el bassaire

mercredi 22 mai 2013

فصل في اجتناب النجاسة




أي في أحكام اجتناب النجاسة وما تصح الصلاة فيه واجتناب النجاسة شرط من شروط الصلاة المجمع عليها سواء في ذلك. بدن المصلي. وثوبه. وبقعته. والآيات والأحاديث تدل على وجوب التطهر من النجاسات ولا نزاع في ذلك.

قال تعالى: }وَثِيَابَكَ فَطَهِّر{ قال ابن سرين اغسلها بالماء وقال ابن زيد أمره الله أن يطهر الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها وذلك أن المشركين كانوا لا يطهرون ثيابهم والأمر بالشيء نهي عن ضده و النهي في العبادة يقتضي الفساد و قال بعضهم طهر أعمالك عن الشرك.

واختار الأول ابن جرير والآية تشمل ذلك كله واحتج بالآية على أن اجتناب النجاسة شرط جمع منهم ابن عقيل. والشيخ تقي الدين وغيرهم. قال الوزير وغيره واجمعوا على أن طهارة البدن والثوب وبقعة المصلي شرط في صحة الصلاة.

(وعن أبي سعيد أن النبي –صلى عليه و سلم-) يعني بالناس في نعليه (فخلع نعليه) وهو في الصلاة فخلع الناس نعالهم. فلما انصرف قال لهم لم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت فخلعنا (فقال أتاني جبريل فأخبرني أن بهما خبثًا) وفي لفظ "أذى" وفي لفظ "قذرًا" والمراد النجاسة (رواه أبو داود) ورواه أحمد وابن حبان والحاكم وابن خزيمة فدل على وجوب اجتناب النجاسة في الصلاة وتقدم حكاية الإجماع أنها شرط وهو قول الجمهور.

ولأحمد عن جابر أنه سئل صلى عليه و سلم أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي. قال "نعم إلا أن ترى فيه شيئًا فتغسله" وللخمسة إلا الترمذي عن معاوية قلت لأم حبيبة هل كان رسول الله صلى عليه و سلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت "نعم إذا لم يكن فيه أذى" وحديث تعذيب من لم يتنزه من البول وحديث غسل المذي.

وغسل الحيض و حديث "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر" وغير ذلك مما يدل على وجوب اجتناب النجاسة، وفي الحديث دليل على أنه إذا أزالها سريعًا صحت صلاته وقيل إن علم بعد صلاته أنها كانت عليه أعاد لأنه ترك شرطًا.

وعن أحمد وغيره واحد لا يعيد. وهو مذهب مالك. وقول ابن عمر وابن المنذر واختاره المجد والموفق والشيخ وغيرهم وأفتى به البغوي وتبعوه. وقال النووي هو أقوى في الدليل وهو المختار، وقاله طائفة من العلماء لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله مخطئًا أو ناسيًا لا تبطل صلاته ولا إثم عليه.

قال في الإنصاف وغيره وهو الصحيح عند أكثر المتأخرين قال تعالى }وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ{ والفرق بين طهارة الحدث والخبث أن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها فلا تسقط بالنسيان والجهل. ويشترط فيها النية وطهارة الخبث من باب التروك والمقصود منها اجتناب الخبث فلا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده. ودل الحديث على سنية الصلاة في النعلين. ولأبي داود "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم".

 (وعن أبي قتادة أنه – صلى عليه و سلم - "كان يصلي وهو حامل أمامة" بنت زينب بنت رسول الله – صلى عليه و سلم - "كان يصلي وهو حامل أمامة" بنت زينب بنت رسول الله – صلى عليه و سلم - تزوجها علي بعد فاطمة (متفق عليه) وإنما جاز للعفو عما في بطنها كالنجاسة في جوف المصلي فيعفى عن حمل الحيوان الطاهر في الحياة غير مأكول وأما المأكول فمن باب أولى لطهارة ما في جوفه. ولأحمد من حديث أبي هريرة في قصة الحسن والحسين نحوه.

