el bassaire

jeudi 31 janvier 2013

شروط الخطبة


شروط الخطبةج7
كونها باللغة العربية

اتفق الفقهاء كما هو واضح من كلامهم الآتي على أن الأولى أن تكون الخطبة باللغة العربية، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك باستثناء قراءة القرآن فيها عند من يقول بأنها ركن كما سيأتي، وهذا الخلاف على ثلاثة أقوال.

القول الأول: يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها، إلا إذا كان السامعون جميعا لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم، وهذا الوجه الصحيح عند الشافعية (1) وبه قال بعض الحنابلة (2)
القول الثاني: يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية.، وبهذا قال المالكية  (3) وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة (4)
القول الثالث: يستحب أن تكون بالعربية، وهذا هو الظاهر من إطلاق الحنفية لجواز الخطبة بغير العربية  وهو وجه عند الشافعية

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول:
أولا: استدلوا على عدم الجواز مع القدرة على العربية بما يلي:
القياس على قراءة القرآن، فكما أنها لا تجزئ بغير العربية، فكذلك خطبة الجمعة  (7)

مناقشة هذا الدليل: يناقش بما نقله في الفروع عن القاضي (8) وهو قوله: " إن لفظ القرآن دليل النبوة وعلامة الرسالة ولا يحصل بالعجمية، والخطبة المقصود بها الوعظ والتذكير وحمد الله والصلاة على رسوله، ولأن القرآن الاعتبار فيه باللفظ والنظم دون المعنى، والخطبة يجزئ فيها المعنى " (9).

ثانيا: واستدلوا على الجواز مع عدم القدرة على العربية بما يلي:
أن المقصود بالخطبة الوعظ والتذكير، وذلك يحصل بغير العربية (10)

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه إذا كان هذا هو المقصود فإنها تجوز مع القدرة إذا كان المستمعون لا يعرفون العربية، فيكون الدليل حجة عليهم.

أدلة أصحاب القول الثاني:  استدلوا بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول.

أولا: من السنة:  ما رواه مالك بن الحويرث  أن رسول الله صلى الله عليه و سلم  قال: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي  (11) (12) (13)
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالصلاة كما صلى، وقد كان يخطب باللغة العربية، فيجب أن نفعل كما فعل.
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الخطبة ليست من الصلاة، كما أن الاستدلال بهذا الحديث على الوجوب محل نظر كما تقدم أكثر من مرة.

ثانيا: من الآثار: أن السلف والخلف كانوا يخطبون بالعربية، فيجب اتباعهم في ذلك (14).

ثالثا: من المعقول: أن الخطبة ذكر مفروض، فشرط فيه العربية، كالتشهد، وتكبيرة الإحرام (15).

مناقشة هذا الدليل: يناقش بالفرق بين الخطبة وبين التشهد وتكبيرة الإحرام، حيث لم ترد الخطبة بلفظ مخصوص، بل المقصود حصول الوعظ بأي لفظ كان، بخلاف التشهد وتكبيرة الإحرام، والله أعلم.

دليل أصحاب القول الثالث:
أن المقصود هو الوعظ، وهو حاصل بكل اللغات (16).

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن حصوله باللغة العربية أبلغ وأكثر فائدة وتأثيرا، ولذلك اختارها الله - تعالى - لكتابه وشرعه، وهي التي كان يخطب بها الرسول صلى الله عليه و سلم وخلفاؤه والمسلمون من بعدهم، فهي المتعينة، والله أعلم.

الترجيح:
الذي يظهر في هذه المسألة بعد التأمل في الأقوال وأدلتها - والله أعلم بالصواب - هو رجحان القول باشتراط أن تكون خطبة الجمعة باللغة العربية، لكن إن كان جميع الحاضرين لا يعرفونها، فإن للإمام بعد أن يأتي بها باللغة العربية أن يأتي بها بلغتهم، لما استدل به أصحاب القولين الأول والثاني من الأدلة، ولأن في ذلك خروجا من الخلاف وتحقيقا للمقصود، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ محمد (17) بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - (18) واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة (19) واختار فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - القول الأول  (20)

