَهِدَ بِالزُّورِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ , وَإِنْ أَظْهَرَ
الرُّجُوعَ عَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِذَا أَقَرَّ
الزِّنْدِيقُ بِكُفْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِ فَهَلْ تُقْبَلُ
تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَسَى أَنْ تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ ذَلِكَ .
(
ش ) : قَوْلُهُ { أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ
حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَامِ مِنْ
قِبَلِهِ ; لِأَنَّ ابْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَقُولُ إنْ وَجَدَهُ لَمْ يَقْدِرْ
عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ
وَيَضْرِبُهُ بِسَيْفٍ غَيْرِ مُصَفَّحٍ فَأَتَى هَذَا الْقَوْلُ عَلَى
سَبِيلِ الْحُجَّةِ لِيُخْبِرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ غِيرَتِهِ
وَالْإِظْهَارِ لِعُذْرِهِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
نَعَمْ عَلَى مَعْنَى الْمَنْعِ لَهُ مِنْ قَتْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي
قَوْلِهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ , وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ
وَيَصْرِفَهُ عَنْ مَنْزِلِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ مَعَهَا ,
وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ لَهُ مِنْ قَتْلِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ
مِنْ فِعْلِهِ . ( ص ) : ( مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرَى
وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا فَأَشْكَلَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ
أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : إنَّ
هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرُنِي فَقَالَ لَهُ
أَبُو مُوسَى كَتَبَ إلَيَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَسْأَلُك عَنْ
ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ ) . ( ش ) : قَوْلُهُ : إنَّ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا
ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَأَشْكَلَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ الْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ , وَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
يَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
فَضْلِهِ وَتَوَقُّفِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ وَسُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ
يَثِقُ بِعِلْمِهِ وَيَتَسَبَّبُ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ , وَإِنْ كَانَ
الْمَسْئُولُ مُنَابِذًا لَهُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه إنَّ
هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَبَلَغَهُ
خَبَرُهُ وَتَقَدَّمَ الِاسْتِعْدَاءُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ لَا
سِيَّمَا , وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ حُكْمُ شَهِيرٌ فَيَتَعَلَّقُ
بِهِ مَنْ أَرَادَ الْحُكْمَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِأَبِي مُوسَى : عَزَمْت عَلَيْك
لَتُخْبِرُنِي عَلَى مَعْنَى تَبْيِينِ الْقِصَّةِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا بِأَكْثَرَ
مِمَّا يُمْكِنُ وَرُبَّمَا احْتَاجَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ إلَى أَنْ
يُشَخِّصَ الْخُصُومَ فِي ذَلِكَ لِيُبَالِغَ فِي تَتْمِيمِ الْقَضِيَّةِ . (
فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ أَنَا أَبُو حَسَنٍ مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ عِنْدَ
إصَابَةِ ظَنِّهِ كَمَا أَصَابَ ظَنُّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِهِ
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى ثُمَّ قَالَ : إنْ لَمْ يَأْتِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى الزِّنَى بَيْنَ
الْمَقْتُولَيْنِ أُعْطِيَ بِرُمَّتِهِ يُرِيدُ سُلِّمَ إلَى أَوْلِيَاءِ
الْمَقْتُولَيْنِ يَقْتَصُّونَ مِنْهُ إنْ شَاءُوا . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَلَوْ
قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ
الْمَاجِشُونَ إنْ قَاتَلَهُ فَكَسَرَ رِجْلَهُ أَوْ جَرَحَهُ أَنَّ ذَلِكَ
جُبَارٌ , وَإِنْ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى الزِّنَى بَيْنَهُمَا وَجْهُ ذَلِكَ
أَنَّ وُجُودَهُ فِي دَارِهِ أَوْجَبَ لَهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ
وَالْأَذَى وَالْإِبْعَادِ فَإِنْ قَاتَلَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ خُرُوجِهِ كَانَ لَهُ
مُدَافَعَتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْجِرَاحِ وَمَا أَشْبَهِهَا
وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ
بِهِ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ .
( ش ) : قَوْلُهُ : مَنْبُوذًا فَجِئْت بِهِ عُمَرَ
, الْمَنْبُوذُ : هُوَ الْمَطْرُوحُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجِيءُ بِهِ إلَى
عُمَرَ لِيُعْلِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ
مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِيءَ بِهِ
لِيَسْتَفْتِيَهُ فِي أَمْرِهِ وَلِيَسْأَلَهُ الْحُكْمَ لَهُ بِوَلَائِهِ أَوْ
غَيْرَ ذَلِكَ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه مَا حَمَلَك عَلَى
أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ :
اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ أَتَى بِهِ لِكَيْ يَفْرِضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ
الْمَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رضي الله عنه وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي
أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ أَخْذِهِ لَهُ وَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ
حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
وَيَلِي هُوَ أَمْرَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخَافَ التَّسَرُّعَ إلَى أَخْذِ
الْأَطْفَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبَذُوا حِرْصًا عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ
لَهُمْ وَرَغْبَةً فِي مُوَالَاتِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ
لِئَلَّا يَلْتَقِطَهُ مِنْ عِيَالِهِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ إذَا ادَّعَى اللَّقِيطُ مُلْتَقَطَهُ فَلَا قَوْلَ لَهُ إلَّا
بِبَيِّنَةٍ . وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَاهُ مُلْتَقَطِهِ أَوْ
غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ
أَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ شُبْهَةً تُصَدِّقُ دَعْوَاهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُعَلَّقَ بِهِ نَسَبٌ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ
لَهُ فِيهِ شُبْهَةَ الِالْتِقَاطِ
وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ ثَابِتٌ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ مَلَكَ أُمَّهُ .
(
ش ) : قَوْلُهَا : إنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك
عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
النِّكَاحَ كَانَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : . أَحَدُهَا :
الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يُعْجِبُهُ نَجَابَةُ الرَّجُلِ
وَنُبْلُهُ وَتَقَدُّمُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ
أَنْ تُبِيحَ نَفْسَهَا لَهُ فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إلَى وَطْئِهَا
حِرْصًا عَلَى نَجَابَةِ الْوَلَدِ . وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا
زَوْجَ لَهَا يَغْشَاهَا الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ مُنْفَرِدِينَ أَوْ
مُجْتَمَعِينَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ
هَذَا مِنْك فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ
مِنْهُ . وَالثَّالِثُ : الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى
مَوَاضِعِهِنَّ فَمَنْ رَأَى تِلْكَ الرَّايَةَ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْضِعُ بَغْيٍ
فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى إذَا
اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلُهَا قَالَتْ لِبَعْضِهِمْ : هُوَ مِنْك , فَيَلْحَقُ بِهِ
. وَالرَّابِعُ : النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ
الْأَنْوَاعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَثْبَتَ النِّكَاحَ فَلَعَلَّ مَا قَالَ
عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : ابْنُ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي إنَّمَا أَرَادَ
اسْتِلْحَاقَهُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا
الْإِسْلَامُ فَلَمَّا أَرَادَ عُتْبَةُ اسْتِلْحَاقَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ
وَلَمْ يُقِمْ لَهُ بَيِّنَةً مِنْ إقْرَارِهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ , وَأَمَّا
مَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ لَهُ مِلْكَ
أَمَةٍ وَلَا نِكَاحَهَا أَوْ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ
يَعْرِفْ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ
فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَلْحَقُ ذَلِكَ بِهِ مَا لَمْ
يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَا يَلْحَقُ بِهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ
لَهُ عَلَى أُمِّهِ نِكَاحٌ أَوْ مِلْكٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَا
يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ , وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ . وَجْهُ
الْقَوْلِ الْأَوَّل أَنَّ الْأَسْبَابَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ
وَأَكْثَرُهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَطْءِ أَوْ بِأَنَّهُ
وَلَدُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ مَانِعٌ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ ,
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ
الِاسْتِلْحَاقُ إذَا كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ
نِكَاحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى وَجَبَ أَنْ
تَبْطُلَ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الدَّعَاوَى لَكَثُرَ تَعَرُّضُ
الدَّعَاوَى فِي ذَلِكَ وَفَسَدَتْ الْأَنْسَابُ .