(وعن أبي مرثد الغنوي) كناز بن الحصين وهو مرثد بن أبي مرثد من بني غنم بن غني أسلم هو وأبوه وشهد بدرًا وقتل يوم غزوة الرجيع شهيدًا في حياته – صلى عليه و سلم - (قال سمعت رسول الله – صلى عليه و سلم - يقول "لا تصلوا إلى القبور) مدفن الموتى. أي لا تكون قبلتكم في الصلاة. والنهي يقتضي التحريم. والمقدار في ذلك ما يعد استقبالاً لها عرفًا.

ولمسلم عن جندب: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" وفي الصحيحين "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم قبورًا" وقال ابن حزم وغيره أحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة متواترة لا يسع أحدًا تركها. وقال غير واحد هو أصل شرك العالم. وقال شيخ الإسلام بعد أن ذكر أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة وإنما هو مظنة اتخـاذها أوثانًا كمـا قال الشافعي وغيره أكره أن يعظم مخلوق، حتى يجعل قبره مسجدًا مخافة الفتنة على من بعده من الناس. وذكره معناه الأثرم وغيره عن سائر العلماء.

وكلما دخل في اسم المقبرة أو حدثت المقبرة بعده حوله أو في قبلته فصلاته فيها كصلاته إليها. ولو وضع القبر والمسجد معًا لم يجز ولم تصح الصلاة فيه (ولا تجلسوا عليها) أي على القبور (رواه مسلم) وفي وطئها أحاديث أخر كقوله لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" رواه مسلم" وللطبراني عن ابن مسعود "لأن أطأ على جمرة أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم" وله من حديث ابن لهيعة في رجل جالس على قبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذيك ويأتي نحو ذلك.

(وعن أبي سعيد مرفوعًا "الأرض كلها مسجد" وتقدم "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره" وغير ذلك من النصوص وخص منه ما يأتي فمنه قوله (إلا المقبرة) وهو كلما قبر فيه لأنه جمع قبر وكلما دخل في اسم المقبرة مما حول القبر لا يصلي فيه لما يفضي إليه ذلك من الشرك وقال الشيخ بل عموم كلامهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد. والنهي عن الصلاة إليها متفق عليه من غير وجه.

ومما خص قوله (والحمام) وهو المغتسل المعـروف (رواه الخمسة إلا النسائي) وقال الترمذي فيه اضطراب وصححه الحاكم وغيره. وورد النهي عن الحمام معللاً بأنه محل الشياطين. وروى عنه –r- "الحمام بيت الشيطان" وعن ابن عباس لا يصلي إلى حش. ولا في حمام ولا في مقبرة. قال ابن حزم لا نعلم لابن عباس مخالفًا من الصحابة. ولا فرق بين مكان نزع الثياب وموقد النار وكل ما يغلق عليه باب الحمام، والظاهر التحريم وهو قول طائفة. والجمهور على الكراهة ما لم يكن فيه نجاسة.

(وعن أبي هريرة مرفوعًا) يعني إلى النبي –r- أنه قال (لا تصلوا في أعطان الإبل صححه الترمذي) ورواه أحمد وغيره وصححه وله طرق وشواهد. والأعطان واحدها عطن ما تقيم فيه وتأوي إليه قاله أحمد وغيره. وقيل ما تقف فيه لترد الماء ومباركها عنده. قال أهل اللغة لا تكون إلا عند الماء أما في البرية وعند الحي فالمأوى. قال الشيخ وغيره والأول أجود. ومعاطن الإبل في الأصل وطنها غلب على مبركها حول الماء والأولى الإطلاق كما هو ظاهر الحديث.

ولا فرق بين أن تكون طاهرة أو نجسة. ولا أن تكون فيها إبل حال الصلاة أولا لعموم هذا الحديث. وحديث "لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها خلقت من الشياطين" وقال "جن خلقت من جن". فعلل الأماكن بالأرواح الخبيثة وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث. قال والفقهاء الذين لم ينهوا عنها إما أنهم لم يسمعوا النصوص أو لم يعرفوا العلة والسنة في ذلك قوية نصًا وقياسًا. وقال ابن عبد البر النهي عن الصلاة في معاطن الإبل جاء معناه من وجوه كثيرة بأسانيد حسان وأكثرها متواتر.

وقال الشيخ أيضًا نهى عن الصلاة في معاطن الإبل لأنها مأوى الشياطين. كما نهى عن الصلاة في الحمام لأنه مأوى للشياطين. فإنه مأوى الأرواح الخبيثة ومأوى الأرواح الخبيثة. ومأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه، وفي موضع الأجسام الخبيثة. بل الأرواح الخبيثة تحب الأجسام الخبيثة.