1 ينظر: حلية العلماء 2/279 ، والمجموع 4/521 - 522 ، وروضة الطالبين 2/26 ، 30 ، مغني المحتاج 1/286 لكنهم قيدوا الجواز إذا كان السامعون لا يعرفون العربية بمدة التعلم ، أي حتى يتعلموا اللغة العربية.
 2 ينظر: الفروع 2/113 ، 117.
 3 ينظر: الفواكه الدواني 1/306 ، بلغة السالك والشرح الصغير بهامشه 1/178.
 4 ينظر: الفروع 2/113 ، والإنصاف 2/390 ، والمبدع 2/159 ، وكشاف القناع 2/34.
 5 ينظر: مراقي الفلاح ص (102).
 6 ينظر: المجموع 4/522 ، وروضة الطالبين 2/26.
7 ينظر: الفروع 2/113 ، والمبدع 2/159 ، وكشاف القناع 2/34.
8 المقصود به عند الإطلاق إلى أثناء المائة الثامنة كما هنا حسب ما ذكره ابن بدران في المدخل ص (204) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الحنبلي ، البغدادي ، المعروف بأبي يعلى ، شيخ الحنابلة وإمامهم في عصره ، تفقه على ابن حامد وغيره ، وصنف مصنفات منها: العدة في أصول الفقه ، والأحكام السلطانية ، وتوفي سنة 447 هـ. (ينظر: طبقات الحنابلة 2/193 ، والمنهج الأحمد 2/105).
 9 الفروع 2/113.
 10 ينظر: كشاف القناع 2/34.
11 البخاري الأذان (605) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، الترمذي الصلاة (205) ، النسائي الأذان (635) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، أحمد (5/53) ، الدارمي الصلاة (1253).
 12 تقدم تخريجه ص (32).
 13 استدل به النووي في المجموع 4/522.
14 ينظر: مغني المحتاج 1/286.
 15 ينظر: المجموع 4/521 - 522 ، ومغني المحتاج 1/286.
 16 ينظر: المجموع 4/522.
17 هو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مفتي المملكة العربية السعودية في وقته ، ولد في الرياض عام 1311هـ ، وتعلم فيها ، وفقد بصره وهو صغير فتابع الدراسة وحفظ كتاب الله ومتون العلم ، ثم تصدر للإفتاء وعين مفتيا للملكة ، ثم رئيسا للجامعة الإسلامية ، وللمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ، ولتعليم البنات ، أملى من تأليفه عددا من الكتب منها: تحكيم القوانين ، والجواب المستقيم ، وتوفي في الرياض عام 1389 هـ. (ينظر: مشاهير علماء نجد ص (169 - 184) ، والأعلام (5/306).
 18 فتاوى ورسائل سماحته 3/19.
 19 مجلة البحوث الإسلامية ، العدد (15) ، ص (84).
 20 ينظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/78.

باب صلاة التطوع


باب صلاة التطوع

 

قال أبو العباس: التطوع تكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن أتمها (1) وفيه حديث مرفوع (2) وكذلك الزكاة وبقية الأعمال، وأفضل التطوع الجهاد، ثم توابعه من نفقة فيه وغيرها، ثم تعلم العلم وتعليمه، قال أبو الدرداء: العالم والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس همج لا خير فيهم. وعن أحمد طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته وقال: تذاكر بعض ليلة أحب إلي من إحيائها. وقال: يجب أن يطلب الرجل من العلم ما يقوم به دينه، قيل له مثل أي شيء ؟ قال: الذي لا يمنعه جهله صلاته وصومه ونحو ذلك. ثم بعد ذلك الصلاة لحديث: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" (3) ثم بعد ذلك ما يتعدى نفعه من عيادة مريض أو قضاء حاجة مسلم، أو إصلاح بين الناس لقوله r "ألا أخبركم بخير أعمالكم وبأفضل من درجة الصوم والصلاة ؟ إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة" ((4) . صححه الترمذي.

وقال أحمد: اتباع الجنازة أفضل من الصلاة وما يتعدى نفعه يتفاوت، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق، وهو أفضل من صدقة على أجنبي إلا زمن مجاعة، ثم حج. وعن أنس مرفوعا: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" (5) قال الترمذي: حسن غريب. قال الشيخ: تعلم العلم وتعليمه يدخل في الجهاد وإنه نوع منه وقال استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسه وماله.