ش
) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا
السَّلَامُ فِي الَّذِي يُتَوَفَّى وَيَتْرُكُ وَلَدَيْنِ وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ
دِينَارٍ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ , فَإِنْ قَالَ
أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ قِيلَ لَهُ : قَدْ
أَقْرَرْت لَهُ بِمَالٍ فَيُنْظَرُ إلَى مَا فِي يَدَيْك مِمَّا كَانَ يَصِيرُ
لَهُ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ ; لِأَنَّك مُقِرٌّ لَهُ بِهِ ,
وَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ لَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِينَارٍ وَقَدْ
أَخَذَهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ فَالْمِائَةُ الزَّائِدَةُ قَدْ أَقَرَّ بِهَا
لِلْمُقَرِّ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ
أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ لَا يَسْتَحِقُّهُ
إلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِ أَخِيهِ
وَحْدِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ الْوَرَثَةِ مَنْ يَرْفَعُهُ عَنْهُ ,
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ
أَحَدُهُمَا النَّسَبُ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ
بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ , وَالثَّانِي إقْرَارٌ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ فِيهِ
كَمَا لَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَلَدًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ ثَبَتَ
نَسَبُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَاسَمَهُ الْمَالَ بِاتِّفَاقٍ . ( مَسْأَلَةٌ )
: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا
بِيَدِهِ دُونَ الْمُنْكِرِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إنَّمَا
أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ , فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ
حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا بِأَيْدِيهِمَا وَاَلَّذِي كَانَ يَجِبُ
لَهُ بِذَلِكَ مِنْ السِّتِّمِائَةِ مِائَتَانِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ مِمَّا
بِيَدِهِ بِمِائَةٍ وَشَهِدَ لَهُ عَلَى أَخِيهِ بِمِائَةٍ أُخْرَى مِمَّا
بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ
بِمِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ غَيْرَ مِائَةٍ
وَمِنْ يَدِ الْمُنْكِرِ مِائَةً أُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَدْ اتَّفَقُوا
أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخَوَانِ لَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ يَدِ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَلَا يَخْلُو هَذَا الْإِقْرَارُ أَنْ
تَكُونَ التَّرِكَةُ عَيْنًا , أَوْ عَرَضًا فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَعَلَى مَا
تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ عَرَضًا مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَفَّى عَبْدًا
أَوْ أَمَةً فَأَخَذَ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ أَخُوهُ الْأَمَةَ ثُمَّ
أَقَرَّ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ بِأَخٍ قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ فَهَذَا قَدْ أَقَرَّ
بِثُلُثِ الْعَبْدِ وَثُلُثِ الْأَمَةِ وَقَدْ كَانَ لِلْمُقِرِّ قَبْلَ
الْإِقْرَارِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْإِنْكَارِ فَأَقَرَّ فِي
كُلِّ نِصْفٍ وَجَبَ لَهُ بِثُلُثِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ
فَلَمَّا بَاعَ نِصْفَهُ فِي الْأَمَةِ بِنِصْفِ أَخِيهِ فِي الْعَبْدِ ضَمِنَ
لِأَخِيهِ سُدُسَ قِيمَةِ الْأَمَةِ , وَأَمَّا ثُلُثُ الْعَبْدِ فَوَاجِبٌ لَهُ ;
لِأَنَّ سُدُسَهُ كَانَ بِيَدِهِ وَسُدُسَ آخِرٍ عَاوَضَ فِيهِ أَخَاهُ فَابْتَاعَ
مَا لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِآخَرَ
فَلْيُسَلِّمْهُ إلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ بِكُلِّ حَالٍ ,
وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي سُدُسِ الْأَمَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ , أَوْ يَأْخُذَ
مِنْهُ سُدُسَ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ فَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ
وَلِلْمُقِرِّ نِصْفُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ . وَقَالَ
أَبُو أَيُّوبَ الْبَصْرِيُّ : إنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُعْطِيه
ثُلُثَ الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ لَهُ سُدُسَ قِيمَةِ الْأَمَةِ ;
لِأَنَّهُ بَاعَ ذَلِكَ بِسُدُسٍ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لِأَخِيهِ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو أَيُّوبَ هُوَ
الصَّوَابُ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ ; لِأَنَّ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ
الْعَبْدِ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِسُدُسِ الْأَمَةِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ أَخِيهِ
مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ مَاتَ
الْمُقِرُّ لَمْ يَرِثْهُ , وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَخُوهُ الثَّابِتُ النَّسَبِ
قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا
يُورَثُ بِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ وَارِثٍ ثَابِتِ النَّسَبِ وَلِهَذَا الْمُقِرِّ
أَخٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَرِثُهُ الْمُقَرُّ لَهُ , قَالَ سَحْنُونٌ :
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ لَوَرِثَهُ , وَلَوْ
مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَرِثُهُ الْمُقِرُّ بِهِ
وَالْمُنْكِرُ لَهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ الْمُقِرُّ مِنْ
تَرِكَتِهِ بَدْءًا مِثْلَ مَا كَانَ أَعْطَاهُ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ
بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْمُنْكِرَ جَحَدَهُ إيَّاهُ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو
الْوَلِيدِ رضي الله عنه وَكَانَ عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا كَانَ
يَسْتَحِقُّهُ بِمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُ
الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ أُضِيفَتْ إلَى مَالِ الْمُقَرِّ
لَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ أَخَذَ مِنْهَا الْمُقَرُّ لَهُ