(وله بسند ضعيف عن ابن عمر نهى) يعني النبي صلى عليه و سلم (أن يصلي في سبع) أي مواطن وفي لفظ "مواطن" يعني مواضع والموطن ما أقيم فيه (المزبلة) وهي الموضع الذي يلقى فيه الزبل ومثله سائر النجاسات (والمجزرة) وهي المكان الذي تنحر فيه الإبل وتذبح فيه البقر والغنم لأنه محل النجاسة فتحرم الصلاة فيها اتفاقًا. ومع الحائل فيه خلاف والأكثر على الكراهة. ويقال المجزرة مأوى الشياطين. وكذا المزبلة ولا خلاف في طهارة الدارسة العافية من آثار أهلها مزبلة كانت أو مجزرة أو كنيسة. (والمقبرة) بفتح الباء وتثلث فتحرم الصلاة فيها وإليها لأنها أصل شرك العالم وتقدم (وقارعة الطريق) ما تقرعه الأقدام بالمرور عليها وهو ما كثر سلوك السالكين فيها لما في ذلك من شغل الخاطر المؤدي إلى ذهاب الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها. عند الجمهور تصح مع الكراهة (وفي الحمام وفي أعطان الإبل) وتقدما (وفوق ظهر بيت الله) الحرام إذا لم يكن بين يديه شاخص منها لأنه مصل على البيت لا إلى البيت.

وقال الموفق والصحيح جواز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم لعموم جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا. ولابن المنذر وغيره بسند صحيح جعلت لي كل أرض طيبة أي طاهرة مسجدًا واستثنى منه المقبرة. والحمام ومعاطن الإبل. بأحاديث صحيحة ففيما عداها يبقى على العموم. وحديث ابن عمر يرويه العمري وقد تكلم فيه فلا يترك به الحديث الصحيح اهـ. والجمهور على صحة الفريضة فيه وفوقه إذا استقبل شاخصًا.

فأما النافلة فتصح إجماعًا لصلاته عليه الصلاة والسلام فيه متفق عليه. والحجر منه ستة أذرع وشيء فمن استقبل ما زاد لم تصح صلاته ألبتة وقال غير واحد من كان فرضه المعاينة لم تصح لأن الحجر في المشاهدة ليس من الكعبة فعمل به في الطواف دون الصلاة احتياطًا. ولو غيرت مواضع النهي بما يزيل اسمها كجعل الحمام دارًا. ونبش المقبرة. ونحو ذلك صحت. وتحرم في الحش. وهو ما أعد لقضاء الحاجة لمنع الشرع من الكلام وذكر الله فيه فالصلاة أولى قال. ابن عباس لا يصلين إلى حش ولا يعلم له مخالف. قال الشيخ وكره عامة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش. قال ولا فرق عند عامة أصحابنا وغيرهم بين أن يكون الحش في ظاهر جدار المسجد أو باطنه وهو المنصوص عن أحمد والمأثور عن السلف.

وذكر مواضع الأجسام الخبيثة ثم قال ولهذا كانت الحشوش محتضرة تحضرها الشياطين والصلاة فيها أولى بالنهي عن الصلاة في الحمام ومعاطن الإبل والصلاة على الأرض النجسة. ولم يرد في الحشوش نص خاص لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى بيان. ولهذا لم يكن أحد من المسلمين يقعد في الحشوش ولا يصلي عليها. وإذا سمعوا نهيه عن الصلاة في الحمام وأعطان الإبل علموا أن الصلاة في الحشوش أولى وأحرى.

وتكره في الكنيسة المصورة والبيعة وقال هما كالمسجد على القبر وكل مكان فيه تصاوير لخبر عائشة وتكره في أرض الخسف وأرض بابل وتكره في الرحى وعلله بما يلهي المصلي من الصوت ويشغله. وقال النووي الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق. وذكر مثل مواضع الخمر والحانة ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة لقوله: "إن هذا موضع حضرنا فيه الشيطان" وتكره إلى نـار لأنـه من فـعل المجوس

ويحرم أن يصلي في الأرض المغصوبة لما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه كما لو ستر عورته بمغصوب وذكر بعضهم غير ذلك.

فصل الإمامة




أي في أحكام الإمامة وفضلها مشهور. تولاها النبي –صلى الله عليه و سلم- وخلفاؤه وهم لا يختارون إلا الأفضل وتقدم هل الأذان أفضل أو لا ورجح بعض أهل العلم أنها أفضل. وله أجر بذلك لما في الحديث "ثلاثة على كثبات المسك يوم القيامة رجل أم قومًا وهم له راضون" الحديث وحديث "له من الأجر مثل من صلى خلفه" ويجوز طلبها لقوله يا رسول الله "اجعلني إمام قومي" وليس من طلب الرياسة المكروهة فإن ذلك مما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يعان من طلبها ولا يستحق أن يعطاها. ويشهد له عموم قوله }وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{.

(عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (أن رسـول الله – صلى الله عليه و سلم - قال: يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله) أي أحسنهم قراءة على ما تقتضيه طبيعته من غير تكلف. أو أكثرهم حفظًا للقرآن. وفي الصحيح عن عمرو بن سلمة "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا" قال فقدموني وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين وكلهم من الصحابة. قال ابن حزم ولا نعلم لهم مخالفًا وهو قول الجمهور.

وأم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنًا وأبو عمرو مولى عائشة. ولأبي داود من حديث ابن عباس "ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم" (فإن كانوا في القراءة سواء) أي استووا في القدر المعتبر منها إما في حسنها أو في كثرتها وقلتها وفي لفظ وإن كانت القراءة واحدة (فأعلمهم بالسنة) أي أفقههم في دين الله وتقديم الأقرأ على الأفقه مذهب أبي حنيفة وأحمد.

وقال الحافظ لا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما تتعين معرفته من أحوال الصلاة. أما إذا كان جاهلاً فلا يقدم اتفاقًا اهـ. وكذلك لا يقدم أمي من عجز عن فرض القراءة إلا بمثله. لأنه بصدد تحمل القراءة عن المأموم ولأن القراءة شرط فلم يصح اقتداء القادر عليها بالعاجز عنها كالطهارة. وتكره إمامة اللحان. والفأفاء. والتمتام. ومن لا يفصح ببعض الحروف. فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أفقه أو أقرأ قدم الأقرأ من الفقيهين أو الأفقه منهما. ولو كان أحد الفقيهين أفقه أو أعلم بأحكام الصلاة قدم.

وذهب مالك والشافعي إلى أنه لو تعارض فضل القراءة وفضل الفقه قدم الأفقه لأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر من احتياجه إلى القراءة لأن ما يجب في الصلاة محصور وما يقع فيها من الحوادث غير محصور ولتقديم أبي بكر على من هو أقرأ منه كزيد وأبي. وقال الزركشي وغيره لا خلاف بين العلماء أنه يقدم بعد الأقرأ الأفقه ولو قدم الأفقه على الأقرأ جاز قال الموفق لا أعلم فيه خلافًا إذ الأمر فيه أمر إرشاد. وقال شيخ الإسلام إذا كان رجلان من أهل الديانة فأيهما كان أعلم بالكتاب والسنة وجب تقديمه على الآخر وكان ائتمامه به متعينًا.



(فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) أي سبقًا إلى دار الإسلام مسلمًا. والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وهي باقية إلى قيام الساعة وقوله "لا هجرة بعد الفتح" يعني من مكة بعد فتحها إذ ذاك حيث صارت دار إسلام. وإلا فالحكم يدور مع علته. قال شيخ الإسلام فقدم النبي صلى الله عليه و سلم بالفضيلة بالعلم بالكتاب والسنة فإن استووا في العلم قدم بالسبق إلى العمل الصالح وقدم بالسابق باختياره وهو المهاجر على من سبق بخلق الله وهو الكبير السن. وقال في حديث "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" فمن سبق إلى هجر السيئات بالتوبة منها فهو أقدم هجرة فيقدم في الإمامة. (فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًا) لأن كبر السن في الإسلام فضيلة يرجع إليها. وفي الصحيحين من حديث مالك بن الحويرث "وليؤمكم أكبركم" وفي لفظ "أكبركما" ولمسلم وكانوا متقاربين في القراءة. ولأبي داود وكنا متقاربين في العلم. ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء. وفي رواية "سلمًا" أي إسلامًا فيكون من تقدم إسلامًا أولى ممن تأخر وهذا مع الاتفاق في الصفات المتقدمة. .

وقال بعض أهل العلم ثم يقدم الأشرف نسبًا وهو القرشي وتقدم بنو هاشم على سائر قريش لقربهم من رسول الله – صلى الله عليه و سلم - وقال شيخ الإسلام لا يقدم في الإمامة بالنسب، وهو قول أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد لقوله }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{ ويجب تقديم من قدمه الله ورسوله، ولو كان بخلاف شرط الواقف. واختار هو وجمع تقديم الأتقى على الأشرف ويقدم الأورع والأعمر للمسجد لأن مقصود الصلاة هو الخضوع ورجاء إجابة الدعاء. والأتقى والأورع أقرب إلى ذلك. فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة قدم فهو الأحق.

(ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه رواه مسلم) وفي لفظ "في أهله ولا سلطانه إلا بإذنه" إذا كان أهلاً للإمامة وإن كان في الحاضرين من هو أقرأ أو أفقه منه وإن كان ذو سلطان
قدم لعموم ولايته وتقدم، والحر أولى من العـبد. والمقـيم أولى من المسافر. والبصير أولى من الأعمى . والمختون أولى من الأقلف والمتوضئ أولى من المتيمم. وقيل تكره إمامة غير الأولى بدون إذنه لحديث "إذا أم القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال" ذكره أحمد بعد قوله في رسالته. ومن الحق الواجب على المسلمين أن يقدموا خيارهم وأهل الدين والأفضل منهم أهل العلم بالله الذين يخافون الله ويراقبونه.

(وللبخاري عن أبي هريرة مرفوعًا يصلون لكم) أي أئمتكم يصلون الصلاة لكم ولهم وإن كانوا أئمة جور قال شيخ الإسلام صلاة الفاسق صحيحة بلا نزاع (فإن أصابوا فلكم) أي ثواب صلاتكم ولهم ثواب صلاتهم (وإن أخطؤا) أي: ارتكبوا الخطيئة (فلكم) ثواب صلاتكم (وعليهم) خطؤهم قال ابن المنذر هذا الحديث يرد على من زعم أن خطأ الإمام يؤثر في صلاة المأموم إذا أصاب. وقال المهلب فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه. وقيل لعثمان وهو محصور إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي بنا إمام فتنة ونتحرج. فقال إن الصلاة هي أحسن ما يعمل الناس. مراده الصلاة الصحيحة، فإذا أحسنوا فأحسن معهم أي لا يضرك كونه مفتونًا بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه وإن أساؤوا فاجتنب

إساءتهم وقال الحسن صل وعليه بدعته. وفي صحيح مسلم وغيره "كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة قال: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها. فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة" وتقدم فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخروها عن وقتها وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأمورًا بالصلاة معهم فريضة. قال شيخ الإسلام وكذا عموم أحاديث الجماعة من غير فرق. والأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته. وعن مكحول عن أبي هريرة مرفوعًا "الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا" رواه أبو داود وغيره. وعن عبد الكريم البكاء قال: أدركت عشرة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم - كلهم يصلون خلف أئمة الجور. رواه البخاري في تأريخه.

وإن كان عبد الكريم لا يحتج بروايته فقد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعًا فعليًا. ولا يبعد أن يكون قوليًا على الصلاة خلف الجائرين. فثبت عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما أنهم صلوا خلف المختار. والحجاج، ومروان وغيرهم، وأجمعوا هم وتابعوهم عليه لأن أئمة تلك الأعصار في كل بلد: هم الأمراء وحالهم لا تخفى. قال النووي وغيره هو مذهب جمهور أهل العلم. وقـال الشيخ تصلى خلفهم جماعة فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقًا. هذا مذهب جماهير العلماء أحمد والشافعي وغيرهما. بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد.

ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام  الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة. والصحيح أنه يصلي ولا يعيد فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون. والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة. فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته وإنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر والنهي واجب. ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورًا لا يرتب إمامًا للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب.

وقال التحقيق أن الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين، وما روي عن جابر "ولا يؤمن فاجر مسلمًا" فواه ولا يوجب بطلان الصلاة وأما كون الصلاة خلفه مكروهة فلا نزاع في ذلك. وقال الشيخ الصلاة خلفه منهي عنها بإجماع المسلمين وقال الماوردي يحرم على الإمام نصب الفاسق إمامًا للصلوات لأنه مأمور بمراعاة المصالح وليس منها أن يوقع الناس في صلاة مكروهة، فلو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك. ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة.


وقال الحارثي يجب أن يولى في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعًا. وليس للناس أن يولى عليهم الفساق وقال الشيخ في موضع لا تصح خلف أهل الأهواء والبدع مع القدرة. وأما الجمعة والعيد فتصح للضرورة عند عامة السلف والخلف وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد تصح الجمعة والعيد خلف كل إمام برًا كان أو فاجرًا.

وأما الكافر أصليًا كان أو مرتدًا وسواء كان كفره ببدعة أو غيرها ولو أسره فلا تصح خلفه. كما أنها لا تصح صلاته لنفسه ولكن لا يحكم بكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر مخالفها. والأفعال والأقوال في ذلك سواء. فقد يكون لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها. وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها وتصح خلف من لا يعرفه بكفر لأن الأصل في المسلمين السلامة. وقال ويجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقًا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم. وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقده بل يصلي خلف مستور الحال وتصح خلف المخالف في الفروع كما يرى صحة النكاح بغير ولي أو شهادة لفعل الصحابة ومن بعدهم. قال المجد من قال لا تصح خلفه فقد خرق إجماع من تقدم من الصحابة فمن بعدهم. وقال شيخ الإسلام تجوز صلاة أهل المذاهب بعضهم خلف بعض كما كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وغيرهم يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم فيمن تقيأ أو مس ذكره ونحوه أو لم يتشهد أو لم يسلم ونحوه. والمأموم يعتقد وجوب ذلك.

ولم يقل أحد من السلف أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. وكل ما لا يقطع فيه بخطأ المخالف. وأما ما يقطع فيه بخطأ المخالف فتحرم. وهو الذي تدل عليه السنة والآثار وقياس الأصول. وقال اتفق المسلمون على أن من ترك الأركان المتفق عليها لم يصل خلفه. وقال الآجري وغيره إجماعًا لأمره عليه الصلاة والسلام تارك الطمأنينة بالإعادة قاله البغوي وغيره.

وفي الحديث دليل على أنه إذا صلى بقومه محدثًا أنها تصلح صلاة المأموم وذلك ما لم يعلم حدث إمامه وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور السلف والخلف. ويعيد الإمام وحده وصح من حديث أبي بكرة "أنه دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم وقال إنما أنا بشـر وإني كنت جنبًا" وصح عن عمر أنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرن فاهراق الماء فوجد في ثوبه احتلامًا فأعاد ولم يعد الناس. ونحوه عن عثمان وعلي وابن عمر وهذا في محل الشهرة فلم ينكر فكان إجماعًا. قال الشيخ وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين فإنهم صلوا بالناس ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة فأعادوا ولم يأمروا الناس بالإعادة.


وقال: الناس في انعقاد صلاة المأموم بصلاة الإمام على ثلاثة أقوال أحدها أنه لا ارتباط بينهما. والثاني أنها منعقدة بها مطلقًا. والثالث أنها منعقدة بها لكن إنما يسري النقص إلى صلاة المأموم مع عدم العذر. فأما مع العذر فلا يسري النقص. فإذا كان الإمام يعتقد طهارته فهو معذور في الإمامة والمؤتم معذور في الائتمام وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما وعليه يتنزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة وهو أوسط الأقوال.

ويدل على صحته ما في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - قال: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم" فهذا نص في أن درك خطئه عليه لا على المأموم وإن علم حدثه لم تصح لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة فأشبه المتلاعب. ولكونه لا صلاة له في نفسه فيعيد من خلفه. وقال غير واحد أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف محدث علم حدثه. وإن علم الإمام أو المأموم في الصلاة فقـال أحمد يعجبني أن يبتدؤا الصلاة. وعنه يبني المأموم وهو مذهب مالك والشافعي. وقالت الحنفية واختلفت الصحابة في ذلك فيصار للقياس وهو ظاهر. وعن أحمد يستخلف الإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي والدليل على ثبوت الاستخلاف شرعًا إجماع الصحابة وقصة عمر مشهورة. وعلي رعف فأخذ بيد رجل فقدمه وانصرف رواه سعيد.

(ولهما عن جابر كان معاذ يصلي مع النبي – صلى الله عليه و سلم - العشاء) يعني الآخر (ثم يصلي بقومه) ولفظه "ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم (تلك الصلاة) زاد الشافعي والدارقطني هي له تطوع ولهم مكتوبة وصححها الحافظ وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وصلاة معاذ بهم مستفيضة وقال الحافظ يصلي معه ثلاثون عقبيًا وأربعون بدريًا. وكذا قال ابن حزم ولا نحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو الدرداء وغيرهم. ويشهد له صلاته – صلى الله عليه و سلم - بالطائفة الثانية في صلاة الخوف ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال المعهودة وتصحان جماعة وفرادى فصح بناء إحداهما على الأخرى واختاره الموفق وشيخنا والشيخ وغيره وقال والذين منعوا ذلك ليس لهم حجة مستقيمة فإنهم احتجوا بلفظ لا يدل على محل النزاع كقوله "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" وبأن "الإمام ضامن" وليس في هذين ما يـدفع تلك الحجج. والاختلاف المراد به الاختلاف في الأفعال كما جاء مفسرًا.

وكذا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر وغيرها واختاره وهي فرع على ائتمام المفترض بالمتنفل بل هنا أولى لصحة الظهر خلف من يصلي الجمعة. وأما النفل خلف الفرض فيصح إجماعًا لقوله "من يتصدق على هذا" وقوله "فصليا معهم فإنها لكما نافلة" ولأن في نية الإمام ما في نية المأموم وهو نية التقرب وزيادة. وهي الوجوب فلا منع بوجه من الوجوه.





(وفي السنن) من غير وجه منها عن عبد الله بن عمرو ابن العاص (أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - قال: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة .رجل أم قومًا وهم له كارهون" الحديث) قال الشيخ أتى بواجب ومحرم فقاوم صلاته فلم تقبل إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها. وتمام الحديث "ورجل أتى الصلاة دبارًا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ورجل اعتبد محرره. رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وفي إسناده الزيلعي.

وعن أبي أمامة بلفظ "لا تجاوز صلاتهم آذانهم" وذكر "الآبق حتى يرجع. وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط. وإمام قوم وهم له كارهون" (حسنه الترمذي) وفي إسناده. أبو غالب الراسبي. وللترمذي عن أنس بلفظ "لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبدل الآبق برجل سمع حي على الفلاح فلم يجب" ولابن ماجه من حديث ابن عباس "لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا. رجل أم قومًا وهم له كارهون" وحسنه العراقي ولها شواهد تنتهض للاستدلال على تحريم أو كراهة إمامة من يكرهون بحق.

قال الخطابي والبغوي وغيرهما إذا كرهوه لمعنى مذموم كوال ظالم. أو من تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها. ولا يتصون من النجاسات. أو يمحق هيئات الصلاة. أو يتعاطى معيشة مذمومة. أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم. فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة. والعتب على من كرهه.

وقال الشيخ إذا كانوا يكرهونه لأمر في دينه مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك. ويحبون آخر أصلح منه في دينه مثل أن يكون أصدق أو أعلم أو أدين فإنه يجب أن يولى عليهم هذا الذي يحبونه. وليس لذلك الرجل الذي يكرهونه أن يؤمهم كما في الحديث عنه –r- إنه قال: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم أذانهم. رجل أم قومًا وهم له كارهون. ورجل لا يأتي الصلاة إلا دبارًا. ورجل اعتبد محرره".

وقال أيضًا إذا كان بينهم معاداة مثل جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب لم ينبغ أن يؤمهم لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف . وقال عليه الصلاة والسلام "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" وقال القاضي المستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه ولا يكره الائتمام به. إن لم يشوش عليه باله لأن الكراهة في حق الإمام.