وعن أحمد: ليس يشبه الحج شيء للتعب الذي فيه ولتلك المشاعر وفيه مشهد ليس في الإسلام مثله عشيه عرفة وفيه إنهاك المال والبدن. وعن أبي أمامة "أن رجلا سأل النبي  أي الأعمال أفضل ؟ قال: " عليك بالصوم فإنه لا مثل له"(6) رواه أحمد وغيره بسند حسن. وقال الشيخ قد يكون كل واحد أفضل في حال لفعل النبي  وخلفائه بحسب الحاجة والمصلحة. ومثله قول أحمد: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله. ورجح أحمد فضيلة الفكر على الصلاة والصدقة. فقد يتوجه منه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح وأن مراد الأصحاب عمل الجوارح ويؤيده حديث: "أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله" (7) . وحديث: "أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله" (8)

وآكد التطوع الكسوف (9) ثم الوتر ثم سنة الفجر، ثم سنة المغرب، ثم بقية الرواتب، ووقت صلاة الوتر بعد العشاء إلى طلوع الفجر والأفضل آخر الليل لمن وثق بقيامه، وإلا أوتر قبل أن يرقد، وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، والأفضل أن يسلم من ركعتين ثم يوتر بركعة وإن فعل غير ذلك مما صح عن النبي فحسن، وأدنى الكمال ثلاث، والأفضل بسلامين ويجوز بسلام واحد، ويجوز كالمغرب.

والسنن الراتبة عشر، وفعلها في البيت أفضل وهي: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتا الفجر.
ويخفف ركعتي الفجر ويقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، أو يقرأ في الأولى بقوله تعالى  (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا)  (10) الآية، التي في البقرة، وفي الثانية: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"  (11) الآية وله فعلها راكبا.

ولا سنة للجمعة قبلها، وبعدها ركعتان أو أربع، وتجزئ السنة عن تحية المسجد، ويسن له الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام لحديث معاوية، ومن فاته شيء منها استحب له قضاؤه، ويستحب أن يتنفل بين الأذان والإقامة.

والتراويح سنة سنها رسول الله r وفعلها جماعة أفضل ويجهر الإمام بالقراءة لنقل الخلف عن السلف ويسلم من كل ركعتين لحديث: "صلاة الليل مثنى مثنى" (12). ووقتها بعد العشاء وسنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر ويوتر بعدها، فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده لقوله r اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا} (13) فإن أحب من له تهجد متابعة الإمام قام إذا سلم الإمام فجاء بركعة لقوله r من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة} (14)  صححه الترمذي.

ويستحب حفظ القرآن إجماعا وهو أفضل من سائر الذكر ويجب منه ما يجب في الصلاة (15)  ويبدئ الصبي وليه به قبل العلم إلا أن يعسر، ويسن ختمه في كل أسبوع وفيما دونه أحيانا، ويحرم تأخير القراءة إن خاف نسيانه، ويتعوذ قبل القراءة، ويحرص على الإخلاص ودفع ما يضاده، ويختم في الشتاء أول الليل وفي الصيف أول النهار. قال طلحة ابن مصرف: أدركت أهل الخير من هذه الأمة يستحبون ذلك يقولون إذا ختم أول النهار: صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم أول الليل: صلت عليه الملائكة حتى يصبح (16) رواه الدارمي عن سعد بن أبي وقاص إسناده حسن. ويحسن صوته بالقرآن ويرتله، ويقرأ بحزن وتدبر ويسأل الله تعالى عند آية الرحمة، ويتعوذ عند آية العذاب ولا يجهر بين مصلين أو نيام أو تالين جهرا بحيث يؤذيهم، ولا بأس بالقراءة قائما وقاعدا ومضطجعا وراكبا وماشيا.

ولا تكره في الطريق ولا مع حدث أصغر؛ وتكره في المواضع القذرة؛ ويستحب الاجتماع لها والاستماع للقارئ، ولا يتحدث عندها بما لا فائدة فيه. وكره أحمد السرعة في القراءة وكره قراءة الألحان وهو الذي يشبه الغناء، ولا يكره الترجيع، ومن قال في قرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب.

ولا يجوز للمحدث مس المصحف وله حمله بعلاقة أو في خرج فيه متاع وفي كمه وله تصفحه بعود ونحوه وله مس تفسير وكتب فيها قرآن، ويجوز للمحدث كتابته من غير مس وأخذ الأجرة على نسخه ويجوز كسيه الحرير ولا يجوز استدباره أو مد الرجل إليه ونحو ذلك مما فيه ترك تعظيمه، ويكره تحليته بذهب أو فضة وكتابة الأعشار وأسماء السور وعدد الآيات وغير ذلك مما لم يكن على عهد الصحابة.
ويحرم أن يكتب القرآن أو شيء فيه ذكر الله بغير طاهر فإن كتب به أو عليه وجب غسله، وإن بلى المصحف أو اندرس دفن لأن عثمان t دفن المصاحف بين القبر والمنبر.

وتستحب النوافل المطلقة في جميع الأوقات إلا في أوقات النهي. وصلاة الليل مرغب فيها وهي أفضل من صلاة النهار وبعد النوم أفضل لأن الناشئة لا تكون إلا بعده فإذا استيقظ ذكر الله تعالى وقال ما ورد، ومنه: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله )} (17)  ثم إن قال: ( اللهم اغفر لي ) (18) أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته، ثم يقول: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره} (19) ثم يستاك، فإذا قام إلى الصلاة فإن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة، وإن شاء بغيره كقوله: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والساعة حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا قوة إلا بك} (20) وإن شاء قال: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.(21)

ويسن أن يستفتح تهجده بركعتين خفيفتين وأن يكون له تطوع يداوم عليه وإذا فاته قضاه.

ويستحب أن يقول عند الصباح والمساء ما ورد وكذلك عند النوم والانتباه ودخول المنزل والخروج منه وغير ذلك، والتطوع في البيت أفضل وكذا الإسرار به إن كان مما لا تشرع له الجماعة ولا بأس بالتطوع جماعة إذا لم يتخذ عادة. ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه، ومن فاته تهجده قضاه قبل الظهر ولا يصح التطوع من مضطجع.

وتسن صلاة الضحى، ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، وفعلها إذا اشتد الحر أفضل وهي ركعتان وإن زاد فحسن.

وتسن صلاة الاستخارة، إذا هم بأمر فيركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب؛ اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر    -ويسميه بعينه- خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري "عاجله وآجله" فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به}.(22) ثم يستشير ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الفعل أو الترك.

وتسن تحية المسجد وسنة الوضوء وإحياء ما بين العشاءين، وسجدة التلاوة سنة مؤكدة وليست بواجبة لقول عمر: " من سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه " رواه مالك في الموطأ. وتسن للمستمع، والراكب يومئ بسجوده حيث كان وجهه والماشي يسجد بالأرض مستقبل القبلة ولا يسجد السامع. لما روي عن الصحابة. وقال ابن مسعود للقارئ وهو غلام: اسجد فإنك إمامنا.

وتستحب سجدة الشكر عند نعمة ظاهرة عامة أو أمر يخصه، ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا. (23) .

وأوقات النهي خمسة: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب وبعد ذلك حتى تغرب. ويجوز قضاء الفرائض فيها وفعل المنذورات وركعتي الطواف وإعادة جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد وتفعل صلاة الجنازة في الوقتين الطويلين.

1/ ولهذا لا ينبغي للإنسان ترك ما شرعه الله من النوافل فإنها تكمل الفرائض كالصلاة والصيام وغير ذلك فإن تركها متهاونا بها راغبا عنها خيف عليه من الإثم لرغبته عن السنة بل صرح غير واحد من العلماء أن تارك الوتر فاسق إذا داوم على تركه.
2/ رواه أحمد في المسند.
3/ ابن ماجه الطهارة وسننها (277)، أحمد (5/282)، الدارمي الطهارة (655).
4 الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2509)، أبو داود الأدب (4919)، أحمد (6/445).
5/ الترمذي العلم (2647).
6/ النسائي الصيام (2222)، أحمد (5/249).
7/ أبو داود السنة (4599).
8/ أحمد (4/286).
9/ قال في الإقناع أصل هذا الكتاب: وآكد صلاة التطوع صلاة الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر. وكذلك في الزاد وغيره فيحتمل أن هذه الزيادة سقطت من النسخ المطبوعة.
10/ سورة البقرة آية : 136.
11/ سورة آل عمران آية : 64
12 البخاري الجمعة (946)، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749)، الترمذي الصلاة (461)، النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694)، أبو داود الصلاة (1421)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175)، أحمد (2/78)، مالك النداء للصلاة (269)، الدارمي الصلاة (1458).
13 البخاري الجمعة (953)، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (751)، الترمذي الصلاة (461)، أبو داود الصلاة (1438)، أحمد (2/20).
14 الترمذي الصوم (806)، النسائي السهو (1364)، أبو داود الصلاة (1375)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1327)، أحمد (5/160)، الدارمي الصوم (1777).
15 وهو الفاتحة على المشهور أو الفاتحة وسورة على مقابله.
16 الدارمي فضائل القرآن (3483).
17 البخاري الأذان (808)، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593)، النسائي السهو (1341)، أبو داود الصلاة (1505)، أحمد (4/247)، الدارمي الصلاة (1349).
18 البخاري الأذان (761)، مسلم الصلاة (484)، النسائي التطبيق (1122)، أبو داود الصلاة (877)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (889)، أحمد (6/190).
19 أبو داود الأدب (5061).
20 البخاري الجمعة (1069)، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (769)، الترمذي الدعوات (3418)، النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1619)، أبو داود الصلاة (771)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1355)، أحمد (1/358)، مالك النداء للصلاة (500)، الدارمي الصلاة (1486).
21 مسلم صلاة المسافرين وقصرها (770)، الترمذي الدعوات (3420)، النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1625)، أبو داود الصلاة (767)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1357)، أحمد (6/156).
22 البخاري الجمعة (1113)، الترمذي الصلاة (480)، النسائي النكاح (3253)، أبو داود الصلاة (1538)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383)، أحمد (3/344).
23 الترمذي الدعوات (3431).


الواجبات التي تسقط سهوا




والواجبات التي تسقط سهوا ثمانية: التكبيرات غير الأولى (1) والتسميع للإمام والمنفرد والتحميد للكل وتسبيح ركوع وسجود وقول رب اغفر لي والتشهد الأول والجلوس له وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال.

فسنن الأقوال سبع عشرة: الاستفتاح والتعوذ والبسملة والتأمين وقراءة السورة في الأوليين وفي صلاة الفجر والجمعة والعيد والتطوع كله والجهر و الإخفات وقول ملء السماء والأرض إلى آخره وما زاد على المرة في تسبيح ركوع وسجود وقول رب اغفر لي والتعوذ في التشهد الأخير والصلاة على آل النبي (ص) والبركة عليه وعليهم.

 وما سوى ذلك فسنن أفعال مثل: كون الأصابع مضمومة مبسوطة مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه وحطهما عقب ذلك، وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته والنظر إلى موضع سجوده (2)  وتفريقه بين قدميه في قيامه ومراوحته بينهما وترتيل القراءة والتخفيف للإمام وكون الأولى أطول من الثانية وقبض ركبتيه مفرجتي الأصابع في الركوع ومد ظهره مستويا وجعل رأسه حياله ومجافاة عضديه عن جنبيه ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده ورفع يديه قبلهما في القيام وتمكين جبهته وأنفه من الأرض ومجافاة عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه وإقامة قدميه وجعل بطون أصابعهما إلى الأرض مفرقة ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة ومباشرة المصلي بيديه وجبهته وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه معتمدا بيديه على فخذيه والافتراش في الجلوس بين السجدتين والتشهد الأول والتورك في الثاني ووضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى وتحليق إبهامها مع الوسطى والإشارة بسبابتها والالتفات يمينا وشمالا في تسليمه وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات.

سجود السهو

وأما سجود السهو فقال أحمد يحفظ فيه عن النبي خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من الثنتين فلم يتشهد. قال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة، يعني حديثي ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة وابن بحينة، وسجود السهو يشرع للزيادة والنقص وشك في فرض ونفل إلا أن يكثر فيصير كوسواس فيطرحه. وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة، فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو ركوعا أو سجودا أو قعودا عمدا بطلت، وسهوا يسجد لقوله  ذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين  (3)  رواه مسلم. ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، وإن زاد ركعة قطع متى ذكر وبنى على فعله قبلها ولا يتشهد إن كان قد تشهد ثم سجد وسلم. ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق، ولا يدخل معه من علم أنها زائدة، وان كان إماما أو منفردا فنبهه اثنان لزمه الرجوع، ولا يرجع إن نبهه واحد إلا أن يتيقن صوابه لأنه r لم يرجع إلى قول ذي اليدين.

من شك في عدد الركعات


ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه، ولو أدرك الإمام راكعا وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة. وإذا بنى على اليقين أدى بما بقى ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه ويسجد للسهو، وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه بعد سجوده. ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوا ولسهوه معه وفيما انفرد به ومحله قبل السلام إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران وذي اليدين وإلا فيما إذ بنى على غالب ظنه إن قلنا به فيسجد ندبا بعد السلام لحديث علي وابن مسعود، وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل، وسجود السهو وما يقول فيه وبعد رفعه كسجود الصلاة.


1 أي تكبيرة الإحرام فإنها ركن غير تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعا فهي سنة للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام.
2/ قال في المبدع: وفي حالة إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته لخبر ابن الزبير، وصفته تجاه الكعبة فإنه ينظر إليها كذا قال، والله أعلم.
3/ البخاري الصلاة (392)، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (572)، النسائي السهو (1244)، أبو داود الصلاة (1020)، أحمد (1/379).







lundi 28 janvier 2013

أسباب النجاة من عذاب القبر

من منا يسمع عن أهوال القبور وعذاب البرزخ ثم لا يستعيذ بربّه منه أو يسأله الخلاص والنجاة؟ وأينا لم تأته أنباء المؤمنين والصالحين بعد مفارقتهم للدنيا وتنعهّمهم في قبورهم ودوام قولهم فيها: "رب أقم الساعة" ثم لا تطمح نفسه أن يتشرّف بالدخول في جملتهم أو يلحقه ربّه في زمرتهم؟ ومن الذي لا يرجو أن يكون آمناً في قبره راضياً فيه مستأنساً بمسامرة عمله الصالح له كما صحّ بذلك الحديث؟
إلا إن للنجاة أسباباً من أتى بها وحرص على فعلها كُتبت له السعادة في قبره، ورُجي له الأمن من فتنته، ومن تجنّبها خُشي عليه ألا ينجو من العذاب، ومعالم الخلاص مبثوثة في الوحيين ينبغي للمؤمن أن يتتبعها ويستقصيها ثم يعمل بمقتضاها، وهي –كما يقول الإمام ابن القيم– على نوعين: أسبابٌ عامّة، وأسبابٌ خاصّة، وسوف نشرع بحول الله وقوته في بيانها فنقول:

هناك أسبابٌ تقتضي بعمومها الوقاية من عذاب القبر، كدوام تذكّر الموت ومحاسبة النفس، ومؤدّى ذلك: الاستقامة على طريق الحق وتجنّب مسبّبات العذاب، والإكثار من الأعمال الصالحة بأنواعها، ومما ورد في هذا الشأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل..) الحديث رواه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني.

وثمّة في المقابل جملةٌ من الأسباب الخاصة التي دلّ الشارع عليها:

السبب الأوّل:الشهادة في سبيل الله: وهي من أعظم أسباب النجاة، ويدلّ عليها الحديث الذي رواه أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث سأله: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) رواه النسائي، والمعنى كما ذكر الإمام القرطبي أن الشأن عند المؤمن البذل والتسليم لله، وتوقّد الحمية لله عز وجل والتعصب له لإعلاء كلمته، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل، فأغنى ذلك عن سؤاله في قبره.

وثبت الأمن من عذاب القبر كذلك عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ) رواه الترمذي وابن ماجة.

السبب الثاني: العناية بسورة تبارك: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ( إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: {تبارك الذي بيده الملك} (الملك: 1)) رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه، وورد هذا المعنى أيضاً في حديث مرفوع ولفظه: ( هي المانعة، هي المنجية؛ تنجيه من عذاب القبر) أخرجه الترمذي، والقصد أن النجاة تكون بمداومة قراءة هذه السورة المباركة والعمل بمقتضاها، يقول الإمام السيوطي: " فعرف من مجموع الأدلة أنها تجادل عنه في القبر وفي القيامة لتدفع عنه العذاب وتدخله الجنة".

السبب الثالث:الموت بمرض البطن: ودليله ما رواه عبد الله بن يسار رحمه الله أنه قال: كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة رضي الله عنهما، فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: " ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (من يقتله بطنه، فلن يعذب في قبره)؟ فقال الآخر: بلى " رواه النسائي.
والمقتول بسبب مرض بطنه يُسمّى المبطون كما جاء في بعض الروايات، وقد بشّر صاحبه بالشهادة، وليس في السنّة تحديدٌ لماهيّة المرض أو نوعه فاحتُمل عمومه.
وهذا الفضل العظيم منحةٌ إلهيّة تُقابل الشدّة التي يلاقيها من ألمّ به ذلك المرض فكان كفّارةً لسيّئاته وأماناً له في قبره، والمرجوّ أن تكون كذلك سبباً في نجاته من عذاب الآخرة، يقول الإمام المناوي: " وإذا لم يعذب في قبره لم يعذب في غيره لأنه أول منازل الآخرة فإن كان سهلاً فما بعده أسهل".

السبب الرابع: الرباط على الثغور: فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل الميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر) رواه أبو داوود والترمذي؛ وذلك لأن المرابط ينتظر صيحة العدو يومه وليلته، في موضع يشتدّ الخوف فيه ويقترب فيه من المنيّة، فكان له مثل فضل المقاتل في سبيل الله الشهيد في ساحات المعارك، فينجو من فتنة القبر.

السبب الخامس: الموت يوم الجمعة: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ) رواه أحمد في مسنده ورواه الترمذي، والحديث يدل على أن شرف الزمان له تأثير عظيم.

السبب السادس: الاستعاذة بالله من فتنة القبر وعذاب القبر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال )، رواه مسلم، ومعلومٌ أن الدعاء من العبادات العظيمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، والمداومة عليه أرجى للإجابة، فكان هذا الدعاء الجليل من أسباب النجاة من عذاب القبر من هذا الوجه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن تلقّته الملائكة قائلةً له: { ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} (فصّلت:30).

الأرواح في البرزخ ... تزاورٌ وتلاقي

"ليس سرور يعدل لقاء الإخوان، ولا غم يعدل فراقهم" هكذا وصف أسلافنا شوق الأخ لأخيه ولهفته للجلوس معه ومنادمته، ولم يبتعدوا في وصفهم عن الحقيقة، فما من أحدٍ إلا ويجد في مجالسة الأحباب والخلاّن لذّة وأنساً لا يجده في متع الحياة الأخرى، فهو الشراب الطهور الذي يروي ظمأ النفوس، والبلسم الشافي لمتاعب الكدّ والعمل، والمنُسي لجراحات الروح، ولولا هذه اللقاءات وتلك المجالس ما قوي أحدٌ على تحمّل المشاقّ والمصاعب.

وتلك نعمةٌ منّ الله بها على البشريّة عموماً وعلى المؤمنين خصوصاً، ولا يقدر هذه النعمة قدرها إلا من فقدها، وإذا كان الوصالُ مكتوباً ومقدوراً على الناس في الدنيا، فكيف الحال بعد الموت؟ وهل كتب الله التلاقي والتزاور، والحوار والحديث، بين الأرواح في المرحلة البرزخيّة؟

لا شكّ أن إثبات هذه القضيّة الغيبيّة أو نفيها لا يمكن أن تكون وسيلته هي العقل المجرد، وإنما مردّ ذلك إلى النصّ الشرعي؛ لأن المسألة خبرٌ من الأخبار عن عالمٍ ليس للبشريّة قدرة على إدراكه أو استنتاجه، وسوف نستعرض في ما يلي ما ورد من أدلّة شرعيّة حول هذه ا لقضية .

إننا نجد أن عدداً من العلماء أثبتوا للأرواح نوعاً من اللقاء والحديث وفق ما تقتضيه النصوص الشرعيّة الصحيحة، ومن جملة هؤلاء العلماء: الإمام القرطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والسيوطي، والآلوسي، مبيّنين الفرق بين المؤمنين والكافرين في أحوال لقاءاتهم وحدودها.

وقد استدلّ العلماء بحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم، ما رأى أحدهم صاحبه قط) رواه أحمد، ورأوا أن الحديث السابق يُثبت أصل اللقاء.

وثمّة عددٌ آخر من الأحاديث الصحيحة التي تنصّ على حصول اللقاء بين أرواح المؤمنين وفرحهم به، كما تذكر طرفاً من أحاديثهم على وجه التفصيل، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار) رواه النسائي في السنن.

وعنه رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا: أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانا قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا) رواه البزار، فالحديث يبيّن سؤال أرواح المؤمنين الذين ماتوا في السابق للروح الصاعدة عن أحوال أهل الأرض ومن مات منهم ومن بقي، ويعلمون أن بعضهم قد ذُهب به إلى العذاب.

وقريبٌ منه حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن نفس المؤمن إذا مات يتلقى أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا، فيقولون: انظروا صاحبكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد. ثم يسألونه ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن أحد قد مات قبله قال: هيهات قد مات ذاك قبلي، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية)رواه الطبراني وصححه الألباني.

ولأبي قتادة رضي الله عنه حديثٌ يدلّ على ما هو أكثر من اللقاء الأوليّ الحاصل بين الأرواح الحديثة والأرواح السابقة، فيه إثباتٌ للتزاور الحاصل بين تلك الأرواح، ونصّ الحديث مرفوعاً: ( إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في أكفانهم) رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني بمجموع طرقه.

وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرت بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن الروح لتلقى الروح) رواه أحمد، إلا أن الحديث لا يخلو من كلام في سنده وفي متنه.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإن بين يدينا أدلّة صحيحة غير صريحة قد يُفهم منها ثبوت التزاور والتلاقي، منها قوله تعالى: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} (النساء:69)، وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتواتر: (المرء مع من أحب)، فهذه المعيّة مجملةٌ قد يكون من دلالاتها المعيّة في الحياة البرزخيّة، كما قال الإمام ابن القيم: "وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي الدار البرزخ وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة".

ويستدلّ الإمام ابن القيم على مسألتنا بقوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون*يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} (آل عمران:169-171) فيقول: "وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل. وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أنهم عند ربهم يرزقون، وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون، الثاني: أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم ولقائهم لهم، الثالث: أن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا، مثل: يتباشرون".

وثمّة آثار عن الصحابة تدلّ على اعتقاد عددٍ من الصحابة والتابعين بحصول اللقاء بين أرواح المؤمنين، فيها ما هو صريحٌ في دلالته وفيها ما هو محتمل، منها من ذُكر عن محمد بن المنكدر أنه دخل على جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو في النزع الأخير، فقال له: " أقرئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني السلام "رواه أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه، وتنسب كتب التاريخ لصحابيين جليلين قولهما في لحظات الحياة الأخيرة: " اليوم ألقى الأحبة، محمدًا وحزبه"، وهما عمار بن ياسر وأبو هريرة رضي الله عنهما، الأمر الذي قد يشير إلى أنهما قد استقرّ عندهما مسألة تزاور الموتى وتلاقيهم في حياة البرزخ.

وقد تواترت رؤى الصالحين التي تفيد حصول التزاور، ويذكر الإمام ابن القيم في كتابه "الروح" عدداً منها، يقول صالح بن بشير: "رأيت عطاء السلمي في النوم بعد موته، فقلت له: يرحمك الله لقد كنت طويل الحزن في الدنيا، فقال: أما والله لقد أعقبني ذلك فرحاً طويلاً وسروراً دائما، فقلت: في أي الدرجات أنت؟ قال: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين".

وقال عبد الله بن المبارك: "رأيت سفيان الثوري في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: لقيت محمداً وحزبه".

وقال صخر بن راشد: "رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت: فما صنع الله بك؟ قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب، فسألته عن سفيان الثوري فقال: بخ بخ! ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا".

وقال مسمع بن عاصم: "رأيت عاصماً الجحدري في منامى بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت: وأين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني، فنتلقى أخباركم. قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات، بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح".

وذكر ابن أبي الدنيا عن يقظة بنت راشد قالت: "كان مروان المحلمي لي جاراً، وكان قاضيا مجتهدا، فمات فوجدتُ عليه وجدا شديدا –أي حزنت عليه-، فرأيته فيما يرى النائم، قلت: أبا عبد الله ما صنع بك ربك؟ قال: أدخلني الجنة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين؟ قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى المقربين، قلت: فمن رأيت من إخوانك؟ قال: رأيت الحسن وابن سيرين وميمون".

وما تمّ ذكره من المرويّات السابقة لم يكن المقصود منه الاستدلال بها؛ فإن المنامات -كما يقول العلماء- يُستدلّ لها ولا يستدلّ بها، وإنما القصد الاستئناس بذكرها.

وصفوة القول أن النصوص الشرعيّة تؤيّد ثبوت التزاور والتلاقي بين لمؤمنين على جهة الأنس والمنادمة، أما أرواح الكفار فيحصل لها الاجتماع والتلاقي دون أن يفضي اللقاء إلى مثل هذه المنادمة، وليس هو من باب التزاور لعدم ثبوت ذلك في الخبر، وأقصى ما يمكن إثباته هو إثبات أصل اجتماع الأرواح، يدلّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي مرّ معنا من قبل، وفيه: (..يأتون به أرواح الكفار) رواه النسائي في السنن.

وتدلّنا الأحاديث التي أخبر فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- عن مشاهداته من عالم البرزخ أن أصل التلاقي موجود، بدلالة أنه يعذّبون سويّاً، فقد جاء في حديث سمرة رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام: (..فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ) رواه البخاري، ومعنى (ضوضوا): أي صاحوا، واللغط: هي الأصوات المختلطة التي لا تُفهم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟! ) رواه أحمد، وتُقرض بمعنى تُقطّع.

ثم إن أرواح الكفار هي في مقام العذاب فهي في شغلٍ شاغل عن أي شيء آخر، يقول الإمام ابن القيم: "الأرواح قسمان: أرواح معذبة، وأرواح منعمة. فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا".

وهكذا تلتقي الأرواح في حياة البرزخ وتجتمع اجتماعاً يكون على وجه النعيم أو العذاب، ويظلّون على تلك الحال في انتظار اللقاء الأكبر، حين يقول المؤمنون لبعضهم: { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق} (الأعراف:43)، وترى الظالمين موقوفين عند ربهم: {يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين*قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين*وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا} (سبأ:31-32).