مِائَةً وَخَمْسِينَ وَبَقِيَتْ خَمْسُونَ مِنْ مَالِ الْمُقَرِّ لَهُ فَوُقِفَتْ
فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمُنْكِرُ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَكَمُلَ بِذَلِكَ
وَبِالْمِائَةِ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ تَمَامُ
نَصِيبِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ , وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَإِنَّمَا الْمِائَةُ
الدِّينَارِ الَّتِي بَقِيَتْ بِيَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ
الدَّيْنِ عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . ( فَصْلٌ )
: وَقَوْلُهُ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ اسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ
يُرِيدُ ; لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ قَدْ شَهِدَا لَهُ بِالنَّسَبِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا
إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا لَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ
مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا
يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ الْمَالَ ; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الثَّابِتُ
النَّسَبِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْمَالِ لِوَجْهِ
الْمِيرَاثِ ثُمَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبٌ , وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو
مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ
النَّسَبُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَنْسَابُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَوَفَّى
رَجُلٌ وَيَتْرُكَ مَالًا وَيَأْتِي مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ فَيُقِيمُ
شَاهِدًا وَاحِدًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ
الْمَالَ دُونَ النَّسَبِ , وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ,
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ يَنْفَصِلُ الْمَالُ مِنْ النَّسَبِ
, وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِوَلَدٍ وَاسْتَحَقَّ مَا
يَتَضَمَّنُهُ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ
نَسَبُهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ
مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ , فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يَسْتَحِقَّ
شَيْئًا مِنْ جِهَتِهِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ هَاهُنَا
مُقِرٌّ بِحَقٍّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ , وَإِنَّمَا يَدَّعِي
حَقًّا ثَابِتًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ إلَّا
بَعْدَ إثْبَاتِ النَّسَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَحْكَمُ . ( ص ) : ( قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ
تُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهَا , أَوْ عَلَى زَوْجِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ
الْوَرَثَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِالدَّيْنِ
قَدْرَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْوَرَثَةِ
كُلِّهِمْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَرِثَتْ الثَّمَنَ دَفَعَتْ إلَى الْغَرِيمِ
ثَمَنَ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً وَرِثَتْ النِّصْفَ دَفَعَتْ إلَى
الْغَرِيمِ نِصْفَ دَيْنِهِ عَلَى حِسَابِ هَذَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَنْ أَقَرَّ
لَهُ مِنْ النِّسَاء ) . ( ش ) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ
الْإِقْرَارِ تَجْرِي مَجْرَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِدَيْنٍ
عَلَى مَوْرُوثِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا
تَرِثُ النِّصْفَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَهُوَ
نِصْفُهُ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً تَرِثُ الثُّمُنَ ; لِأَنَّ لِلْمَيِّتِ وَلَدًا
, أَوْ وَلَدَ ابْنٍ إنَّمَا عَلَيْهِمَا مِنْ الدَّيْنِ ثَمَنُهُ , وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ فَوَرِثَ الرُّبُعَ لَكَانَ عَلَيْهَا مِنْ
الدَّيْنِ رُبُعُهُ , وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَتْ أُنْثَى تَرِثُ مَعَ
الْمُقَرِّ لَهُ الثُّلُثَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا صَارَ
إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ , وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهَا الثُّمُنُ
فَأَقَرَّتْ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا ;
لِأَنَّ مَوْرُوثَهَا دُونَهُ وَمَعَهُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَلَا
يُؤَثِّرُ إقْرَارُهَا فِيمَا بِيَدِهَا . وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أَصْحَابُ
مَالِكٍ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مَالِك وَهُمَا ; لِأَنَّهُ لَا
مِيرَاثَ لِوَارِثٍ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَجِبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ
مِنْ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ دَيْنَهُ , وَأَمَّا الْوَارِثُ فَإِنَّهُ وَارِثٌ
مَعَ الْمُقِرِّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ قَبْلَهُ فَلِذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ مَا
يَنُوبُهُ , وَرَوَى هَذَا ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَهَذَا الَّذِي
قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى مَا قَالَهُ
مَالِكٌ , وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى ابْنِ
حَبِيبٍ وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَ
ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا
ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ
بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِهِ , وَلَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ
لَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ,
وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرُّوا بِهِ . وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الدَّيْنُ
كَالْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ
يُؤْخَذُ مِنْ الْمُقِرِّ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ
بِشَهَادَتِهِ لَأُخِذَ مِنْهُ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ
أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يَجِدْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا
شَيْئًا لَأَخَذَ مِمَّا بِيَدِ الْآخَرِ جَمِيعَ حَقِّهِ , وَإِنَّمَا
اسْتَغْرَقَ مَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ ذَلِكَ عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَنُوبُهُ
مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ
أَخَذَ مِنْ الْمُقِرِّ جَمِيعَ حَقِّهِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْإِنْكَارَ مَعْنًى
يَمْنَعُ الْمُقَرَّ لَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ
فَأَوْجَبَ لَهُ اسْتِيفَاءَ جَمِيعِ حَقِّهِ مِمَّنْ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ
مِنْهُ مَانِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الْعَدَمِ . ( ص ) : ( قَالَ مَالِكٌ , وَإِنْ
شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى
أَبِيهِ دَيْنًا أُحْلِفَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَأُعْطَى
الْغَرِيمُ حَقَّهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ ; لِأَنَّ
الرَّجُلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ
شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ كُلَّهُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْ مِيرَاثِ الَّذِي أَقَرَّ
لَهُ قَدْرُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ
وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَجَازَ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ ) . ( ش ) : وَهَذَا كَمَا
قَالَ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ بِمِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ
الْمَرْأَةُ أَنَّ لِهَذَا الْغَرِيمِ عَلَى ابْنِهِ دَيْنًا وَكَانَ الشَّاهِدُ
مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ ,
وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الدَّيْنِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدُهُ , وَإِنْ
كَانَ الشَّاهِدُ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ
لَا يُنَافِي الشَّهَادَاتِ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ لَا
يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَتِهَا حَتَّى يَكُونَ الِاثْنَانِ مِنْ أَهْلِ
الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ أَبَى الْغَرِيمُ أَنْ يَحْلِفَ
اسْتَحَقَّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ
الْمِيرَاثِ وَلَمْ يَحْتَجْ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ إلَى يَمِينٍ , وَكَذَلِكَ
لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ عَدْلٍ لَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ
بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمَ مِنْ
الْوَرَثَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ إذَا لَمْ
يُرِدْ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(
ش ) : قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ
عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ يَعْزِلُونَهُنَّ يَحْتَمِلُ
مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْعَزْلُ عَنْهُنَّ وَهُوَ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
مُحَرَّمٍ فِي الْإِمَاءِ فَإِنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا لِمَنْ
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ .
وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَقَرَّ
أَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَيَعْزِلُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ
يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ حَقِيقَةَ
الْعَزْلِ وَقَدْ يَغْلِبُهُ أَوَّلُ الْمَاءِ , أَوْ الْيَسِيرُ مِنْهُ وَلَا
يَشْعُرُ بِهِ . وَقَالَ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَلَوْ
قَالَ : كُنْت أَطَأُ وَلَا أُنْزِلُ , لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ , وَوَجْهُ
ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْإِنْزَالِ مُتَيَقَّنٌ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ وَلَدٌ . (
مَسْأَلَةٌ ) : وَلَوْ قَالَ كُنْت أَطَأُ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ فَأُنْزِلُ فَفِي
كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ فِي الْأَمَةِ وَلَا يَلْتَعِنُ
فِي الْحُرَّةِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرِيدَ
بِذَلِكَ قُرْبَ الْفَخِذَيْنِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إلَيْهِ
قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَالِاسْتِحَالَةِ فَيَلْحَقُ مِنْهَا الْوَلَدُ وَهَذَا
يَبْعُدُ عِنْدِي ; لِأَنَّهُ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِخَلْقِ وَلَدٍ مِنْ
مَنِيٍّ لَمْ يَنْزِلْ فِي الرَّحِمِ لَمَا لَزِمَ مَنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ حَدٌّ
; لِأَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا
حَدٌّ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ
بِاتِّفَاقٍ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَكْثُرُ فِيهِ الْوَهْمُ
وَالْغَلَطُ وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُهُ الْوَاطِئُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ . (
فَصْلٌ ) : وَالْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ
يَعْزِلُونَهُنَّ أَنْ يُرِيدَ بِاعْتِزَالِهِنَّ فِي الْوَطْءِ الْإِزَالَةَ
لَهُنَّ عَنْ حُكْمِ التَّسَرِّي عَلَى وَجْهِ الِانْتِفَاءِ مِنْ وَلَدِ
الْأَمَةِ دُونَ اسْتِبْرَاءٍ , وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ
وُجُودِ مَعْنًى يَصْرِفُ الْحَمْلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَبِمَاذَا يَكُونُ
ذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ , وَفِي
كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَى خَمْسِ
سِنِينَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ
الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ وَطْءٌ لِغَيْرِهِ
كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا , أَوْ وَهَبَهَا لِامْرَأَةٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ
الثَّانِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُبَاحَ الَّذِي يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ لَا
يُبْطِلُ حُكْمَهُ الْحَيْضُ دُونَ وَطْءٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْحَمْلُ أَصْلُ
ذَلِكَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ .